المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

المبعث الشريف
4-12-2016
الخبر الحسن
11-9-2016
آلهة المياه.
2023-11-22
خصائص صناعة السياحة
3-4-2022
سعيد بن هارون
25-06-2015
الزنا
25-9-2016


صفة القتال في عاشوراء  
  
3875   05:52 مساءً   التاريخ: 18-10-2015
المؤلف : السيد محسن الامين
الكتاب أو المصدر : أعيان الشيعة
الجزء والصفحة : ج2,ص423-435
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-3-2016 3788
التاريخ: 22-11-2017 3026
التاريخ: 29-3-2016 3128
التاريخ: 28-3-2016 3457

لما أصبح الحسين (عليه السلام) عبأ أصحابه بعد صلاة الغداة وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا وقيل ثمانية وأربعون راجلا وفي رواية ثمانون راجلا وعن الباقر (عليه السلام) انهم كانوا خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل وقيل كانوا سبعين فارسا ومائة راجل فجعل زهير بن القين في الميمنة وحبيب بن مظاهر في الميسرة واعطى رايته العباس أخاه وجعلوا البيوت في ظهورهم وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت ان يترك في خندق كانوا قد حفروه هناك في ساعة من الليل وان يحرق بالنار مخافة ان يأتوهم من ورائهم فنفعهم ذلك وأصبح ابن سعد في ذلك اليوم وهو يوم الجمعة أو يوم السبت فعبأ أصحابه فجعل على ميمنته عمرو بن الحجاج وعلى ميسرته شمر بن الجوشن وعلى الخيل عزرة بن قيس وعلى الرجالة شبث بن ربعي واعطى الراية دريدا مولاه وجعل على ربع أهل المدينة عبد الله الأزدي وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن الجحفي وعلى ربع تميم وهمدان الجر بن يزيد الرياحي وأمر الحسين (عليه السلام) بفسطاط فضرب وأمر بحفنة فيها مسك كثير وجعل عندها نورة ثم دخل ليطلي فروي ان برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده فجعل برير يضاحك عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن يا برير ما هذه ساعة باطل فقال برير لقد علم قومي اني ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا وانما افعل ذلك استبشارا بما نصير إليه فوالله ما هو إلا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ثم نعلق الحور العين ثم ركب الحسين (عليه السلام) دابته ودعا بمصحف فوضعه أمامه وركب أصحاب عمر بن سعد واقبلوا يجولون حول بيوت الحسين (عليه السلام) فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان القي فيه فنادى شمر بأعلى صوته أ تعجلت النار قبل يوم القيامة فقال الحسين (عليه السلام) من هذا كأنه شمر قالوا نعم ، قال : أنت أولي بها صليا ورام مسلم بن عوسجة ان يرميه بسهم فمنعه الحسين (عليه السلام) من ذلك فقال دعني حتى ارميه فإنه الفاسق من أعداء الله  وعظماء الجبارين وقد أمكن الله منه فقال له الحسين (عليه السلام) لا ترمه فاني أكره ان ابدأهم بقتال واقبل رجل من عسكر ابن سعد يقال له ابن أبي جويرية المزنى فلما رأى النار تتقد نادى يا حسين أبشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا ثم برز تميم بن حصين الفزاري فنادى يا حسين ويا أصحاب حسين أ ما ترون ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات والله لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جرعا ولما ركب أصحاب ابن سعد قرب إلى الحسين (عليه السلام) فرسه فاستولى عليه وكان اسم فرسه اليحموم وتقدم نحو القوم في نفر من أصحابه وبين يديه برير بن خضير فقال له الحسين (عليه السلام) كلم القوم فتقدم برير فقال يا قوم اتقوا الله فان ثقل محمد (صلى الله عليه وآله) قد أصبح بين أظهركم هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوه بهم فقالوا نريد أن نمكن منهم الأمير ابن زياد فيرى رأيه فيهم فقال لهم برير أ فلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي جاءوا منه ويلكم أ نسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها يا ويلكم دعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم انكم تقتلون أنفسكم دونهم حتى إذا اتوكم أسلمتموهم وجلأتموهم عن ماء الفرات بئس ما خلفتم نبيكم في ذريته ما لكم لا سقاكم الله يوم القيامة فبئس القوم أنتم فقال له نفر منهم يا هذا ما ندري ما تقول فقال الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة اللهم إني أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم المهم الق بأسهم بينهم حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان فجعل القوم يرمونه بالسهام فرجع إلى ورائه وتقدم الحسين (عليه السلام) حتى وقف بإزاء القوم فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنهم السيل ونظر إلى ابن سعد واقفا في صناديد الكوفة فقال : الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالا بعد حال فالمغرور من غرته والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم واعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته وجنبكم رحمته فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد (صلى الله عليه وآله) ثم انكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم فتبا لكم ولما تريدون إنا لله وإنا إليه راجعون هؤلاء قوم كفروا بعد ايمانهم فبعدا للقوم الظالمين .

فقال ابن سعد ويلكم كلموه فإنه ابن أبيه والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انقطع ولما حصر فتقدم شمر فقال يا حسين ما هذا الذي تقول أفهمنا حتى نفهم فقال أقول اتقوا الله ربكم ولا تقتلوني فإنه لا يحل لكم قتلي ولا انتهاك حرمتي فاني ابن بنت نبيكم وجدتي خديجة زوجة نبيكم ولعله قد بلغكم قول نبيكم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .

قال المفيد ثم دعا الحسين (عليه السلام) براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته وكلهم أو جلهم يسمعون فقال : أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم علي وحتى اعذر إليكم فان أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم فاجمعوا أمركم ثم لا يكن امركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون ان وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ثم حمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) وعلى ملائكته وأنبيائه فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه ثم قال اما بعد فانسبوني فانظروا من انا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلح ويحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي أ لست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق برسول الله (صلى الله عليه وآله) وبما جاء به من عند ربه أ وليس حمزة سيد الشهداء عمي أ وليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي أ ولم يبلغكم ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي ولأخي هذان سيدا شباب أهل الجنة فان صدقتموني بما أقول وهو الحق والله ما تعمدت كذبا مذ علمت أن الله يمقت عليه أهله وإن كذبتموني فان فيكم من إذا سألتموه عن ذلك أخبركم سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم انهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي ولأخي أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي فقال له شمر بن ذي الجوشن هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول ، فقال له حبيب بن مظاهر والله اني لا أراك تعبد الله على سبعين حرفا وانا أشهد انك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك ، ثم قال لهم الحسين (عليه السلام) فان كنتم في شك من هذا أ فتشكون في اني ابن بنت نبيكم فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم ، ويحكم أ تطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص من جراحة . فاخذوا لا يكلمونه فنادى يا شبث بن ربعي ويا حجار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد بن الحارث أ لم تكتبوا إلي ان قد أينعت الثمار واخضرت الجنان وانما تقدم على جند لك مجند فقال له قيس بن الأشعث ما ندري ما تقول ولكن انزل على حكم بني عمك فإنهم لن يروك الا ما تحب فقال له الحسين (عليه السلام) لا والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد أو لا أقر اقرار العبيد ثم نادى يا عباد الله اني عذت بربي وربكم ان ترجمون أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ثم إنه أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها فاقبلوا يزحفون نحوه .

وقال غير المفيد انه (عليه السلام) ركب ناقته أو فرسه وخرج إلى الناس فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا حتى قال ويلكم ما عليكم ان تنصتوا لي فتسمعوا قولي وانما أدعوكم إلى سبيل الرشاد فمن أطاعني كان من المرشدين ومن عصاني كان من المهلكين وكلكم عاص لأمري غير مستمع قولي فقد ملئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم ويلكم أ لا تنصتون أ لا تسمعون فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم وقالوا انصتوا له فحمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله وصلى على محمد (صلى الله عليه وآله) وعلى الملائكة والأنبياء والرسل وأبلغ في المقال ثم قال : تبا لكم أيتها الجماعة وترحا أ حين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا لنا في ايمانكم وحششتم علينا نارا قدحناها على عدوكم وعدونا فأصبحتم إلبا على أوليائكم ويدا عليهم لأعدائكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم إلا الحرام من الدنيا أنالوكم وخسيس عيش طمعتم فيه من غير حدث منا ولا رأي تفيل لنا فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا وتركتمونا تجهزتموها والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لما يستحصف ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا وتداعيتم إليها كتداعي الفراش فسحقا لكم يا عبيد الأمة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام ومحرفي الكتاب ومطفئي السنن وقتلة أولاد الأنبياء ومبيدي عترة الأوصياء وملحقي العهار بالنسب ومؤذي المؤمنين وصراخ أئمة المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين ولبئس ما قدمت لهم أنفسهم وفي العذاب هم خالدون وأنتم ابن حرب وأشياعه تعضدون وعنا تخاذلون أجل والله الخذل فيكم معروف وشجت عليه أصولكم وتأزرت عليه فروعكم وثبتت عليه قلوبكم وغشيت صدوركم فكنتم أخبث ثمر شجي للناظر واكلة للغاصب الا لعنة الله على الناكثين الذين ينقضون الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا فأنتم والله هم ، الا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وجدود طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ، الا قد أعذرت وأنذرت ، الا واني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وكثرة العدو وخذلان النصر ، ثم وصل (عليه السلام) كلامه بأبيات فروة بن مسيك المرادي فقال :

فان نهزم فهزامون قدما * وان نغلب فغير مغلبينا

وما ان طبنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا

فأفنى ذلكم سروات قومي * كما افنى القرون الأولينا

فلو خلد الملوك إذن خلدنا * ولو بقي الكرام إذن بقينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا

ثم قال : أما والله لا تلبثون بعدها الا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور فاجمعوا امركم وشركاءكم ثم لا يكن امركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون اني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم .

وخرج زهير بن القين على فرس له ذنوب شاك في السلاح فوعظهم فسبوه وأثنوا على ابن زياد فقال لهم : يا عباد الله ان ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ابن سمية فان كنتم لم تنصروهم فأعيذكم بالله ان تقتلوهم فرماه شمر بسهم وتسابا وقال له شمر ان الله قاتلك وصاحبك عن ساعة ، قال : أ فبالموت تخوفني والله للموت أحب إلي من الخلد معكم ، فامره الحسين (عليه السلام) فرجع .

ولما رأى الحر بن يزيد ان القوم قد صمموا على قتال الحسين (عليه السلام) قال لعمر بن سعد أ مقاتل أنت هذا الرجل قال اي والله قتالا أيسره ان تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي قال فما لكم فيما عرضه عليكم رضى قال أما لو كان الأمر إلي لفعلت ولكن أميرك قد أبى ، فاقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس فقال له يا قرة هل سقيت فرسك اليوم ؟ قال لا ، قال فما تريد ان تسقيه ؟ قال قرة فظننت والله انه يريد ان يتنحى فلا يشهد القتال فكره ان أراه حين يصنع ذلك ، فقلت له لم اسقه وانا منطلق فاسقيه فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه فوالله لو اطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين (عليه السلام) ، فاخذ الحر يدنو من الحسين (عليه السلام) قليلا قليلا ، فقال له المهاجر بن أوس ما تريد يا ابن يزيد ؟

أ تريد أن تحمل ؟ فلم يجبه وأخذه مثل الأفكل وهي الرعدة ، فقال له المهاجر ان امرك لمريب والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك ، فما هذا الذي أرى منك ، فقال الحر : اني والله أخير نفسي بين الجنة والنار ، فوالله اني لا اختار على الجنة شيئا ولو قطعت وحرقت ، ثم ضرب فرسه قاصدا إلى الحسين (عليه السلام) ويده على رأسه وهو يقول : اللهم إليك أنيب فتب علي فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك ، وقال للحسين (عليه السلام) جعلت فداك يا ابن رسول الله انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك إلى هذا المكان وما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، والله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت مثل الذي ركبت ، واني قد جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي مواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك فهل ترى لي من توبة ؟ فقال الحسين (عليه السلام) : نعم يتوب الله عليك فأنزل ، قال أنا لك فارسا خير منى راجلا أقاتلهم على فرسي ساعة والى النزول يصير آخر أمري ، فقال له الحسين (عليه السلام) فاصنع يرحمك الله ما بدا لك ، فاستقدم أمام الحسين (عليه السلام) ونادى أهل الكوفة ووعظهم وأنبهم فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل فرجع حتى وقف امام الحسين (عليه السلام) .

ونادى عمر بن سعد يا دريد ادن رأيتك فأدناها ثم وضع سهما في كبد قوسه فرمى به نحو عسكر الحسين (عليه السلام) وقال اشهدوا لي عند الأمير اني أول من رمى وأقبلت السهام من القوم كأنها القطر فلم يبق من أصحاب الحسين (عليه السلام) أحد الا أصابه من سهامهم فقال (عليه السلام) لأصحابه قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بد منه فان هذه السهام رسل القوم إليكم ، فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة حتى قتل من أصحاب الحسين (عليه السلام) جماعة .

ثم صاح الحسين (عليه السلام) أ ما من مغيث يغيثنا لوجه الله ، أ ما من ذاب يذب عن حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان يزيد بن زياد بن مهاصر الكندي ويكنى أبا الشعثاء في أصحاب ابن سعد ، فلما ردوا على الحسين (عليه السلام) ما عرضه عليهم عدل إليه فقاتل بين يديه وجعل يرتجز ويقول :

انا يزيد وأبي مهاصر * أشجع من ليث بغيل خادر

يا رب اني للحسين ناصر * ولابن سعد تارك وهاجر

وجثا بين يدي الحسين (عليه السلام) فرمى بمائة سهم ما سقط منها خمسة أسهم وكان راميا وكلما رمى يقول له الحسين (عليه السلام) اللهم سدد رميته واجعل ثوابه الجنة فقتل خمسة من أصحاب عمر بالنشاب وكان أول من قتل ثم ارتمى الناس وتبارزوا فكان أصحاب الحسين (عليه السلام) كما قيل فيهم :

قوم إذا نودوا لدفع ملمة * والخيل بين مدعس ومكردس

لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا * يتهافتون على ذهاب الأنفس

فبرز يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله بن زياد وقالا من يبارز فقام عبد الله بن عمير بن جناب الكلبي فاستأذن الحسين (عليه السلام) في مبارزتهما وكان طويلا بعيد ما بين المنكبين فنظر إليه الحسين (عليه السلام) وقال اني احسبه للاقران قتالا وأذن له وكان قد خرج من الكوفة ليلا ومعه امرأته أم وهب إلى الحسين (عليه السلام) لأنه لما رأى العساكر تعرض بالنخيلة لتسير إلى حرب الحسين (عليه السلام) قال والله لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا واني لأرجو ان لا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أقل ثوابا عند الله من جهاد المشركين ، فأخبر زوجته فقالت أصبت أخرج واخرجني معك فشد على يسار فضربه بسيفه حتى برد وهو أول من قتل من أصحاب ابن سعد ، فإنه لمشتغل بضربه إذ شد عليه سالم مولى عبيد الله فصاحوا به قد رهقك العبد فلم يعبأ به حتى غشيه فبدره بضربة اتقاها ابن عمير بيده اليسرى فأطارت أصابع كفه ثم شد عليه ابن عمير فضربه حتى قتله فرجع وقد قتلهما جميعا وهو يرتجز ويقول :

حسبي بيتي في عليم حسبي * اني امرؤ ذو مرة وعصب

ولست بالخوار عند النكب * اني زعيم لك أم وهب

بالطعن فيهم صادقا والضرب * ضرب غلام مؤمن بالرب

فأخذت امرأته أم وهب عمود خيمة وأقبلت نحو زوجها تقول له فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد فاقبل إليها يردها نحو النساء فأخذت بجانب ثوبه ثم قالت اني لن أدعك دون أن أموت معك ، فناداها الحسين جزيتم من أهل بيت خيرا ارجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهن فإنه ليس على النساء قتال فانصرفت إليهن .

ثم قاتل زوجها قتالا شديدا حتى قتل رجلين آخرين ، فقتله هاني بن ثبيت الحضرمي وبكير بن حي التيمي وخرجت امرأته فجلست عند رأسه تمسح التراب عن وجهه وتقول هنيئا لك الجنة فامر شمر غلاما له يقال له رستم فضرب رأسها بالعمود فماتت مكانها وبرز عمر بن خالد الصيداوي فقال له الحسين (عليه السلام) تقدم فانا لاحقون بك عن ساعة فحمل هو وسعد مولاه وجبار بن الحارث السلماني ومجمع بن عبيد الله العائذي فاوغلوا في أصحاب عمر بن سعد فعطف عليهم أصحاب ابن سعد فقطعوهم عن أصحابهم فحمل العباس بن علي (عليه السلام) فاستنقذهم وقد جرحوا ثم حملوا فقاتلوا حتى قتلوا في مكان واحد وحمل عمرو بن الحجاج على ميمنة أصحاب الحسين فيمن كان معه من أهل الكوفة فلما دنا من أصحاب الحسين (عليه السلام) جثوا له على الركب واشرعوا الرماح نحوهم فلم تقدم خيلهم على الرماح فذهبت الخيل ترجع فرشقهم أصحاب الحسين (عليه السلام) بالنبل فصرعوا منهم رجالا وجرحوا آخرين وجاء رجل من بني تميم يقال له عبد الله بن حوزة فقال يا حسين ابشر بالنار فقال له الحسين (عليه السلام) كذبت بل أقدم على رب رحيم وشفيع مطاع ، ثم رفع الحسين (عليه السلام) يديه فقال اللهم حزه إلى النار فاضطرب به فرسه في جدول فوقع وتعلقت رجله اليسرى بالركاب وارتفعت اليمنى فشد عليه مسلم بن عوسجة فضرب رجله اليمنى فطارت وعدا به فرسه يضرب رأسه بكل حجر ومدر حتى مات وعجل الله بروحه إلى النار وكان مسروق بن وائل الحضرمي قد خرج مع ابن سعد وقال لعلي أصيب رأس الحسين فأصيب به منزلة عند ابن زياد ، فلما رأى ما صنع بابن حوزة بدعاء الحسين (عليه السلام) رجع وقال لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئا لا أقاتلهم ابدا ، ونشب القتال فخرج برير بن خضير الهمداني وكان زاهدا عابدا وكان أقرأ أهل زمانه وكان يقال له سيد القراء وهو يقول :

انا برير وأبي خضير * لا خير فيمن ليس فيه خير

فخرج إليه يزيد بن معقل فقال له برير هلم أباهلك ولندع الله ان يلعن الكاذب منا وان يقتل المحق منا المبطل فتباهلا ثم تبارزا فاختلفا ضربتين فضرب يزيد بريرا ضربة خفيفة فلم يضره شيئا وضربه برير ضربة قدت المغفر ووصلت إلى دماغه فسقط ، فحمل كعب بن جابر الأزدي على برير وطعنه بالرمح في ظهره وضربه بسيفه حتى قتله رضوان الله عليه وفي بعض الروايات ان بريرا قتل ثلاثين رجلا ، فلما رجع كعب بن جابر قالت له امرأته أعنت على ابن فاطمة وقتلت بريرا سيد القراء لا أكلمك ابدا ثم برز وهب بن حباب الكلبي وكانت معه امه وزوجته فقالت امه قم يا بني فانصر ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال افعل يا أماه ولا اقصر فبرز وهو يقول :

سوف تروني وترون ضربي * وحملتي وصولتي في الحرب

أدرك ثاري بعد ثار صحبي * وأدفع الكرب امام الكرب

ليس جهادي في الوغى باللعب

ثم حمل ولم يزل يقاتل حتى قتل جماعة ثم رجع إلى امرأته وامه وقال يا أماه أ رضيت فقالت ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين (عليه السلام) فقالت امرأته بالله عليك لا تفجعني بنفسك فقالت له أمه يا بني أعزب عن قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيمة فرجع فلم يزل يقاتل حتى قطعت يداه ثم قتل رضوان الله عليه وقال الحر للحسين (عليه السلام) فإذا كنت أول من خرج عليك فائذن لي أن أكون أول قتيل بين يديك لعلي ان أكون ممن يصافح جدك محمدا (صلى الله عليه وآله) غدا في القيامة فحمل على أصحاب عمر بن سعد وهو يتمثل بقول عنترة :

ما زلت ارميهم بغرة وجهه * ولبانه حتى تسربل بالدم

ثم جعل يرتجز ويقول :

اني انا الحر ومأوى الضيف * اضرب في اعراضكم بالسيف

عن خير من حل بأرض الخيف * أضربكم ولا أرى من حيف

وقاتل قتالا شديدا وقال :

اني انا الحر ونجل الحر * أشجع من ذي لبد هزبر

ولست بالجبان عند الكر * لكنني الوقاف عند الفر

وجعل يضربهم بسيفه حتى قتل نيفا وأربعين رجلا وكان يحمل هو وزهير بن القين فإذا حمل أحدهما وغاص فيهم حمل الآخر حتى يخلصه ففعلا ذلك ساعة ثم حملت الرجالة على الحر وتكاثروا عليه فقتلوه فاحتمله أصحاب الحسين (عليه السلام) حتى وضعوه بين يدي الحسين (عليه السلام) وبه رمق فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول أنت الحر كما سمتك أمك وخرج من أصحاب الحسين (عليه السلام) نافع بن هلال الجملي فقاتل قتالا شديدا وجعل يقول :

انا ابن هلال الجملي * انا على دين علي

ودينه دين النبي

فبرز إليه رجل يقال له مزاحم بن حريث فحمل عليه نافع فقتله وكان قد كتب اسمه على فوق نبله وكانت مسمومة فقتل بها اثني عشر أو ثلاثة عشر رجلا سوى من جرح فلم يزل يرميهم حتى فنيت سهامه ثم ضرب يده إلى سيفه وجعل يقول :

انا الغلام اليمني الجملي * ديني على دين حسين وعلي

أضربكم ضرب غلام بطل * ان اقتل اليوم فهذا املي

فذاك رأيي وألاقي عملي

فكسروا عضديه واخذ أسيرا فاخذه شمر واتى به إلى ابن سعد فقال له ابن سعد ويحك يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك قال إن ربي يعلم ما أردت والدماء تسيل على وجهه ولحيته وهو يقول لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا سوى من جرحت ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني فانتضى شمر سيفه ليقتله فقال له نافع والله لو كنت من المسلمين لعظم عليك ان تلقى الله بدمائنا فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه فقتله شمر وخرج عمرو بن قرظة الأنصاري فاستأذن الحسين (عليه السلام) فاذن له فبرز وهو يرتجز ويقول :

قد علمت كتيبة الأنصار * اني سأحمي حوزة الذمار

ضرب غلام غير نكس شاري * دون حسين مهجتي وداري

فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء وبالغ في خدمة سلطان السماء حتى قتل جمعا كثيرا من حزب ابن زياد وجمع بين سداد وجهاد وكان لا يأتي إلى الحسين (عليه السلام) سهم إلا اتقاه بيده ولا سيف إلا تلقاه بمهجته فلم يكن يصل إلى الحسين (عليه السلام) سوء حتى أثخن بالجراح فالتفت إلى الحسين (عليه السلام) وقال يا ابن رسول الله أ وفيت ؟ قال نعم أنت أمامي في الجنة فاقرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عني السلام واعلمه إني في الأثر فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه .

وبرز جون مولى أبي ذر الغفاري وكان عبدا أسود فقال له الحسين (عليه السلام) أنت في إذن مني فإنما تبعتنا للعافية فلا تبتل بطريقتنا فقال يا ابن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذ لكم والله أن ريحي لنتن وان حسبي للئيم وإن لوني لأسود فتنفس علي بالجنة فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم ثم برز وهو يقول :

كيف ترى الكفار ضرب الأسود * بالسيف ضربا عن بني محمد

أذب عنهم باللسان واليد * أرجو به الجنة يوم المورد

ثم قاتل حتى قتل فوقف عليه الحسين (عليه السلام) فقال اللهم بيض وجهه وطيب ريحه وحشره مع الأبرار وعرف بينه وبين محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله) وبرز عمرو بن خالد الصيداوي فقال للحسين (عليه السلام) يا أبا عبد الله قد هممت أن ألحق بأصحابي وكرهت أن أتخلف وأراك وحيدا من أهلك قتيلا فقال له الحسين (عليه السلام) : تقدم فانا لاحقون بك عن ساعة فتقدم فقاتل حتى قتل وجاء حنظلة بن أسعد الشبامي فوقف بين يدي الحسين (عليه السلام) يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره فما أحقه بقول عرقلة بن حسان الدمشقي :

ويرد صدر السمهري بصدره * ما ذا يؤثر ذابل في يذبل

وكانه والمشرفي بكفه * بحر يكر على الكماة بجدول

وأخذ ينادي يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من افترى فقال له الحسين يا ابن أسعد رحمك الله إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ونهضوا إليك يشتمونك وأصحابك فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين قال صدقت جعلت فداك أ فلا نروح إلى ربنا ونلحق باخواننا قال بلى رح إلى ما هو لك خير من الدنيا وما فيها وإلى ملك لا يبلي فقال السلام عليك يا ابن رسول الله صلى الله عليك وعلى أهل بيتك وعرف بيننا وبينك في الجنة فقال الحسين (عليه السلام) آمين آمين وتقدم فقاتل قتالا شديدا فحملوا عليه فقتلوه .

وبرز مسلم بن عوسجة وهو يرتجز ويقول :

إن تسألوا عني فاني ذو لبد * من فرع قوم من ذرى بني أسد

فمن بغانا حائد عن الرشد * وكافر بدين جبار صمد

فقاتل قتالا شديدا وصاح عمرو بن الحجاج بالناس يا حمقاء أ تدرون من تقاتلون ؟ تقاتلون فرسان أهل المصر وأهل البصائر وقوما مستميتين ، لا يبرز إليهم منكم واحد ، والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم ، فقال ابن سعد صدقت ثم أرسل إلى الناس من يعزم عليهم أن لا يبارز رجل منكم رجلا منهم .

ثم حمل عمرو بن الحجاج في أصحابه على الحسين (عليه السلام) من نحو الفرات فاضطربوا ساعة فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي رحمة الله عليه وبقي به رمق وانصرف عمرو بن الحجاج وأصحابه وانقطعت الغبرة فإذا مسلم صريع فمشى إليه الحسين (عليه السلام) ومعه حبيب بن مظاهر ، فقال الحسين (عليه السلام) رحمك الله يا مسلم فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ودنا منه حبيب بن مظاهر فقال : عز علي مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة ، فقال له مسلم قولا ضعيفا بشرك الله بخير ، ثم قال له حبيب : لولا إني أعلم إني في الأثر من ساعتي هذه لأحببت أن توصيني بكل ما أهمك ، فقال له مسلم : فاني أوصيك بهذا وأشار إلى الحسين (عليه السلام) فقاتل دونه حتى تموت ، فقال له حبيب لأنعمنك عينا ، ثم مات رضوان الله عليه ، وصاحت جارية له يا سيداه يا ابن عوسجاه ، فنادى أصحاب ابن سعد مستبشرين قتلنا مسلم بن عوسجة ، فقال شبث بن ربعي ثكلتكم أمهاتكم أما انكم تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذلون أنفسكم لغيركم أ تفرحون بقتل مسلم بن عوسجة والذي أسلمت له لرب موقف له في المسلمين كريم لقد رأيته يوم آذربايجان قتل ستة من المشكرين قبل أن تلتئم خيول المسلمين .

ثم تراجع القوم إلى الحسين (عليه السلام) فحمل شمر في الميسرة على ميسرة أصحاب الحسين (عليه السلام) فثبتوا له وطاعنوه وحملوا على الحسين (عليه السلام) وأصحابه من كل جانب وقاتلهم أصحاب الحسين (عليه السلام) قتالا شديدا فأخذت خيلهم تحمل وإنما هي اثنان وثلاثون فارسا فلا تحمل على جانب من خيل الأعداء إلا كشفته فلما رأى ذلك عزرة بن قيس وهو على الخيل بعث إلى ابن سعد أ ما ترى ما تلقى خيلي هذا اليوم من هذه العدة اليسيرة أبعث إليهم الرجال والرماة وقاتل أصحاب الحسين (عليه السلام) القوم أشد قتال خلقه الله حتى انتصف النهار فبعث ابن سعد الحصين بن تميم في خمسمائة من الرماة فاقتتلوا حتى دنوا من الحسين (عليه السلام) وأصحابه فلما رأوا  صبر أصحاب الحسين (عليه السلام) تقدم الحصين إلى أصحابه أن يرشقوا أصحاب الحسين (عليه السلام) بالنبل فرشقوهم فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال وبقي الحسين (عليه السلام) وليس معه فارس وحمل شمر بن ذي الجوشن في أصحابه على أصحاب الحسين (عليه السلام) فحمل عليهم زهير بن القين في عشرة رجال من أصحاب الحسين (عليه السلام) فكشفوهم عن البيوت وقتلوا منهم وعطف عليهم شمر فقتل منهم ورد الباقين إلى مواضعهم وكان يقتل من أصحاب الحسين (عليه السلام) الواحد والاثنان فيبين ذلك فيهم لقلتهم ويقتل من أصحاب ابن سعد العشرة فلا يبين ذلك فيهم لكثرتهم .

وحمل شمر حتى بلغ فسطاط الحسين (عليه السلام) فطعنه بالرمح ونادى علي بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله ، فصاحت النساء وخرجن ، وصاح الحسين (عليه السلام) أنت تحرق بيتي على أهلي أحرقك الله بالنار ، فقال حميد بن مسلم أ تقتل الولدان والنساء والله أن في قتل الرجال لما يرضى به أميرك ، فلم يقبل ، فاتاه شبث بن ربعي فقال أ فزعنا النساء ثكلتك أمك فاستحيا وانصرف واشتد القتال بينهم ، ولم يقدروا ان يأتوهم إلا من جانب واحد لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض ، فأرسل عمر بن سعد الرجال ليقوضوها عن أيمانهم وشمائلهم ليحيطوا بهم وأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين (عليه السلام) يتخللون البيوت فيقتلون الرجل وهو يقوض وينهب فيرمونه عن قريب فيصرعونه فيقتلونه فقال ابن سعد أحرقوها بالنار فأحرقت ، فقال لهم الحسين (عليه السلام) دعوهم يحرقوها فإنهم إذا فعلوا ذلك لم يجوزوا إليكم فكان كما قال وحضر وقت صلاة الظهر فقال أبو ثمامة الصيداوي للحسين (عليه السلام) يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك ولا والله ولا تقتل حتى أقتل دونك وأحب أن القى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه إلى السماء وقال ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين نعم هذا أول وقتها ثم قال سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي ففعلوا فقال لهم الحصين بن تميم إنها لا تقبل فقال له حبيب بن مظاهر زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتقبل منكم يا خمار فحمل عليه الحصين وحمل عليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشب به الفرس ووقع عنه الحصين فاستنقذه أصحابه وشدوا على حبيب فقتل رجلا منهم وقال الحسين (عليه السلام) لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله تقدما أمامي حتى أصلي الظهر فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف فوصل إلى الحسين (عليه السلام) سهم فتقدم سعيد بن عبد الله ووقف يقيه النبال بنفسه ما زال ولا تخطى فما زال يرمى بالنبل حتى سقط إلى الأرض وهو يقول اللهم العنهم لعن عاد وثمود اللهم أبلغ نبيك عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك ثم قضى نحبه رضوان الله عليه فوجد فيه ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح وقيل صلى الحسين (عليه السلام) وأصحابه فرادى بالايماء وتقدم سويد بن عمرو بن أبي المطاع وكان شريفا كثير الصلاة ثم جعل يرتجز ويقول :

أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا * وشيخك الحبر عليا ذا الندى

وحسنا كالبدر وافى الأسعدا * وعمك القرم الهمام الأرشدا

حمزة ليث الله يدعى أسدا * وذا الجناحين تبوأ مقعدا

في جنة الفردوس يعلو صعدا

فقاتل قتال الأسد الباسل وبالغ في الصبر على الخطب النازل حتى سقط بين القتلى وقد أثخن بالجراح فلم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون قتل الحسين فتحامل وأخرج سكينا من خفه وجعل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه فكان آخر من بقي من أصحاب الحسين (عليه السلام) وخرج زهير بن القين وهو يرتجز ويقول :

أنا زهير وأنا ابن القين * أذودكم بالسيف عن حسين

إن حسينا أحد السبطين * من عترة البر التقي الزين

ذاك رسول الله غير المين * أضربكم ولا أرى من شين

يا ليت نفسي قسمت قسمين

فقاتل قتالا شديدا حتى قتل جماعة فشد عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي فقتلاه فقال الحسين (عليه السلام) حين صرع زهير لا يبعدك الله يا زهير وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري ومعه شوذب مولى بني شاكر فقال : يا شوذب ما في نفسك أن تصنع قال ما أصنع أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى أقتل قال ذلك الظن بك فتقدم بين يدي أبي عبد الله فان هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه فإنه لا عمل بعد اليوم وإنما هو الحساب وتقدم شوذب فقال السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته استودعك الله ثم قاتل حتى قتل وتقدم عابس فقال يا أبا عبد الله أما والله ما أمسى على وجه الأرض قريب ولا بعيد أعز علي ولا أحب إلي منك ولو قدرت أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشئ أعز من نفسي ودمي لفعلت السلام عليك يا أبا عبد الله أشهد الله إني على هداك وهدى أبيك ثم مضى بالسيف مصلتا نحوهم وبه ضربة على جبينه وكان من أشجع الناس وأخذ ينادي أ لا رجل لرجل فتحاماه الناس لشجاعته فقال لهم ابن سعد أرضخوه بالحجارة فرموه بالحجارة من كل جانب فلما رأى ذلك القى درعه ومغفره وشد على الناس فهزمهم بين يديه قال الراوي فوالله لقد رأيته يطرد أكثر من مائتين من الناس ثم أحاطوا به من كل جانب فقتلوه وبرز حبيب بن مظاهر الأسدي فقاتل قتالا شديدا فقتل رجلا من بني تميم اسمه بديل بن صريم وحمل عليه آخر من تميم فطعنه فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع ونزل إليه التميمي فاحتز رأسه فهد مقتله الحسين (عليه السلام) وقال عند الله احتسب نفسي وحماة أصحابي وقال الحصين للتميمي أنا شريك في قتله قال لا والله قال أعطني الرأس أعلقه في عنق فرسي ليرى الناس إني شاركتك في قتله ثم خذه فلا حاجة لي فيما يعطيك ابن زياد فأعطاه الرأس فجال به في الناس ثم رده إليه فلما رجع إلى الكوفة علقه في عنق فرسه ، فلينظر الناظر إلى أي درجة بلغت رداءة النفوس وسقوطها بهؤلاء القوم وكان لحبيب ابن يسمى القاسم قد راهق فجعل يتبع الفارس الذي معه رأس أبيه فارتاب به فقال ما لك تتبعني قال إن هذا الرأس الذي معك رأس أبي فاعطني إياه حتى أدفنه فقال إن الأمير لا يرضى أن يدفن وارجو أن يثيبني فقال لكن الله لا يثيبك إلا أسوأ الثواب وبكى الغلام ثم لم يزل يتبع أثر قاتل أبيه بعد ما أدرك حتى قتله وأخذ بثار أبيه وذلك أنه كان في عسكر فهجم عليه وهو في خيمة له نصف النهار فقتله وأخذ رأسه وخرج جنادة بن الحارث السلماني وكان خرج بعياله وولده إلى الحسين (عليه السلام) فقاتل حتى قتل فلما قتل أمرت زوجته ولدها عمر وهو شاب ان ينصر الحسين (عليه السلام) فقالت أخرج يا بني وقاتل بين يدي ابن رسول الله فخرج واستاذن الحسين فقال الحسين (عليه السلام) هذا شاب قتل أبوه ولعل أمه تكره خروجه فقال الشاب أمي أمرتني بذلك ، وهذا منتهى علو النفس وصدق الولاء من هذه المرأة وابنها أن يكون زوجها قد قتل وهي تنظر إليه ثم تأمر ولدها الشاب بنصرة الحسين (عليه السلام) وهي تعلم إنه مقتول فتسوقه إلى القتل مختارة طائعة ويطيعها ابنها في ذلك فيقدم على القتل غير مبال ولا وجل ثم يرخص له الحسين (عليه السلام) في ترك القتال مخافة أن تكون أمه تكره قتاله بعد ما قتل أبوه زوجها في المعركة فيأبى ويقول أمي أمرتني بذلك ، حقا إنه لمقام عظيم وموقف جليل تزل فيه الأقدام وتذهل فيه الألباب ولثبات امرأة فيه وولد شاب يدل على سمو عظيم في نفسيهما ، فبرز ذلك الشاب وهو يقول ولله دره :

أميري حسين ونعم الأمير * سرور فؤاد البشير النذير

علي وفاطمة والداه * فهل تعلمون له من نظير

له طلعة مثل شمس الضحى * له غرة مثل بدر منير

قال المؤلف : قد شطرت هذه الأبيات استحسانا لها فقلت :

أميري حسين ونعم الأمير * أمير عظيم جليل خطير

حبيب الوصي عزيز البتول * سرور فؤاد البشير النذير

علي وفاطمة والده * ومشبهه في البرايا شبير

سما قدره فوق كل الأنام * فهل تعلمون له من نظير

له طلعة مثل شمس الضحى * ترد الشموس بطرف حسير

له راحة مثل غيث همى * له غرة مثل بدر منير

وقاتل حتى قتل وحز رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين (عليه السلام) فحملت أمه رأسه وقالت أحسنت يا بني يا سرور قلبي ويا قرة عيني ثم رمت برأس ابنها رجلا وأخذت عمود خيمة وحملت عليهم وهي تقول :

أنا عجوز سيدي ضعيفه * خاوية بالية نحيفه

أضربكم بضربة عنيفه * دون بني فاطمة الشريفة

وضربت رجلين فامر الحسين (عليه السلام) بصرفها ودعا لها ولما رأى أصحاب الحسين (عليه السلام) أنهم قد غلبوا وانهم لا يقدرون أن يمنعوا الحسين (عليه السلام) ولا أنفسهم تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه فجاءه عبد الله وعبد الرحمن ابنا عروة الغفاريان فقالا يا أبا عبد الله عليك السلام قد حازنا الناس إليك فاحببنا أن نقتل بين يديك قال مرحبا بكما ادنوا مني فدنوا مني وجعلا يقاتلان حتى قتلا .

وأتاه فتيان وهما سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن عبد الله بن سريع الجابريان وهما ابنا عم واخوان لأم وهما يبكيان فقال لهما ما يبكيكما فوالله إني لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين فقالا جعلنا الله فداك والله ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك نراك وقد أحيط بك ولا نقدر على أن نمنعك فقال جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين ثم استقدما وقالا السلام عليك يا ابن رسول الله فقال وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته فقاتلا حتى قتلا وخرج غلام تركي كان للحسين (عليه السلام) اسمه أسلم وكان قارئا

للقرآن فجعل يقاتل حتى قتل جماعة ثم سقط صريعا فجاء إليه الحسين (عليه السلام) فبكى ففتح عينيه فرأى الحسين (عليه السلام) فتبسم ثم صار إلى ربه .

وكان يأتي الرجل بعد الرجل إلى الحسين فيقول : السلام عليك يا ابن رسول الله فيجيبه الحسين (عليه السلام) ويقول عليك السلام ونحن خلفك ، ثم يقرأ فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر حتى قتلوا عن آخرهم ولم يبق مع الحسين (عليه السلام) سوى أهل بيته وهم : ولد علي ، وولد جعفر ، وولد عقيل ، وولد الحسن ، وولد الحسين فاجتمعوا يودع بعضهم بعضا وعزموا على الحرب وكانوا سبعة عشر رجلا في المتفق عليه ، وفي حديث الرضا (عليه السلام) مع ابن شبيب وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا فيمكن أن يكون عد معهم مسلم بن عقيل فإنه وإن لم يقتل مع الحسين (عليه السلام) فكانه قتل معه وإذا عددنا جميع من ذكره المؤرخون ومنهم مسلم كانوا ثلاثين أو أكثر ويأتي سرد أسمائهم وفيهم يقول سراقة الباهلي وفي مروج الذهب انها لمسلم بن قتيبة مولى بني هاشم :

عين بكي بعبرة وعويل * واندبي ان ندبت آل الرسول

تسعة منهم لصلب علي * قد أبيدوا وسبعة لعقيل

وابن عم النبي عونا أخاهم * ليس فيما ينوبهم بخذول

وسمي النبي غودر فيهم * قد علوه بصارم مسلول

فأول من خرج منهم علي بن الحسين الأكبر وكان علي من أصبح الناس وجها وأحسنهم خلقا وكان عمره تسع عشرة سنة أو ثماني عشرة سنة أو خمسا وعشرين سنة وهو أول قتيل يوم كربلاء من آل أبي طالب ، فاستأذن أباه بالقتال فاذن له ثم نظر إليه نظر آيس منه وأرخى عينيه فبكى ثم رفع سبابتيه نحو السماء وقال اللهم كن أنت الشهيد عليهم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إليه ، ثم رفع صوته وتلا ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم .

فشد علي على الناس وهو يقول :

انا علي بن الحسين بن علي * نحن وبيت الله أولي بالنبي

تالله لا يحكم فينا ابن الدعي * اضرب بالسيف أحامي عن أبي

ضرب غلام هاشمي علوي

فجعل يشد عليهم ثم يرجع إلى أبيه فيقول يا أباه العطش فيقول له الحسين (عليه السلام) اصبر حبيبي فإنك لا تمسي حتى يسقيك رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكأسه ، فجعل يكر كرة بعد كرة والأعداء يتقون قتله فقتل جماعة فنظر إليه مرة بن منقذ العبدي فقال علي آثام العرب ان هو فعل مثل ما أراه يفعل ومر بي أن لم اثكله امه فمر يشد على الناس كما كان يفعل فاعترضه مرة بن منقذ وطعنه بالرمح وقيل بل رماه بسهم فصرعه فنادى يا أبتاه عليك السلام هذا جدي يقرئك السلام ويقول لك عجل القدوم علينا واعتروه الناس فقطعوه بأسيافهم فجاء الحسين (عليه السلام) حتى وقف عليه وقال : قتل الله قوما قتلوك يا بني ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعدك العفا .

وخرجت زينب بنت علي (عليه السلام) وهي تنادي يا حبيباه ويا ابن أخاه وجاءت فأكبت عليه فجاء الحسين (عليه السلام) فاخذ بيدها وردها إلى الفسطاط واقبل بفتيانه وقال احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه وبرز عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وفي مناقب ابن شهرآشوب انه أول من برز وأمه رقية بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو يرتجز ويقول :

اليوم ألقى مسلما وهو أبي * وفتية بادوا على دين النبي

ليسوا بقوم عرفوا بالكذب * لكن خيار وكرام النسب

من هاشم السادات أهل الحسب

فقتل عدة رجال في ثلاث حملات فرماه عمير بن صبيح الصدائي وقيل غيره بسهم فوضع عبد الله يده على جبهته يتقيه فأصاب السهم كفه ونفذ إلى جبهته فسمرها فلم يستطيع ان يحركها ثم طعنه أسيد بن مالك بالرمح في قلبه فقتله وحمل الناس على الحسين (عليه السلام) وأهل بيته من كل جانب فخرج محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وامه زينب بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم قاتل حتى قتل عشرة أنفس فحمل عليه عامر بن نهشل التميمي فقتله وخرج اخوه عون بن عبد الله بن جعفر (عليه السلام) وامه أيضا زينب بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يقول :

ان تنكروني فانا ابن جعفر * شهيد صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح أخضر * كفى بهذا شرفا في المحشر

ثم قاتل حتى قتل جماعة كثيرة فحمل عليه عبد الله بن قطبة الطائي فقتله وخرج القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأمه أم ولد وهو غلام لم يبلغ الحلم فلما نظر الحسين (عليه السلام) إليه قد برز اعتنقه وجعلا يبكيان ثم استأذن عمه في المبارزة فابى أن يأذن له فلم يزل الغلام يقبل يديه ورجليه حتى أذن له ودموعه تسيل على خديه وهو يقول :

ان تنكروني فانا ابن الحسن * سبط النبي المصطفى والمؤتمن

هذا حسين كالأسير المرتهن * بين أناس لا سقوا صوب المزن

فقاتل قتالا شديدا حتى قتل على صغر سنة ثلاثة منهم وقيل أكثر .

قال حميد بن مسلم : خرج علينا غلام كان وجهه شقة قمر وفي يده سيف وعليه قميص وازار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما انسى انها كانت اليسرى ، فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي : والله لأشدن عليه فقلت سبحان الله وما تريد بذلك والله لو ضربني ما بسطت إليه يدي

دعه يكفكه هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه ، فقال والله لأشدن عليه فشد عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف ففلقه ووقع الغلام إلى الأرض لوجهه ونادى يا عماه ، فجلى الحسين (عليه السلام) كما يجلي الصقر ثم شد شدة ليث أغضب فضرب عمرو بن سعد بن نفيل بالسيف فأنقاها بالساعد فقطعها من لدن المرفق فصاح صيحة سمعها أهل العسكر ثم تنحى عنه الحسين (عليه السلام) وحمل الأعداء ليستنقذوه فوطئت الخيل عمرا بأرجلها حتى مات ، وانجلت الغبرة فإذا بالحسين (عليه السلام) قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجليه والحسين يقول : بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك وأبوك ، ثم قال (عليه السلام) : عز والله على عمك ان تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا ينفعك ، صوت والله كثر واتره وقل ناصره ، ثم حمله ووضع صدره على صدره وكأني انظر إلى رجلي الغلام يخطان الأرض فجاء به حتى ألقاه مع ابنه علي والقتلى من أهل بيته ، فسألت عنه فقيل لي هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وصاح الحسين (عليه السلام) في تلك الحال : صبرا يا بني عمومتي صبرا يا أهل بيتي فوالله لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم ابدا وتقدمت اخوة الحسين (عليه السلام) عازمين على أن يموتوا دونه فأول من خرج منهم أبو بكر بن علي واسمه عبيد الله وامه ليلى بنت مسعود من بني نهشل فتقدم وهو يرتجز ويقول :

شيخي علي ذو الفخار الأطول * من هاشم الصدق الكريم المفضل

هذا حسين ابن النبي المرسل * عنه نحامي بالحسام المصقل

تفديه نفسي من أخ مبجل

فلم يزل يقاتل حتى قتله زحر بن بدر النخعي ثم برز من بعده اخوه عمر بن علي فحمل على زحر قاتل أخيه فقتله واستقبل القوم وجعل يضرب بسيفه ضربا منكرا وهو يقول :

خلوا عداة الله خلوا عن عمر * خلوا عن الليث الهصور المكفهر

يضربكم بسيفه ولا يفر * وليس فيها كالجبان المنحجر

فلم يزل يقاتل حتى قتل ولما رأى العباس بن علي كثرة القتلى من أهله قال لاخوته من أبيه وأمه وهم عبد الله وعمره خمس وعشرون سنة وجعفر وعمره تسع عشرة سنة وعثمان وعمره إحدى وعشرون سنة وأمهم أم البنين بنت خالد بن حرام الكلابية واسمها فاطمة : يا بني أمي تقدموا حتى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله فإنه لا ولد لكم فتقدموا فقاتلوا حتى قتلوا وبرز من بعدهم اخوهم العباس بن علي وهو أكبرهم ويكنى أبا الفضل ويلقب بالسقا وقمر بني هاشم وهو صاحب لواء الحسين ، وكان العباس وسيما جميلا يركب الفرس المطهم ورجلاه يخطان في الأرض فيروى انه خرج يطلب الماء وحمل على القوم وهو يقول :

لا أرهب الموت إذا الموت رقا * حتى أوارى في المصاليت لقا

نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا * اني انا العباس أغدو بالسقا

ولا أخاف الشر يوم الملتقى

ففرقهم وضربه زيد بن ورقاء على يمينه فقطعها فاخذ السيف بشماله وحمل وهو يرتجز ويقول:

والله ان قطعتم يميني * اني أحامي دائما عن ديني

وعن امام صادق اليقين * نجل النبي الطاهر الأمين

فضربه حكيم بن الطفيل على شماله فقطعها فقال :

يا نفس لا تخشي من الكفار * وابشري برحمة الجبار

مع النبي السيد المختار * قد قطعوا ببغيهم يساري

فاصلهم يا رب حر النار

فضربه آخر بعمود من حديد فقتله ويروى في كيفية قتله غير ذلك وهو ان الحسين (عليه السلام) لما اشتد به العطش ركب المسناة يريد الفرات وبين يديه العباس اخوه فاعترضتهما خيل ابن سعد وأحاطوا بالعباس فاقتطعوه عنه فجعل العباس يقاتلهم وحده حتى قتل قتله زيد بن ورقاء الحنفي وحكيم بن الطفيل السنبسي بعد أن أثخن بالجراح فلم يستطع حراكا فبكى الحسين (عليه السلام) لقتله بكاء شديدا ولنعم ما قال القائل :

أحق الناس ان يبكى عليه * فتى ابكى الحسين بكربلاء

اخوه وابن والده علي * أبو الفضل المضرج بالدماء

ومن واساه لا يثنيه شئ * وجاد له على عطش بماء

ثم أن الحسين (عليه السلام) دعا الناس إلى البراز فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة ثم حمل على الميمنة وهو يقول :

القتل أولي من ركوب العار * والعار أولي من دخول النار

والله من هذا وهذا جاري

ثم حمل على الميسرة وهو يقول :

انا الحسين بن علي * آليت ان لا انثني

احمي عيالات أبي * امضي على دين النبي

وخرج غلام من خباء من أخبية الحسين (عليه السلام) وهو محمد بن أبي سعيد بن عقيل وفي أذنيه درتان فاخذ بعود من عيدانه وهو مذعور فجعل يلتفت يمينا وشمالا وقرطاه يتذبذبان فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فضربه بالسيف فقتله فصارت امه شهربانويه تنظر إليه ولا تتكلم كالمدهوشة ونادى الحسين (عليه السلام) هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) هل من موحد يخاف الله فينا هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا هل من معين يرجو ما عند الله في اعانتنا فارتفعت أصوات النساء بالعويل فتقدم إلى باب الخيمة وقال لزينب ناوليني ولدي الصغير حتى أودعه فاتي بابنه عبد الله وامه الرباب بنت امرئ القيس فاخذه وأجلسه في حجره وأومأ إليه ليقبله فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه فقال لزينب خذيه ثم تلقى الدم بكفيه فلما أملأتا رمى بالدم نحو السماء ثم قال هون علي ما نزل به انه بعين الله ثم حمله حتى وضعه مع قتلى أهل بيته وفي رواية انه حفر له بجفن سيفه ورمله بدمه فدفنه وعطش الحسين (عليه السلام) حتى اشتد عليه العطش فدنا ليشرب من الماء فرماه الحصين بن تميم بسهم فوقع في فمه الشريف فجعل يتلقى الدم من فمه ويرمي به إلى السماء وحمل القوم على الحسين (عليه السلام) فغلبوه على معسكره وقد اشتد به العطش فركب المسناة يريد الفرات فاعترضته خيل ابن سعد وفيهم رجل من بني أبان بن دارم فقال لهم ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكنوه من الماء فحالوا بينه وبين الفرات فقال الحسين (عليه السلام) اللهم اظمئه .

وفي رواية اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له فغضب الدارمي ورماه بسهم فأثبته في حنكه الشريف فانتزع الحسين (عليه السلام) السهم وبسط يديه تحت حنكه فامتلأت راحتاه من الدم فرمى به نحو السماء ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك ثم إن الحسين (عليه السلام) عاد إلى مكانه وقد اشتد به العطش واقبل شمر في جماعة من أصحابه فأحاطوا به فأسرع منهم رجل يقال له مالك بن النسر الكندي فشتم الحسين (عليه السلام) وضربه على رأسه الشريف بالسيف وكان على رأسه برنس وقيل قلنسوة فقطع البرنس ووصل السيف إلى رأسه فامتلأ البرنس دما ثم القى البرنس أو القلنسوة ودعا بخرقة فشد بها رأسه واستدعى بقلنسوة أخرى فلبسها واعتم عليها وأخذ الكندي البرنس وكان من خز فلما قدم على أهله اخذ يغسل عنه الدم فقالت له امرأته أ سلب ابن رسول الله يدخل بيتي أخرجه عني ورجع شمر ومن معه عن الحسين (عليه السلام) إلى مواضعهم فمكثوا هنيهة ثم عادوا إليه فاخذ الحسين يشد عليهم فينكشفون عنه ثم إنهم أحاطوا به فخرج عبد الله بن الحسن بن علي (عليه السلام) من عند النساء وهو غلام لم يراهق فلحقته زينب بنت علي (عليه السلام) لتحبسه فقال لها الحسين (عليه السلام) أحبسيه أختي فامتنع عليها امتناعا شديدا وجاء يشتد إلى عمه الحسين حتى وقف إلى جنبه وقال : لا أفارق عمي ، فاهوى أبجر ابن كعب إلى الحسين (عليه السلام) بالسيف ، فقال له الغلام : ويلك يا ابن الخبيثة أ تقتل عمي ؟ ! فضربه أبجر بالسيف فاتقاها الغلام بيده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة ، فنادى الغلام يا عماه أو يا أماه فاخذه الحسين (عليه السلام) فضمه إلى صدره وقال يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير فان الله يلحقك بآبائك الصالحين برسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وحمزة وجعفر والحسن صلى الله عليهم أجمعين ، فرماه حرملة بسهم فذبحه وهو في حجر عمه .

ولما بقي الحسين (عليه السلام) في ثلاثة أو أربعة من أصحابه وفي رواية رهط من أهله قال ابغوني ثوبا لا يرغب فيه أحد أجعله تحت ثيابي لئلا أجرد منه بعد قتلي فاني مقتول مسلوب فاتي بتبان قال لا ذاك لباس من ضربت عليه الذلة ولا ينبغي لي أن ألبسه وفي رواية أنه قال هذا لباس أهل الذمة فاخذ ثوبا خلقا فخرقه وجعله تحت ثيابه وفي رواية انه أتى بشئ أوسع منه دون السراويل وفوق التبان فلبسه فلما قتل جردوه منه ثم استدعى بسراويل من حبرة يمانية يلمع فيها البصر ففزرها ولبسها وانما فزرها لئلا يلبسها بعد قتله فلما قتل سلبها منه أبجر بن كعب وتركه مجردا وأقبل الحسين (عليه السلام) على القوم يدفعهم عن نفسه والثلاثة الذين معه يحمونه حتى قتل الثلاثة وبقي وحده وقد أثخن بالجراح في رأسه وبدنه فجعل يضاربهم بسيفه وحمل الناس عليه عن يمينه وشماله فحمل على الذين عن يمينه فتفرقوا ثم حمل على الذين عن يساره فتفرقوا قال بعض الرواة فوالله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه اربط جاشا ولا امضى جنانا ولا أجرأ مقدما منه والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله وإن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب ولقد كان يحمل فيهم وقد تكلموا ثلاثين ألفا فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله فلما رأى شمر ذلك استدعى الفرسان فصاروا في ظهور الرجالة وأمر الرماة أن يرموه فرشقوه بالسهام حتى صار كالقنفذ فأحجم عنهم فوقفوا بازائه وجاء شمر في جماعة من أصحابه فحالوا بينه وبين رحله الذي فيه ثقله وعياله فصاح الحسين (عليه السلام) ويلكم يا شيعة آل سفيان ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم هذه وارجعوا إلى أحسابكم ان كنتم عربا كما تزعمون فناداه شمر ما تقول يا ابن فاطمة فقال أقول إني أقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حيا فقال شمر لك ذلك يا ابن فاطمة ثم صاح إليكم عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه فلعمري هو كفؤ كريم فقصدوه بالحرب وجعل شمر يحرضهم على الحسين (عليه السلام) والحسين يحمل عليهم فينكشفون عنه وهو في ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجد وكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتى اجلوه عنه ولما أثخن بالجراح وبقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة فسقط عن فرسه على الأرض على خده الأيمن ثم قام وخرجت أخته زينب إلى باب الفسطاط وهي تنادي وا أخاه وا سيداه وا أهل بيتاه وقد دنا عمر بن سعد فقالت يا عمر : أ يقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه فدمعت عيناه حتى سالت دموعه على خديه ولحيته وصرف وجهه عنها ولم يجبها بشئ فنادت ويلكم أ ما فيكم مسلم ، فلم يجبها أحد بشئ وقاتل (عليه السلام) راجلا قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية ويفترص العورة ويشد على الخيل وهو يقول : أ على قتلي تجتمعون اما والله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله ، الله اسخط عليكم لقتله مني وأيم الله اني لأرجو ان يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون اما والله لو قتلتموني لألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم ثم لا يرضى لكم بذلك حتى يضاعف لكم العذاب الأليم ولم يزل يقاتل حتى أصابه اثنان وسبعون جراحة فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال فبينا هو واقف إذ اتاه حجر فوقع على جبهته فاخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته فاتاه سهم مسموم له ثلاث شعب فوقع على قلبه فقال بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم رفع رأسه إلى السماء وقال إلهي تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيره ثم أخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره فانبعث الدم كأنه ميزاب فضعف ووقف وتحاماه الناس فمكث طويلا من النهار وكلما جاءه أحد انصرف عنه كراهية ان يلقى الله بدمه وصاح شمر بالفرسان والرجالة ويحكم ما تنتظرون بالرجل اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم فحملوا عليه من كل جانب فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى وضرب الحسين (عليه السلام) زرعة فصرعه وضربه آخر على عاتقه المقدس ضربة كبا بها لوجهه وكان قد أعيا وجعل يقوم ويكبو وطعنه سنان بن انس النخعي في ترقوته ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره ورماه بسهم فوقع في نحره فسقط وجلس قاعدا فنزع السهم من نحره وقرن كفيه جميعا فكلما امتلأنا من دمائه خضب بها رأسه ولحيته وهو يقول : هكذا القى الله مخضبا بدمي مغصوبا علي حقي .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.