المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



معيار التمييز بين الخير والشر  
  
1422   08:34 صباحاً   التاريخ: 2023-09-25
المؤلف : الشيخ محمد تقي فلسفي
الكتاب أو المصدر : الشاب بين العقل والمعرفة
الجزء والصفحة : ج2 ص226ــ228
القسم : الاسرة و المجتمع / معلومات عامة /

إن الضمير الأخلاقي هو مشعل وهاج أناره الله سبحانه وتعالى في أعماق الإنسان ليستنير به مسيرة حياته المظلمة ويتبين من خلاله الصفات الحسنة من السيئة. والضمير الأخلاقي دليل صادق يخاطبنا من أعماقنا ليهدينا إلى سبيل الفضيلة. والضمير الأخلاقي هو المعيار الذي يميز به الشاب والهرم ، القروي والمدني ، المثقف والامي بين الخصال الحميدة والذميمة ، وهو ملازمنا في سفرنا وحضرنا ومرضنا وسلامتنا وفي جميع حالاتنا حتى نهاية أعمارنا .

الانقياد لنداء الذات:

لقد بين أئمتنا سلام الله عليهم أجمعين في مناهجهم التربوية أهمية استثمار قوة الضمير الأخلاقي ، وأكدوا مراراً وتكراراً أن من واجب كل إنسان الانقياد لنداء ذاته في تعامله مع الناس.

في خبر الشيخ الشامي قال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا شيخ ارضَ للناسِ ما ترضى لنفسك وآت إلى الناس ما تحب ان يؤتى إليك(1).

وعن علي بن الحسين (عليه السلام):... وكف الأذى عنهم وأن تجب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك(2). 

الضمير والصفات الإنسانية:

إذا ما انقاد الناس فعلاً لنداء الضمير وسعوا إلى التنسيق بينه وبين رغباتهم وغرائزهم فإن العلاقات والروابط الاجتماعية ستتوطد وسيشعر كل إنسان بمسؤوليته تجاه أخيه الإنسان وسيسود المجتمعات جو من التآخي والمودة. فإحياء الضمير الأخلاقي من شأنه أن يحي الملكات الإنسانية الفاضلة والصفات النبيلة في كيان الإنسان ضامناً بذلك سعادته الفردية والاجتماعية.

أما إذا تجاهل الناس نداء الضمير وراحوا يلهثون وراء غرائزهم دون رادع أو وازع فإن السجايا الأخلاقية ستمحي تدريجياً وستزول أسس الفضائل الإنسانية وسيصبح الناس وحوشاً كاسرة ينتهكون حدود بعضهم البعض ويعتدون على حقوق بعضهم بعضاً ويغرقون في الفساد والرذيلة جالبين لأنفسهم التعاسة والشقاء.

السعادة في ظل الضمير:

«يقول البروفسور «هنري باروك» : لا بد للضمير الأخلاقي أن يتحرك في جهة معينة وبنحو عادل في خدمة الخير والجمال. ويوجد في عمل الضمير الأخلاقي نوع من حكم القيم، وهذا الجانب إذا ما تم إشباعه يحصل السلام الروحي والسعادة الباطية».

«إن أفضل سبيل يسلكه الإنسان هو السيطرة على أعماله إرضاء لضميره الأخلاقي، ومن شأن هذا السبيل أن يعود بالنفع على الفرد والمجتمع في آن واحد ويربطهما معاً لبلوغ الإستقرار والسعادة المشتركة» .

الوحشية في ظل انعدام الضمير:

«إن محاولة مسخ الضمير أو تجاهله ليست سوى سراب لا يمكن تحقيقه ، لأن مسخ الضمير هو في الواقع بمثابة القضاء على الحكم الذاتي الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من الإنسان ، وهذا أمر مستحيل، لأننا لو قلنا بإمكانية مسخ الضمير الأخلاقي في الإنسان وتجريده من هذا البعد الإنساني فإنه لن يبقى من الإنسان سوى حيوان متوحش ، وتتساقط سبل الحياة الاجتماعية ويسود المجتمع جو من الظلم والاستبداد ليتحول تدريجياً إلى تجمع للحيوانات والرقيق ، وفي هذه الحالة لا يمكن للفرد أن يشعر بالسعادة بل على العكس سيرى نفسه أسير الذل والعبودية» .

«إن الخطأ الذي يقع فيه غالبية الناس هو أنهم يتصورون أن الإشباع اللامحدود للغرائز يمكنه ان يكون مصدراً لسعادتهم وهنائهم، بينما يؤدي هذا الأمر في الحقيقة إلى القضاء على الغرائز نفسها وبالتالي إلى تدمير وانتحار الفرد والمجتمع»(3).

البلوغ وتفتح الضمير:

بالرغم من بروز الضمير الأخلاقي في الإنسان خلال مرحلة الطفولة حيث يبدأ الأطفال بتشخيص الفضائل والرذائل الأخلاقية إلى حدّ ما، إلا أنه وخلال أعوام البلوغ حيث تطرأ تطورات شاملة على الأطفال يكمل الضمير الأخلاقي وكذلك كافة الغرائز تفتحها الواحدة تلو الأخرى وسرعان ما تسيطر على جسم المراهق وروحه.

والملفت أن الضمير الأخلاقي يكتمل تفتحاً قبل أي من الغرائز. وهنا نأخذ الغريزة الجنسية كمثال ، هذه الغريزة قبل أن تتجلى في أعماق المراهق وتبث في نفسه الرغبة في الجماع يكون الضمير الأخلاقي قد طوى مسيرته التكاملية في أعماقه ، وكأن الله سبحانه وتعالى شاء أن يزود الإنسان بقوة الضمير والوجدان قبل أن تجتاحه أعاصير الغرائز وذلك ليتمكن من مواجهتها وتعديلها في الوقت المناسب ليقي نفسه من الإنحرافات الخلقية .

_____________________________

(1) مستدرك الوسائل2، ص309.

(2) مكارم الأخلاق، ص 234.

(3) الطب النفسي الإجتماعي، ص97. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.