أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-10-2014
2351
التاريخ: 12-02-2015
2266
التاريخ: 2023-08-27
1145
التاريخ: 2023-08-13
1139
|
«معين» ام «شاهد»؟
قال تعالى : {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23].
إن الصدق أو الكذب الخبري ناظر إلى انطباق أو عدم انطباق فحوى القضية مع الواقع، وإن الصدق او الكذب المخبري ناظر إلى علم المخبر بانطباق أو عدم انطباق مضمون القضية مع الواقع. وأحياناً يجتمع الصدق الخبري مع الصدق المخبري أو يجتمع كذبهما معاً وأحياناً أخرى يكونان مفترقين عن بعضهما. إنما يتحقق صدق المخبر أو كذبه في حالة إخباره؛ فإذا لم يخبر الشخص عن شيء ما فلا هو بصادق ولا بكاذب؛ لأن هذين المتقابلين هما من سنخ الملكة والعدم، وليسا من سنخ النقيضين. من هنا فإن ارتفاع كليهما أمر ممكن؛ نظير البصير والأعمى حيث أنهما منفيان عن الحائط. تأسيساً على هذا . فما لم يكن هناك خبر أو ادعاء، فلا مجال لنسبة الصدق أو الكذب إلى الشخص.
فبالنسبة للذين كانوا في ريب وشك من نبوة الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) فاذا كانوا -حقيقة - شاكين فيها، ولم يصدر منهم اي إخبار عن القران إيجاباً أو سلباً، لم يكن هناك مجال لنعتهم بالصدق أو الكذب بالنسبة للواقع؛ لأن الشك المحض هو من سنخ التصور وهو مفرد، وليس تصديقاً وقضية. أما إذا كانوا قد أفصحوا عن خصوصياتهم النفسانية وقالوا: نحن شاكون في إعجاز القرآن، فسيصبح صدقهم أو كذبهم متصوراً في هذه الحالة؛ ذلك أنهم قد أخبروا عن حقيقة يحتمل الإخبار عنها الصدق أو الكذب: بمعنى أنهم إن كانوا - واقعاً - مرتابين ولم يكن إعجاز القرآن قد ثبت لديهم، كان ادعاؤهم بالشك صحيحاً والإخبار عنه صدقاً، وإذا كانوا قد أدركوا حقيقة أن القرآن معجزة، وكتموا ما في قلوبهم من علم مدعين الشك والريب، كان ادعاؤهم باطلا، والإخبار عنه كذباً.
ولما كان الريب شكا ممزوجاً بالافتراء والتهمة، فهو قابل للتحليل من جهتين: من حيث احتماله للصدق والكذب، وقابليته للإثبات والإبطال؛ أ: فالتهمة والافتراء هما إخبار عن واقع، وهما يحتملان الصدق والكذب، وقابلان للإثبات أو النفي، ب: والشك هو حقيقة نفسانية والإخبار عنها يحتمل الصدق والكذب وبالإمكان مجابهته -حين إظهاره - بالتصديق أو التكذيب. بناء على ذلك، لابد أن يكون هناك إخبار يحتمل الصدق أو الكذب أولاً، ويكون من المتيسر إثباته أو نفيه ثانياً. من هنا فإن بالإمكان تفسير (شهداء)، وهي جمع (شهيد)، بمعنى الشاهد على صدق المدعى؛ لأن هؤلاء قد أخبروا عن الواقع أيضاً (بالافتراء والتهمة). فهم من هذا المنطلق كانوا يقولون: إننا لو شئنا لأتينا بمثل هذا الكتاب: {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا } [الأنفال: 31] ، وهم يخالون أنفسهم صادقين في هذا الإخبار؛ كما ويمكن اعتبار أنها جمع «شهيد» بمعنى الناصر والمعاون.
بعض المفسرين ذهبوا إلى أن كلمة «شهيد» في الآية محل البحث هي بمعنى «الشاهد» وليس «المعين»(1) ، وبناء على المعنى المذكور تصبح هذه الآية في مقابل الآيات التي تقول: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43] ؛ فرداً على الكفار الذين يقولون: لست مرسلا، قل: إن لدي شاهدين على ذلك:
الأول هو الله، والثاني هو الشخص الذي عنده علم كل الكتاب (وهو، وفقاً للروايات المستفيضة، علي بن أبي طالب عgdi hgsghl )(2).
فالمفسرون المذكورون يقولون في معنى الآية : النبي الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم)يدعي الرسالة الإلهية، وإن الشاهد على رسالته كتاب الله الذي تلقاه؛ فإن كنتم تقولون: إن هذا كلام بشر فأتوا بشاهد ليشهد على أن هذا الكتاب كلام بشر وليس كلام الله.
وجوابا على هؤلاء المفسرين يتعين القول: إن المعنى الأول للشهيد (الناصر والمعين) مطابق لآيات التحدي الأخرى، كما أنه منسجم مع الواقع القائم في عصر نزول القرآن؛ لأن الناس في ذلك الزمان كانوا إما مؤمنين؛ وهم الذين قبلوا بدعوى الرسالة، وإما كفار؛ وهم أنفسهم من كان يدعي الافتراء، لا الشهادة، وإما منافقين؛ وهم وإن كانوا كفاراً في الباطن إلا أنهم لم يكونوا في الظاهر يشهدون بالاختلاق والافتراء، ومن هذه النقطة ينشب الخلاف بين العرب أنفسهم؛ لأن العرب المؤمنين وحتى المنافقين قد أذعنوا بأن هذا الكتاب هو معجزة، وإذا كان الكافر يشهد بان للقران نظيرا، فإن شهادته لم تكن مسموعة، لأنها تمسي من باب اتحاد الشاهد والمدعي من ناحية، وتنازع الشهداء من ناحية اخرى (3).
تنويه: إن إقامة الشاهد بمعنى الشاهد في سوق عكاظ أو في غيره من ميادين المفاخرة هو، بحد ذاته، إظهار للناصر والمعين. المعنى الثاني للشهيد (الشاهد) له تناسب داخلي من جانب من الجوانب؛ أي إنه أكثر انسجاما مع نص الآية محط البحث؛ والسبب هو انه إذا كانت الدعوة للنصرة فإنها تذكر قبل إنجاز الفعل المعهود؛ مثل: {فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} [الأعراف: 194] ، {قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ} [الأعراف: 195] ، { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} [الإسراء: 56] فبما ان الإعانة في هذه الموارد مطلوبة في أصل الفعل، فإن الدعوة تذكر قبل القيام بالفعل، أما إذا ذكرت الدعوة بعد القيام بالفعل، فسوف تكون دعوة للإدلاء بالشهادة، وليس المساعدة في اصل الفعل.
بطبيعة الحال إن الشهادة على صدق مدع هي بحد ذاتها تأييد ونصرة له، ولما كانت الدعوة في الآية مورد البحث قد جاءت بعد إيراد أصل الفعل الذي هو الإتيان بسورة تماثل القرآن، فإن المناسب هنا هو الشهادة، وليس النصرة. بالطبع إن هذا الوجه ايضا يستحق التأمل من باب النقد؛ ذلك لأنه في الآية : {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس: 38]، و الآية : {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [هود: 13] وعلى الرغم من أن الدعوة جاءت بعد بيان أصل الفعل، فهي مع ذلك بمعنى النصرة، إلاً أن يقال إن المدعوين، في خصوص مورد البحث، هم الشهداء، وإن أصل شهادتهم هي بمعنى الشهادة وليست النصرة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1. التفسير الكبير، مج 1، ج 2، ص130.
2. بحار الانوار،ج35، ص429 - 435.
3.لمزيد من التفصيل في هذا البحث يمكن الرجوع إلى جامع البيان، ج 1، ص219.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|