أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-02-10
1194
التاريخ: 29-1-2023
1504
التاريخ: 2024-05-20
819
التاريخ: 31-1-2023
1368
|
فمن الملاحّظ أنّ القرآن الكريم تحدّث عن مجموعةٍ من الأنبياء يشتركون في خصوصيّة : أنّهم يعيشون جميعاً في منطقة الشرق الأوسط ، أي المنطقة التي كان يتفاعل معها العرب الذين نزل القرآن في محيطهم ومجتمعهم.
وقد تُفسَّر هذه الظاهرة لأوّل وهْلةٍ بأنّ النبوّات لمّا كانت بالأصل في هذه المنطقة ، ومن خلالها انتشر الهدى في جميع أنحاء العالم ، حيث كانت البشرية تعيش في البداية بهذه المنطقة ولا يوجد في المناطق الأُخرى نبوّات وأنبياء ، كما قد يُفهم ذلك من خلال الاستعراض التأريخي للنبوّات وتأريخ الإنسان في التوراة ، وحينئذٍ لا تعني هذه الخصوصيّة ظاهرة تحتاج إلى تفسير ، بل هي قضيّة فرضتها الحقيقة التأريخية ويكفي في تفسيرها هذا الواقع التأريخي.
الرسالات الإلهيّة لا تختصُّ بمنطقة الشرق الأوسط :
ولكن توجد شواهد في القرآن الكريم تنفي هذا التفسير لهذه الظاهرة ، فالقرآن يشير في بعض آياته إلى أنّ هناك مجموعة أُخرى من الأنبياء لم يتحدّث عنهم ، مع أنّ حياتهم لا بُدّ وأنّها كانت زاخرةً بالأحداث ، شأنهم في ذلك شأن الأنبياء الآخرين :
{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [ النساء : 163 ـ 164].
كما أنّ هذا المضمون جاء ـ أيضاً ـ في سورة غافر : (78).
علماً بأنّ سورة النساء من السور المدنية المتأخّرة ، ومن هنا فلا مجال لاحتمال أنّ هذه الآية نزلت في مدّةٍ زمنيّةٍ لم يكن القرآن قد تعرّض فيها إلى جميع قصص الأنبياء التي وردت في القرآن الكريم فعلاً.
كما أنّ هناك مجموعة من الآيات تدل على أنّ الأنبياء والرسل كانوا يُبعثون إلى كلّ قريةٍ ومدينةٍ لإقامة الحجّة من الله على الناس ، كما نفهم من الآية (165) من سورة النساء ، التي جاءت في سياق الآيتين السابقتين :
{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء : 165].
إضافةً إلى موارد أُخرى لها هذه الدلالة :
{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل : 36].
{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ...} [التوبة : 115].
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [يونس : 47].
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر : 24].
وجاء التعبير في بعض الآيات عن ذلك بوجود الشهيد في كلّ أُمّة (1).
تفسير الاختصاص بالمنطقة المحدودة :
ومن هنا فلا بُدّ من تفسير هذه الظاهرة بتفسيرٍ آخر ، ويمكن أن يكون هذا التفسير هو : أنّ القرآن الكريم إنّما خصّ هؤلاء الأنبياء بالذكر باعتبار أنّ الغرض الأساس من القصّة ـ كما ذكرنا ـ هو انتزاع العبرة واستنباط القوانين والسنن التأريخية منها ، ولم يكن الغرض من القصّة السرد التأريخي لحياة الأنبياء أو كتابة تأريخ الرسالات ، ولذلك يتحدّث القرآن عن الأُمور العامّة المشتركة بين هؤلاء الأنبياء عدا بعض الموارد التي يكون هناك غرضٌ خاصٌّ في طرح بعض القضايا فيها.
ولمّا كان تأثير القصّة في تحقيق هذه الأغراض يرتبط بمدى إيمان الجماعة بواقعيّتها ، وإدراكهم لحقائقها ، ومدى انطباق ظروفها على ظروف الجماعة نفسها ، لذا تكون القصّة المنتزعة من تأريخ الأُمّة نفسها ، ومن واقعها وظروفها وحياتها ، أكثر تأكيداً وانطباقاً على السنّة التأريخية.
وبذا تكون هذه القصص أكثر انسجاماً مع هذا الهدف القرآني ، بلحاظ أنّ القاعدة التي يريد أن يحقق القرآن الكريم التغيير فيها في المرحلة الأُولى هي الشعوب التي تسكن هذه المنطقة ، وتتفاعل مع هذا التأريخ ، وهذا لا يعني أنّ القرآن تختص هدايته بهذه الشعوب ، بل إنّ أحد أغراض القرآن هو إيجاد التغيير في هذه الشعوب كقاعدةٍ ينطلق منها التغيير ، ويستند إليها في مسيرته إلى بقيّة الشعوب كما حصل ذلك فعلاً.
صحيح أنّه قد تكون القصّة المنتزعة من تأريخ النبوّات التي كانت في الهند أو الصين ـ على فرض وجودها في تلك المناطق وهو فرض منطقي ومقبول جدّاً ـ مؤثرة في الشعب الهندي أو الصيني ، إلاّ أنّ القرآن الكريم كان مهتمّاً بشكلٍ خاصٍّ وفي مرحلة نزوله بتغيير القاعدة التي تتمثّل بالشعب العربي والشعوب المتفاعلة معه فعلاً في ذلك الوقت ، وضرب الأمثال وسرد القصص عن هذه الأُمم ، مع أنّها لم تكن موجودةً في المحيط الذي نزل فيه القرآن ، يبعد القصّة بأكملها عن الواقعية التي كان يحرص القرآن الكريم على تأكيدها في قصصه ، ولم يكن يكتفي منها أنّها مجرّد أمثال وتصوّرات ، بل كان يؤكّد صدقها.
وبلحاظ أنّ التغيير العام للإنسان الذي كان يستهدفه القرآن أيضاً ، أُريد له أن يُطلق من تلك القاعدة ، وهذه القصص هي التي يمكن أن تساهم في تحقيقه.
وتبقى النتائج العامّة المشتركة بين الأنبياء ذات تأثير عام بالنسبة إلى مختلف الشعوب؛ فقصّة النبيِّ الواحد لها تأثيرٌ خاصّ يرتبط بالوسط الذي تواجد فيه ذلك النبي ، باعتبارها حالة التجسيد المعاش في ذلك الوسط ، وذات التأثير الشعوري والوجداني بالنسبة إلى ذلك الوسط ، وفي الوقت نفسه يكون للقصّة تأثيرٌ عام ضمن المفاهيم العامّة والسنن التأريخية التي توحي بها القصّة ، والعِبَر التي يمكن أن تُستخلَص منها ، وهذا ما يمكن أن تستفيد منه كلُّ الشعوب.
وبذلك يتحقّق للقرآن الكريم بُعده العام الشامل ، ويبقى حيّاً ومؤثّراً في هذا الوسط وغيره من الأوساط الإنسانية.
ولكن يكون للبُعد الأوّل المتمثّل في التأثير الخاص أثره في تحقيق الهدف التغييري في خلق القاعدة التي تنطلق منها الرسالة.
نعم من الصحيح أن نقول أيضاً : إنّ أنبياء مثل : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى يمثّلون الأُصول العامّة للنبوّات في كلِّ العالم ، وكان خاتمهم النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله) يمثّل امتداداً لتلك النبوّات ، ولكن نجد أنّ القرآن لم يتحدّث عن هذه الأُصول وتفرّعاتها فحسب ، بل تحدّث عن أنبياء مثل : صالح وشعيب وهود ويونس وإدريس وغيرهم ممّن يمثّلون نبوّاتٍ ليست بهذا القدْر من الأهمّيّة على الظاهرة. والله هو العالم بحقائق الأُمور.
________________________
(1) النساء : 41 ، النحل : 84 ، القصص : 75.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|