المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



الإمام المهدي (عليه السلام) في واجهة الصراع  
  
1779   06:51 مساءً   التاريخ: 2023-08-24
المؤلف : الشيخ خليل رزق
الكتاب أو المصدر : الإمام المهدي ( ع ) واليوم الموعود
الجزء والصفحة : ص 539-553
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام محمد بن الحسن المهدي / الدولة المهدوية /

بعد هذه السلسلة من الأحداث الهامة التي تشهدها منطقة الظهور وما يجري فيها من متغيرات على مستوى الأنظمة الحاكمة ، والمعارك والحروب التي يخوضها أتباع الإمام والمؤيدين له في مواجهة أعدائه رموز الكفر والانحراف في ذلك الزمان .

بعد هذا كله يبرز إلى الميدان الدور الريادي والقيادي للإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ليدير حركة الصراع بنفسه ، ويتولى وضع حجر الأساس لدولة العدل والرخاء المرتقبة .

وبطبيعة الحال فإن ظهوره عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف إلى واجهة الأحداث يشكّل مفاجأة بل صدمة لأعداء الدين والإسلام . وسيكون لبعض فئات الناس موقفا سلبيا منه عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .

يروي الفضل بن يسار فيقول : سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول :

« إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشدّ مما استقبله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من جهال الجاهلية ، قلت : وكيف ذاك ؟ قال إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة ، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأوّل عليه كتاب اللّه يحتجّ عليه به ، ثم قال : أما واللّه ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحرّ والقرّ »[1].

وهذا يدل على أن الذين يكونون في الصف العدائي الأوّل للإمام هم فئات من المسلمين تحاول تأويل ظاهر الكتاب العزيز وفق آرائها ومعتقداتها .

لذا فإنه عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف بعد انتقامه وثأره من قتلة الحسين عليه السّلام - كما أشرنا سابقا - يعمل على استئصال المنحرفين في جسم الأمة الإسلامية ، ويقاتل الخوارج عليه وعلى الدين لدرجة يكثر معها القتل والخراب .

وهذا الأمر يصبح موضع استغراب واستنكار لدى الكثيرين مما يدفعهم إلى إنكار كونه عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف هو القائم المهدي لأنهم يعتقدون أن سيرته هي العفو والصفح واللين ، وأشارت الروايات إلى اختلاف سيرته عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف عن سيرة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وطريقة معاملته مع من حاربه ونصب العداوة له وأيضا اختلافها عن سيرة أمير المؤمنين عليه السّلام وسائر الأئمة المعصومين عليهم السّلام .

فعن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول :

« لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه ، مما يقتل من الناس . . . حتى يقول كثير من الناس ليس هذا من آل محمد ولو كان من آل محمد لرحم »[2].

وعن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قلت له : صالح من الصالحين سمّه لي أريد القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف فقال :

« اسمه اسمي ، قلت أيسير بسيرة محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال : هيهات هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته ، قلت : جعلت فداك لما ؟ قال : إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم سار في أمته بالمن ، كان يتألف الناس ، والقائم يسير بالقتل ، بذاك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحدا ، ويل لمن ناواه »[3] .

ومن الروايات التي تتحدث عن شدة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف على أعدائه ما رواه أبو خديجة عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال :

« إن عليا عليه السّلام قال : كان لي أن أقتل المولين وأجهز على الجريح ، ولكني تركت ذلك للعاقبة من أصحابي إن جرحوا لم يقتلوا ، والقائم له أن يقتل المولي ويجهز على الجريح »[4].

وعن الحارث الأعور الهمداني ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام :

« بأبي ابن خيرة الإماء - يعني القائم من ولده عليه السّلام - يسومهم خسفا ويسقيهم بكأس مصبّرة ، ولا يعطيهم إلا السيف هرجا فعند ذلك تتمنى فجرة قريش لو أن لها مفادة من الدنيا وما فيها ليغفر لها ، لا نكفّ عنهم حتى يرضى اللّه »[5].

والسبب في موقف الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف لعله لوجود الفارق والاختلاف بين عصره وعصر النبي الأعظم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حيث كان صلوات اللّه عليه قد بعث لإبلاغ الناس رسالة الإسلام ، وإرشادهم إلى صراط اللّه المستقيم ومن الطبيعي أن يعطي الفرصة للناس ويترك لهم مجالا للتفكير لاختيار الطريق الصحيح .

أما في عصر المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف فإن الحجة البالغة قد تمّت ، والبشرية قد مرّت بفترة الاختبار والتمحيص ، وأعطيت الفرصة الكافية للوصول إلى الحقيقة ، ومن المفروض بعد هذه الفترة الطويلة أن يصل كل فرد في هذه الأمة إلى أعلى درجات الإيمان واليقين . . . فطبيعة التعامل مع المجتمع الإسلامي الأول يفترض أن تختلف عن طبيعة القوانين والأحكام التي سيتم التعامل فيها مع مجتمع الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .

ولما كان عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف مأمورا بإقامة دولة العدل ، دولة الأنبياء التي هي عصارة جهدهم وجهادهم أمر أن يعمل بالسيف في وجه كل من يريد الوقوف في وجه تطبيق العدالة الإلهية في المجتمع الإنساني ، لذا فإنه وإن كانت بعض الروايات قد ذكرت أن الإمام يعرض الإيمان على الناس قبل أن يفرضه عليهم من قبيل ما روي عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه قال :

« إذا قام القائم عرض الإيمان على كل ناصب ، فإن دخل فيه بحقيقة وإلا ضرب عنقه أو يؤدي الجزية كما يؤديها اليوم أهل الذمة . . . »[6].

إلا أن معظم الروايات أشارت إلى أنه قد أمر من اللّه بأن يستأصل المنحرفين دون أن يستتيبهم لأن فرصة التوبة قد ولت ولم يعد هناك مجال لفرصة ثانية يمكن أن تتاح لهم .

وهذا الأمر لا يتنافى مع الروايات التي فيها أن المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف « لا يهرق دما ولا يوقظ نائما » لأنها تتحدث عن المجتمع العادل الذي يؤسسه الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في دولته العالمية ، المجتمع الذي تعمه السعادة والرفاهية ، وتندر فيه أسباب الجريمة الذي تنتفي فيه الحاجة إلى القتل .

أما الأخبار التي أشارت أو تحدثت عن سيرته عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف بالقتل فإنها ناظرة إلى أسلوب الفتح العالمي وتأسيس دولة العدل الشاملة التي لا بد فيها من اللجوء إلى القوة واستعمال السلاح وبالتالي حصول القتل الشديد .

والفئات المناهضة والمحاربة للإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف والتي تقف في مواجهته بالسلاح هي ثلاث عشرة مدينة وطائفة .

فعن يعقوب السراج قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول :

« ثلاث عشرة مدينة وطائفة يحارب القائم أهلها ويحاربونه : أهل مكة ، وأهل المدينة ، وأهل الشام ، وبنو أمية ، وأهل البصرة ، وأهل دميان ( دشت ميشان ) والأكراد ، والأعراب ، وضبة ، وغنى ، وباهلة ، وأزد البصرة ، وأهل الري »[7].

وذكر الشيخ المفيد في الإرشاد خروج جماعة من الكوفة يقدّر عددهم ببضعة عشر ألف نفس يدعون البترية يقاتلون الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ويقاتلهم[8].

فالجو العام الذي يحيط بظهور الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وفقا للروايات هو أنه سوف يواجه في مختلف المناطق الإسلامية حروبا مسلحة ومناوشات .

ويأتي في طليعة هذه الحروب والمعارك التي يخوضها ضد السفياني إلى أن يتم القضاء عليه وعلى أتباعه ، ولعلها تكون الحرب الأولى التي يخوضها الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وتحصل قبلها بعض الأحداث والمفاوضات بين الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف والسفياني يمكن تلخيصها على الشكل التالي :

بعد حدوث الخسف يحصل عند السفياني حجة واضحة في أن الحق إلى جانب المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف . فيقول : لعمر اللّه لقد جعل اللّه في هذا الرجل عبرة . بعثت إليه ما بعثت فساخوا في الأرض . إن في هذا لعبرة ونصرة .

ويسير المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف حتى ينزل الكوفة في هذا الجو الملائم ، فيطلب السفياني مواجهته في الكوفة ، فيتقابلان .

فيتكلم معه الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف فيزيده عقيدة به . فيبايعه السفياني ، ويعتقد بإمامته ، ولم تصرح الروايات بالصيغة المتفق عليها بينهما . غير أن المفهوم عموما أنه ليس تنازلا مطلقا من قبل السفياني . بمعنى أنه يبقى حاكما سياسيا كما كان بالرغم من مبايعته .

ويخرج السفياني عائدا إلى عاصمته ، فيستقبله أهل الحل والعقد من جماعته ، وفيهم عدد كبير من المتطرفين المسيطرين . ذكرت الأخبار أنهم من عشيرة أمه ، من قبيلة كلب . فيسألونه عن نتائج المباحثات . فيخبرهم بمبايعته .

فيشجبون موقفه ويعيرونه عليه ، باعتبار أنه قد أصبح تابعا بعد أن كان متبوعا .

ولا يمكن أن يكون للسفياني بشخصه موقف مستقل ضد خاصته ومستشاريه . فيسألهم عن الرأي الصائب في نظرهم .

فيقترحون عليه خلع البيعة ومواجهة المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف مواجهة صارمة . فيعود السفياني إلى المهدي طالبا خلع البيعة وإقالته منها . فيقيله المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف منها .

وبذلك يصبح خارجا عن طاعته . فيهدده المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف بالقتال ، فلا يكون للسفياني بد من القبول . وظاهر سياق الروايات في هذه النقطة أن المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف يقاتل السفياني وهو - أعني السفياني - بعيد عن عاصمته ، مع جماعته القليلة الذين جاؤوا معه إلى مقابلة المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف . فيفنى عسكر السفياني ويباشر المهدي قتل السفياني بنفسه ، كما تقول الروايات .

وتبقى عاصمة السفياني بمن فيها من مسيطرين ومنحرفين بدون حاكم ، فيسرع المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف إليها بجيشه ، فتسقط بيده بسهولة . ويستولي جيش المهدي على أموالهم « والخائب يومئذ من خاب من غنيمة كلب » .

وبذلك تسقط المنطقة التي يحكمها السفيانين كلها في يد الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ويصبح عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف حاكما عاما عليها[9].

وبهذا المضمون وردت روايات منها ما عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه قال :

« إذا بلغ السفياني أني القائم قد توجّه إليه من ناحية الكوفة يتجرّد بخيله حتى يلقى القائم ، فيخرج فيقول : أخرجوا إليّ ابن عمّي ! فيخرج عليه السفياني فيكلّمه القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف فيجيء السفياني فيبايعه ، ثم ينصرف إلى أصحابه فيقولون له : ما صنعت ؟ فيقول : أسلمت وبايعت ، فيقولون له : قبح اللّه رأيك بين ما أنت خليفة متبوع فصرت تابعا ! فيستقيله فيقيله ثم يمسون تلك الليلة ثم يصبحون للقائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف بالحرب فيقتتلون يومهم ذلك ، ثم إن اللّه يمنح القائم وأصحابه أكتافهم فيقتلونهم حتى يفنوهم ، حتى أن الرجل يختفي في الشجرة فتقول الشجرة والحجرة : يا مؤمن هذا رجل كافر فاقتله فيقتله ، قال : فتشبع السباع والطيور من لحومهم ، فيقيم بها القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ما شاء قال : ثم يعقد بها القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ثلاث رايات : لواء إلى القسطنطينية يفتح اللّه له ، ولواء إلى الصين فيفتح له ، ولواء إلى جبال الديّلم فيفتح له »[10].

وعن قتال الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف للسفياني وانتصاره عليه روى المجلسي في البحار عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه قال :

« يهزم المهدي السفياني وجيشه ويقتلهم أجمعين ، ويذبح السفياني تحت شجرة أغصانها مدلاة في بحيرة طبرية مما يلي الشام »[11].

وبهذا تنتهي حياة هذا الطاغية الملعون الذي سفك الدماء وقتل الأبرياء ووقف في مواجهة راية الحق والعدل ، وتنتهي معه أسطورة الطغاة والجبابرة من على هذه الأرض .

نزول عيسى عليه السّلام وخروج الدجال :

تعتبر قضية نزول النبي عيسى ابن مريم عليه السّلام من السماء عند ظهور الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف من الحقائق الثابتة عند جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم ، وهي من القضايا والأمور التي لا تقبل الشك والجدل .

وهذه المسألة مورد إجماع لدى مصادر السنة والشيعة ، وبذلك فسر أكثر علماء التفسير قوله تعالى :

وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً[12].

ونقل صاحب مجمع البيان عن ابن عباس وأبي مالك وقتادة وابن زيد والبلخي ، وقال : واختاره الطبري .

وروى صاحب البحار تفسير هذه الآية نقلا عن الإمام الباقر عليه السّلام في حديث يقول فيه :

« ينزل قبل يوم القيام إلى الدنيا ، فلا يبقى أهل ملّة يهودي ولا نصرانيّ إلا آمن به قبل موته ، ويصلّي خلف المهدي »[13].

وأما الأحاديث والروايات التي نقلها علماء الفريقين نذكر منها :

أخرج البخاري عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :

« والذي نفسي بيده ليوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا ، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ( الحرب ) ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها » .

ثم يقول أبو هريرة : واقرأوا :

وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ[14].

وأخرج مسلم عن أبي هريرة حديثا وفيه :

« . . . وليضعن الجزية ، ولتتركن القلاص فلا يسعى إليها ، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد ، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد »[15].

ويذكر البخاري اقتداء النبي عيسى عليه السّلام بالإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في حديث عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :

« كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم »[16].

وذكر هذا الحديث مسلم في صحيحه[17] ، وأحمد بن حنبل في مسنده[18].

وفي عقد الدرر عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :

« يلتفت المهدي وقد نزل عيسى ابن مريم كأنما يقطر من شعره الماء فيقول المهدي : تقدّم وصل بالناس ! . . . فيقول عيسى ابن مريم :

إنما أقيمت الصلاة لك . فيصلي عيسى عليه السّلام خلف رجل من ولدي ، فإذا صليت قام عيسى حتى جلس في المقام فيبايعه »[19].

وروى أيضا عن أبي سعيد الخدري أنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :

« منا الذي يصلي ابن مريم خلفه »[20].

وعن أمير المؤمنين في حديثه عن قصة الدجال ونزول عيسى عليه السّلام . . .

يقول :

« ألا وإن أكثر أتباعه أولاد الزنا ، لابسوا التيجان ألا وهم اليهود ، عليهم لعنة اللّه . . . أعور اليمين . . . ويدخل المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف بيت المقدس ، ويصلي بالناس ، إماما ، فإذا كان يوم الجمعة ، وقد أقيمت الصلاة ، نزل عيسى بن مريم عليه السّلام ، بثوبين مشرقين حمر ، كأنما يقطر من رأسه الدّهن ، رجل الشعر ، صبيح الوجه ، أشبه خلق اللّه عز وجل بأبيكم إبراهيم خليل الرحمن عليه السّلام ، فيلتفت المهدي ، فينظر عيسى عليه السّلام فيقول لعيسى : يا بن البتول ، صل بالناس .

فيقول : لك أقيمت الصلاة ، فيتقدم المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف فيصلي بالناس ، ويصلي عيسى عليه السّلام خلفه ، ويبايعه .

ويخرج عيسى عليه السّلام فيلتقي الدجال ، فيطعنه ، فيذوب كما يذوب الرصاص ، ولا تقبل الأرض منهم أحدا ، لا يزال الحجر والشجرة يقول : يا مؤمن تحتي كافر اقتله .

ثم إن عيسى عليه السّلام ، يتزوج امرأة غسّان ، ويولد له منها مولود ويخرج حاجا ، فيقبض اللّه تعالى روحه في طريقه قبل وصوله إلى مكة »[21].

وعنه عليه السّلام أيضا في حديث طويل وفيه :

« . . . عيسى بن مريم ينزل من السماء ، ويكون مع المهدي من ذريتي ، فإذا ظهر فاعرفوه . . . . يقف على باب الحرم فيصيح بأصحابه صيحة ، فيجمع اللّه تعالى عسكره في ليلة واحدة . . .

فيتقدم المهدي من ذريتي ، فيصلي إلى قبلة جده رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، ويسيرون جميعا على أن يأتوا بيت المقدس ، ثم ذكر الحرب بينه وبين الدجال . . . »[22].

وفي كتاب الحاوي على الفتاوي يقول السيوطي في الرد على من أنكر أن عيسى يصلي خلف المهدي .

هذا أعجب من العجب ، فإن صلاة عيسى خلف المهدي ثابتة في عدة أحاديث صحيحة بإخبار الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وهو الصادق المصدق الذي لا يخلفه خبر[23].

وهذه الأحاديث تتضمن دحضا صريحا وواضحا لكل الأفكار والمعتقدات التي اعتبرت أن المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف الذي يخرج في آخر الزمان هو النبي عيسى عليه السّلام وكما أشرنا إلى ذلك في أبحاث الكتاب المتقدمة وأما المضمون العام لهذه الأخبار فقد أشار إليه السيد الصدر في موسوعته القيمة فقال[24]:

« إن الدجال يبلغ قمة مجده وإغرائه وسيطرته على العالم ، ينزل المسيح عيسى بن مريم عليه السّلام من السماء واضعا كفيه على أجنحة ملكين ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق[25] ، يبدو للرائي كأنه خرج من الحمام لوقته ، لأنه إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدرت منه قطرات جمان كاللؤلؤ على وجهه .

وإذا كان المفهوم من الخبر أن هذا خيال للرائي وليس هو برطوبة حقيقية .

وتكون الوظيفة الرئيسية الأولى للمسيح هي قتل الدجال والقضاء عليه ، ويكون الدجال يومئذ في دمشق فيلحقه المسيح ، فيدركه بباب لد فيقتله .

وحينما يقضي على الدجال مهمته الثانية تأييد المؤمنين في العالم والقضاء على الكافرين والمنحرفين ، أما المؤمنين فيواجههم ويحدثهم عن درجاتهم في الجنة ، وأما الكافرين فيقاتلهم على الإسلام ويدق الصليب بمعنى أنه يقضي على المسيحية المعروفة المتخذة للصليب ، ويقتل الخنزير ، بمعنى انه يحرم أكله ويأمر بالقضاء على الموجود للتدجين منه ، ويضع الجزية على من بقي على دين اليهودية والنصرانية ، كما فعل رسول اللّه معهم . فيمكث في الأرض أربعين سنة ، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون .

وأما المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف فهو الشخص الرئيسي من هؤلاء المؤمنين الذين يواجههم المسيح . وحين تحين الصلاة بعد وصولهم إليه أو وصوله إليهم ، يدعوه الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف احتراما له ، أن يكون هو الإمام في صلاة الجماعة . فيأبى ذلك قائلا : لا . إن بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة اللّه لهذه الأمة . يعني أن الأمة الإسلامية لا بد ، في الحكم الإلهي ، أن يحكمها شخص منها ، وحيث أن المسيح عليه السّلام ليس منها ، باعتباره نبيا لدين سابق ، إذن فلا ينبغي أن يحكم المسلمين ، أو أن يأمهم في الصلاة . وبعد هذا الاعتذار ، يتقدم المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف إماما للصلاة ويصلي المسيح عليه السّلام خلفه مأموما .

وسيحين خلال هذه المدة ، الوقت المناسب لمنازلة الكافرين والمنحرفين ، متمثلين بيأجوج ومأجوج ، وبالرغم من أن القيادة العالمية إنما هي بيد الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف غير أن قيادة الحرب ستكون بيد المسيح عليه السّلام ، ومن هنا نسب القضاء على يأجوج ومأجوج إليه ، كما نسب قتل الدجال إليه أيضا ، مع أن هناك من الأخبار ما يدل على أن المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف هو الذي يقتل الدجال ، وكلا النسبتين صادقة ، باعتبار وحدة العمل والهدف . . . انته كلامه .

ولنزول النبي عيسى ابن مريم عليهما السّلام في عصر ظهور الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف أبعاد ودلالات ، وهو في نفس الوقت حكمة ومعجزة وآية من اللّه سبحانه وتعالى وتحقيق للوعد القرآني الذي أخبرنا عن رفع اللّه تعالى للمسيح إليه حين أراد اليهود قتله فشبّه لهم وقتلوا غيره مكانه ولعل أهم وأبرز حكمة من اللّه في نزول عيسى عليه السّلام عند الظهور هي تقوية جانب الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، والاعتراف والتصديق بأنه حق لا ريب فيه ، وخاصة بعد اقتدائه عليه السّلام بالإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في الصلاة .

ومن هذه الأبعاد والدلالات التأثير على جزء كبير من أهل الأرض . فنحن لا يمكننا إنكار كثرة انتشار الوجود المسيحي واليهودي الذين يمثلون فئة كبيرة وشريحة هامة من البشر . وعندما يقوم الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف بالكشف عن مواريث الأنبياء عليهم السّلام ، وهي تابوت آدم عليه السّلام وهو الصندوق الذي كان يحفظ فيه كتاباته الدينية وتشريعاته ، وعصا موسى عليه السّلام والتوراة والزبور والإنجيل وسائر كتب اللّه . فإن وجود المسيح عليه السّلام إلى جانب المهدي يثبت لكل هؤلاء الناس وخصوصا المسيحيين منهم بالحجة الواضحة وبعدها يتأكدون من شخصيته وأنه هو المسيح يسوع الناصري نفسه . وأن الإنجيل والتوراة إنما هي هكذا وليست على شكلها الموجود فيما بينهم وهي المحرفة .

ويقوم النبي عيسى عليه السّلام بدور هام في إقناع هذه الشعوب بشخصية الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وأنه الوريث الشرعي لرسالات الأنبياء عليهم السّلام ، ويأمرهم بالرجوع إليه والإنضواء تحت قيادته الشرعية وفي هذا الشأن يقول الشيخ الكوراني[26] « 1 » :

« . . . والمرجع عندي في أمر نزوله عليه السّلام بقرينة قوله تعالى : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ الذي يدل على أن الشعوب المسيحية واليهود جميعا يؤمنون به . . . أن الحكمة في رفعه إلى السماء عليه السّلام وتمديد عمره أن اللّه تعالى قد ادخره لكي يؤدي دوره العظيم في هداية أتباعه وعباده ، في مرحلة حساسة من التاريخ يظهر فيها المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ويكون النصارى أكبر قوة في العالم ، وأكبر عائق أمام وصول نور الإسلام إلى شعوبهم وشعب العالم ، وإقامة دولته وحضارته الإلهية . .

ولذا ، فإن من الطبيعي أن تعم العالم المسيحي تظاهرات شعبية ، وفرحة عامرة ، ويعتبرون أن نزوله عليه السّلام لهم في مقابل ظهور المهدي في المسلمين . ومن الطبيعي أن يزور المسيح عليه السّلام بلادهم المختلفة ، ويظهر اللّه تعالى على يديه الآيات والمعجزات ، وأن يعمل لهدايتهم إلى الإسلام بالتدريج والنفس الطويل . . . وأن تكون أول الثمرات السياسية لنزوله تخفيف حالة العداء في الحكومات الغربية للإسلام والمسلمين وعقد اتفاقية الهدنة بينهم وبين الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف التي تذكرها الروايات » . انته .

وقد يقع الباحث في حيرة وتساؤل حول ما يمكن فهمه من الروايات التي قد تبدو للوهلة الأولى أنها تحتوي على تناقض فيما بينها حيث أشارت بعض الروايات إلى أن الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بالإنجيل . . . وبعضها الآخر إلى أنه عليه السّلام يحكم في دولته بحكم القرآن الكريم على كل الناس ، وأنه لا يقبل من أحد إلا الدين الإسلامي .

والجواب هو أن المقصود من حكمه عليه السّلام وتطبيقه لأحكام هذه الكتب تطبيق ما أمرت به من الدخول في الإسلام وما بشرت به من وجود نبي للإسلام ، ويعرض أمامهم نصوص الكتب السماوية التي بشرت بالإسلام وأمرت باتباعه وألغت أو نسخت أحكام الشرائع السابقة عليه . فالواجب على كل البشر بعد النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وخصوصا في عصر الظهور العمل وفق أحكام الإسلام وما جاء به الكتاب الكريم .

وتطول فترة وجود النبي عيسى عليه السّلام في هذه الأرض ويحكم فيها مع المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف سنوات طويلة إلى أن تنتهي حياته قبل الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف الذي يتولى إقامة مراسم دفنه على أعين الناس ، حتى لا يقول فيه النصارى ما قالوا ، وتشير بعض الروايات إلى أنه يكفنه بثوب من نسج أمه الصديقة مريم عليها السّلام ، ويدفنه في القدس إلى جانب قبرها .

يبقى أن نشير أخيرا إلى أن الروايات والأحاديث قرنت نزول عيسى عليه السّلام إلى جانب ظهور الدجال الذي يكون أتباعه معظمهم من اليهود وفي ذلك إشارة واضحة إلى دور المسيح عليه السّلام في هذا الأمر ومحاربته لليهود ولسائر أتباع الديانات السماوية في حالة رفضهم لقيادة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .

ولم نشأ التوسع في الحديث عن حركة الدجال وصفته وتفاصيل أمره باعتبار أننا قد تحدثنا مفصلا عن ذلك في علامات الظهور - فراجع . . . .

مدة حروب الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف :

تستغرق عملية إجتثاث جذور الكفر من الأرض على يد الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف فترة من الزمن يستطيع الإمام عليه السّلام معها أن يبسط سيطرته على جميع أرجاء المعمور .

وتواترت الأخبار والروايات وأجمعت على أن الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف يقضي مدة في هذه الحروب هي ( ثمانية أشهر ) .

فعن عيسى الخشاب قال : قلت للحسين بن علي عليه السّلام : أنت صاحب هذا الأمر ؟ قال :

« لا ، لكن صاحب الأمر الطريد الشريد الموتور بأبيه ، المكنى بعمه ، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر »[27].

ونقل السيد محمد الصدر في تاريخ ما بعد الظهور طائفة من الروايات كلها تحدد مدة وضع ( السيف ) في رقاب المنحرفين ، بثمانية أشهر ، نذكر منها[28]:

« . . . ثم يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر بيمينه . فلا يزال يقتل أعداء اللّه حتى يرضى اللّه عز وجل . . . » .

وروى أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال :

« لا يخرج القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف حتى تكون تكملة الحلقة . قلت : وكم تكملة الحلقة . قال : عشرة آلاف . . . إلى أن قال : يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر ، يقتل هرجا . . . » .

وأخرج السيوطي في الحاوي عن نعيم بن حماد عن علي عليه السّلام قال :

« إذ بعث السفياني جيشا فخسف بهم بالبيداء . . . على أن قال :

ويخرج رجل من قبله ( أي المهدي ) رجل من أهل بيت بالمشرق ، ويحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر . . . » .

وأخرج عنه أيضا عن علي عليه السّلام قال :

« تفرج الفتن برجل منا يسومهم خسفا ، لا يعطيهم إلا السيف ، يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر ، حتى يقولوا : واللّه ما هذا من ولد فاطمة ، ولو كان من ولدها لرحمنا » .

 


[1] البحار ، ج 52 ، ص 362 - 363 ، باب 27 ، ح 131 و 133 .

[2] البحار ، ج 52 ، ص 354 ، باب 27 ، ح 113 ، والغيبة للنعماني ، ص 233 ، باب 13 ، ح 18 .

[3] المصدر نفسه ، ج 52 ، ص 353 ، باب 27 ، ح 109 .

[4] البحار ، ج 52 ، ص 353 ، باب 27 ، ح 110 .

[5] الغيبة ، النعماني ، ص 229 ، باب 13 ، ح 11 .

[6] الكافي ، ج 8 ، ص 227 ، ح 288 .

[7] الغيبة ، النعماني ، ص 160 .

[8] راجع الإرشاد للمفيد ، ص 343 .

[9] راجع تاريخ ما بعد الظهور ، ص 564 - 565 .

[10] البحار ، ج 52 ، ص 388 ، باب 27 ، ح 206 .

[11] المصدر نفسه ، ص 386 ، باب 27 ، ح 199 .

[12] سورة النساء ، الآية : 159 .

[13] البحار ، ج 14 ، ص 530 .

[14] صحيح البخاري ، ج 4 ، ص 205 .

[15] صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 93 - 94 .

[16] صحيح البخاري ، باب نزول عيسى ابن مريم ، ص 158 .

[17] صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب نزول عيسى عليه السّلام ، ج 2 ، ص 500 .

[18] مسند أحمد ، ج 2 ، ص 336 .

[19] عقد الدرر ، ص 229 - 230 .

[20] المصدر نفسه ، ص 230 .

[21] عقد الدرر ، ص 274 ، باب 12 ، فصل 2 .

[22] مستدرك الوسائل ، ج 2 ، ص 321 ، باب 49 ، ح 21 .

[23] الحاوي على الفتاوي ، السيوطي ، ج 2 ، ص 167 .

[24] راجع تاريخ ما بعد الظهور ، ص 859 .

[25] وفي بعض الروايات كما عن ابن حماد في الفتن ان المسيح عليه السّلام ينزل في القدس .

[26] راجع عصر الظهور ، ص 307 .

[27] إكمال الدين ، ج 1 ، ص 318 ، باب 30 ، ح 5 ، البحار ، ج 51 ، ص 133 - 134 ، باب 3 ، ح 6 .

[28] راجع المصدر ، تاريخ ما بعد الظهور ، ص 588 - 589 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.