أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-03
1088
التاريخ: 2023-07-30
855
التاريخ: 2023-08-18
898
التاريخ: 23-4-2019
2720
|
هذا ما كان من موجبات تراجع الحضارة العربية، أو ضعف العلم والعمل في أبناء العربية، أما الحضارة في البلاد الإسلامية الأخرى كفارس والأفغان والهند وتركستان والقوقاز التي تأثرت قروناً طويلة بالمدنية العربية، فشأنها غير شأن البلاد العربية منذ نفضت أيديها من دولة العرب، وكانت تعلو وتسفل بحسب روح المتغلبين عليها، وما برح أثر العرب ماثلا في أهلها لمكان الدين فيهم إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم، مهما حاول المفرطون في حب قومياتهم من بنيها أن يعيدوها سيرتها الأولى قبل الإسلام، على ما نرى الفرس البهلويين والترك الكماليين لعهدنا، يحاولون أن يصطنعوا لهم مدنيتين جديدتين، طلاؤهما مدنية الغرب، وروحهما المدنيتان الفارسية والطورانية، قبل أن يتعاورهما الإسلام بالمحو والإثبات والزمان كفيل بالحكم على تينك الأمتين بهذا النظام الجديد، ولقد طردت فارس وتركيا الجهلة من رجال الدين واكتفى منهم بالدارسين والعالمين، فكان هذا الصنيع أعظم بشارة خير لمستقبل الأمتين. وبالقضاء على الجهال الذين كانوا يضعون العثرات في كل سبيل إلى النهوض، ودَّعت فارس وتركيا ماضيًا منحطًا، وباتتا على رجاء استقبال عهد جديد. أثبت الفرس بالإسلام في القرون الخالية أنهم على استعداد لقبول العلوم والآداب وتمثلها، فأخرجوا نوابغ اختلطوا بأصحاب السلطان، وأفادوا المجتمع العربي، ولم يُثبت الترك منذ تشرفوا بالإسلام أنهم مستعدون لمثل ما عُرف عن الفرس من كفاءة علمية وصناعية، وإن شهد لهم العارفون منذ الأعصر المتطاولة أنهم جد كفأه في الجندية، ولا بأس بهم في السياسة الدولية، (1) فقد هيأ بعض الملوك العثمانيين عامة الوسائط لنشل أبناء جنسهم من عثرات الجهالة، وحاول سيد ملوكهم محمد الفاتح أن يجعل من دار ملكه في فروق موطنا علميًّا يضاهي به على الأقل دولة المماليك في مصر والشام، وبذل لذلك أنواع البذل والمعاونة، واستدعى العلماء من الأقطار يغدق عليهم الجرايات والمشاهرات وأنواع التكرمة والتجلة، ومن جملتهم عالم عصره في بلاد ما وراء النهر علاء الدين بن محمد القوشجي، (2) أراده السلطان على استيطان بلاده هو وتلاميذه وأعطاه مدرسة أيا صوفيا، فلما هلك الفاتح اضمحل كل ما أسسه القوشجي؛ لأن من العادة هنا أن يزول كل عمل بزوال عامله الأول، وكل ملك يغير طريقة حكمه بحسب معرفته، وقد يحسد سلفه على ما صنع من جميل ولو كان أباه، فيقضي عليه أو يتراخى في إنجازه، وما كانت المدارس الدينية في الآستانة، بل في الأناضول والروم إيلي في الأدوار السالفة إلا صورة من انحطاط التعليم، لا نور فيها إلا بقدر ما تخرج تلاميذ وسطًا لتولي الوظائف الدينية، وقل أن جاء فيهم عالم كبير يُذكر ، وعالمهم من كان يحسن النقل والاختصار والجمع، مع ركاكة أعجمية بادية، وإبهام في كتبهم لا تحل رموزه ومعمياته، خلافًا لما ألفه الفرس وعلموه باللغة العربية على أن العثمانيين يُشكرون على أن لم يغفلوا في معظم أدوارهم العناية بالدروس الدينية باللغة العربية على رسوم دول الإسلام. هذا في العلوم الدينية، أما في العلوم المادية فقد قال مؤرخو الترك والإفرنج: إن الأتراك طاردوا (3) علماء بيزنطية فكانوا سبب نهضة إيطاليا ونشر المدنية الحديثة، ولا ينكر أحد أن الأتراك أرسلوا من الآستانة مواد بناء المدنية، فإن أوروبا على ما قيل مدينة بمعارفها الحاضرة إلى بضعة من فضلاء بيزنطية هاجروا منها إلى إيطاليا بدخول العثمانيين، أمثال يناديس وساريون ويوركي الطربزوني وكسطى وسكارديس وفرانجس وميخال دوكا. بيد أن كل تدبير للنهوض يضعف تأثيره إذا لم تكن الأمة متأهبة لقبوله، ويعترف علماء الترك أنه يظهر فيهم رجل (4) من عيار ابن رشد الفيلسوف، فكر بحرية ثم كتب ما فكر فيه بجرأة، ولم ينبغ فيهم ولا مؤلف واحد يشبه من خرج من العرب في أدوار ارتقائهم والأتراك بعد ستمائة سنة في الحكم لم يفارقوا الأخلاق التي عُرفوا بها يوم جاءوا من بلادهم الأصلية كما قال جناب شهاب الدين ونزلوا بلاد صاحب قرمان شراذم (5) يرعون أغنامهم ومواشيهم، ولما استصفوا تلك البلاد وأنشأوا لهم حكومة، وتوسعوا في السلطان وتبسطوا في رحاب المدنية القديمة، وأسسوا على أنقاضها تلك الإمبراطورية العظيمة، لم يتجردوا من صفاتهم، وظلوا بعد كل هذا على أخلاق الرعاة؛ يظنون كل الناس غنمًا لهم وسائمة، يقودونها كما يشاءون، ويتصرفون بأوبارها وألبانها، بل بلحمها وعظمها، ولكن رعية الغنم غير رعية الأناسي، وهيهات أن تقوم بهذه الذهنية مدنية تذكر، يريد أن يقول، وهو تركي الجنس: إن قانون الرجعة قضى على الترك أن يظل دمهم كما كان، وإن قضوا أجيالا في بيزنطية الجديدة.
.........................................
1- سألت في الحرب العامة صديقي سليمان نظيف وجناب شهاب الدين من أعاظم أدباء الترك وعلمائهم، أن يمليا علي جريدة بأسماء كتب العلم التي وضعها الأتراك العثمانيون في العهد الأخير، فأنكرا سؤالي وقالا : وهل تذهب إلى أننا أمة علم ؟ ومن أين نأتيك بهؤلاء المؤلفين الذين لم ينشؤوا بين أظهرنا إلى اليوم؟ نحن أمة خيال وأدب، وجل ما عندنا من هذا القبيل هو شعر وقصص نُقل أكثره من اللغات الأوربية، وما خلفه الموسومون بالعلم من أبنائنا في فنون الحرب والبحر والقانون والإدارة فإنما هو مترجمات، لا يدلنا في متونها وشروحها وحواشيها إلا القليل الذي لا يؤبه له. قالا ذلك وكانا يأسفان؛ لأنه لم يتم للسلطان سليم تنفيذ منهاجه في نشر اللغة العربية، وجعلها لغة الدولة الرسمية، قائلين لو وفق إلى تحقيق أمنيته لكان العثمانيون غير ما هم عليه اليوم، يكتبون العربية مشبعة بهواء الآستانة الجميل ورقة بيزنطية، ولأدمجوا حضارة العرب فيهم وكثروا سوادهم، فأتوا بمدنية جديدة توحدت فيها جميع عناصر السلطنة، ولطالما ذكرا أمامي ما وقع من الارتقاء لبلغاريا ورومانيا وصربيا واليونان منذ سلخت عن جسم السلطنة، وتم لبلادها في سنين قليلة ما لم يُكتب مثله للبلاد العثمانية في بضعة قرون، أو كما وقع لمصر في هذا الشأن، فنقلت بنزعها من العثمانيين على يد الأسرة العلوية من الجحيم إلى النعيم.
2- الشقائق النعمانية لطاشكبرى.
3- تاريخ تدنيات عثمانية لجلال نوري.
4- تاريخ تدنيات عثمانية لجلال نوري.
5- شرذمة بالكسر: القليل من الناس، وفي التنزيل: ﴿إِ َّن َهؤَلاءِ لَشرِذَمةٌ قليلون)، جمع شراذم.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|