أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-15
1426
التاريخ: 2023-08-08
1371
التاريخ: 2024-09-02
343
التاريخ: 2023-08-13
5382
|
هناك علامات وإن لم تذكر مع العلامات الخمس مجتمعة إلّا أنها مما تواترت وتضافرت الروايات المستفيضة في الحديث عن حتميتها ووقوعها كواحدة من العلامات المحتومة التي لا بد أن تقع في عصر الظهور ، وارتبط حدوثها بقيام الساعة ، بحيث أن دلالتها تقع في سياق علامات الظهور وكذلك علامات قيام الساعة .
ورد في الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :
« إن الساعة لا تقوم حتى يكون عشر آيات : الدخان والدجّال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ، وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، ونزول عيسى بن مريم ، وفتح يأجوج ومأجوج ، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر »[1].
فمن أهم وأبرز هذه العلامات :
الدجّال وكيفية ظهوره :
وهو صاحب آخر الفتن التي ستحل بالمسلمين الذين تصيبهم مجموعة من الفتن لتمحّصهم وتغربلهم ، ليتبين أهل الإيمان من أهل الكفر والنفاق .
عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« تكون أربع فتن : الأولى يستحل فيها الدم ، والثانية يستحل فيها الفرج ، والثالثة يستحل فيها الدم والمال والفرج ، والرابعة الدجال »[2].
وعنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« الملاحم خمس مضى منها اثنتان وبقي ثلاث ، فأولاهن ملحمة الترك بالجزيرة وملحمة الأعماق وملاحم الدجال ليس بعدها ملحمة »[3].
وشدّد النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على المسلمين بأن يتعوّذوا من الدجال وفتنته كما يتعوّذون من إبليس وأضاليله ، فعنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال :
« إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوّذ من أربع ، من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ومن شرّ المسيح الدجّال »[4].
وعنه أيضا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« تعوّذوا باللّه من جهنّم ، تعوّذوا باللّه من عذاب القبر ، تعوّذوا من فتنة المسيح الدجّال ، تعوّذوا باللّه من فتنة المحيا والممات »[5].
وملخّص ما ورد في سيرته في الأحاديث الشريفة هو أن الدجال الأعور من علامات الساعة ، وأنه مولود وموجود منذ عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فإنه يستعمل عجائب السحر فيغري أتباعه ، ويضلّهم ويدّعي الربوبية ، وأن المهدي والمسيح عليهما السّلام يقاتلانه ، وتتضمّن أحاديثه غرائب غير مألوفة تحيط بشخصيته وحركته وأفعاله . وأقوى الاحتمالات في أمره أن يكون شخصا حقيقيا يستغل التطوّر الذي تصل إليه العلوم الطبيعية في ظل الدولة الإسلامية بقيادة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في أساليب من السحر ، كما يستغل ردة الفعل السلبية للرفاهية الشاملة التي يعيشها الناس ، فيغري أتباعه بالمحرّمات والإباحية ويلبّس عليهم بالسحر والشعوذة . وعلى هذا فإن الطابع الأسطوري الذي تتصف به أحاديثه يكون لها أساس من الصحة ، وإن أضاف عليها بعض الرواة .
ويليه في القوة أن يكون الدجال هو الشيطان إبليس الذي طلب من اللّه تعالى أن ينظره إلى يوم يبعثون فأجابه عزّ وجل : فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ( 37 ) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * وقد ورد أن قتله في يوم الوقت المعلوم يكون على يد المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
ويوجد احتمال آخر ، أن يكون الدجال نفس السفياني وقد وقع التضخيم في أوصافه وأحاديثه ، وقد ذكرت بعض الروايات أن السفياني يبدو أعور وليس بأعور . . . ولكن يبقى هذا الاحتمال ضعيفا لأن أكثر الصفات الواردة في الدجال لا تنطبق على السفياني . ومنها ادّعاء الربوبية وعجائب السحر .
واحتمال آخر ، أن يكون الأعور الدجال أو الدجال تعبيرا مجازيا عن إغراء الحضارة المادية والكاذبة المزيّفة ، أو إغراء الدنيا ورفاهيتها الكاذبة . وهو أيضا ضعيف لصراحة الأحاديث بأنه شخص حقيقي من نوع خاص يقود حركة عسكرية إضلالية في آخر الزمان .
وينبغي التحرّز في بحث أحاديث الدجال من أمرين أحدهما : أن غالبية أحاديثه تقريبا عن كعب الأحبار .
والثاني : أن من عقائد اليهود أن مسيحهم المنتظر يقتل الدجال[6].
صفات الدجال :
وردت صفات الدجال في الروايات بأوصاف تكشف عن قبحه الخارجي فضلا عن نفسه وروحه الخبيثة التي تحمل كل العداء للدين ، والشرور والآثام التي يرتكبها بحق البشرية والإنسانية .
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :
« إني قد حدّثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا ، إن مسيح الدجال ، رجل قصير أفجح[7] ، جعد أعور مطموس العين ليست بناتئة ولا حجراء[8] ، فإن التبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور ، وأنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا »[9] .
وعنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال في أوصافه أيضا :
« الدجال أعور العين اليسرى ، جفال الشعر ، معه جنّة ونار ، فناره جنّة وجنّته نار »[10].
« إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء ، وتعوّذوا باللّه من عذاب القبر »[11].
« الدجال أعور عين الشمال ، بين جنبيه مكتوب كافر ، وعلى عينه ظفرة غليظة . . . »[12].
ويمكن أن نختصر صفاته بما يلي :
1 - أنه أعور العين اليسرى .
2 - أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافئة .
3 - أنه أعور ذو حدقة جاحظة لا تخفى كأنها نخاعة في جنب جدار . وعلى أي حال فهو أعور سواء كانت عينه اليمنى أم اليسرى .
4 - أنه هيجان أزهر ، أي أبيض فيه حمرة .
5 - عريض الجبهة ، مشرف الجيد .
6 - جفال الشعر ، أي شعره كثيف ملتف .
7 - أنه بلاء وامتحان للمؤمنين .
أورد النووي في شرح صحيح مسلم :
« إنه شخص ابتلى اللّه به عباده وأقدره على أشياء من مقدورات اللّه سبحانه »[13].
قال ابن تيمية :
« وتظهر على يده بعض الآيات كإنزال المطر وغيره حتى يكون فتنة لمن رآه ولكن اللّه تعالى يكشف زيفه للمؤمنين الأخيار ، ويؤمن به السّذّج والبسطاء ممن أظلمت نفوسهم »[14].
8 - إن الأنبياء جميعا قد حذّروا منه . عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال : « ما من نبي إلّا وقد أنذر أمّته الأعور الدجال ألا وإنه أعور . . . مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن »[15].
وعنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :
« إنه لم يكن نبيّ قبلي إلّا وقد وصف الدجال لأمته . . . »[16].
9 - أنه عقيم لا يولد له .
عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« الدجال لا يولد له ، ولا يدخل المدينة ولا مكة »[17].
10 - أنه كافر :
ورد في البخاري عن أنس :
« وأن بين عينيه مكتوب : كافر »[18].
11 - أنه يدّعي الربوبية .
أخرج ابن ماجة عن رسول اللّه في صفة الدجال . وفيه يقول :
« إنه يقول : أنا ربكم »[19].
12 - أنه يقتله المسيح بن مريم عليه السّلام عند نزوله :
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :
« يخرج الدجال في أمتي فيلبث فيهم أربعين . لا أدري أربعين يوما أو أربعين سنة أو أربعين ليلة أو أربعين شهرا . فيبعث اللّه عزّ وجل عيسى بن مريم عليه السّلام كأنه عروة بن مسعود الثقفي . فيظهر فيهلكه . . . »[20].
13 - أن اليهود يؤمنون به ، وينصّبونه قائدا أعلى لهم ، ويرون أنه المسيح الموعودون به ، ويقولون :
« هذا هو حقا المسيح الذي طالما انتظرناه . هذا هو الذي يتكلّم كتابنا المقدّس عنه ومن الطبيعي أن يؤمن اليهود بالدجال ، لأنه يحمل أفكارهم السامّة وأحقادهم الموروثة على الإسلام ، وهو سيقوم بخوض المعارك ضد المسلمين لتحقيق أطماع الصهاينة » .
اسمه ولقبه وكنيته :
وردت بعض الأحاديث التي تشير بل تؤكد بأن الدجال لعنه اللّه قد ولد منذ عصر النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأنه يبقى حيا يرزق إلى أن يخرج في آخر الزمان .
وقد اختص برواية هذا الأمر مصادر السنّة أكثر من مصادر الشيعة الذين لم يرووا إلا القليل النادر في أخبار الدجال .
وإذا صح ذلك فلا ينبغي أن يستهجن حينئذ الاعتقاد بأن الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف مولود وحيّ يرزق حتى يأذن اللّه تعالى بظهوره . هذا مع الفارق بأن الاعتقاد بوجود الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وولادته لا يقبل الشك عندنا ، لأن أحاديثه قطعية متواترة ، أما بالنسبة إلى أحاديث الدجال فهناك مجال لمناقشتها .
قال الشيخ الصدوق بعد ذكره لرواية حدّث فيها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أصحابه عن الدجال وفيها[21]:
« . . . ثم قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لأصحابه : أيها الناس ما بعث اللّه عزّ وجل نبّيا إلا وقد أنذر قومه الدجّال ، وإن اللّه عزّ وجل قد أخّره إلى يومكم هذا فمهما تشابه عليكم من أمره فإن ربّكم ليس بأعور ، إنّه يخرج على حمار عرض ما بين أذنيه ميل ، يخرج ومعه جنّة ونار وجبل من خبز ونهر من ماء ، أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب ، يدخل آفاق الأرض كلّها إلّا مكة ولابتيها ، والمدينة ، ولابتيها »[22].
فعلّق الشيخ الصدوق قائلا :
إن أهل العناد والجحود يصدّقون بمثل هذا الخبر ويروونه في الدجال وغيبته وطول بقائه المدة الطويلة وخروجه في آخر الزمان ولا يصدّقون بأمر القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وأنه يغيب مدّة طويلة ، ثم يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، مع نص النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والأئمة عليهم السّلام بعده عليه باسمه وغيبته ونسبه ، وإخبارهم بطول غيبته إرادة لإطفاء نور اللّه عزّ وجل وإبطالا لأمر ولي اللّه ، ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون ، وأكثر ما يحتجّون به في دفعهم لأمر الحجة عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف أنهم يقولون : لم نرو هذه الأخبار التي تروونها في شأنه ولا نعرفها . . . فنقول لهم : أتصدّقون على أن الدجال في الغيبة يجوز أن يعمر عمرا يتجاوز عمر أهل الزمان ، وكذلك إبليس اللعين ولا تصدّقون بمثل ذلك لقائم آل محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مع النصوص الواردة فيه بالغيبة وطول العمر والظهور بعد ذلك للقيام بأمر اللّه عزّ وجل وما روي في ذلك من الأخبار التي ذكرتها في هذا الكتاب ومع ما صح عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إذ قال :
« كل ما كان في الأمم السالفة يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة .
وقد كان فيمن مضى من أنبياء اللّه عزّ وجل وحججه عليهم السّلام معمّرون . . . »[23].
وعلى أي الأحوال فقد أشارت أكثر مصادر أهل السنة إلى أن الدجال الذي ولد في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم هو « ابن الصائد » .
فقد أورد البخاري حديثا عن محمد بن المنكدر قال : رأيت جابر بن عبد اللّه يحلف باللّه : إن ابن الصائد الدجال ، قلت : تحلف باللّه ، قال : إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فلم ينكره النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم[24].
وأورد ابن حماد في الفتن عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال :
« هو ابن صائد الذي ولد بالمدينة »[25].
وهذه الأحاديث معارضة بما ورد من أحاديث تشير إلى أن الدجال لا يدخل مكة ولا المدينة ، وغيرها من المواصفات التي لا تنطبق على ابن صائد ، الذي احتج بنفسه واستنكر هذه التهمة ، واغتنم وتأذّى من الناس الذين وصفوه بأنه الدجال .
روى أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال : « حججنا فنزلنا تحت شجرة وجاء ابن صائد ، فنزل في ناحيتها فقلت : إنّا للّه ، ما صب هذا عليّ ، قال : فقال : يا أبا سعيد ما ألقى من الناس وما يقولون لي ، يقولون : إني الدجال ، أما سمعت رسول اللّه يقول : قال : قلت : بلى ، أو قال : قد ولد لي ، وقد خرجت من المدينة وأنا أريد مكة .
قال أبو سعيد : فكأنّي رققت له ، فقال : واللّه إن أعلم الناس بمكانه لأنا ، قال : قلت : تبّا لك سائر اليوم »[26].
ومما يؤيد هذا الأمر أن الشيخ الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، بعد ذكره لأحاديث ابن صياد قال :
ومن ذهب إلى أن الدجال غيره يعني ابن صياد ، احتجّ بحديث تميم الداري وإسناده أصح ، مع جواز موافقة صفته صفة الدجال والدجال غيره ، كما في ( خبر تميم الداري ) أنه أشبه الناس بعبد العزّى بن قطن ، وليس به . وأمر ابن صياد على ما حكي عنه كان فتنة ابتلى اللّه بها عباده كما كان أمر العجل في زمن موسى عليه السّلام فتنة ابتلاه اللّه بها ، إلّا أن اللّه عزّ وجل عصم منها أمة محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ووقاهم شرّها ، وليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على قول عمر بن الخطاب ، ويحتمل أنه عليه السّلام كان كالمتوقف في بابه ، حتى جاء التثبيت من اللّه عزّ وجل أنه غيره ، فقال في حديث تميم الداري ما قال . . .[27].
كيفية ظهوره :
تذكر الأحاديث والروايات أن خروج الدجال يكون بعد ظهور القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وحربه في بلاد الروم .
عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« يحكم رجل من بني هاشم في بيت المقدس وتكون هزيمة الروم ، وفتح القسطنطينية على يديه ثم يسير إلى رومية فيفتحها ويستخرج كنوزها ومائدة سليمان بن داود عليه السّلام ثم يرجع إلى بيت المقدس فينزلها ، ويخرج الدجال في زمانه . . . »[28].
ويسبق خروج الدجال إمارات وعلامات منها : أن يمنى الناس بكوارث اجتماعية واقتصادية ، وشيوع الظلم والجور ، وانتشار الفساد . وفتنة كبيرة تصيب الناس ولا ينجو منها إلا القليل .
عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« لأنا لفتنة بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال ، ولن ينجو أحد مما قبلها إلّا نجا منها ، وما صنعت فتنة منذ كانت الدنيا صغيرة ولا كبيرة إلّا لفتنة الدجال »[29].
ومنها خروج ثلاثين كذابا ، كلّهم يدّعي النبوّة . عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذّابا ، كلهم يزعم أنه نبي قبل يوم القيامة »[30].
وغيرها من المشاكل والآفات والمصائب التي تعم . عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :
« يكون قبل خروجه سنون خمس جدب ، يهلك كل ذي حافر »[31].
ووفقا لهذا كله نكون قد وصلنا إلى حقيقة مفادها أن اسم الدجال غير واضح لدينا لأن الروايات لم تذكر ذلك .
نعم ورد في ألقابه « المسيح » والسبب في ذلك إما لأنه ممسوح العين ، أو لأنه يمسح الأرض فيقطعها ويطوفها كلها إلّا ( مكة ) و ( المدينة ) و ( بيت المقدس ) .
وأما كنيته فإنّه يكنى بأبي ( يوسف ) و ( الرئيس ) وقد لقّبه بذلك النصارى ، و ( أمير السلام ! وإله فتى كرست ) وقد لقبه بذلك اليهود ، و ( الدكتاتور ) و ( الحاكم الأعلى )[32] وغيرها من الكنى والألقاب التي تليق بشرّه وكفره وطغيانه .
مكان خروجه :
وقد اختلفت الروايات في مكان خروج الدجّال .
فقيل من خراسان ( المشرق ) .
فعن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان ، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرّقة »[33].
وقيل من أصبهان ( أصفهان ) . وهذا هو الأكثر تواترا . عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« يخرج الدجال من قبل أصبهان »[34].
وعن عمران بن حصين قال :
« يخرج الدجّال من قبل أرض يقال لها أصبهان المشرق وهم قوم وجوههم كالمجان . وهذا وصف للترك المغول »[35].
وقيل من المشرق من دون تحديد لأي منطقة من المشرق .
عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« يخرج الدجّال من ههنا أو ههنا أو من ههنا ، بل يخرج ههنا يعني المشرق »[36].
وكما هو واضح فإن هذه الروايات المتقدمة وإن اختلفت في تحديد المكان الذي يخرج منه الدجال ، إلّا أنها تتفق على جهة المشرق . وهكذا كل المناطق الأخرى التي حدّدت مكان خروجه ومنها :
أنه يخرج من العراق .
فعن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« يخرج الدجال من العراق »[37].
وعن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« يخرج الدجّال من خلّة بين الشام والعراق » .
أتباعه وجنوده :
تشير الروايات التي تتحدث عن اليهود ودورهم في عصر الظهور إلى أن أكثر أتباع الدجال هم من اليهود حيث يكون اعتماده العسكري عليهم ، ويضاف إليهم كل المفسدين .
وهذا ليس بالأمر الغريب والمستهجن لأن اليهود كانوا ولا زالوا عبر التاريخ التجسيد الحي لكل مفسد وعابث في الدنيا ، وهم الذين يتصدّون دائما لمحاربة أنبياء اللّه وقتلهم وتشريدهم وتعذيبهم . وهم السبب في كل فتنة وفساد في الأرض .
عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« الدجال أوّل من يتبعه سبعون ألفا من اليهود عليهم السيجان[38] ومعه سحرة اليهود يعملون العجائب ويرونها للناس فيضلّونهم بها »[39].
وفي رواية أخرى عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :
« يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة وثلاثة عشر ألف امرأة »[40].
كما ويخرج مع الدجال يهود أمة محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وهم الذين آمنت ألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم ، واستبطنوا الكفر وأظهروا الإيمان ، وتحيّنوا الفرص لمقاتلة جيش الإسلام ، ومحاربة الدعوة الإسلامية في كل مكان وزمان .
عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفا عليهم السيجان »[41].
وأتباع الدجال ذوو الأطماع ، عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« يخرج الدجال فيتبعه ناس يقولون : نحن شهداء أنّه كافر ، وإنما نتبعه لنأكل من طعامه ونرعى من الشجر ، فإذا نزل غضب اللّه نزل عليهم جميعا »[42].
وعن عدد أتباعه وجنده ، يقول النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :
« كأنّي بمقدّمة الأعور الدجال ستّمائة ألف من العرب يلبسون السيجان ويزيد لي تصديقا ما أرى نعشو منها . . . »[43].
وفي رواية أخرى يقول النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :
« ليهبطن الدجال خوز وكرمان في ثمانين ألفا كأن وجوههم المجان المطرّقة يلبسون الطيالسة وينتعلون الشّعر »[44].
والمجان المطرقة تشبيه للوجوه بالتروس المضروبة عند الحداد أو المخططّة وكذا انتعال الشعر وردا في صفات المغول .
والحاصل أن أتباع الدجال هم اليهود ، وفئة من المسلمين ، وأهل الطيالسة الخضر وهم أهل الأموال والسمعة والسيطرة الاجتماعية في المجتمع المسلم المنحرف ، وأولاد الزنا .
حركة الدجال ونهايته :
تشير المصادر التاريخية إلى أن الدجال يتحرّك في ثمانين ألفا - على بعض الروايات - :
كأن وجوههم المجان المطّرقة ويلبسون الطيالسة وينتعلون الشعر ، وقيل إن معه سبعين ألفا من الحاكّة ، أو سبعين ألفا من المسلمين عليهم السيجان[45] وروي أن أول من يتبعه النساء وأنه يتجاوب معه أناس في قبورهم « لو خرج الدجال لآمن به قوم في قبورهم »[46].
ثم يهبط الدجال في خوز كرمان ثم يتجه صوب البصرة فينزل جبلا مشرفا عليها ، ثم يتوجه إلى الشام حيث يصل إلى عقبة أفيق ويتابع سيره إلى بيت المقدس ويحاصرها ثم يتوجه إلى الحجاز فتستعصي عليه المدينة المنوّرة ومكة المكرمة فيعود من المدينة إلى باب لد .
عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« المدينة يأتيها الدجال فيجد الملائكة يحرسونها ، فلا يدخلها الدجّال ولا الطاعون إن شاء اللّه »[47].
وعنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« الدجّال لا يبقي من الأرض شيء إلّا وطئه وغلب عليه إلّا مكة والمدينة . . . »[48].
وفي هذه الأثناء يظهر عيسى بن مريم عليه السّلام في الشام فيجتمع إليه جند من المسلمين ، فيسير بهم مطاردا الدجال بباب لد فيقتله ، وقيل يذوب الدجال أمام عيسى عليه السّلام ، وربما كان الذوبان بمعنى تلاشي أمره ، لا الذوبان المادي .
أخرج مسلم في صحيحه حديثا عن النواس بن سمعان قال : ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم الدجال . . . إلى أن يقول :
« فبينما هو كذلك إذ بعث اللّه المسيح ابن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء وشرقي دمشق بين مهرودتين ، واضعا كفيه على أجنحة ملكين . . . فيطلبه حتى يدركه بباب لد ، فيقتله ، ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم اللّه منه فيمسح عن وجوههم ويحدّثهم بدرجاتهم في الجنة . . . »[49].
وفي حديث آخر لمسلم قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :
« يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين . . . فيبعث اللّه عيسى بن مريم ، كأنه عروة بن مسعود ، فيطلبه فيهلكه ، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة . . . »[50].
وقد أشارت بعض الروايات إلى أن الذي يقتل الدجال هو الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، فقد أخرج الصدوق بإسناده عن المفضل بن عمر ، قال : قال الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام :
« إن اللّه تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نورا قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام . فهي أرواحنا ، فقيل له : يا بن رسول اللّه ، ومن الأربعة عشر ؟ فقال : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، والأئمة من ولد الحسين ، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبة فيقتل الدجال ، ويطهر الأرض من كل جور وظلم »[51].
فكيف يمكن الجمع بين الروايات المتعارضة التي يشير بعضها إلى أن الدجال يقتل على يد المسيح عليه السّلام وبعضها الآخر يشير إلى أنه يقتل على يد الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ؟
وللتوفيق بين الروايات يمكن القول أنه لما كانت القيادة للإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف فيمكن نسبة القتل إليه حتى ولو قام به المسيح عليه السّلام .
وورد أيضا عن الإمام الصادق عليه السّلام :
أن القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف سوف « يظفره اللّه بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة »[52].
فهل يتناقض هذا مع قتله في باب لد أو عقبة أفيق ؟
وذلك وفقا لما أخرجه الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال في حديث طويل :
« . . . يقتله اللّه عزّ وجل بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق ، لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة على يد من يصلي عيسى بن مريم خلفه . . . »[53]
إنه في الواقع لا يتناقض ، لأنه يمكن قتله هنا وحمله إلى الكوفة مقتولا لصلبه[54].
وبهذا تكون نهاية هذا المجرم الظالم على يد المسيح عيسى بن مريم عليه السّلام ، ورافع لواء الحق والعدل في آخر الزمان ، ومبيد الظلمة والكفرة الإمام المهدي عليه السّلام بعد أن يمعن في القتل والتدمير ، ويدّعي لنفسه مقام الألوهية والربوبية ، ويبيح المحرّمات . كما ذكر وحدّث عن ذلك الإمام الصادق عليه السّلام حيث قال وهو يصف أفعال هذا الخبيث :
« فيبيح الزنا واللواط وسائر المناهي حتى يباشر الرجال والنساء والغلمان في أطراف الشوارع عراة وعلانية ويفرط أصحابه في أكل لحم الخنزير وشرب الخمور وارتكاب أنواع الفسق والفجور ويسخر آفاق الأرض إلا ( مكة ) و ( المدينة ) ومراقد الأئمة عليهم السّلام ، فإذا بلغ في طغيانه وملأ الأرض من جوره وجور أعوانه يقتله من يصلي خلفه عيسى بن مريم . . . »[55].
وهذه هي أيضا نهاية كل طاغية وكل جبّار يحاول التمرّد على إرادة اللّه عزّ وجل .
[1] معجم أحاديث الإمام المهدي ، ج 2 ، ص 531 ، ص 202 .
[2] الفتن ، ابن حماد ، ص 8 وص 155 .
[3] المصدر نفسه ، ص 132 و 141 و 142 .
[4] معجم أحاديث الإمام المهدي ، ج 2 ، ص 96 .
[5] المصدر نفسه ، ج 2 ، ص 97 ، ح 452 .
[6] الممهدون للمهدي ، الكوراني ، ص 28 - 29 .
[7] أفجح : متباعد ما بين الرجلين ، والتفجح والفرشخة مترادفان .
[8] العين الناتئة : الباردة ، والحجراء : الغائرة في المحجر .
[9] الفتن ، ابن حماد ، ص 146 .
[10] المصدر نفسه ، ص 154 .
[11] معجم أحاديث الإمام المهدي ، ج 2 ، ص 396 ، ص 28 .
[12] الفتن ، ابن حماد ، ص 146 .
[13] المصدر السابق ، ج 18 ، ص 58 .
[14] الفتاوى الكبرى ، ابن تيمية ، ج 20 ، ص 457 .
[15] معجم أحاديث الإمام المهدي ، ج 2 ، ص 5 ، ح 382 .
[16] المصدر نفسه ، ص 6 .
[17] المصدر نفسه ، ص 35 ، ح 394 .
[18] صحيح البخاري ، ج 9 ، ص 75 .
[19] سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 1360 .
[20] معجم أحاديث الإمام المهدي ، ج 2 ، ص 111 .
[21] إكمال الدين ، ج 2 ، ص 529 .
[22] لابتا المدينة حرتاه ، واللابة : الحرة وهي الأرض ذات الحجارة السود التي قد ألبستها لكثرتها .
[23] كمال الدين ، ج 2 ، ص 530 .
[24] معجم أحاديث المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، ج 2 ، ص 117 ، ح 466 ، نقلا عن البخاري ، ج 9 ، ص 123 .
[25] المصدر نفسه .
[26] معجم أحاديث الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، ج 2 ، ص 25 ، ح 394 ، نقلا عن مسند أحمد ، ج 3 ، ص 43 .
[27] المصدر نفسه ، ص 117 - 118 .
[28] عقد الدرر ، ص 241 .
[29] معجم أحاديث الإمام المهدي ( ) ، ج 2 ، ص 18 ، ح 388 .
[30] المصدر نفسه ، ص 34 - 399 .
[31] مجمع الزوائد ، ج 7 ، ص 347 .
[32] راجع المسيح الدجال ، ص 237 - 238 .
[33] معجم أحاديث الإمام المهدي ، ج 2 ، ص 59 ، ح 415 .
[34] معجم أحاديث الإمام ، ج 2 ، ص 70 ، ح 417 .
[35] المصدر نفسه . نقلا عن كنز العمال ، ج 14 ، ص 327 ، ح 38823 .
[36] المصدر نفسه ، ح 418 ، نقلا عن كنز العمال ، ج 4 ، ص 528 .
[37] المصدر السابق ، ص 62 ، ح 419 .
[38] ملابس مصنوعة من الصوف .
[39] راجع المسيح الدجال ، ص 248 - 249 .
[40] المصدر نفسه .
[41] الفتن ، ابن حماد ، ص 156 .
[42] المصدر نفسه ، ص 154 .
[43] معجم أحاديث الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، ج 2 ، ص 69 ، ح 426 وح 427 .
[44] المصدر نفسه .
[45] تقدّم معنى تفسير هذه المفردات في الفقرة السابقة .
[46] كنز العمال ، ج 14 ، ص 602 ، ح 39689 .
[47] معجم أحاديث الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، ج 2 ، ص 71 ، ح 432 .
[48] المصدر نفسه ، ص 57 ، ح 434 .
[49] صحيح مسلم ، ج 8 ، ص 197 - 198 - 201 .
[50] المصدر نفسه .
[51] منتخب الأثر ، ص 480 ، نقلا عن إكمال الدين للصدوق .
[52] وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 288 - و 289 .
[53] إكمال الدين ، الصدوق ، باب حديث الدجال وما يتصل به من أمر القائم .
[54] راجع المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري ، ص 171 - 172 .
[55] منتخب الأثر ، ص 480 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
قسم التربية والتعليم يكرّم الطلبة الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|