أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-3-2021
6219
التاريخ: 26-4-2021
7423
التاريخ: 25-3-2017
2986
التاريخ: 5-4-2016
12347
|
إن مدى تطبيق قانون القاضي على الحالات التي ثبت فيها الاختصاص لمحاكم دولة هذا القانون نتيجة لوجود أحد عناصـر النزاع التي تم التعرض إليها في الفرع السابق، يحتم علينا عرض أمكانية هذا التطبيق لقانون القاضي على حالات الاختصاص تلك بحسب وجود كل عنصر من عناصر النزاع على النحو الآتي.
أولاً: تطبيق قانون القاضي في حالة الاختصاص المتعلق بمحل وجود بالمال//
إن تطبيق قانون القاضـي بشـأن الأموال يتعلق بعدد من المبررات التي سايرها الفقه وقد سبق أن تم توضيح مسألة خضوع العقارات وهي أحد أقسام الأموال المادية المهمة لقانون قاضـي دولة الموقع وتم في حينه استعراض الاعتبارات التي ساهمت في تفوق قانون قاضي دولة الموقع وهي لا تعدو عن اعتبارات سياسية تتعلق بسيادة الدولة على إقليمها واعتبارات عملية تتعلق بقرب قاضي دولة الموقع أو محاكم هذه الدولة عموما من هذه الأموال العقارية وهذا يضفي بدوره الدقة في تقدير حالة العقارات تلك ونحيل في ذلك لما تم تناوله سابقا في موضوع التبعية الإقليمية أما تحديد مدى تطبيق قانون القاضي بشأن الأموال المنقولة فإذا لم يكن بمقدور الأطراف اختيار القانون الذي يحكم العقد فهل يستطيعون ذلك بالنسبة للمنقول؟
إن المجال الطبيعي الذي تعمل فيه قاعدة التنازع التي تحكم مسائل العقود الدولية الواردة في القوانين يكون محلها أموال تتمثل بالسلع والبضائع والمنتجات بمختلف الأنواع وهي تخضع لقانون الارادة ولا يشمل ذلك الحكم مسائل العقار والعقود التي ترد عليها لأن القوانين نفسها حجزت هذا المجال القانون موقع العقار وهو من حالات تفوق قانون القاضي بوصفه قانون دولة موقعه (1).
أما بخصوص القانون المطبق على المنقول فقد تم استعراض تسلسل القوانين و التي نظمت أحوال المنقول بحسب الفترات التي مرت بها إلى إخضاع المنقولة لقانون موطن المالك ذلك الاهتمام الدول وقوانينها أولا بالعقار باعتبارها عمود النشاط التجاري وعند بداية القرن التاسع عشر برزت أهمية المنقولات للنشاط الاقتصادي ولأجل تنظيم أمور المنقول باعتبار الطبيعة المتنقلة للأخير أخضع لقانون مالكه لأنهم جعلوا من المنقول تابعة لصاحبه (2) ثم ما لبث الحال إلا أن تغير إلى إخضاع المنقول لقانون موقعه المفترض وهو موطن المالك حسب وجهة نظر البعض (3). وفي مرحلة أخرى أخضع لحكم القانون الذي يحكم السبب المنشأ له كالقانون الذي يحكم التصرف القانوني بالعقد أو الوصية إذا وردا على المنقول على الرغم من أن موقف القوانين المعاصرة (4) تستعرض حكم الوقائع القانونية بالتساوي تماما لحكم التصرفات القانونية كونها من أسباب كسب ملكية المنقول أو فقده (5).
وتدريجيا بعد أن كان موقع المنقول معيارا لتحديد موطن المالك أصبح قانون موقع المنقول الفعلي هو المختص لتنظيم أحوال المنقول (6).
وأمام حالة الاختلاف وعدم توحيد القانون الذي ينظم أحوال المنقول فقد لاحظنا إخضاع أغلب هذه الأحوال القانون موقع المنقول في حين أخضع المنقول للقانون الشخصي في مسائل الميراث ولا يفوتنا التركيز على اعتبار المنقولات تجسيدا الموضوع قانون الإرادة أي أنها تمثل محل التصرفات التي تحكمها الإرادة.
ولأجل توضيح مبدأ تفوق قانون القاضي بالتطبيق لابد من أبراز هذا المبدأ خاصة وأن موقف القوانين من اختصاص قانون الموقع للأموال المنقولة يخص الحقوق العينية الأصلية والآثار العينية ابتداء من تحديد طبيعة المنقول كونه منقولا بطبيعته أو بالمال ومدى قابلية التعامل فيه وما يرد عليه من حقوق الملكية وسلطات المالك وحدود سلطات المنتفع والقيود التي ترد على تصرف كل منهما (7) ، بل وشمل قانون موقع المنقول انقضاء تلك الحقوق العينية الواردة عليه وآلية نقل الملكية بمجرد العقد أم يلزم نقل الحيازة ورغم تشعب هذه المواضيع، فإن القوانين ذات الشأن لم تضع حدة تفصل فيه اختصاص قانون موقع المنقول بين ما يرد عليه من تصرفات قانونية ووقائع قانونية ، فنلاحظ نص المادة (24) من قانوننا المدني قد تضمنت ذلك مثلا بقولها أن المسائل الخاصة بالملكية والحيازة والحقوق العينية الأخرى، وبنوع خاص طرق انتقال هذه الحقوق بالعقد والميراث والوصية وغيره يسري عليها قانون الموقع فيما يخص العقار، ويسري بالنسبة للمنقول قانون الدولة التي يوجد فيها هذا المنقول وقت وقوع الأمر الذي ترتب عليه كسب الحق أو فقده).
وهذه حالة من حالات تطبيق قانون القاضي للمسائل أعلاه فضلا عما يقاس عليها من حقوق وطرق الانتقال الملكية والحقوق الاخرى حينما يكون القاضي مختص في تلك المواضيع بناءا على تواجد المنقول في دولته عند تحققها أو ترتيبها.
والأمر نفسه ينطبق على المادة (18) من القانون المدني المصري فهي تدعو لتطبيق قانون القاضي أيضا في مسائل الحيازة والملكية والحقوق العينية الأخرى في حالة وجود هذا المنقول في دولة القاضي، ذلك عند تحقق الأسباب التي ترتب عليها كسب الحيازة أو الملكية وبقية الحقوق وحتى فقدها (8) , ويجري تفوق أو تطبيق قانون القاضي بالنسبة للمنقولات ذات الطبيعة الخاصة كالطائرات والسفن والسيارات في الأحوال الخاصة بها لأن القاضي يطبق قانونه والذي يمثل قانون بلد التسجيل أو بلد العلم الذي تحمله (9).
وفيما عدا ذلك تخضع الأموال المنقولة للتصرفات التي تجري بشأنها القانون الإرادة ويعد الأخير خروجه عن مبدأ تفوق قانون القاضي اللهم إلا إذا اتحد قانون الإرادة المختار مع قانون دولة القاضي ويحدد البعض نطاق قانون الإرادة بالحدود التي نص عليها القانون وخارج ذلك يخضع لقانون موقع الاموال ويمثل تطبيقا لقانون القاضي طالما اتحد مع قانون الموقع (10).
ولا يتفوق قانون القاضي إذا لم يتحد مع قانون موقع المنقول.
ثانيا: تطبيق قانون القاضي في حالة الاختصاص المتعلق بمحل نشوء الالتزام أو تنفيذه //
أن نشوء الالتزام أو تنفيذه في دولة معينة يثبت بموجبه الاختصاص لقضاء تلك الدولة في النزاعات المتعلقة به ، والسؤال هنا هل أن ثبوت هذا الاختصاص يؤدي إلى تطبيق قانون القاضي بشأنه؟
إن نشوء الالتزامات منها ما يكون بطريق الارادة ومنها ما يكون بطريق الأفعال غير الإرادية والأولى تسمى بالالتزامات الإرادية والتي يكون مصدرها العقد والإرادة المنفردة وحيث أن العقد هو الصورة الأساسية لمصادر الالتزامات الإرادية عليه ينبغي التوقف عند حدوده لبيان القانون الذي يحكم التزامات العقد طالما هي تمثل قاعدة عامة يمكن أن تنطبق على غيرها من التصرفات , وبعد أن عرفنا أن جزءا من أحوال التصرفات القانونية الواردة على المال المنقول تخضع لقانون الإرادة باعتبار أن الأموال المنقولة تمثل محلا لقاعدة قانون الإرادة فإن القاعدة الأخيرة وضعت من قبل المشرعين في الدول لحكم مسائل عدة تتضمنها التصرفات القانونية ,ويمكن ملاحظة أن المدي بين النظريات الفقهية التي طرحت بخصوص تطبيق قانون الإرادة على التصرفات الدولية الخاصة للأفراد يمثل فلكة كانت بدايته متوجه صوب النظرية الشخصية لقانون الإرادة والاخيرة تعتبر من أثار مبدأ سلطان الإرادة وتتضمن تحرير العقد من القيود التي تصنعها القوانين وتجعل من العقود الفردية هي المعتقلة للقوانين وليس العكس لأن النظرية الذاتية سمحت للأفراد اختيار القانون الملائم لعقودهم ويكون هذا القانون شرطة أو بندا في هذه العقود لا أكثر ، ويكون تطبيق هذا القانون مرتبطة بالإرادة الذاتية لأطراف العقد أن شاءوا أي إنهم قادرين أن يمنعوا القوانين من إقحام نظامها داخل عقودهم وهو ما ما يعطيهم (أي أطراف العقد ) فض ارتباط عقدهم من قانون واحد واختيار أكثر من قانون الحكم عقودهم ولقد استدل الفقه الذي تناول بالذكر هذه النظرية التوجه القضائي الفرنسي عام (1910م) الذي جعل موضوع تطبيق قانون العقد رهنا بإرادة أطرافه أي أن ارادة الاطراف الحرة المختارة هي التي تحكم بتطبيق قانون العقد(11) . وهذه النتائج تمثل مجازفة خطيرة في نطاق تصرفات يجريها الأفراد والتي ينبغي أن يغطيها سقف قانوني , والحقيقة أن مثل هذا السلطان للإرادة والحرية المطلقة لا يمكن أن تقبل حتى وفق النظم القانونية التي بني على الرأسمالية والحرية الفردية ذلك لما شهده العالم الحاضر من الزيادة في تدخل دول هذه النظم (الرأسمالية في الدعم للمؤسسات والقطاعات وتوجيهها عند الضرورة كما هو الحال في ما واجهته الولايات المتحدة الأمريكية من أزمة الديون وتدخل الدولة هناك للدعم وتعديل الالتزامات المرافقة لتلك الأزمة كما أن ما تم إيراده من تطبيق قضائي فهو موقف قديم وسابق الحقته مواقف قانونية وقضائية في ضرورة تقيد حرية الإرادة في اختيار قانون العقد. (12) بل أن جانبا من الفقه (13) تناول عرض تطور مراحل ظهور قانون الإرادة سابق التوضيح ضمن ثلاث نظريات هي:
النظرية الأولى //
إن هذه النظرية لا تعطي الإرادة التي تختار قانونأ للعقد سوى مرحلة توطين العقد أو تركيز ضمن نظام قانوني معين وهذا التوطين لا يعد قطعية بل للقضاء أن يوطن هذا العقد إذا كان الاختيار الإرادي للقانون لا ينسجم مع توطينه وهذا من وجهة النظر هذه يعمل على التركيز الموضوعي للعقد وتحديد القانون واجب التطبيق بعيدا عن تحايل الأطراف تجاه القواعد الآمرة للقانون المختار والعمل على ابعاد تحكم الإرادة بالقانون والعمل على سريان العكس. (14)
النظرية الثانية //
وتحترم القانون الإرادي للعقد والمعبر عنه صراحة وعندها لا يجوز هدر هذا الاختيار واعتباره مجرد تركيز موضوعي للعقد وفي حال تخلف الاختيار الإرادي الصريح لقانون العقد فلا يتم اللجوء للاختيار الضمني بل يتم تفعيل سلطة القاضي لتوطين أو تركيز العقد لأن الاختيار الضمني من وجهة النظر هذه يعتبر افتراض لا محل له من الصحة (15) .
النظرية الثالثة //
إن هذه النظرية تكاد لا تختلف عن النظرية الثانية إلا في مسألة الاعتراف بالاختيار الضمني للإرادة في تحديد القانون واجب التطبيق على العقد فهي تولي الاهتمام الأصلي للاختيار الصريح لقانون العقد وتعطي للاختيار الضمني في حال تخلف الاختيار الصريح لقانون العقد دورة احتياطية وبناء على وجود قرائن معينة وفي حال عدم وجود التصريح و تخلف القرائن يتم اللجوء للتركيز (للتوطين القضائي للعقد. (16) والرأي الأخير ينسجم مع الواقع التشريعي للقوانين محل المقارنة لأن المادة 1/25) ) من القانون المدني العراقي والمادة 1/19) )من القانون المدني المصري وضعتا نوعا من قواعد الإسناد يشمل عددا من الخيارات وفق تسلسل حدد القانون الواجب تطبيقه فهما يعتدان بشكل أصلي بالاتفاق أو التعبير الصريح الإرادة قانون معين للعقد أن بالاختيار الضمني لهذا القانون بناء على تبين ظروف معينة لإرادة قانون معين وألا يتم اللجوء للتركيز القضائي للعقد والتركيز أو التوطين المذكور طبعا لا يكون طليقة بل أن كلا القانونين حددا وقائع عند وجودها يتم الاعتداد بذلك التركيز القضائي وهما موضوع الموطن المشترك للطرفين المتعاقدين أو تطبيق قانون الدولة التي يتم فيها العقد في حال عدم تحقق الموطن المشترك للطرفين المتعاقدين (17).
وعليه فإن موقع قانون القاضي في مواجهة قانون الإرادة في حكم مسائل العقد يتقدمه تحديد النطاق الذي يتحرك به تنظيماً قانون الإرادة في إطار العقود(18) ، ونطاق العقود التي يحكمها قانون الإرادة تتضمن الشروط الشكلية والشـروط الموضـوعية والأخيرة تتعلق بالكيان الذاتي للعقد وما يقوم عليه من أركان ويحكم قانون الإرادة هذه الأركان وهي الرضـا والمحل والسبب بل أن حكم هذا القانون طال عيوب الرضـا من غلط وإكراه واستغلال والغبن مع التغرير ولم يخرج من حكمه ســــوى تحديد أهلية الأشخاص فهي تخضـع للقوانين الشخصية.(19) وعلى الرغم من حكم قانون الارادة للمسائل المتعلقة بالمحل والسـبب إلا أن ذلك لم يمنع توجه البعض إلى حالة تطبيق قانون القاضي في تقدير مشروعية السبب والمحل.(20) ويحكم قانون العقد كذلك المسؤولية المترتبة عن الإخلال بالالتزامات العقدية وتعديلها والقوة الملزمة للعقد من حيث الأشخاص والموضوع وتخلف الشروط وما يترتب على ذلك من بطلان.(21) إما عن الشروط الشكلية للتصرفات فيكاد تطبيق مبدأ خضوع الشروط الشكلية للتصرفات لمحل إبرامها أن يكون من الأمور التي سلمت بها أغلب القوانين فقد نصت المادة (26) من القانون المدني العراقي على أن (تخضع العقود في شكلها لقانون الدولة التي تمت فيها), ونصت المادة (20) من القانون المدني المصري على أن (العقود ما بين الأحياء تقع في شكلها لقانون البلد الذي تمت فيه، ويجوز أيضاً أن تخضع للقانون الذي يسري على أحكامها الموضوعية، كما يجوز أن تخضع لقانون موطن المتعاقدين أو قانونهما الوطني المشترك ).
والنصوص أعلاه تكشف عن بون واختلاف بين القانونين فبينما يحسم القانون العراقي موقفه بإيراد نص تدل عباراته على الإلزام باتباع قانون دولة محل الإبرام في استيفاء الشروط الشكلية للعقد فإن القانون المصري يعطي فرصة للاختيار في تمام الجانب الشكلي للعقود فهي قاعدة مكملة باعتماد قانون دولة محل الإبرام وهو ذات موقف القانون العراقي كما يعتبر الجانب الشكلي ذاك تاما أيضأ أما باعتماد القانون الذي يحكم موضوع العقد أي قانون الإرادة كما اتضح أو باعتماد قانون موطن المتعاقدين المشترك أو قانون جنسيتهما المشترك (22)
ولما تقدم فإن نطاق تطبيق قانون القاضي في هذا المجال يكاد يتحدد في حالات قابلة للحصر فهو يطبق بخصوص بعض المسائل المتعلقة بالمحل والسبب وبالذات شرط المشروعية أو القابلية للتعامل كما ويطبق في تحديد سن الأهلية إذا ما اتفق أو انسجم بنفس الوقت مع قانون دولة القاضي وفي إطار الشروط الشكلية فإنه يطبق إذا ما كان هو نفسه قانون دولة محل الإبرام بالنسبة لقانوننا أو قانون الموطن أو الجنسية المشتركة للطرفين فضلا عن قانون محل الإبرام بالنسبة للقانون المصري ، كما أن تفوق قانون القاضي يظهر أيضا إذا ما كان هو نفسه قانون الإرادة (23).
إما المسائل الأخرى فإنها تخرج عن نطاق تطبيق قانون القاضي التدخل في قانون الإرادة المحدد والمقصود من الطرفين وكذا الحال في أركان العقد والالتزامات المترتبة عنه وسن الأهلية وغيرها من المسائل طالما لم يتوفر استثناء تطبيق قانون القاضي والخاص بواقعة الانسجام بينه وبين قوانين تلك المسائل المتقدمة.
إما بخصوص تطبيق قانون القاضي بشأن الالتزامات غير التعاقدية (خارج الإرادة) أو الالتزام الناشئ عن الأفعال المادية النافعة أو الضارة ، فأن الاثراء بلا سبب أو الأفعال المادية النافعة يكون الاختصاص فيها القانون الدولة التي حصلت فيها واقعة الإثراء باعتبارها أساس لإلتزام المثري أو المنتفع بشكل غير مشروع على حساب المفتقر، فإن قانون القاضي لا يجد فيه فرصة في التطبيق إلا في حالة حصول واقعة الإثراء على أرض دولته وإلا سيطبق قانون دولة حصول واقعة الإثراء .(24) إما عن القانون واجب التطبيق بشأن الأفعال الضارة أو المسؤولية التقصيرية فإن الفقه (25) يستعرض عدد من القوانين لحكم واقعة الفعل ابتداء من تطبيق فكرة قانون القاضي باعتبار تلك الأفعال تحمل صفة الدعوى الجنائية والقواعد الحاكمة لها هي قواعد الأمن المدني (26).
أو بإخضاع هذه الأفعال للقانون الذي يحكم الالتزام كتصرف أو واقعة قانونية كالقواعد التي تنظم الالتزامات المتعلقة بالأموال أو الأحوال الشخصية وكذلك اعتماد قانون الوسط الاجتماعي أي قانون الجنسية والموطن بشأن الأفعال الضارة (27).
على أن البعض دافع عن فكرة اعتماد القانون المختار أو قانون الإرادة بشأن المسؤولية التقصيرية كما هو الحال في اختيار القانون بشأن الالتزامات التعاقدية بالرغم من المعارضة لذلك في عدم إمكانية ذلك الاختيار والقياس كون قانون الالتزامات العقدية ســابق على وقوع الإخلال بالالتزامات وأن الإرادة قد تحركت ابتداءا في حين أن الأفعال الضارة قد تحدث نتيجة لتصرفات لا إرادية.(28) لكن فكرة الدفاع اعتمدت على إمكانية هذا الاختيار لأن القانون الذي يختاره الأطراف بسبب وقوع الأفعال الضـارة يتعلق بمصالحهم الخاصـة وأن كان من قيد يجب تحديده فهو قصر هذا الاختبار لمصلحة قانون القاضي (29).
والآراء المتقدمة وأن كان البعض منها ذات حجج وجيهة خاصـة مسألة تطبيق قانون الوسط الاجتماعي التي تسند الاختصاص بشأن الأفعال الضـارة لقانون دولة الوسط الاجتماعي للأطراف كقانون موطنهم أو محل إقامتهم المشترك أو قانون جنسيتهم المشتركة إذا ما أحدث هؤلاء الوقائع المنشئة للمسؤولية التقصيرية خارج دولة موطنهم أو جنسيتهم باعتبار أن دولة محل وقوع تلك الوقائع طارئة على الاختصاص(30) ألا أن قاعدة تطبيق حكم القانون المحلي تكاد تتربع على عرش عدد من القوانين الدولية الخاصـة في المجتمع الدولي ومثال ذلك نصت المادة (1/27) من القانون المدني العراقي على أن (الالتزامات غير التعاقدية يسري عليها قانون الدولة التي حدثت فيها الواقعة المنشـئة للالتزام), ونصت المادة (1/21) من القانون المدني المصـري على أن (يسـري على الالتزامات غير التعاقدية قانون البلد الذي وقع فيه الفعل المنشئ للالتزام) ولا يختلف موقف القضاء الفرنسي في تفوق القانون المحلي بالتطبيق في شأن الأفعال الضارة الواقعة ضمن إقليم دولة القانون المحلي تأثرا بمبدأ الإقليمية وضرورة خضوع الأفعال والوقائع الحاصلة في إقليم دولة معينة لقانونها كونها تتعلق بسيادة الدولة وسلطانها على إقليمها (31).
واستنادا إلى النصوص القانونية والمواقف الفقهية أعلاه فلا يكون من مجال لتطبيق قانون القاضي الا قانون قاضي البلد الذي حصلت فيه هذه الوقائع دون غيره ذلك أن القانون المختص بشأن الأفعال والوقائع محل الالتزامات غير التعاقدية تخضع لقانون محل وقوعها اللهم إلا اذا كنا في حالة تطبيق فكرة قانون الوسط الاجتماعي لمرتكبي الوقائع المنشئة للالتزام حين يتم تطبيق موطنهم أو قانون جنسيتهم باعتبار كل منهما يصادف أن يكون نفسه قانون قاضي الموضوع المعروض أمامه النزاع هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن المادة 2/27) )من قانوننا المدني أشارت إلى عدم تطبيق حكم قانون دولة الافعال في حال كونها مشروعة في العراق بقولها (... فيما يتعلق بالالتزامات الناشئة من العمل غير المشروع على الوقائع التي تحدث في الخارج وتكون مشروعة في العراق وأن عدت غير مشروعة في البلد الذي وقعت فيه)، وبنفس هذا التوجه نص القانون المدني المصري في المادة 2/21) )بقوله أن (على أنه فيما يتعلق بالالتزامات الناشئة عن الفعل الضار لا تسري أحكام الفقرة السابقة على الوقائع التي تحدث في الخارج وتكون مشروعة في مصر وأن كانت تعد غير مشروعة في البلد الذي وقعت فيه ).
وبالنظر للاستثناء الذي أوردته المواد أعلاه فإن اعتبارات تتعلق بالنظام العام هي من فرضت إيراد هذه الفقرات لأصل هذه المواد وهي تختص في مسألة رفع النزاع والدعوى أمام قاضي دولة غير دولة محل ارتكاب تلك الوقائع فهي تعطي فرصة لتفوق قانون القاضي بالتطبيق على قانون محل ارتكاب الوقائع المنشئة لتلك التزاماتها أي أن لجوء العراقي أو المصري القانون بلد جنسية كل منهم أو موطنهم العكسي أي لجوء العراقي للقضاء المصري بشأن دعوى تعويض عن أفعال ضارة وقعت في فرنسا فإن القاضي المصري سوف يطبق القانون المصري من خلال مضمون الفقرة الثانية من المادة (21) من القانون المدني المصري لأنها اشترطت التطبيق الجامع أو شرط عدم المشروعية المشترك بين قانون القاضي المراد تطبيقه وعلم المشروعية بالنسبة القانون محل الوقوع (القانون الفرنسي في الفرض المتقدم)
___________
1- المادة (14 و 2/25 و 2/17 )من قانوننا المدني ، والمادة (18) من القانون المدني المصري التي حكمت بان (يسري على الحياة والملكية والحقوق العينية الاخرى قانون الموقع فيما يختص بالعقار ) والمادة (2/3) من القانون المدني الفرنسي التي نصت على أن (.. تخضع العقارات حتى التي يملكها أجانب للقانون الفرنسي)
2- حيث تتم تأصيل فكرة خضوع المنقول لموطن المالك للفقه الفرنسي؛ أنظر في ذلك د. أحمد عبدالكريم سلامة، الاصول في تنازع القوانين ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2008 ، ص988.
3- د. عبد الرسول عبد الرضا الاسدي ، القانون الدولي الخاص ، ط1 ، مكتبة السنهوري ، بغداد ، 2013 ، ص 284.
4- المادة (24) من القانون المدني العراقي والمادة (18) من القانون المدني المصري. والمادة (2/3) من القانون المدني الفرنسي
5- رغم استقرار خضوع المنقول لقانون موقعه ظل هناك حيز التطبيق فكرة خضوع المنقول لقانون موطن المالك في مسائل الميراث وهو موقف الفقه والقانون الفرنسي والقانون الإنكليزي، في حين تعتبر المواريث من مسائل الأحوال الشخصية في القانون العراقي والمصري وتخضع لقانون جنسية المتوفي وليس لقانون الموقع كما حكم بذلك نص المادة (23) من القانون المدني العراقي والمادة 1/17) )من القانون المدني المصري.
6- د. سامي بديع منصور ود. عكاشة عبدالعال ، القانون الدولي الخاص ، الدر الجامعية ، بيروت ، لبنان ، ص 306
7- د. أحمد عبد الكريم سلامة، الأصول ، مصدر سابق، ص 992-993.
8- نصت المادة 18 من القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 المعدل على أن (يسري على الحيازة والملكية والحقوق العينية الأخرى، قانون الموقع فيما يختص بالعقار، ويسري بالنسبة إلى المنقول، قانون الجهة التي يوجد فيها هذا المنقول وقت تحقيق السبب الذي ترتب عليه كسب الحيازة أو الملكية أو الحقوق العينية الأخرى أو فقدها ).
9- د. أحمد عبد الكريم سلامة، الأصول ، مصدر سابق، ص 100 وما بعدها؛ ود. عبد الرسول عبد الرضا الاسدي, القانون الدولي الخاص، مصدر سابق، ص285 وما بعدها.
10- د. سامي بديع منصور ود. اسامة العجوز ، القانون الدولي الخاص ، القانون الدولي الخاص ، ط1 ، منشورات زين الحقوقية ، 2005، ص 350.
11-H.Gaudemet-Tallon, La compétence judiciaire internationale directe à l'aube du XXIe siècle. Quelques tendances, Clés pour le siècle 2000, Paris, Dalloz, 2000, no 152
وبنفس السياق ينظر د. هشام علd صادق, القانون واجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، دار الفكر العربي، الإسكندرية، ص 130؛ ود. سامي بديع منصور؛ ود. أسامة العجوز, القانون الدولي الخاص، منشورات زين الحقوقية، بيروت، 2005، ص 398؛ ود. عوني محمد الفخري, إرادة الاختبار في العقود الدولية التجارية والمالية - دراسة مقارنة، منشورات زين الحقوقية، ص 207؛ ود. هشام علي صادق, دراسات في القانون الدولي الخاص، الدار الجامعية للطباعة والنشر، ط1، بيروت، 1981، ص 130؛ ود. أحمد عبد الكريم سلامة، مصدر سابق، ص 1061.
12- د. أحمد عبدالكريم سلامة، مصدر سابق، ص 1070.
13- أطلق هذا الجانب من الفقه تسمية النظرية الذاتية للإرادة ويقصد بذلك كفايتها ورجحائها على القانون والنظرية الموضوعية اللارادة ويكون لها دورها ضابط اسناد وليس الكفاية الذاتية للعقد . للاستزادة في ذلك ينظر د. أحمد عبد الكريم سلامة، مصدر سابق، ص1068وما بعدها , د. سامي بديع منصور ود. أسامة العجوز ، مصدر سابق ص400339
G.Droz,Réflexions pour une réforme des articles 14 et 15 du Code civil, RCDIP 1975,p1 H.Gaudemet-Tallon, Nationalisme et compétence judiciaire, déclin ou renouveau, Trav.com. fr. DIP 1987-1988, p171.
14- د. أحمد عبد الكريم سلامة، مصدر سابق، ص 1068وما بعدها .
15- د. سامي بديع منصور ود. اسامة العجوز ، مصدر سابق ص 339- 400
16- المصدر والموضع السابقين.
17- نص المادة 1/25) ) من القانون المدني العراقي. (يسري على الالتزامات التعاقدية قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين إذا اتحدا وطنا، ماذا اختلفا يسري قانون الدولة التي تم فيها العقد، هذا ما لم يتفق المتعاقدان، أو تبين من الظروف أن قانون آخر يراد تطبيقه)، ونص المادة (19/1) من القانون المدني المصري (يسري على الالتزامات التعاقدية قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين إذا اتحدا موطنا، فإن اختلفا موطنا سرى قانون الدولة التي تم فيها العقد، هذا ما لم يتفق المتعاقدان، أو يتبين من الظروف أن قانونأ آخر هو الذي يراد تطبيقه).
18- د. احمد عبد الكريم سلامه, الاصول, مصدر سابق، ص1127 وما بعدها.
19- في حين يرى أحد الفقه بأن قانون العقد يحكم مسائل الالتزامات العقدية فقط وهو ما يتفق مع عبارات نصوص القوانين مشار اليه في د. أحمد عبد الكريم سلامة، الاصول ، المصدر السابق، ص1123 ، والرأي الاخير وبخصوص هذه الفكرة يتفق مع نصوص القوانين كنص المادة (1/25) من القانون المدني العراقي، والمادة (1/19) من القانون المدني المصري والتي يصرح كل منها على تنظيم مسائل الالتزامات العقدية ، أما شرط الموضوعية المتعلق بوجود العقد فإنها لا تخضع لهذا القانون , وبنفس السياق حكم نص المادة (1/18) من القانون المدني العراقي والمادة (1/11) من القانون المدني المصري بان قانون جنسية الشخص هو المختص في مسائل الأهلية.
20- د. حامد زكي، القانون الدولي الخاص المصري ، ط2 ،بلا مكان طبع, 1940، ص 345؛ محمد عبد المنعم رياض, مبادئ القانون الدولي الخاص ، ط2 ،بلا مكان طبع, 1943 ، ص471.
21- د. أحمد عبد الكريم سلامة، مصدر سابق، ص1129 وما بعدها ود. سامي بديع منصور ود. اسامة العجوز ، مصدر السابق ، ص 445 و ما بعدها.
22- نصت المادة (2512) من القانون المدني الفرنسي على (إن تسجيل العقارات وقيد الحقوق المبينة في م2521 في السجل العقاري هو إلزامي مهما كان الوضع القانوني للمالك أو لصاحب الحقوق.....) ونصت المادة (2521) من نفس القانون على (..... تقيد في السجل العقاري لتكون حجة على الغير ,1. الحقوق العينية العقارية التالية:- أ/الملكية العقارية. بحق الانتقاء المنشأ بأراده الإنسان على الملكية ذاتها. ج/حق الاستعمال وحق السكن. د/ إيجار الحكر الحكمي. هـ/ حق السطحية. والارتفاقات. ز/ رهن الحيازة العقاري..) ونصت المادة (2532) على (...ان العقود المبرمة خارج مايوت لا يمكن أن تنشأ على النحو الصحيح إذا كان موضوعها يتعلق بإنشاء رهن عقاري على عقارات واقعة في مايوت مالم تكن متوافقة مع أحكام هذا الباب) أي أحكام الباب الرابع من القانون المدني الفرنسي لسنة 1804 المعدل (احكام تتعلق بتسجيل العقارات والحقوق على العقارات).
23- وتأكد هذا الاتجاه التشريعي بالمادة (14) والمادة (15) من القانون المدني الفرنسي المعدل والعديد من قرارات محكمة النقض الفرنسية و للاستزادة ينظر في ذلك :
B. Ancel et Y. Lequette, Grands arrêts de la jurisprudence française de droit international privé, Paris, Dalloz,5e édition,2006, no 87
24- د. عبد الرسول عبد الرضا الاسدي. القانون الدولي الخاص، مصدر سابق، ص 299.
25- د. حسام الدين فتحي ناصف ، مركز قانون القاضي في حكم المنازعات الخاصة الدولية ، ط1 دار النهضة العربية القاهرة 1994 ، ص 142؛ ود. أحمد عبد الكريم سلامة، مصدر سابق، ص 117 وما بعدها؛ ود. عبد الرسول عبد الرضا الاسدي, القانون الدولي الخاص، مصدر سابق، ص301 وما بعدها.
26- د. أحمد عبد الكريم سلامة، الاصول ، مصدر سابق، ص 1174.
27- د. عبد الرسول عبد الرضا الاسدي. القانون الدولي الخاص، مصدر سابق، ص300.
28- د. عبد الرسول عبد الرضا الاسدي, القانون الدولي الخاص، مصدر سابق، ص300.
29- والى ذلك اتجهت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بالقضية المعروفة (قضية مارتينلي) عام 1975 ينظر وقائع الدعوى وتعليق الفقه الفرنسي على الموقع الالكتروني التالي وتمت زيارته 2017/2/20 الساعة العاشرة صباحاً
Dissertations gratuites sur Commentaires De I Arrêt Martinelli 15 Mai 1974.
30- B.Ancel, Y. Lequette,Op. cit. no 46.
وينظر كذلك في تفصيل القوانين التي تتجه صوب تطبيق قانون الوسط الاجتماعي . أحمد عبدالكريم سلامة، المصدر السابق ص1184 وما بعدها.
31- B.Ancel, Y. Lequette, Op. cit. no 71.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|