أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-04-2015
8344
التاريخ: 30-11-2015
8548
التاريخ: 24-09-2014
8108
التاريخ: 23-04-2015
28696
|
النبي ( صلّى الله عليه وآله ) لا يخطأ فيما يوحى إليه ، ولا يلتبس عليه الأمر قطّ ، النبي كان عندما يوحى إليه يُكشف عن عينه الغطاء ، فيرى الواقعية فيما يتَّصل بجانب روحه الملكوتي ، منقطعاً عن صوارف المادَّة ، إنَّه ( صلّى الله عليه وآله ) حينذاك يلمس تجلّيات وإشراقات نورية تغشاه من عالم الملكـوت ؛ لينصرف بكلّيته إلى لقاء روح الله وتلقّي كلماته ، فيرى حقيقة الحقّ النازل عليه بشعورٍ واعٍ وبصيرةٍ نافذة ، كمَن يرى الشمس في وضَح النهار ، لا يحتمل خطأً في إبصاره ولا التباساً فيما يعِيه .
وهكذا الوحي ، إذ لم يكن فكرة نابعة من داخل الضمير ؛ ليحتمل الخطأ في ترتيب مقدّمات استنتاجها ، أو إبصاراً من بعيد ؛ ليتحمَّل التباساً في الانطباق (1) ، بل هي مشاهدةُ حقيقةٍ حاضرة بعَين نافذة ، فاحتمال الخطأ فيه مستحيل .
تلك طريقة علمية فلسفية (2) تهدينا إلى الاعتراف بعدم احتمال الوحي الخطأ أبداً ، ومن ثَمَّ فإنَّ شريعة الله النازلة على أيدي رسُله الأُمناء مصونة عن احتمال الخطأ رأساً .
وهناك طريقة أخرى عقلية تُحتّم لزوم عصمة الأنبياء فيما يبلِّغون من شرائع الله ، يفصِّلها علماء الكلام ، وتتلخَّص : في أنَّ النبي المبلِّغ عن الله يجب ـ في ضوء قاعدة اللطف ـ أن يَنعُم بصحَّة كاملة في أجهزة إحساسه ، وسلامة تامَّة في قوى مشاعره ، وفي مقدرته العقليّة ، فيكون مستقيماً في آرائه ونظرياته ، معتدلاً في خُلُقه وسيرته ، مستوياً في خِلقته وصورته ، وبكلمة جامعة : يجب أن يختار الله لرسالته إنساناً كاملاً في خَلْقه وخُلُقه ؛ كي لا يتنفَّر الناس من معاشرته ، ويطمئنّوا إلى ما يبلِّغه عن الله ، وإلاّ كان نقضاً لغرض التشريع .
فالنبيّ معصوم من الخطأ والنسيان ، ولاسيَّما فيما يخصّ تبليغ أحكام الشريعة ، وهذا إجماع من المسلمين ومن غيرهم من عقلاء أذعنوا برسالة الأنبياء ؛ ولولاه لكان الالتزام بشرائع الدين سفَهاً يأباه العقل (3) .
* * *
هذا مضافاً إلى ما عهد الله لنبيّه بالرعاية والحِفظ : {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6] ، كان ( صلّى الله عليه وآله ) في بدء نزول القرآن يخشى أن يفوته شيء ، فكان يساوق جبرائيل فيما يلقي عليه كلمة بكلمة ، فنهى عن ذلك : {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 16 - 19] ، {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
قال ابن عباس : ( فكان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) بعد ذلك إذا أتاه جبرائيل استمع له ، فإذا انطلق قرأ كما أقرأه ) (4) .
وأخيراً فإنَّ قوله تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9] ، يقطع أيّ احتمال الدسّ والتزوير في نصوص القرآن الكريم .
وأمّا احتمال تلبيس إبليس ليتدخّل فيما يوحى إلى النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ، ويجعل من تسويلاته الشيطانية في صورة وحي ، ويُلبسه على النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ليزعمه وحياً من الله ، فهو أمرٌ مستحيل ؛ لأنَّ الشيطان لا يستطيع الاستحواذ على عقلية رسُل الله وعباده المكرَمين : {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [الإسراء: 65] ، ومتنافٍ مع قوله تعالى :
{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: 44، 45] وقوله تعالى :
{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 3 - 5]، وقد قال الشيطان : {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم: 22] ، ومتنافٍ مع قاعدة اللطف الآنفة ، ومتناقض مع حكمته تعالى في بعْث الأنبياء في شرحٍ سبَق تفصيله .
نعم ، ذهب أصحاب الحديث من العامَّة إلى إمكان استحواذ الشيطان على عقلية الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) ، كما جاءت رواياتهم لقصَّة الغرانيق (5) ، الأمر الَّذي نراه مستحيلاً إطلاقاً ، ومن ثمَّ فهي أسطورة وضَعها مَن يريد الامتهان بمقام الرسالة ؛ ليعبّر بها على عقول البسطاء ، فكانت غنيمة بأيدي أعداء الإسلام ، وإليك نصُّ الأسطورة ونقدها تباعاً :
أُسطورة الغرانيق :
روى ابن جرير الطبري بإسناد زعمها صحيحة ، عن محمَّد بن كعب ، ومحمَّد بن قيس ، وسعيد بن جبير ، وابن عبّاس ، وغيرهم : أنَّ النّبي ( صلّى الله عليه وآله ) كان في حشد من مشركي قريش بفِناء الكعبة ، أو في نادٍ من أنديتهم ، وكانت تساوره نفسه لو يأتيه شيء من القرآن يقارب بينه وبين قومه الألدّاء ، إذ كان يتألّم من مباعدتهم ، وكان يرجو الائتلاف معهم مهما كلَّف الأمر ، وإذا نزلت عليه سورة النجم ، فجعل يتلوها حتّى إذا بلغ : { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 19، 20] ألقى عليه الشيطان : ( تلك الغرانيق العُلى وإنَّ شفاعتهنَّ لتُرتجى ) فَحسبها وحياً ، فقرأها على مَلأ من قريش ، ثمَّ مضى وقرأ بقية السورة ، حتّى إذا أكملها سجد وسجد المسلمون ، وسجد المشركون أيضاً ، تقديراً بما وافقَهم محمَّد ( صلّى الله عليه وآله ) في تعظيم آلهتهم ورجاء شفاعتهم .
وطار هذا النبأ حتّى بلغ مهاجري الحبشة ، فجعلوا يرجعون إلى بلدهم مكَّة فرِحين بهذا التوافق المفاجئ ، كما فرح النَّبي ( صلّى الله عليه وآله ) أيضاً بتحقيق أُمنيَته القديمة على ائتلاف قومه .
ويقال : إنَّ شيطاناً أبيض هو الذي تمثَّل للنبي في صورة جبرائيل وألقى عليه تَينك الكلِمتين .
ويقال : كان النّبي ( صلّى الله عليه وآله ) يصلّي عند المقام ، إذ نعسَ نعسةً ، فجرَت على لسانه هاتان الكلمتان من غير شعور بهما .
ويقال : إنّ النّبي ( صلّى الله عليه وآله ) هو الذي تكلَّم بهما من تلقاء نفسه ؛ حرصاً على ائتلاف
قلوب المشركين ، ثمَّ ندم من فِعله هذا الذي كان افتراءً على الله ! ويقال : إنَّ الشيطان أجبره على النطق بهذا الكلام ... إلخ .
ثمَّ لمّا أمسى الليل أتاه جبرائيل ، فقال له : اعرِض علَيَّ السورة ، فجعل النبي ( صلّى الله عليه وآله ) يقرأها عليه ، حتّى إذا بلغ الكلمتين قال جبرائيل : مه ، من أين جئت بهاتين الكلمتين ؟ فتندَّم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وقال : لقد افتريتُ على الله ، وقلت على الله ما لم يقُل! فحزن حزناً شديداً ، وخاف من الله خوفاً كبيراً .
ويقال : إنَّ النبي ( صلّى الله عليه وآله ) قال لجبرائيل : إنَّه أتاني آتٍ على صورتك فألقاها على لساني ، فقال جبرائيل : معاذ الله أن أكون أقرأتك هذا ... فاشتدّ ذلك على رسول الله ، فنزلت : {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: 73 - 75] .
فاشتدّ حُزن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) على هذه البادرة المباغتة ، ولم يزل مغموماً مهموماً حتّى نزلت عليه {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج: 52] ، وكانت تسليةً لقلبه الحزين ، فعند ذلك سرى عنه الهمّ وطابت نفسه (6) .
نقد الحديث سنَداً :
تلك أسطورة الغرانيق مفتراةٌ على النبيّ الكريم ( صلّى الله عليه وآله ) ، وقد أُولع المستشرقون والطاعنون في الدين الإسلامي الحنيف بهذه الأسطورة المصطنعة ، وأذاعوها وأثاروا حولها عَجاجةً من القول البذيء (7) ، في حين أنّها أُكذوبة مفتعلة ،
صنعتها قرائح القصّاصين ، ونسبوها إلى بعض التابعين ومن الصحابة إلى ابن عبّاس ، ودلائل الكذِب والافتراء بادية على محيّاها القذِر .
أوّلاً : لم يتَّصل تسلسل سند الحديث إلى صحابيّ إطلاقاً ، وإنَّما أُسند إلى جماعة من التابعين ، ومَن لم يدرك حياة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ؛ وعليه فالحديث مرسَل غير موصول السند إلى مَن شاهد القضيَّة ـ فرضاً ـ .
وأمّا النسبة إلى ابن عبّاس ، فلا تقلّ عن غيرها ، بعد أن كانت ولادة ابن عباس في السنة الثالثة قبل الهجرة ، فلم يشهد القصَّة بتاتاً ، وإنّما نُقلت إليه .
فالرواية من جميع وجوهها ، غير موصولة الإسناد إلى شهود القصة ، لو صحّت الواقعة .
وقواعد فنّ التمحيص في إسناد الروايات تأبى جواز الاحتجاج بمثل هذا الحديث المرسَل .
ثانياً : شهادة جلّ أئمّة الحديث بكِذب هذا الخبر ، وأنَّ الطُرق إليه ضعاف واهية ، فهو فيما يشتمل عليه من السند أيضاً ساقط في نظر الفنّ .
قال ابن حجَر : وجميع الطُرق إلى هذه القصَّة ـ سوى طريق ابن جبير ـ إمّا ضعيف ( يكون الراوي غير موثوق به ، أو مرمياً بالوضع والكذِب ) ، أو منقطع ( أي كانت حلقة الوصْل بين الراوي الأوّل والراوي الأخير مفقودة ) (8) . وسنذكر أنَّ بلاء طريق ابن جبير هو الإرسال والضعف أيضاً .
وقال أحمد بن الحسين البيهقي ـ أكبر أئمّة الشافعيَّة ، مشهوراً بدقَّة النقد والتمحيص ـ : هذا الحديث من جهة النقل ، غير ثابت ورُواته مطعونٌ فيهم (9) .
وقال أبو بكر ابن العربي : كلّ ما يرويه الطبري في ذلك باطل لا أصل له (10) .
وصنَّف محمَّد بن إسحاق بن خزيمة رسالةً فنَّد فيها هذا الحديث المفتعَل ، ونسَبه إلى وضْع الزنادقة (11) .
وقال القاضي عياض : هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحَّة ، ولا رواه ثقة بسنَدٍ سليم متَّصل ، وإنَّما أُولع به وبمِثله المفسِّرون والمؤرِّخون المولَعون بكلِّ غريب ، المتلقّفون من الصحُف كلَّ صحيح وسقيم ، وقال : وصدقَ القاضي بكر بن العلاء المالكي حيث قال : لقد بُلي المسلمون ببعض أهل الأهواء والتفسير ، وتعلَّق بذلك الملحدون ، مع ضعف نَقَلَته ، واضطراب رواياته ، وانقطاع إسناده ، واختلاف كلماته (12) .
وأمّا طريق ابن جبير ، فذكر أبو بكر البزّاز : أنَّ هذا الحديث لم يسنده عن شُعبة إلاّ أُميّة بن خالد وغيره ، يُرسله عن سعيد بن جبير ، وإنّما يُعرف عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس ، ثمّ يذكر شكَّه في صحّة الإسناد إلى ابن عباس أيضاً فيما أُسند إلى ابن جبير (13) .
وأمّا طريق الكلبي إلى ابن عبّاس عن طريق أبي صالح ، فموهونٌ بالاتّفاق ، قال جلال الدين السيوطي : هي أَوهى الطُرق (14) .
ثالثاً : اتّفاق كلمة المحقّقين من علماء الإسلام قديماً وحديثاً على أنّه حديث مفترى ، وحكموا عليه بالكذِب الفاضح ، غير آبهين بجانب السند ، متّصل أمْ منقطع ، صحيح أمْ سقيم ؛ لأنّه قبل كلّ شيء متناقض مع صريح القرآن الَّذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 42] ، وهادم لأقوى أُسُس الشريعة وأقوم دعامته الرصينة .
قال الشريف المرتضى ( رحمه الله ) : فأمّا الأحاديث المرويَّة في هذا الباب فلا يُلتفت إليها ، من حيث إنَّها تضمَّنت ما قد نزّهت العقول الرُّسل عنه ، هذا لو لم تكن في أنفسها مطعونة ضعيفة عند أصحاب الحديث ، وكيف يُجيز ذلك على النبي ( صلّى الله عليه وآله ) مَن يسمع قول الله تعالى : {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان: 32] ، وقوله : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ} [الحاقة: 44] ، قوله : {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى } [الأعلى: 6] ... ثمَّ أخذ في توضيح الاستدلال (15) .
وقال الإمام الفخر : هذه رواية عامَّة المفسِّرين الظاهريّين ، وأمّا أهل التحقيق فيرونها باطلة موضوعة ، واحتجّوا عليها بوجوه من العقل والنقل (16) .
وقال السيِّد الطباطبائي : الأدلَّة القطعية على عصمة النبي ( صلّى الله عليه وآله ) تُكذِّب متْن الحديث ، وإن فُرضت صحَّة إسناده . فمن الواجب تنزيه جانب قُدسية النبي ( صلّى الله عليه وآله ) عن أمثال هذه الرذائل التي تمسّ كرامة الأنبياء (17) .
وتكلَّم القاضي عياض في تفنيد هذا الحديث بوجوه عديدة اقتبسنا منها فصولاً في هذا العَرْض . وأخيراً أخذ الدكتور حسين هيكل في تفنيد القصَّة بأُسلوب حديث لخَّصناه في نهاية المقال .
نقْد الحديث مدلولاً :
هذا الحديث فضلاً عن سنده الموهون ، فإنَّ مضمونه باطلٌ على كلِّ تقدير :
أوّلاً : مناقضته الصريحة مع كثير من نصوص القرآن الكريم في شتّى الجهات .
ثانياً : منافاته الظاهرة مع مقام عصمة الأنبياء ، الثابتة بدليل العقل والنقل المتواتر والإجماع .
ثالثاً : عدم إمكان التِئامه مع سائر آيات السورة نفسها لحناً وأسلوباً ، بحيث لا يمكن التباس هذا الجانب على مَن يعرف أساليب الكلام الفصيح ، وبالأحرى أن لا يلتبس الأمر على أفصح مَن نطق بالضاد ، وعلى أولئك الحضور ، وهم صناديد قريش وأفلاذ العرب .
وتوضيحاً لهذه الجوانب الثلاثة الخطيرة نستعرض ما يلي :
1 ـ مناقضته مع القرآن :
إنّا لَنَربأ بمسلم نابَه ـ فضلاً عن ناقدٍ خبير كابن حجَر ـ أن يتسلَّم صدْق هذا الحديث المفتعَل ؛ نظراً لمَا زعمه من صحَّة إسناده المراسيل ، ثمَّ لا يتدبَّر في متْنه الفاسد ، الظاهر التنافي مع كثير من نصوص الكتاب العزيز ، وإليك طرَفاً من ذلك :
أ ـ تبدأ السورة بقوله تعالى : {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } [النجم: 1 - 5] ، وهي شهادة صريحة من الله بأنَّ محمَّداً ( صلّى الله عليه وآله ) لا يضلّ ، ولا يغوى ، ولا ينطق إلاّ عن وحي من الله ، يعلِّمه الروح الأمين .
فلو صحّ ما ذكروه في رأس الآية العشرين ؛ لكان تكذيباً فاضحاً لهذه الشهادة ، وتغليباً لجانب الشيطان على جانب الرحمان ، وهو القائل تعالى : { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا } [النساء: 76] ، والقائل : {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21] .
فكيف ـ يا تُرى ـ يتغلّب إبليس على ضمان يضمنه الله تعالى ، فيبطله صريحاً قبل أن يفرغ من كلامه عزَّ شأنه ؟! وهل يتغلّب ضعيف في كَيده على قويّ في إرادته ؟! وهل هذا إلاّ تهافت باهت وكلام فارغ لا يستطيع عاقل تصديقه ؟! .
ب ـ وأيضاً فإنّه تعالى يقول : {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: 44 - 46] كناية عن أنّ أحداً لا يستطيع التقوّل على الله تلبيساً للحقيقة إلاّ ويُهلكه الله من فوره ، الأمر الذي تقتضيه حكمته تعالى جرْياً مع قاعدة اللطف ، وقد سبقت الإشارة إليها .
أفهل ترى ـ بعد هذا التأكيد ـ يستطيع إبليس ، وهو صاحب الكيد الضعيف ، أن يتقوَّل على الله ، ويُلبِّس الأمر على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) بما يحسبه وحياً آتياً به
جبرائيل الأمين ؟! إذاً فأين الضمان الذي ضمِنَه الله تعالى الغالب على أمره ، وتعهَّده على نفسه في الآية المذكورة ؟! .
ج ـ وقال تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9] ، فقد ضمِن تعالى سلامة القرآن من تلاعب أيدي المبطلين ، وحِفظه عن دسائس المعاندين ، أفهل يُعقل ـ بعد ذلك ـ أن يترك إبليس وشأنه في سبيل التلاعب بالذِكر الحكيم فور نزوله على رسوله الكريم ؟! وهل هذا إلاّ تهافت في الرأي وإبطال لضمان الله ؟! ومعه لا تبقى ثقة بما وعَد الله المؤمنين من النصر والغلَبة ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً !! .
د ـ وقال تعالى : {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99] ، وقال : {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} [الإسراء: 65] فكيف نجوِّز ـ بعد هذا الضمان الصريح المؤكَّد ـ أن يتسلَّط إبليس على أخلص عباد الله المكرَمين ، فيلبِّس عليه ناموس الكبرياء ، وفي أمَسِّ شؤون رسالته المضمونة ؟! .
على أنَّ القرآن يصرِّح أن لا سلطة لإبليس على أحد إطلاقاً ، سوى وسوسته الخدّاعة ودعوته إلى الشرور ، أمّا التدخّل عملياً في شؤون الخلْق أو الخالق فهذا لا سبيل لإبليس إليه إطلاقاً ، وقد حكى الله سبحانه عن لسان إبليس : {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم: 22].
2 ـ منافاته لمقام العصمة :
قال القاضي عياض : وقد قامت الحجَّة وأجْمعَت الأمّة على عصمته ( صلّى الله عليه وآله ) ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة ، إمّا تمنّيه أن ينزل عليه مثل هذا ـ من مدح آلهة غير الله ـ وهو كُفر ، أو أنّ تسوَّر عليه الشيطان ويشبِّه عليه القرآن ، حتّى يجعل فيه ما ليس منه ، ويعتقد النبي ( صلّى الله عليه وآله ) أنَّ من القرآن ما ليس منه حتى ينبّهه جبرائيل ، وذلك
كلّه ممتنع في حقّه ( صلّى الله عليه وآله ) .
أو يقول النبي ذلك من قِبل نفسه عمْداً وذلك كُفر ، أو سهواً وهو معصوم من هذا كلِّه .
وقد قرَّرنا بالبراهين والإجماع عصمته ( صلّى الله عليه وآله ) من جريان الكُفر على قلْبه أو لسانه ، لا عمداً ولا سهواً .
أو أن يتشبَّه عليه ما يُلقيه المَلك ممّا يُلقي الشيطان ، أو يكون للشيطان عليه سبيل ، أو يتقوَّل على الله ما لم ينزل عليه ، وقد قال تعالى : { وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ ...}، وقال تعالى : {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء: 75] (18) .
وأيضاً فلولا العصمة الملحوظة في أداء رسالة الله ؛ لزالَت الثقة بالدين ، ولأخَذَت الشكوك مواضعها من أحكام وتكاليف وشرائع يبلِّغها النبي ( صلّى الله عليه وآله ) عن الله تعالى .
وامتداداً لجانب عصمته ( صلّى الله عليه وآله ) ، وأن لا سبيل لإبليس إلى شأن من شؤونه المعتصمة بعصمة الله تعالى ، قال : ( مَن رآني فقد رآني ؛ فإنَّ الشَّيطان لا يتمثَّل بي ) (19) .
وقد فَهِم العلماء من هذا الحديث قاعدة كلّية : لا يستطيع إبليس التمثّل بأيِّ وليٍّ من أولياء الله ( العباد المخلصين ) ، وبالأحرى عدم استطاعته التمثّل بجبرائيل ، مَلك الوحي المقرَّب الأمين .
إذاً فأنّى لإبليس التلاعب بوحي السماء ، أو أن ينتحل صورة رسول من رُسل الله الأكرَمين ؟ كلاّ ، {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} [الصافات: 8] .
3 ـ تهافته مع آي السورة :
قال القاضي عياض أيضاً : ووجْه ثانٍ ، وهو استحالة هذه القصَّة نظراً وعُرفاً ؛
وذلك أنَّ هذا الكلام لو كان ـ كما روي ـ لكانَ بعيد الالتئام ، متناقض الأقسام ، ممتزج المدح بالذمّ ، متخاذل التأليف والنَظم ، ولَمَا كان النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ولا مَن بحضرته من المسلمين وصناديد المشركين ممَّن يخفى عليه ذلك ، وهذا لا يخفى على أدنى متأمّل ، فكيف بمَن رَجُح حلمُه واتَّسع في باب البيان ومعرفة فصيح الكلام عِلمه ؟! (20) .
أفهل يُتصوَّر بشأن النبيّ محمَّد ( صلّى الله عليه وآله ) ـ وهو العارف بمواقع الكلام ، الناقد لأفصح أقوال العرب الفصحاء ـ أن يلتبس عليه شأن كلام ساقط ، لا يتناسب وسائر جُمَل وآيات كانت تنزل عليه حينذاك ؟! أمْ كيف ينسجم ما ذكروه مع قوله تعالى : {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23] ؟! .
أمْ كيف يقتنع المشركون ـ وهُم أهل نقْد وفصاحة ـ بتلك المجاملة المفضوحة ، يقترن مدحٌ مشكوك ، بذلك القَدْح الصارم ؛ ليأخذوه تقارباً مبدئياً بين إشراكهم ، والدعوة التي قام بها محمَّد ( صلّى الله عليه وآله ) ، والتي قامت على محْق الشِرك وإخلاص الدين الحنيف ، ولاسيَّما مع تعقيبها بقوله أيضاً :
{ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا } [النجم: 26] ، أفهل يلتئم هذا الكلام التوحيديّ الخالص مع تلك الأكذوبة : ( وإنَّ شفاعتهنَّ لتُرتجى ) !؟ .
* * *
وأخيراً ، فلو صحَّت الحكاية ؛ لَشاعت وذاعت ، ولأخذها المشركون مُستَمسكاً في وجه المسلمين طول الدعوة ، ولم يصدِّقوا النبي ( صلّى الله عليه وآله ) في دعواه النَسْخ مهما كلّف الأمر ، هذا في حين أنَّ التاريخ لم يضبط من تلك الأقصوصة المفتعلة سوى حكايتها عن أُناس تأخَّروا عن ظرْفها بزمانٍ بعيدٍ ، ولم يسجِّل التاريخ مَن يقول : حَضرتُها ! الأمر الذي يجعلنا قاطعين بكِذبها ، ولعلَّها من الإسرائيليات المفضوحة التي نسجَتها أيدي النُكاة بالإسلام ، في عهد سطوّ المظالم على أرجاء البلاد الإسلامية ، في ظلّ حكومة بني أميّة أعداء الدين والقرآن ، وهذا هو الأرجح في نظرنا ، وفي فصول هذا الكتاب الآتية يتّضح موقف هذه الفئة الباغية على الإسلام أكثر .
* * *
قال الأستاذ هيكل : حديث الغرانيق حديث ظاهر التهافت ، ينقضه قليل من التمحيص ، وهو بعد حديث ينقض ما لكلّ نبيٍّ من العصمة في تبليغ رسالات ربِّه .
فمن عجَبٍ أن يأخذ به بعضُ كُتّاب السيرة وبعض المفسِّرين المسلمين ؛ ولذلك لم يتردَّد ابن إسحاق حين سُئل عنه في أن قال : إنَّه من وضْع الزنادقة ، لكنّ بعض الذين أخذوا به حاولوا تبرير أخْذهم هذا ، فاستندوا إلى قوله تعالى : {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسراء: 73] ، وإلى قوله {إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ} [الحج: 52].
ويضيف ( سير وليم موير ) : إنَّ مرجع المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة ـ بعد ثلاثة أشهر من إقامتهم هناك ـ لدليلٌ قاطع على صحَّة هذه القصّة .
وهذه الحُجج التي يسوقُها القائل بصحَّة حديث الغرانيق ، حجج واهية لا تقوم أمام التمحيص ، أمّا رجوع المسلمين ؛ فكان سببُه اضطراباً سياسيّاً عمَّ أرجاء الحبشة على أثر ثورة جديدة قامت فيها .
أمّا الاحتجاج بالآيات ، فاحتجاجٌ مقلوب ؛ لأنَّ الآية الأُولى لا تَشي بوقوع الأمْر : { وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ} [الإسراء: 74] ، فالآية تقول : إنَّ الله ثبَّته فلمْ يفعل .
وأمّا آية التمنّي ، فلا صِلة لها بحديث الغرانيق ، وقد تقدَّم شأنها .
ودليل آخر أقوى وأقطع : سياق السورة وعدم احتماله لمسألة الغرانيق ، فإنّها ذمٌّ صريح ، ولَهْجةُ تقريع لا ينسجم وإدراج هكذا جُملة ، الأمر الذي لا يكاد يخفى على العرب آنذاك .
وأيضاً فإنّ وصف آلهة قريش بالغرانيق لم يأتِ في نظمهم هُم ، ولا في خُطَبهم ، ولا شيء من معنى الغرنوق يلائم معنى الآلهة التي وصَفها العرب ـ كما قاله الشيخ محمَّد عبده ـ .
وبقيت حجَّة قاطعة نسوقُها للدلالة على استحالة قصَّة الغرانيق هذه ، من حياة محمَّد (صلّى الله عليه وآله) نفسه ، فهو منذ طفولته وصِباه وشبابه لم يجرّب عليه الكذِب قطّ ، حتّى سمّيَ الأمين ، وكان صدْقه أمراً مسلَّماً به من الناس جميعاً ، فكيف يصدِّق إنسان أنَّه يقول على ربِّه ما لم يقُل ؟! ويخشى الناس والله أحقّ أن يخشاه ! هذا أمرٌ مستحيل ، يدرك استحالته الذين درَسوا هذه النفوس القوية الممتازة التي تعرف الصلابة في الحقّ ، ولا تداجي فيه لأيِّ اعتبار (21) .
* * *
أمّا الآية من سورة الإسراء : { وَلَوْلاَ أَن ثَبّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } فهي ـ كما أشار إليه هيكل ـ صريحة في أنَّه ( صلّى الله عليه وآله ) لم يفعل ؛ بدليل ( لولا ) الامتناعية ، فهي إن دلَّت فإنَّما تدلّ على أنَّ مقام عصمته ( صلّى الله عليه وآله ) ـ التي هي عناية من الله خاصَّة بأوليائه المنتجَبين ـ هي التي تحُول دائماً دون ارتكاب أيَّة رذيلة مهما كانت صغيرة أو كبيرة .
وكم حاول أهل الزَيغ والفساد أن يميلوا بمنهج الإسلام المستقيم ، سواء بدسائسهم حال حياة الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) ، أمْ بعد وفاته ، ولكن {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [سبأ: 52] ، { إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر : 9] .
فالآية تضمين بسلامة هذه الشريعة دون تحريف المبطلين ، و( كاف ) الخطاب إنّما وردت من باب ( إيّاك أعني واسمعي يا جارة ) كما ورد في التفسير ، وليكون ذلك اعتباراً لأولياء المسلمين طول عهد التاريخ أبداً ...
وكذا الآية من سورة الحج : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} [الحج: 52] لا مَساس لها بقصَّة الغرانيق ، بعد أن كانت تشير إلى ظاهرة طبيعية كانت تخالج نفوس كِبار المصلحين أبداً ، وهي : تحكيم مباني دعوتهم الإصلاحية ، وتدعيم أُسُسها وقوائمها دون تضعضع أو ضياع أو فساد ، وأن تُطبّق شريعة الله عامَّة الخلائق وكافَّة الأمم ، وأن تزدهر معالمها وتزهو أنوارها في أرجاء العالم المعمور ، هذه هي أُمنية كلِّ رسول أو نبي ، بل وكلّ قائم بالإصلاح خالصاً مخلصاً له الدين .
غير أنَّ دسائس أهل الزيغ والفساد قد تحُول دون تحقّق هذه الأُمنية ، لكنَّه حؤول لا قرار له .. ؛ لأنَّه من كيد الشيطان ، و { إِنّ كَيْدَ الشّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً } (النساء : 76) ، وقد { كَتَبَ اللّهُ لأَغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِي } (المجادلة : 21) ، { إِنّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا } [غافر : 51] ، { إِنّ اللّهَ قَوِيّ عَزِيزٌ } [الحديد : 25 ]،[ المجادلة 21] ، {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: 18] ، { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17] ، فهذه الآية أيضاً ضمان لبقاء هذا الدين وسلامته عن تطاول أيدي المحرِّفين {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9].
_______________________________
(1) الخطأ إنّما يُحتمَل في مجالَين : إمّا في مجال التفكير ، أو في مجال الإبصار الخارجي ـ مثلاً ـ ؛ وذلك لأنّ للاستنتاج الفكري شرائط وأحكاماً ، إذا ما أهملها المتفكّر فسوف يقع في خطأ التفكير ، وكذلك إبصار العين الخارجية إذا كان من بعيد ، فربّما يقع الخطأ فيه من ناحية تطبيق ما عند النفس من مرتكزات ومعلومات على خصوصيات يراها موجودة في العين الخارجية ، فالخطأ إنَّما هو في هذا التطبيق النفسي لا في العين المشاهِدة ؛ لأنّ الإبصار عبارة عن انطباع صورة الخارج ـ وهي واقعية لا تتغيّر ـ في الشبكية العصبية خلف بؤرة العين ، وهذه ظاهرة طبيعية تتحقّق ذاتياً إذا ما تحقّقت شرائطها ، نعم ، كانت النفس هي التي تحكُم على ما شاهدتْه العين بأنّه كذا وكذا ، والخطأ إنّما هو في هذا الحكم لا في ذاك الإبصار الطبيعي .
(3) راجع مباحث العصمة من شرح تجريد الاعتقاد : المسألة الثالثة من المقصد الرابع من مباحث النبوّة العامّة ص195 .
(4) طبقات ابن سعد : ج1 ، ص132 .
(5) الغرانيق : جمع الغرنوق ، وهو الشابّ الناعم الأبيض ، وفي الأصل : اسم لطير الماء ( مالك الحزين ) ، وهو تشبيه آلهة المشركين بطيور بيض محلّقة في أجواء السماء ، كناية عن قُربهم من الله .
(6) تفسير الطبري : ج17 ، ص131 ـ 134 / الدرّ المنثور : ج4 ، ص194 وص 366 ـ 368 / فتح الباري بشرح البخاري : ج8 ، ص333 .
(7) انظر تاريخ الشعوب الإسلامية لكارل بروكلمان : ص34 .
(8) فتح الباري بشرح البخاري : ج8 ، ص333 .
(9) تفسير الرازي : ج23 ، ص50 .
(10) فتح الباري : ج8 ، ص333 .
(11) تفسير الرازي : ج23 ، ص50 .
(12) الشفا للقاضي عياض : ص117 .
(13) نفس المصدر : ص118 .
(14) الإتقان : ج2 ، ص189 .
(15) تنزيه الأنبياء : ص107 ـ 109 .
(16) التفسير الكبير : ج23 ، ص50 .
(17) تفسير الميزان : ج14 ، ص435 .
(18) الشفا للقاضي عياض : ج2 ، ص118 ـ 119 .
(19) صحيح مسلم : ج7 ، ص57 .
(20) الشفا : ج2 ، ص119 .
(21) حياة محمّد ، لمحمّد حسنين هيكل : ص 124 ـ 129 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
خدمات متعددة يقدمها قسم الشؤون الخدمية للزائرين
|
|
|