أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-1-2017
2437
التاريخ: 21-11-2019
5689
التاريخ: 2023-06-11
1015
التاريخ: 1-2-2017
1724
|
كان من دأب العرب «أن يقتل (1) بعضهم بعضًا ويغير بعضهم على بعض»، ويرجعون مع هذا في حكومتهم إلى رؤساء قبائلهم وعشائرهم في كثير من تراتيبهم، وكلهم يحكمون في أمورهم ومنافراتهم ومواشيهم ومياههم أهل الشرف والصدق والأمانة والرياسة والسن والمجد والتجربة منهم، وكان عمرو بن لحي ذا سلطان على عرب الجاهلية وكان قوله وفعله (2) فيهم كالشرع المتبع ؛ لشرفه فيهم ومحلته عندهم وكرمه عليهم، وإذ كانت قريش ترى أن من مصلحة بلادها أن ينصفوا الناس؛ لأنهم في حاجة إلى جلبهم لزيارة البيت وترويج التجارة، كانوا يعنون برفع الظلم عن الغريب عنهم و«حين كثر فيهم الزعماء وانتشرت الرياسات وشاهدوا من التغالب والتجاذب ما لم يكفهم عنه سلطان قاهر، عقدوا بينهم حلفًا على رد المظالم وإنصاف المظلوم من الظالم.» واجتمعت بطون قريش في بيت عبد الله بن جدعان على رد المظالم بمكة، وكان الرسول معهم وهو ابن خمس وعشرين سنة فعقدوا حلف الفضول، فقال الرسول ذاكرًا للحال: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلف الفضول، أما لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت، وما أحب أن لي به حمر النعم وأني نقضته، وما يزيده الإسلام إلا شدة.» وكان الداعي إلى عقد حلف الفضول أن هاشما (3) وزهرة وتيما دخلوا على عبد الله بن جدعان فتحالفوا بينهم على دفع الظلم وأخذ الحق من الظالم، سمي بذلك؛ لأنهم تحالفوا أن لا يتركوا عند أحد فضلًا يظلمه أحد إلا أخذوه له منه. وقيل: سُمي به تشبيها بحلف كان قديمًا بمكة أيام جرهم على التناصف والأخذ للضعيف من القوي والغريب من القاطن، وسُمي حلف الفضول؛ لأنه قام به رجال من جرهم كلهم يُسمى الفضل: الفضل بن الحرث والفضل بن وداعة والفضل بن فضالة، فقيل: حلف الفضول جمعًا لأسماء هؤلاء، كما يقال: سعد وسعود وقيل إنه سمي بذلك؛ (4) لأنه لما تداعت له قبائل قريش كره ذلك سائر المطيبين والأحلاف بأسرهم وسموه حلف الفضول عيبًا له وقالوا: هذا من فضول القوم على اختلاف في أصل الاسم وهذا الحلف كان عقده المطيبون وهم خمس قبائل وقيل ست ،قبائل وهم: عبد الدار وكعب وجمح وسهم ومخزوم وعدي سموا الأحلاف؛ لأنهم لما أرادت بنو عبد مناف أخذ ما في أيدي بني عبد الدار من الحجابة والرفادة واللواء والسقاية وأبت بنو عبد الدار، عقد كل قوم على أمرهم حلفًا مؤكدًا على أن لا يتخاذلوا فأخرجت عبد مناف جفنة مملوءة طيبًا فوضعتها لأحلافهم وهم: أسد وزهرة وتيم في المسجد عند الكعبة، فغمسوا أيديهم فيها وتعاقدوا ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدًا فسموا المطيبين وتعاقدت بنو عبد الدار وحلفاؤهم حلفا آخر مؤكدًا على أن لا يتخاذلوا فسموا الأحلاف. ولم تكن العرب تُملك عليها في الجاهلية أحدًا، فإن كان حرب اقترعوا بين أهل الرياسة، فمن خرجت عليه القرعة أحضروه صغيرًا كان أو كبيرًا، فلما كان يوم الفجار (5) اقترعوا بين بني هاشم، فخرج سهم العباس وهو صغير فأجلسوه على المجن ويسمى ذلك حلوان النفر، ولم يكونوا يسودون عليهم في الجاهلية (6) أحدًا لشجاعة ولا سخاء، وإنما يسودون من إذا شُتم حلم، وإذا سئل حاجة قضاها أو قام معهم فيها، ولسان حالهم.
وقد يبغض الحيات أولاد آدم وأبغض ما فيها إليهم رءوسها
وما ابتليت يوما بشر قبيلة أضر عليها من سفيه يسوسها
وانتهى الشرف في قريش أيام الجاهلية إلى عشرة رهط من عشرة أبطن وهم: هاشم وأمية ونوفل وعبد الدار وأسد وتيم ومخزوم وعدي وجمح وسهم، وتسلسل هذا الشرف فيهم في الإسلام، فكانت هاشم تسقي الحجيج، وبقي لها ذلك في الإسلام، ومثلها أمية
كانت عندها الراية واسمها العقاب وكانت لنوفل الرفادة وهي أن تخرج مالا ترفد به منقطع الحاج، وكان لبني عبد الدار اللواء والسدانة والحجابة والندوة، ولأسد المشورة ولتيم الأشناق وهي الديات ،والمغرم، ولبني مخزوم القبة والأعنة ، ولعدي السفارة، ولجمح الأيسار وهي الأزلام، ولسهم الحكومة والأموال المحجرة التي سموها لآلهتهم. قال أبو عثمان الجاحظ : (7) وأنشدت سهل بن هارون قول سلمة بن خُرْشب وشعره الذي أرسل به إلى سبيع التغلبي في شأن الرهن التي وضعت بين يديه في قتال عبس وذبيان، فقال سهل بن هارون والله لكأنه سمع رسالة عمر بن الخطاب، ، إلى أبي موسى الأشعري في سياسة القضاء وتدبير الحكم. والقصيدة قوله:
أبلغ سـبـيـعـا وأنـت سـيـدنـا قدمًا وأوفى رجـالـنـا ذمما
أن بغيضا وأن إخوتها ذبيان قد ضرموا الذي اضطرما
نبئت أن حكـمـوك بـيـنـهـم فلا يقولن بئس ما حكما
إن كنت ذا خبرة(8) بشأنهم تعرف ذا حقهم ومن ظلما
وتنزل الأمـر فـي مـنـازلـه حكمًا(9) وعلما وتحضر الفُهَما
ولا تبالي من المحق ولا الـ ــمبطل لا إلة ولا ذمما
فاحكم وأنت الحكيم بينهم لن تعدموا الحكم ثابتًا صما(10)
واصدع أديم السواء بينهم على رضا من رضي ومن رغما
إن كان مالا ففض عدته مالا بمال وإن دما فدما
حتى ترى ظاهر الحكومة مث ــل الصبح جلي نهاره ظلما
هذا وإن لم تطق حكومتهم فانبذ إليهم أمورهم سلما
وقد خُصت قريش من بين العرب بمزايا جليلة وصفها الجاحظ بقوله: قد علم الناس كيف كرم قريش وسخاؤها وكيف عقولها ودهاؤها، وكيف رأيها وذكاؤها، وكيف سياستها وتدبيرها، وكيف إيجازها وتحبيرها ، (11) وكيف رجاحة أحلامها إذا خف الحليم وحدة أذهانها إذا كل الحديد، وكيف صبرها عند اللقاء، وثباتها في اللأواء، وكيف وفاؤها إذا استُحسن الغدر، وكيف جودها إذا حب المال، وكيف ذكرها لأحاديث نجد، وقلة صدودها عن جهة القصد، وكيف إقرارها بالحق وصبرها عليه، وكيف وصفها له ودعاؤها إليه، وكيف سماحة أخلاقها، وصونها الأعراقها، وكيف وصلوا قديمهم بحديثهم، وطريفهم بتليدهم، وكيف أشبه علانيتهم سرهم ، وقولهم فعلهم، وهل سلامة صدر أحدهم إلا على قدر بعد غديره، وهل غفلته إلا في وزن صدق ظنه، وهل ظنه إلا كيقين غيره.
..............................................
1- تاريخ الطبري.
2- البداية والنهاية لابن كثير.
3- تاج العروس للزبيدي.
4- الاكتفاء للكلاعي.
5- أيام الفجار (بكسر الفاء) كانت بعكاظ تفاجروا فيها واستحلوا كل حرمة، ويوم الفجار يوم من أيام العرب كانت فيه وقعة عظمى نُسبت إلى البراض بن قيس الذي قتل عروة الرحال، وإنما سميت بذلك؛ لأنها كانت في الأشهر الحرم وكانت بين قريش ومن معها من كنانة وبين قيس عيلان في الجاهلية، وكانت الدبرة على قيس فلما قاتلوا فيها قال قد فجرنا، وهو مصدر فاجر مفاجرة وفجارًا: ارتكب بفجور، وحضرها النبي وهو ابن عشرين سنة وقال: كنت أنبل على عمومتي يوم الفجار ورميت فيه بأسهم وما أحب أني لم أكن فعلت وأنبل: أضرب بالنبل أي السهم.
6- روضة العقلاء لابن حبان البستي.
7- البيان والتبيين للجاحظ.
8- في رواية عرفة بدل خبرة، وقد نقل الجاحظ هذه القصيدة مرتين في البيان والتبيين ونسبها في الثانية إلى سلمة بن الحارث الأنباري.
9- وفي رواية حزمًا وعزمًا بدل حكما وعلما.
10- الصم: الصحيح القوي، يقال: رجل صم إذا كان شديدًا.
11- في الأصل تحسيرها وهي لا معنى لها.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|