أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-05
1200
التاريخ: 2024-06-18
616
التاريخ: 2024-06-09
665
التاريخ: 2023-06-06
1376
|
لقد عرفنا بأن الدال هو (اللفظ)، والمدلول هو (المعنى)، ولكن كيف ينتقل الذهن من الدال إلى المدلول؟
هذا السؤال قد حيَّر فقهاء اللغة وأصحاب علم الدلالة.
فهل المعاني الجاهزة الموجودة في بطون المعاجم اللغوية هي المدلول الأوحد أم لا؟ وما هي الملازمة بين الدال والمدلول على المستوى المنطقي والبلاغي؟
إن العرف السائد في الوسط العلمي الرجوع إلى المعاجم اللغوية لمعرفة دلالة اللفظ أو دلالات اللفظ والاقتصار عليها وكل ما عدا ذلك يُعُد غريباً، فهل المعاجم اللغوية لها من الحصانة العلمية ما يعطيها حد العصمة أم لا؟ لكن الرجوع إلى تاريخها وكيفية جمعها يعيد حساباتنا اتجاه هذه المعاجم التي لا بديل عنها.
يذكر الدكتور أنيس إبراهيم وهو ينتقد تاريخ المعاجم اللغوية قائلاً: ((عمد جامعوا الألفاظ العربية في بادئ الأمر إلى النصوص التي وردت لهم من جاهلية أو إسلامية واستخرجوا منها الألفاظ ثم شرحوها وفسروها في ذيل النص، لكنهم واجهوا بحراً ضخماً من الألفاظ يحتاج إلى تنظيم وترتيب فقنعوا بحصرها بشواهد قليلة حتى يتمكنوا من استيعابها، ثم بعد ذلك اكتفوا بالألفاظ دون الشواهد.
ونقل أصحاب المعاجم بعضهم عن بعض، وتأثر بعضهم ببعض ولم يكن لديهم من الوسائل ما ييسر عملية الإحصاء والحصر، كما قصرت همم المتأخرين عن ذلك رغم تطور الأدوات، والحق إن الكثير من الألفاظ المعجمية قد أهمل شرحها أو كانت عامة أو غامضة أو مبتورة)[1]
فكانت الدعوى إلى معجم تتوفر فيه كل المقاييس وأشهر من دعا إلى ذلك المستشرق البروفسور (فيشر) حيث ذكر في تقرير قدمه إلى المجمع اللغوي يبين فيه عيوب المعاجم القديمة قائلاً: ((إن المعاجم القديمة اضطربت في شرح مدلولات الألفاظ واتصفت بعدم الدقة في هذا الشرح، كما اختلف أصحاب تلك المعاجم في مدلولات كثيرة من الألفاظ مما أدى إلى سوء فهم لكثير من النصوص، كما إنها خلت من البحث في تاريخ الكلمة وتطور الدلالة فيها، وتسجيل أول استعمال لها، وآخر من استعملها من الشعراء والكتاب حتى أواخر القرن الثالث الهجري))[2]
(ثم إن القدماء أبدوا ضعفاً واضحاً في علاج (الحقيقة والمجاز) إذ وجهوا كل عنايتهم إلى نقطة البدء في الدلالة وركزوا نظرهم نحو نشأتها فتصوروا ما سموه بالواضع الأول وتحدثوا عن الوضع الأصلي ولم يدروا أن حديثهم هذا حديث عن نشأة الدلالات والواضع الأول التي أصبحت من مباحث ما وراء الطبيعة التي أعرض عنها اللغويون والمحدثون).
وقد ذكرنا في بحوث سابقة أن الحقيقة والمجاز مسألة نسبية يتحكم فيها الاستعمال فلربما ينقلب المجاز حقيقة والحقيقة مجازاً. ولهذا ينظر د. إبراهيم أنيس إلى الحقيقة والمجاز على إنها (مظهر للتطور الدلالي في كل لغة من اللغات)[3]. ثم ذكر عوامل تطور الدلالة. على مر الزمان والظروف التي تحيط بها.
بعد كل هذه المؤاخذات على المعاجم اللغوية لا زالت تتحكم في فهم النصوص واستنباط الاحكام في أخطر حقل من حقول المعرفة التي يتحكم في عقيدة المجتمع وعبادته!
فإذا كانت دلالة الألفاظ تستخرج من سياقاتها التي جاءت بها شعرية كانت أم نثرية على ما فيها من عدم الدقة والاضطراب فالأحرى بنا أن نستخرج دلالة الألفاظ من السياقات القرآنية وبنفس الكيفية بأعلى دقة، لأننا أمام نصٍ إلهي شهدت عليه الأدباء بحسن النظم وروعة البلاغة كما شهدت عليه الأمة بالعصمة، فالسياقات القرآنية حجة. كما يمكن استثمار النصوص الروائية فان سياقاتها حجة أيضاً.
ولكي نعرف مداليل الدلالة علينا أن نكتشف الملازمة بين الدال والمدلول، لأن الملازمة هي التي تسوغ لنا المعنى بأي اتجاه كانت وقد بحثت الملازمات في علمي المنطق والبلاغة.
وقد قسم المناطقة الملازمة إلى ثلاثة أنواع: (المطابقية، التضمينية، الالتزامية)[4]
وقد عرفوا المطابقية بأنها: (دلالة اللفظ على تمام المعنى الموضوع له) وقد عرفا صعوبة الواضع الأول والوضع الأول لتبدل دلالة الألفاظ على طول الزمان ولا يغيرنا اكتشاف تطور دلالة بعض الألفاظ (كالصلاة، الاجتهاد) فهذه شواهد لنا على كثير من الألفاظ غير المكتشفة وعرفوا الدلالة التضمنية بأنها: (دلالة اللفظ على جزء معناه الذي وضع له) وهي فرع من الدلالة المطابقية، لكنها توسع لنا دائرة المعنى على نحو تسمية الشيء باسم جزئه كما في بحث المجاز بلاغياً، وبهذا نخرج من قيد المطابقية الذي يحصر لنا اللفظ في زاوية واحدة.
وعرفوا الدلالة الالتزامية بأنها: (دلالة اللفظ على معنى خارج عن معناه الموضوع له، لازم له) كدلالة لفظ الدواة على القلم، فإن مدلول القلم غير مدلول الدواة لكن لشدة العلقة بينهما يصح إطلاق أحدهما على الآخر والمتحكم في هذا الإطلاق هو الاستعمال. وقد ذكروا أن الدلالة الالتزامية هي فرع من الدلالة المطابقية أيضاً.
وعلى هذا فإن الدائرة تتسع أكثر بضم الدلالة الالتزامية لتستوعب معاني متكاثرة على مر الزمن. وبذلك تتسع دائرة المعاني كلما ابتعدنا عن نقطة المركز
دلالة الالتزامية
دلالة تضمينة
دلالة مطابقية
وقد ذكر البلاغيون في مبحث المجاز[1] أكثر من ثلاثين نوع من أنواع التلازمات بين اللفظ والمعنى، فإن جهات التجوز هي التي تحدد علاقات استعمال الكلمة في غير ما وضع له على رأي المدرسة الكلاسيكية أو هي قوانين تطور معاني الألفاظ على رأي المدرسة الدلالية الحديثة فلابد من فهم الملازمة وسنذكر بعضها:
1- تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه قال تعالى: (إني أراني أعصر خمراً).
2- تسمية الشيء باسم فرعه نحو (الرطب تمراً).
3- تسمية الشيء باسم أصله نحو (وآتوا اليتامى أموالهم).
4- تسمية الشيء باعتبار دواعيه (كتسمية الاعتقاد قولاً).
5- تسمية الشيء باسم مجاوره (جرى النهر والميزاب) والجريان للماء.
6- تسمية الشيء باسم جزئه (تحرير رقبة).
7- تسمية الشيء باسم ضده كقولهم للأسود والأبيض (جون).
8- تسمية الشيء، باسم مكانه كقولهم (للمطر سماء) مطرت السماء.
9- تسمية الشيء باسم كله (ويجعلون أصابعهم في آذانهم).
10-الإطلاق والتقييد: كون الشيء مقيداً بقيد أو أكثر نحو (مشفر زيد مقطوع) والمشفر لغةٍ: شفة البعير، فأرُيد هنا مطلق الشفة فكان هذا منقولاً عن المطلق إلى المقيد، وكان المجاز مرسلاً علاقته التقييد.
11- البدلية (فإذا قضيتم الصلاة فأذكروا الله).
12- المبدلية (أكلت دماً) أي ديةً.
13- الحالية (ففي رحمة الله هم فيها خالدون)
14- المحلية (فليدع ناديه).
15- اللازمية: إطلاق الشمس وإرادة الضوء.
16- الملزومية: إطلاق الضوء وإرادة الشمس.
17- السببية: وهي كون الشيء المنقول عنه سبباً (لفلان عليَّ يدٌ) أي نعمة.
18- المسببية: هي كون الشيء أثراً لشيء آخر (وينزل من السماء رزقاً).
19- التعلق الاشتقاقي: وهو إقامة صيغة مقام أخرى.
كإطلاق المصدر على اسم المفعول (صُنعَ الله الذي أتقن كل شيء) أي مصنوعه.
إطلاق اسم الفاعل على المصدر (ليس لوقعتها كاذبة).
إطلاق اسم الفاعل على اسم المفعول (لا عاصم اليوم) أي لا معصوم.
إطلاق اسم المفعول على اسم الفاعل (حجاباً مستوراً) أي ساتراً.
20- العموم: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) الناس آل محمد.
21- الخصوص (فكذبوه فعقروها) الذي عقر هو واحد ولكن نسب الفعل لهم جميعاً.
22- النقصان الذي لا يبطل التفهيم وهما نوعان:
حذف الموصوف وإقامة الصفة: (ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً) أي شخصاً بريئاً.
حذف المضاف وإقامة المضاف إليه (وأسأل القرية) أهل القرية.
وغيرها من العلاقات التي توسع دائرة الدلالة، وإن كل ما سنكشفه من دلالات الأشباه والنظائر ترجع إلى هذه العلاقات الالتزامية بل هذا هو تفسيرها العلمي الذي ينفي تهمة التعسف الدلالي لما قام به أصحاب الأشباه والنظائر. إذا كانت نظرة النقاد نظرة كلاسيكية (المعنى الحقيقي والمجازي) بينما يسميه علماء القرآن (تعدد الوجوه) ويسميه المحدثون (التطور الدلالي) أو (الاستعمال الدلالي).
ومهما بعدت دائرتها فهي لا زالت مرتبطة بالمركز. يسميها بعضهم (الدلالة المركزية)[2]: وهي القدر المشترك (الجامع المشترك)[3]الذي يسجله اللغوي في معجمة، وهي تشبه تلك الدوائر التي تحدث عقب إلقاء حجر في الماء فما يتكون منها أولاً يعد بمثابة الدلالة المركزية للألفاظ. ثم تتسع في أذهان قلة من الناس وقد تضمنت ظلالاً من المعاني.
وهذا كله يبرر لنا عمل أصحاب الأشباه والنظائر ويبرر أيضاً ما سنقوم به من استدراكات للأشباه والنظائر على مستوى الدلالات أو المصاديق. وكل هذا يحتاج إلى براعة الترجمة للكلمة ومعناها. فالدلالة المطابقية هي المعنى المركزي، والدلالة التضمنية هي تسمية الشيء باسم جزئه، والدلالة الالتزامية هي باقي الوجوه المتكشفة بين الدال والمدلول، إضافة إلى ترجمة المفهوم بمصداقه الخارجي.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|