المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6287 موضوعاً

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



البحث حول الرّوايات المرسلة وروايات غير الإماميّ.  
  
1285   03:22 مساءً   التاريخ: 2023-07-27
المؤلف : الشيخ محمد آصف محسني.
الكتاب أو المصدر : بحوث في علم الرجال.
الجزء والصفحة : ص 247 ـ 255.
القسم : الحديث والرجال والتراجم / علم الحديث / أقسام الحديث /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-2-2017 2150
التاريخ: 2023-08-20 1130
التاريخ: 29-8-2016 1670
التاريخ: 9-9-2016 1277

في فرض التعارض وعدمه عند الشّيخ:

قال الشّيخ الطوسي قدّس سره في العُدّة: وأمّا العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الآخر، فهو أن يكون الرّاوي معتقدا للحقّ مستبصرا ثقة في دينه متحرّجا عن الكذب، غير متّهم فيما يرويه (1).

فأما إذا كان مخالفا في الاعتقاد لأصل المذهب، وروي مع ذلك عن الأئمّة عليهم ‌السلام نظر فيما يرويه، فإن كان هناك بالطريق الموثوق به ما يخالفه وجب إطراح خبره، وإن لم يكن هناك ما يوجب إطراح خبره، ويكون هناك ما يوافقه وجب العمل به، وإن لم يكن من الفرقة المحقّة خبر يوافق ذلك، ولا يخالفه ولا يعرف لهم قول فيه، وجب أيضا العمل به، لما روي عن الصّادق عليه ‌السلام إنّه قال:

إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما رووا عنا، فانّظروا إلى ما رووا عن عليّ عليه‌ السلام فاعملوا به (2).

ولأجل ما قلنا عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث بن كلوب، ونوح بن دراج، والسّكونيّ، وغيرهم من العامّة عن أئمّتنا عليه‌السلام، ولم ينكروا، ولم يكن عندهم خلافه. وإذا كان الرّاوي من فرق الشّيعة، مثل: الفطحيّة، والواقفيّة، والناووسيّة وغيرهم، نظر فيما يروونه، فإنّ كان هناك قرينة تعضده أو خبر آخر من جهة الموثوقين بهم، وجب العمل به، وإن كان هناك خبر يخالفه من طريق الموثوقين، وجب إطراح ما اختصوا بروايته والعمل بما رواه الثقة.

وإذا كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه، وجب أيضا العمل به إذا كان متحرّجا في روايته موثقا به في إماته، وإن كان مخطئا في أصل الاعتقاد؛ ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحيّة، مثل: عبد الله بن بكير وغيره، وأخبار الواقفة، مثل: سماعة بن مهران (3)، وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسى. ومن بعد هؤلآء بما رواه بنو فضّال، وبنو سماعة، والطاطريون، وغيرهم فيما لم يكن عندهم فيه خلافه. وأمّا ما يرويه الغلاة والمتّهمون والمضعفون وغير هؤلآء فما يختص الغلاة بروايته، فإن كانوا ممّن عرف لهم حال الاستقامة وحال الغلوّ عمل بما رووه في حال الاستقامة، وترك ما رووه في خطائهم؛ ولأجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطّاب في حال استقامته، وتركوا ما رواه في حال تخليطه.

وكذا القول في: أحمد بن هلال العبرتائي، وابن أبي عزاقر، فأمّا ما يروونه في حال تخليطهم، فلا يجوز العمل به على حال.

وكذا القول فيما يرويه المتّهمون والمضعفون إن كان هناك ما يعضد روايتهم ويدلّ على صحتّها، وجب العمل به، وإن لم يكن هنا ما يشهد لروايتهم بالصحّة، وجب التوقف في أخبارهم ... ـ إلى أن قال ـ وإذا كان أحد الرّوايتين مسندا والآخر مرسلا نظر في حال المرسل، فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة يوثق، به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ؛ ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، وغيرهم من الثقات الّذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا ممّن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم ؛ ولذلك عملوا بمرسلهم إذا أنفرد عن رواية غيرهم، ودليلنا على ذلك الأدلّة الّتي سنذكرها على جواز العمل بأخبار الآحاد، فإن الطائفة كما عملت بالمسانيد عملت بالمراسيل ... الخ.

أقول: في كلامه مطالب:

1. الظاهر أنّ وجوب إطراح خبر المخالف في صورة وجود الخبر المعارض عن الإماميّة مبني على ما ذهب إليه جمع من تقديم خبر الأوثق على خبر الثّقة والموثق في صورة التعارض، ونحن قد ناقشنا هذا القول بعدم دليل معتبر يدلّ عليه فلا عبرة به، فيكون خبر المخالف الثّقة حجّة في عرض خبر الموافق الثّقة.

ومع التعارض بينهما يرجع إلى المرجحات المعتبرة، ومع فقدها يحكم بالتساقط، وقد فصّلناه في أوّل كتابنا حدود الشّريعة في واجباتها (4).

وبالجملة: لا يزيد شروط اعتبار خبر الموثق على شروط اعتبار خبر الثّقة، وإن خبر غير الإمامي ـ سواء كان عاميّا أو شيعيّا ـ وخبر الإمامي على حدّ سواء لبناء العقلاء على حجيّة خبر الصّادق مطلقا، ولا إجماع تعبّدي على خلاف هذا البناء.

2. الرّواية الّتي نقلها عن الصّادق عليه‌ السلام لم نقف على سندها عاجلا، ليحرز صحّتها، أو سقمها فلا نعتمد عليها، على أنّ متنه مبهم لا يفي بمراد الشّيخ رحمه الله.

3. ربّما يستفاد من إطلاق كلام الشّيخ قدّس سره لم يعتبرها كما اعتبرها، وقيد بها حجيّة أخبار الشّيعة غير الاثني عشريّة في ذيل كلامه، فإن كان إطلاق كلامه مرادا له، فهو باطل؛ إذ ليس حال رواة العامّة عن علي عليه ‌السلام أو عن أحد من الأئمّة عليه‌السلام بأحسن من رواة الشّيعة عن علي وسائر الأئمّة عليه‌السلام، حيث يعتبر في حجيّة رواياتهم وثاقتهم، فكيف لا تعتبر فيهم؟ وكأنّ الشّيخ تمسّك في ذلك بإطلاق الرّواية المذكورة، لكنّها إن تمّت دلالتها أو إطلاقها، تمّت في رواة الشّيعة الّذين يروون عن الأئمّة عليهم ‌السلام أيضا.

والمتأمّل في صدر كلام الشّيخ وذيله ـ بطوله ـ يظنّ أنّ هذا الإطلاق غير مراد له، بل مراده حجيّة روايات العامّة إذا كانوا ثقات لا مطلقا، لكن احتمال عمل الشّيخ بروايات العامّة استنادا إلى إطلاق تلك الرّواية الضعيفة تعبّدا، قائم لا سبيل إلى نفيه، وإن كان مرجوحا، وعليه فلا يستفاد وثاقة السكوني ومن ردف به في كلامه.

4. عمل الطائفة بأخبار من ذكرهم من العامّة يحتمل أنّه لأجل إحراز صحّتها من القرينة الخارجيّة، أو لكونهم من الثقات في نقل الإخبار هو المنسوب إليه وهو بل المنصوص في كلامه المنسوب إليه: أجمعت العصابة على العمل بروايات السكونيّ وعمّار ومن ماثلهما من الثقات (5).

والحاصل: على فرض صدور هذا الكلام منه، حجيّة روايات هؤلآء الاربعة، وأمّا غير المذكورين بأسمائهم في كلامه فلا سبيل لنا إلى احرازهم.

هذا ولكن الشّيخ نفسه ضعّف عمّارا فعن الاستبصار (6): أنّ عمّارا ضعيف، فاسد المذهب لا يعمل على ما يختص بروايته. نعم، وثّقه في تهذيبه (7)، وقال: ثقة في النقل لا يطعن عليه فيه.

ولعلّ الشّيخ فهم وثاقته من كتابه فإنّه يقول في فهرسته بعد توثيقه: له كتاب كبير جيّد معتمد. وقال المحقّق رحمه الله في كتابه المسائل الغروية المطبوعة ضمن الرسائل التّسع (8): وهو ـ أي: السّكوني ـ وإن كان عاميّا، فهو من ثقات الرّواة.

قال شيخنا أبو جعفر في مواضع من كتبه إنّ الإماميّة مجمعة على العمل بما يرويه السكوني، وعمار ومن ماثلهما من الثقات ولم يقدح المذهب في الرّواية مع اشتهار الصدق، وكتب جماعتنا مملوءة من الفتاوى المستندة إلى نقله، انتهى.

أقول لم يعلم أن قوله: ومن ماثلهما من الثقات من كلام الشّيخ أو من كلام المحقّق، والأظهر هو الثّاني، فإنّي لم أجدها فى موضع من كتاب الشيخ. وقد اعترف بعض آخر من الرجاليّين بعدم وجدانها فى كتاب للشيخ، وقد عرفت إنّ وثاقة السكوني لا يستفاد من كلامه السّابق، فإنّه لم يوثق هؤلآء الأربعة من رجال العامّة، كما ذكرنا.

5. وأمّا بنو فضّال فهم على بن الحسن بن علي بن فضّال، ومحمّد بن الحسن بن علي بن فضّال ـ ولم يوثّقه الرجاليون لكنّه موثق بتوثيق الشّيخ هذا فتأمّل ـ وأحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، والحسن بن علي بن فضّال أبوهم، أمّا علي بن فضّال، فلم أجد ذكره في كتاب عاجلا.

6. أمّا علي بن أبي حمزة البطائني، الّذي تبلغ رواياته عن أبي بصير ثلاثمائة وخمس وعشرون، وورد ذكره في الكتب الأربعة في أكثر من 545 موردا.

ففيه كلام فإنّ الشّيخ قدّس سره وإن ادّعي عمل الطائفة برواياته لكنّه عندي غير معتمد، فلاحظ كلمات علماء الرجال في حقّ الرجل في كتبهم.

والّذي يهوّن نقل بناء الطائفة على العمل برواياته، ما ذكره الشّيخ نفسه في كتاب غيبته (9) بعد نقل خبره:

فهذا خبر رواه ابن أبي حمزة، وهو مطعون عليه، وهو واقفي، وسنذكر ما دعاه إلى القول بالوقف (10).

ثمّ قال: فروي الثقات إن أوّل من أظهر هذا الاعتقاد على ابن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي، طمعوا في الدّنيا ومالوا إلى حطامها، واستمالوا قوما فبذلوا لهم شيئا ممّا اختانوه من الأموال، نحو حمزة بن بزيع، وابن المكاري، وكرام الخثعمي (11) وأمثالهم ثمّ ذكر أربع روايات بقوله: فروي محمّد بن يعقوب (12).

لكن كلّ تلك الرّوايات الأربع ضعاف سندا، فلا بدّ من تأويل قوله: فروى الثقات لا سيّما إن كلّها أو أكثرها ينتهي إلى رجل غال مخلط بزعم الشّيخ، وضعيف في الحديث بزعم النجّاشي، وهو محمّد بن جمهور العمي، كما أشرنا إليه في كتابنا مشرعة بحار الأنوار. بل يظهر من صحيح البزنطي (13) إنّ البطائني إنّما أنكر إمامة الرضا عليه‌السلام لاشتباهه في تأويل الرّوايات (14) دون الطمع في الأموال، خلافا لما ذكره الشّيخ رحمه الله.

وعلى الجملة: لا يصحّ الاعتماد على روايات علي بن أبي حمزة البطائني عندي بوجه، بل نسب ضعفه سيّدنا الأستاذ في معجمه وغيره في غيره إلى المعروف.

والعمدة في ضعفه أوّلا: قول علي بن الحسن بن فضّال ـ كما في رجال الكشّي: رقم:

754 ـ علي بن أبي حمزة كذّاب متهم (15).

وثانيا: ما رواه الشّيخ نفسه في كتاب الغيبة، عن أحمد بن عيسى، عن سعد بن سعد، عن أحمد بن عمر قال: سمعت الرضا عليه‌ السلام يقول في ابن أبي حمزة: أليس هو الّذي يروي أنّ رأس المهدي يُهدَى إلى عيسى بن موسى، وهو صاحب السفياني، وقال إنّ أبا إبراهيم يعود إلى ثمانية أشهر، فما استبان لكم كذبه.

وثالثا: قول الشّيخ المتقدّم انّه مطعون عليه، ويؤيّده ما عن صاحب الفصول رحمه الله: ولم يحك عن أحد توثيقه، بل نقل عن بعض آخر إنّه إلى الآن لم يجد أحدا غير الشّيخ يوثّقه، أو يعمل بروايته إذا أنفرد بها (16).

وكان سيّدنا الأستاذ في برهة من زمانه يذهب إلى وثاقته في قوله مع فساد مذهبه، ويستدل بما تقدّم من عبارة العدّة الدّالة على توثيقه وبوقوعه في أسناد كامل الزيارات، وفي أسناد روايات تفسير القمّي، ثمّ رجع في معجمه وبنى على ضعفه، لتعارض هذه الوجوه بجرح ابن فضّال، وأمّا رواية أحمد بن عمر، فلم يقبلها بدليل جهالة طريق الشّيخ إلى أحمد بن محمّد بن عيسى.

أقول: أمّا وقوعه في أسناد كامل الزيارات وتفسير القمّي فلا يدل على وثاقته، كما مرّ بحثه فيما تقدّم، وأمّا توثيق الشّيخ فمعارض بجرحه كما عرفت فتأمّل، وأمّا جهالة طريق الشّيخ إلى أحمد فممنوعة لما سيأتي من اعتبار طريقه إليه في الفهرست، وليس الطريق الحسن المذكور مخصوصا برواياته عنه في خصوص كتاب التهذيب، بل مطلقا وإلى جميع رواياته كما يأتي في شرح المشيخة.

هذا كلّه في علي بن أبي حمزة، الّذي وقع بهذا العنوان في أسناد كثير من الرّوايات، وهي تبلغ خمسمائة وخمسة وأربعين موردا، كما ذكر الأستاذ رحمه الله في معجمه(17).

وربّما يستدّل على وثاقته بجملة من الإخبار لكنّها ضعيفة دلالة أو سندا، وبرواية جملة من الأكابر عنه، كالبزنطي وصفوان، وابن أبي عمير، ويونس وغيرهم، لكنّها لا تدلّ على الوثاقة، كما يفهم ممّا سبق.

ويقول ابن الغضائري في حقّ ابنه: ضعيف في نفسه، وأبوه أوثق منه، لكن هذا القول لم يثبت بطريق معتبر، وأمّا كونه ذا أصل أو أنّ للصدوق إليه طريقا في المشيخة، فلا يكفي للوثاقة جزما (18).

ثمّ إنّه قد يقع الاشتباه بينه وبين علي بن أبي حمزة الثمالي الثّقة، والتمييز في الرّوايات المنقولة عن الصّادق عليه ‌السلام بالقرائن، وأمّا في الرّوايات المنقولة عن الباقر والسّجاد عليهما‌ السلام فهو الثمالي الثقة.

7. أمّا عثمان بن عيسى الّذي وقع أيضا في أسناد كثير من الرّوايات، وهي تبلغ سبعمائة وخمسة وأربعين موردا، فهو الآخر الّذي اختلف فيه كلام الشّيخ فوثقه في عبارته المتقدّمة، ونقل عمل الطائفة برواياته، ولكن نسب إليه الخيانة في كتاب غيبته كما رأيت وليست الخيانة المذكورة في خصوص أكل الأموال، حتّى لا تنافي الوثاقة في نقل الإخبار، بل في إظهار الاعتقاد بحياة الكاظم عليه‌ السلام بعد وفاته وهو من الخيانة في القول.

ويمكن أن نختار وثاقته لوجوه:

ألف). ما نقله الكشّي عن نصر بن الصباح، من أنّ عثمان المذكور تاب، وبعث إلى الرضا عليه‌السلام بالمال وان الأصحاب لا يتّهمونه.

ب). عدّه الكشّي من أصحاب الإجماع في تسمية الفقهاء من أصحاب الكاظم والرضا صلى ‌الله‌ عليه وآله على قول بعضهم.

ج). وقوعه في أسناد روايات تفسير القمّي، الّذي وثّق جميع رواة كتابه.

د). عدّه ابن شهر آشوب في ثقات الكاظم عليه ‌السلام في الجزء الرابع من مناقبه.

ه). وقوعه في أسناد كامل الزيارات.

و). توثيق الشّيخ إياه في عدّته، ولأجل هذا الوجه والوجه الخامس والرابع والثالث وثّقه السّيد الأستاذ الخوئي رحمه الله (19)، لكن يضعّف الأوّل بجهالة نصر، والثّاني بجهالة البعض المذكور مع معارضة قوله بقول النجّاشي والشّيخ وغيره ممّن صرّحوا بكون عثمان من الواقفة، وليس من أصحاب الرضا عليه‌السلام، والثالث والخامس بما مرّ، فبقي السادس والرابع، لكنهما متعارضان بطعن الشّيخ، بل النجّاشي أيضا، على أنّ الرابع غير معتبر لابتنائه على الحدّس أو لإرساله، فلا وجه للاعتماد على روايات عثمان المذكور، خلافا للسيد الأستاذ الخوئي رحمه الله وخلافا لما ذهبنا إليه لحدّ الآن، ولا سيّما في كتابنا حدود الشّريعة في محرماتها (الطبعة الأولى) من اعتبار رواياته، والله العالم.

8. قوله فيما لم يكن عندهم خلافه.

أقول: هذا إمّا من اجتهاد الشّيخ رحمه الله أو نقل عمل الطائفة، وعلى التّقديرين لا نقبله؛ لما مرّ من عدم كون الأوقية من المرجحات السندية عندنا، فغاية كلامه على تقدير الاحتمال الثّاني أنه إجماع منقول، كما أنا لا نقبل منه تسوية الطائفة بين المراسيل والمسانيد؛ إذ أولا أنه اجتهاد من الشّيخ استنبطه ـ ظاهرا ـ من نقل الكشّي إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عن جمع، والحال أنّه لا يدلّ على مراد الشّيخ.

وثانيا: إنّ الشّيخ نفسه لم يلتزم بهذا الكلام في كتابي الإخبار، فقد ذكر في باب العتق وأحكامه رواية ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن زرارة عن الباقر عليه ‌السلام، ثمّ قال: فأول ما فيه أنّه مرسل وما هذا سبيله لا يتعارض به الإخبار المسندة (20).

وقد تقدّم هذا الموضوع في البحث السادس والثلاثين.

وثالثا: إنّه إجماع منقول غير حجّة.

فإنّ قلت: كيف تقبل عمل الطائفة بروايات هؤلآء الدّال على توثيقهم، فإنّه أيضا إجماع منقول؟ قلت: لو وثقهم الشّيخ وحده لكان توثيقه حجّة، ونقل عمل الطائفة لا يقل عن توثيق الشّيخ نفسه، ففرق بين التّوثيق وغيره من المسائل الاجتهاديّة فافهم جيّدا.

وممّا يدلّ على أنّ فهم تسوية الطائفة اجتهاد من الشّيخ، قوله في الأخير، فإنّ الطائفة كما عملت بالمسانيد عملت بالمراسيل.

فالمسلّم من الطائفة عملهم بالمراسيل في الجملة، وأمّا وجه عملهم فهو غير منصوص، وما ذكره الشّيخ فهو اجتهاد منه منشأه كلام الكشّي، والله العالم.

10. ما أفاد من ردّ روايات الغلاة بقول مطلق، حتّى وإن كانوا ثقات مبني ظاهرا على اعتبار الإسلام في الرّاوي، وحيث إنّ الغالي غير مسلم لم يجز الاعتماد على روايته مطلقا.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار: 2 / 253، الطبعة الحديثة؛ العدّة: 1 / 379، المطبوعة بقمّ حديثا؛ 1 / 148، منها الطبعة المحقّقة.

(2) بل يعمل به، مع صدق الرواة؛ لأجل ما دلّ على حجيّة إخبار الثّقة بلا حاجة إلى هذا الخبر المرسل.

(3) يظهر من النجّاشي إنكار وقفه، حيث كرّر لفظ ثقة في حقّه، وقال: ثقة ثقة.

(4) وقد ذكرنا في الطبعة الأخيرة من حدود الشريعة، التي قام بها مكتب الإعلام الإسلامي في أوّل المجلّد الثاني: قسم الواجبات، حول الترجيح والتساقط كلاما دقيقا.

(5) انظر: وسائل الشيعة: 20 / 88، وكذا الوسائل: 30 / 232، الطبعة الحديثة وغيرها.

(6) الاستبصار، باب السهو في صلاة المغرب: 1 / 372، الطبعة الجديدة.

(7) التهذيب: 7 / 101، برقم: 436، ونصّه:

والأصل فيها عمّار بن موسى الساباطي، وهو واحد، قد ضعّفه جماعة من أهل النقل، وذكروا أن ما يتفرد بنقله لا يعمل به؛ لأنّه كان فطحيّا، غير أنّا لا نطعن عليه بهذه الطريقة؛ لأنّه وإن كان كذلك، فهو ثقة في النقل لا يطعن عليه.

وأمّا خبر زرارة، فالطريق إليه على بن حديد، وهو مضعف جدّا لا يعوّل على ما يتفرد بنقله.

أقول: فما في الاستبصار من تضعيفه يحمل على مذهب غيره، أو يحمل على تسامح الشّيخ رحمه الله، والأظهر أنّه عدول عنه في العدّة، إن فرض تأخر تأليفه من الاستبصار.

ثمّ إنّ توثيق الشّيخ لا يعارض بتضعيف جماعة من أهل النقل؛ لأنّ ظاهر كلام الشّيخ أنّ تضعيفهم مستند إلى فساد مذهبه، وهو عنده وعندنا ضعيف، فإنّ فساد المذهب أمر، والصدق في المقال شيء آخر، وهو المعتبر في حجيّة الخبر.

ثمّ المراد بمن ماثلهما هو: غياث بن كلوب، ونوح بن دراج، وحفص بن غياث، كما تقدّم إرداف إيّاهم معهما.

وأمّا عمل الطائفة برواياتهم فوجهه غير محرز، فلعلّه لمطابقتها مع الكتاب والسنة بزعمهم، أو لأنّ معظمها في غير الأحكام الإلزاميّة، أو غير ذلك، فلا نطمئن بوثاقتهم من مجرّد العمل، إذا فرضت رواياتهم قليلة مجموعة في كتاب.

هذا ولكن في الاعتماد على الدعوى المذكورة بحث، فإنّ الصدوق رحمه الله ـ وهو من أعيان الطائفة قال في باب ميراث المجوسي الفقيه: 4 / 344 ـ: ولا أفتي بما ينفرد السكوني بروايته.

وهذا الكلام سواء صدر من ضعف السكوني في أقواله، أو في مذهبه يضعّف دعوي الشّيخ رحمه الله في عمل الأصحاب برواياته، وضعّفه المحقّق رحمه الله في غير مورد من محكي معتبره: ـ 1 / 376 و399 و437.

ولا يعلم تقدّم تأليف نكت النهاية والمعتبر على المسائل الغرويّة؟ أو عكسه، فإنّ المحقّق ضعّفه فيهما ووثقة في الأخيرة، وضعّفه الشّهيد الثّاني أيضا في الروضة والمسالك، وكذا غيره، بل في سماء المقال للكباسين نسب ضعف أخباره إلى المشهور، وكفى بهذا موهنا لكلام الشّيخ رحمه الله.

ثمّ لا يعلم أنّ تأليف كتاب المسائل الغرويّة هل هو مقدّم على تأليف: المعتبر ونكت النهاية اللتين ضعّف المحقق رحمه الله السكوني فيهما، أو مؤخر عنهما، فلا يعلم نظره الأخير في حقّه، بل نقل عن المعتبر: 1 / 252. أيضا توثيقه.

وقال السّيد بحر العلوم في آخر كلامه:

إنّ ما اشتهر الآن من ضعف السكوني فهو من المشهورات، الّتي لا أصل لها. رجاله: 2 / 125.

ويظهر منه إنّ المشهور بين العلماء في عصر بحر العلوم ضعف السكوني.

وقال أيضا: حكي عن الشّيخ أنّه قال في مواضع من كتبه: إنّ الإماميّة مجمعة على العمل برواياته، وروايات عمار، ومن ماثلهما من الثقات. المصدر: 2 / 124.

أقول: لم أجد في كتاب الطوسي؛ العدّة وغيره وإنّي وإن عملت لحد الآن بروايات السكوني، لكن بعد هذا أتوقّف عنه، ما لم أجد تلك الجملة في كلام الشّيخ.

(8) الرسائل الغروية: 65.

(9) الغيبة: 37.

(10) ومن هذا الكلام يظهر ضعف ما قيل من أنّه وإن كان ضعيفا، إلّا أنّ رواياته معتبرة لنقل الشّيخ عمل الطائفة بها. وجه الضعف أنّ الشّيخ نفسه ردّ خبره، مع أنّ ضعف الرجل لا يجامع العمل بجميع روايته لبعد احتفاف كلّها بالقرينة، إلّا إذا كانت مجموعة في كتاب واحد.

(11) الغيبة: 42.

(12) ووصفه في رجاله من أصحاب الكاظم عليه ‌السلام: كوفي واقفي خبيث، لكن النجّاشي قال في حقّه: كان ثقة ثقة عينا. والحقّ هو الاحتياط في رواياته.

(13) بحار الأنوار: 26 / 223.

(14) لكن مصدر هذا الخبر الصحيح قرب الأسناد ولم أجد دليلا على وصول نسخة منه إلى المجلسي رحمه الله بسند معتبر.

(15) في رجال الكشّي برقم: 755: قال ابن مسعود قال أبو الحسن علي بن فضّال: علي ابن أبي حمزة كذّاب متهم.

وفيه برقم: 756: قال ابن مسعود: سمعت علي بن الحسن: ابن أبي حمزة كذّاب معلون، قد رويت عنه أحاديث كثيرة، وكتبت تفسير القرآن كلّه من أوله إلى آخره، إلّا إنّي لا استحل أن أروي عنه حديثا واحدا.

وفيه برقم: 831: قال أبو عمرو: ... والحسن بن علي بن أبي حمزة غال.

وفيه برقم: 1042: محمّد بن مسعود قال: سألت علي بن الحسن بن فضّال، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني؟ فقال: كذّاب ملعون، رويت عنه أحاديث كثيرة، وكتبت عنه تفسير القرآن كلّه من أوله إلى آخره إلّا إنّي لا أستحل أن أروي عنه حديثا واحدا. أقول: يحمل ما في رقم: 756 على ما في رقم: 1042 حمل المطلق على المقيّد، وهذا واضح فالابن ـ أي الحسن ـ كذّاب ملعون بشهادة ابن فضّال وغال بشهادة أبي عمرو الكشي. والأب ـ أي على ـ كذّاب متهم.

والنتيجة إنّ كليهما ضعيف.

وأمّا ما عن المحقّق في معتبره: 23، الطبعة القديمة، بأنّ الأصحاب قد عملوا برواية هؤلآء ـ أي: عمّار وعليّ بن أبي حمزة ... فاعتبر كتب الأصحاب فإنّها مملوءة من رواية على المذكور وعمار. ففيه أنّ عمل الأصحاب ببعض روايات الضعفاء يرجع إلى عمليات اجتهاديّة غير دالّة على توثيق رواتها، ونقل رواياتهم أعمّ من العمل بها على أنّ ظاهر كلامه، الّذي لم ننقله هنا أيضا يدلّ على ما قلنا، فلاحظ معتبره.

(16) سماء المقال: 134.

(17) معجم رجال الحديث: 11 / 242.

(18) ولاحظ: تفصيل هذه الوجوه في سماء المقال: 134، 152؛ وانظر: معجم رجال الحديث: 11.

(19) معجم رجال الحديث: 11 / 129.

(20) التهذيب: 8 / 256؛ الاستبصار: 4 / 26. إلّا أن يقال: إنّ الشّيخ رجع عن نظره الثابت حين تأليف التهذيبين فيما بعد، فلا تناقض في البين؛ إذ الظاهر تقدّمهما على كتاب العدّة بحسب الزمان، والعدول من الرأي شائع.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)