أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-26
1176
التاريخ: 2023-02-12
1203
التاريخ: 4-1-2023
1230
التاريخ: 2023-03-29
1278
|
تتمتع قصص القرآن الكريم بأفضل أساليب رواية القصص: « {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 3]؛ أي إننا ننزل عليك القصص بأحسن وأبلغ الأساليب؛ وبناء عليه فإن جميع القصص القرآنية مبينة بالأسلوب الأحسن. وناهيك عن المحتوى الذي ينم عن حكمة فإن الحسن في حكاية القصص يكمن في أنها تمتاز بحسن الأسلوب كماً وكيفاً؛ أي إذا تكررت قصة ما فلابد من حكمة في تكرارها بحيث لا تحصل المصلحة المذكورة إلا بتكرارها. فقصة نبي موسی (عليه السلام) لا تكررت في القرآن المجيد أكثر من قصص غيره من الأنبياء حتى النبي إبراهيم (عليه السلام) وإن قصة بني إسرائيل فاقت غيرها من القصص طرحاً في القرآن. والسبب في تكرر القصتين أمور عدة يتطلب كل منها مبحثاً خاصاً. بيد أن ما تصبوا إليه الأنظار في هذا المقطع، وما يشغل بال العديد من الأجيال في العصور والأمصار المختلفة، وما يشهده الزمان الحاضر أيضاً، وما يقترن بخطر انحراف عدد كبير من الناس خصوصاً أجيال الشباب والكهلة الذين يشكلون العناصر المحورية للمجتمع هو ما يبينه القرآن الكريم ويعده سبباً لقسوة القلب وأساساً لكل أشكال حرمان النفس وحرمان الآخرين من الانتفاع.
إنّ المجتمع الذي يشكو موت القلب يتحول إلى مقبرة جماعية ليس فيها أي نفع، وهذا هو عين ما يطرحه القرآن الكريم في هذا الصدد فيقول: إن أمة كهذه هي أخس من أصلب أنواع الصخور. إن منشأ هذا الهبوط الأخلاقي هو النزعة الحسية في باب المعرفة، والتقليد الأعمى في المسائل الاجتماعية مع ادعاء بطلان أصل التقليد.
إنّ هؤلاء ليس أنهم لا يعيرون أهمية لسلطان العلوم وملك المعارف، ألا وهو الوحي الإلهي، فحسب بل إنهم يتوهمون البرهان التجريدي للعقل خرافة، وكل ما لا يكتشف بالحس أسطورة باطلة. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فهم يعتبرون الإصغاء لإرشادات الآخرين تقليداً ويدينونه بالكامل ويذهبون إلى عدم حجية رأي أي شخص إلا على نفسه. لكنهم في الوقت ذاته يفتشون جيداً عن كل ما هو من عوامل الإسراف، والإتراف، والرفاهية، والعلو ويعدونه أمراً راقياً وينصاعون لزعماء الاستبداد والاستثمار والاستعباد والاستحمار وغيرها من أساليب ساستهم التي تتمحور حول القوة والتسلط؛ أي إنهم في عين إبطال التقليد مطلقاً يقعون ـ من أجل مقاصدهم المادية ـ فريسة التقليد الأعمى.
خلاصة الأمر فإن معرفتهم التي تنم عن الميول الحسية هي على أساس {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة: 55] ، وإن حياتهم المرفهة تستند على قاعدة: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مريم: 74]، وإن تقليد هذه الفئة واتباعهم الأعمى يدور حول محور: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67]. والطموح الساذج لهذه الفرقة مرتكز على ضيق أفق رؤيتهم: {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص: 79] وبناء المستقبل عندهم مشيد على الاعتماد على المال والثروة: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} [الهمزة: 3] وخلاصة الأمر فمثلما أنهم استبدلوا الثوم والبصل بالمن والسلوى السماويين: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: 61] فقد استبدلوا الزعامة الإلحادية لفرعون وهامان بالقيادة الإلهية لموسى وهارون ، وعوضاً عن اتباع مدرسة التوراة المانحة للحياة فإنهم رجحوا طاعة النهج الطاغي لفرعون، وهذه هي معضلة كل أصحاب النزعة الحسية وعباد المادة في العصر الحاضر لا سيما الصهيونية العالمية حيث يمارسون صنوف التعذيب في حق مستضعفي العالم، خصوصاً الشعب الفلسطيني المسلم المظلوم، عبر القتل والنهب والأسر والتشريد.
إن تلاوة الآيات المتعلقة ببني إسرائيل ودراسة ما مارسوه من لجاجة وعناد مع القادة الإلهيين تبدو وكأنها حديث الساعة والحاجة الماسة للمجتمعات المعاصرة؛ كما كانت أيضاً تصور التاريخ الماضي والآثار والإحصاءات القديمة؛ ومن هنا تتجلى ضرورة تكرار قصة الإسرائيليين الطغاة وتعليل قسوة قلوبهم، وتبيين هبوط الأصول الأخلاقية والقيمية بعد تلاشي الأسس المعرفية والاعتقادية.
ومن الجدير بالذكر أن التقليد الذي ينتهي إلى التحقيق والمستند إلى العلم بضرورته والعمل بالخصوصية العلمية والعملية لمرجع التقليد والعلم بتمتع الشخص المعين بكل تلك الخصوصيات هو محمود وممدوح وإن العقل والنقل يعدانه أمراً راجحاً بل وواجباً في بعض الموارد؛ وذلك لأن التخصص في جميع فروع العلم مع فرض اتساعها هو أمر متعسر بل متعذر. إذن فالحاجة الماسة للانتفاع من الصناعات المتنوعة والعلوم المختلفة من جهة، وامتناع تحصيل الفرد الواحد عادة للتخصص فيها جميعاً من جهة ثانية يؤسس لضرورة التقليد؛ بمعنى أنه ما من باحث متخصص إلا وهو مقلد ـ في بعض فروع العلم ـ للخبراء الحاذقين في تلك الفروع.
فالذين يتخيلون أن أصل التقليد غير مستساغ من دون أن يتعمقوا في ضرورته، ومن دون أن يتأملوا في مراجع تقليدهم في مجال الفروع التي لا تخصص لهم فيها، هم مبتلون بالتقليد المذموم؛ يعني أن ما يجري على لسانهم ذم أصل التقليد، وما هم مبتلون به فعلاً هو التقليد المذموم، وكل ذلك هو بسبب قسوة القلب النابعة من المعرفة غير الصائبة؛ من المنطلق فإن القرآن الكريم يتحدث عن المنافع المختلفة للأحجار التي هي في عداد أخس الموجودات في العالم المحسوس، ويرى أن القلوب القاسية للإسرائيليين وكل من يفكر بطريقة صهيونية هي أسوأ من الحجر الأصم، ومن أجل إبراز دناءة ذي النزعة الحسية العابد للمادة فهو يستخدم عبارة: «أشد قسوة» بدلاً عن كلمة «أقسى»؛ لأن كلمة «أقسى» تفيد زيادة القسوة من ناحية الهيئة فحسب، بيد أن تعبير: «أشد قسوة وعن طريق مادة «الشدة»، يحكي كيفية خاصة من الشدة تضاف إلى ما يفهم من الهيئة، ومن أجل أن يتم إثبات أن الانحطاط قد حاق ويحيق بالمجتمع الإسرائيلي وأمثاله فقد أتى بكلمة «الحجارة» بصيغة الجمع في مقابل القلوب ولم يتم استخدام كلمة «الحجر»؛ كما استعان بعنوان الحجارة الذي هو رمز للصلادة والتصلب؛ وذلك لأن الحجر مضافاً إلى صلابته فهو لا يتمتع بما يتمتع به المعدن من فوائد، حيث إن الأخير يذوب ويصبح مائعاً، لكن الحجر في النهاية يتأثر بالماء الذي هو رمز النعومة واللطافة. إن مناقشة ودراسة صدر وعجز هذه القصة يظهر علامات إعجاز كثيرة؛ ومن هنا فقد ذكر بصورة الجمع فقال عز من قائل: {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 73]
تنويه: الخطوط العامة والجامعة للمباحث المرتبطة بالرجوع من الفعل إلى القوة، والقسر الدائم والمؤقت، والنزعة الحسية، وسقوط القيم الأخلاقية... الخ قد ذكرت جميعها في تفسير الميزان القيم في ذيل الآيات المذكورة [1] . شكر الله مساعي مؤلفه .
[1] راجع الميزان، ج 1، ص 205 - 209
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|