أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-11-2014
2193
التاريخ: 31-3-2016
3385
التاريخ: 9-10-2014
1862
التاريخ: 10-02-2015
1818
|
يقول تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 63]
في القرآن الكريم جاء ميثاق بني إسرائيل تارة بلفظة العهد وطوراً بعنوان الميثاق؛ كما في الآيات 40 و83 و93 من سورة «البقرة»، والآيات 12 و13 و70 من سورة «المائدة»، والآية 169 من سورة «الأعراف»، والآيتين 154 و155 من سورة «النساء».
لقد طرح حدث رفع الطور في بعض تلك الموارد؛ كما في الآية 93 من سورة «البقرة»، والآية 154 من سورة «النساء»، والآية 171 من سورة «الأعراف». والظاهر من عنوان رفع الطور هو أنه كان عملاً غير عادي وأن تحققه كان بعيداً من حيث العادة، إلا أنه ليس محالاً من جهة العقل؛ لأن المعجزة وإن كانت خارقة للعادة ومستبعدة عادةً لكنها ليست خارقة لقانون العلية وهي غير مستحيلة عقلاً.
أما صدر المتألهين في تفسيره للآية محط البحث فقد اعتبر إنكار المتفلسفة لرفع الطور غير سائغ وبادر إلى نقده وإبطاله [1]
وما حصل في قضية رفع الطور فهو أولاً: حصل بإرادة الله (عز وجل) الخاصة وليس مجرد حدث طبيعي؛ هذا وإن كان كل ما يحصل في مجال الطبيعة ومنطقة ما وراء الطبيعة فهو بإرادة الله (عز وجل).
ثانياً: لقد جرى الاهتمام بحدث رفع الطور حتى لقد تم بيانه باستخدام فعل المتكلم مع الآخرين حيث إنَّ المراد من ذلك إما تفخيم المتكلم أو حضور الملائكة المدبرات بأمر الله (عز وجل).
ثالثاً: لقد منح الحدث المذكور صبغة إظهار القدرة وطابع إعمال المولوية كي ينصلح اليهود العنودون واللدودون بشهودهم للقدرة المرعبة ويثوبوا إلى رشدهم ويخفوا لاستقبال كتاب الله (عز وجل) عوضاً عن نبذه وراء ظهورهم، ويبادروا إلى تحكيم الميثاق بدلاً عن نقضه.
رابعاً: لم يرق حدث رفع الجبل إلى مستوى الإكراه والإلجاء وسلب الاختيار؛ وذلك لأن مشاهدة المعجزة ودراسة آية الله (عز وجل) عن كثب لا هما سبب للإلجاء والإكراه وسلب الاختيار ولا حتى مدعاة لسلب الرضا العقلي؛ لأن الإنسان العاقل يسعى لتأمين مصلحة حياته لا متطلبات غريزته العابرة. على هذا الأساس فإنه وإن كان قبول الميثاق لا يتماشى مع النزعة الغريزية إلا أنه موافق للمعيار العقلي؛ نظير تناول الدواء المر الذي وإن كان غير مستساغ للذائقة الحسية إلا أنه موافق لذوق العقل. من أجل ذلك لا يمكن اعتبار القبول ببعض التكاليف الشاقة، التي تنطوي على نتائج عقلية جمة، مخالفاً للرضا بل كما أن مثل هذا القبول يكون مطابقاً للاختيار فإنه موافق للرضا أيضاً، وهذا مشابه لما يطرح في مسألة الجهاد الابتدائي وقبول الإيمان في ظرف كهذا حيث تظهر الدراسة النهائية لهذا الموضوع أن إيمان المعتنقين للإسلام لم يكن بصورة الإلجاء المنافي للاختيار ولا على نحو الإكراه المخالف للرضا، ومن هذا المنطلق لن يعود هناك مجال للحديث عن نسخ الآية: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] بواسطة الآية مدار البحث وما شاكل ذلك؛ كما يتوهم الآلوسي [2].
والغرض هو أن الإعجاز والكرامة وما إلى ذلك هي الطاف من قبل الله عز وجل؛ لأنها تشكل عاملاً لإيجاد التوفيق وليس سبباً لزوال الاختيار؛ سواء انطوت قصة المعجزة على طابع الترغيب والرأفة؛ كما في قصة اليد البيضاء [3]، وانفلاق الحجر وتفجر اثنتي عشرة عيناً منه، ونزول المن والسلوى [4]، و... الخ أو احتوت على صبغة الترهيب والقهر؛ نظير تحول العصا إلى أفعى [5] ورفع الطور على نحو ظن بنو إسرائيل معه أنه ساقط على رؤوسهم: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأعراف: 171]
ما يستنبط من آيات رفع الطور ونتق الجبل وأخذ الميثاق هو أن أياً هذه العناوين ليس منافياً للاختيار ولا مبايناً للرضا؛ وذلك لأن القيد بقوة المذكور في الآيات المشار إليها يشعر باحتفاظ بني إسرائيل بقدرتهم وكامل اختيارهم؛ إذ أن الأخذ بقوة ـ لاسيما مع ملاحظة ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) من أن المقصود هو قوة القلب وقوة البدن جميعاً [6] كان حتماً مع حفظ الإرادة وصيانة الاختيار، وإلا فإن من سلبت قدرته واختياره فإنه لن يمكنه الأخذ بقوة وإن تمكن من الأخذ الإجباري. يتضح مما بُين بشكل مسهب في هذا الصدد أنه لا وجه لإصرار بعض المفسرين على إنكار رفع الطور [7]، هذا مع أن ما رافق القصة من زخارف کاشتعال نيران ضخمة أمامهم وتلاطم أمواج البحر من خلفهم واقتراب الجبل المنتوق والطور المرفوع من فوقهم بقدر قامة الرجل و...الخ هي مفتقرة إلى الدليل القرآني وليس في متناولنا أحاديث صحيحة يمكنها إثبات مثل هذه المسائل العلمية غير التعبدية وغير العملية.
تنويه: أ: بشهادة سياق الآيات فإن رفع الجبل فوق رؤوس بني إسرائيل كان في حدود علامة العذاب من أجل أخذ الميثاق الغليظ على الطاعة في مقام العمل من بعد أن آمنوا، وليس لأجل إكراههم على أصل الإيمان؛ بمعنى أن أولئك الذين تعهدوا بطاعة ربهم، ليس فقط في عالم إبرام الميثاق، بل بلسان العقل ولسان الوحي أيضاً وعلى الرغم من مشاهدتهم ومعجزات جمة على حقانية موسى (عليه السلام) بمجرد وقوفهم على صعوبة ما كتب في الألواح من أوامر فقد بنوا أمرهم على المخالفة. فالله سبحانه وتعالى ومن خلال تجسيم علامة العذاب يأخذ منهم ميثاقاً غليظاً كي يعملوا بتلك الأحكام ويأخذوا بها بكل قوة.
مضافاً إلى أنه حتى لو كان إظهار علامة العذاب من أجل أصل إيمانهم فإن ذلك لا يلزم منه الاضطرار والإكراه في الإيمان؛ لأنهم كانوا يمتلكون الاختيار ـ حتى بعد مشاهدة علامة العذاب والتصديق بالوعيد به ـ بأن يكفروا ويبتلوا بالعذاب؛ كما أن التاريخ قد شهد مثل هذه الفرق اللجوجة، إلا أنهم قد تابوا وأقبلوا على الطاعة بحسن الإفادة من اختيارهم؛ بل لعل من الممكن القول بأن إظهار مثل هذه العلامة هو لطف من جانب الله سبحانه وتعالى؛ وذلك لأنها أصبحت سبباً ليقظتهم ورؤيتهم الواقعية، ووقوفهم على الآثار السيئة للكفر والمعصية، وإيمانهم بجزاء العمل والعاقبة السيئة لضروب العناد وإيجاد العراقيل، الأمر الذي دفعهم إلى معاهدة الله الرؤوف على الوفاء للنبي موسى (عليه السلام) والثبات على طاعته.
إن إيماناً والتزاماً كهذا يشابه إيمان الشخص الذي منّ الله عليه بأن فتح عينه البرزخية خلال لحظة ليريه تجسماً لأفعاله القبيحة فتكون مثل هذه الإراءة سبباً لإيمان وميثاق جديدين على طاعته عز وجل؛ نظير ما حصل لقوم النبي يونس (عليه السلام) الذين آمنوا به بعد مشاهدة طلائع العذاب الإلهي فكان إيمانهم نافعاً لهم.
ب: الإيمان هو فعل اختياري للإنسان وإن إرادة الشخص المؤمن هي الحد الفاصل بين نفس الإنسان وحصول الإيمان لديه؛ على خلاف العلم الذي يكون تحققه حتمياً بعد حصول مبادئه الضرورية ولا يكون باختيار النفس. من هذا المنطلق فإن الإيمان يطرح في ظرف الاختيار وإن هناك تفاوتاً أساسياً بين ما حصل لبني إسرائيل وما جرى لفرعون؛ والسبب هو أن فرعون قد بلغ حد الاضطرار وأحس بحالة الغرق والهلاك عن قرب ولعله بات في داخل الدهليز المؤدي إلى البرزخ ولهذا لم يقبل إيمانه في تلك الحالة وتم إعلامه بالرد بالنفي بهذه الكيفية: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91]، خلافاً لبني إسرائيل الذين أصبحوا في كامل إرادتهم واختيارهم وقبلوا بالميثاق. والغرض من هذا الكلام أنه لا أصل إيمان بني إسرائيل، ولا أصل إبرامهم للميثاق وعقدهم للتعهد، ولا الوفاء بالعهد كان من سنخ الإيمان الاضطراري غير المقبول لفرعون بل كانت كلها قد حصلت في حالة اختيار وبنصاب تام من الإرادة. على هذا الأساس فإنه لم يكن هناك أي مجوز لنكث العهد ونقض الميثاق ولهذا فقد ووجه إعراضهم بالانتقاد في الآية 64 من سورة البقرة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|