المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



مسألة التوفّي في شخصية المسيح عليه السلام  
  
1745   05:03 مساءاً   التاريخ: 11-10-2014
المؤلف : محمد هادي معرفة
الكتاب أو المصدر : شبهات وردود حول القرآن الكريم
الجزء والصفحة : ص102-109 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / قصص الأنبياء / قصة نبي الله عيسى وقومه /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-10-2014 1746
التاريخ: 10-10-2014 1777
التاريخ: 11-10-2014 27569
التاريخ: 5-2-2016 3501

قد عرفتَ تصريحَ القرآن الكريم بأنّ الأمر قد شُبِّهَ لهُم ، وما قَتلوه وما صَلبوه ، بل رَفَعه اللّهُ إليه .

وكان القوم من أَوّلِ أَمرِهم على شكٍّ من ذلك ، وكان هناك أقوامٌ أنكروا وقوعَ القتل على شخصِ المسيح ، وكان اختلاف الأناجيل الأربعة في سَردِ القضيّة تأييد لهذا الشكّ والترديد .

غير أنّ هنا سؤالاً : هل المسيح رُفِع بِرُوحه وجَسدِه إلى السماء وهو حيٌّ يُرزق حتّى يرجع إلى الأرض في آخر الزمان كما في كثير من رواياتٍ إسلاميّة ؟ أم رُفع برُوحه دون جَسدِه وأنّ اللّه توفّاه أي أَماتَهُ وقبضَ روحَهُ ؟

يقول البعض من علماء الغرب : ليس في القرآن نصٌّ على بقاء المسيح حيّاً يُرزق في السماء ، بل التصريح بمُوته ، وأنّ اللّه توفّاه : (1)

{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [آل عمران : 55] .

وهذا يدلّ على أنّه تعالى أَماتَه ثم رُفِع بروحه إلى السماء...

وهكذا قوله : {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ } [المائدة : 117] .

ولكنّ التوفية : أَخْذُ الشيء أخذاً مستوفياً ، أي بكمالِه وتمامِه ، ومنه : وفاء الدَّيَن ، وليس دليلاً على الموت صِرْفاً ، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا } [الزمر : 42] ،  {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ } [الأنعام : 60].

على أنّ الأناجيل متّفقةٌ على أنّ المسيح ( عليه السلام ) قامَ مِن القبرِ وذهبَ إلى حيث لم يرَه أحد غير تلاميذه ، وافتقدوا جسده فلم يجدوه ؛ فلعلّه لمْ يَمُتْ حين الصَلب وإنّما ذهب وعيُه ، ثُمّ رجع إليه بعد وضعِهِ في القبرِ ، حيث لم يُهيلوا عليه التراب ـ حسبما نصّت عليه الأناجيل ـ وإنّما وُضِع على القبرِ حجرٌ فوجدوا الحجرَ مُدَحرجاً عن القبرِ .

وجاء في إنجيل ( متّى ) : إنّ مَلاك الربِّ نزلَ من السماءِ وجاء ودَحْرَج الحجر عن الباب ، وقال للمرأتَين اللتين جاءتا لتَنظرا القبرَ : لا تَخافا ، إنّي أعلمُ أنّكما تَطلبانِ يسوع المَصلوب ، ليس هو هاهنا ؛ لأنّه قام كما قال هلُمّا انظرا الموضعَ الذي كان الربُّ مضطَجِعاً فيه ، واذهبا سريعاً وقولا لتلاميذه : إنّه قام من الأَموات ، ها هو يَسبِقُكم إلى الجليل ، هناك ترونه .

فخَرَجتا سَريعاً مِن القبرِ بخوفٍ وفرحٍ عظيم راكِضَتَين ؛ لتُخبِرا تلاميذه ، فيما هما مُنطَلِقتانِ إذا يسوع قال لهما : سلامٌ لكما ، فَتَقدَّمتا وأَمسَكَتا بِقَدَميّه وسَجَدَتا له ، فقال لهما يسوع : لا تخافا ، اذهَبا قُولا لإخوتي أنْ يَذهبوا إلى الجليل وهناك يرَونَني .

 وأمّا التلاميذ فانطَلقوا إلى الجليلِ حيثُ أَمرهم يسوع ، ولمّا رَأَوه سجدوا له ولكنْ بعضُهم شَكّوا ، فتقدّمَ يسوع وكلّمهم قائلاً : دُفِع إليّ كلَّ سلطانٍ في السماء وعلى الأرض ، فاذهبوا وتلمّذوا جميعَ الأُمّم . وعلِّمُوهم أنْ يَحفظوا جميعَ ما أَوصيتُكم به ، وها أنا معكم كلّ الأيّام إلى انقضاء الدهر ، آمين (2) .

وفي إنجيل لوقا : إنّهنّ (3) دَخَلْنَ القبرَ ولم يَجِدْنَ جسدَ يسوع ، وفيما هُنّ مُتحيّرات إذ وقف بِهنّ رَجُلانِ بثيابٍ برّاقةٍ ، وقالا لهُنّ : لماذا تَطلُبَنَّ الحيَّ بين الأموات ، وإنّه في الجليل .

وإنّ التلاميذ لمّا وجدوا المسيح نفسَه في وسطهم هناك وقال لهم سلامٌ لكم فجَزعوا وخافوا وظَنّوا أنّهم نظروا روحاً فقال لهم : ما بالَكم مُضطَرِبِينَ ؟ انظروا يديَّ ورجليَّ إنّي أنا هو ، جسّوني فإنّ الروحَ ليس له لحمٌ وعظام كما تَرَون لي ، فطلب منهم طعاماً ،فَنَاوَلوه جزءً مِن سمكٍ مشويٍّ وشيئاً مِن شَهْدِ عسلٍ ، فأخذ وأكلَ قُدّامهم ، ثُمّ أَوصاهم بوصايا ، ثمّ رفع يديه إلى السماء وبارَكَهم ، وفيما هو يُبارِكُهم انفرد عنهم واُصعِد إلى السماء (4) .

وقريبٌ مِن ذلك جاء في إنجيل يوحنّا (5) .

وفي إنجيل ( مرقس ) : ثُمّ أنّ الربّ بعد ما كلَّمَهم ارتفعَ إلى السماء وجلسَ عن يمينِ اللّه... (6)

ومِن هنا يعتقد البعضُ أنّ قوله تعالى : {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} [النساء : 157] بمعنى أنّ صَلبَه لم يؤدِّ إلى قتلِه ، ولكن شُبِّه لهم أنّه قُتِل على خَشَبة الصَلب ، ولم يكونوا على يقينٍ مِن أنّه ماتَ حقيقةً وذلك معنى {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا } [النساء : 157] .

وذلك أنّ ( بيلاطس ) كان يَعتقد براءةَ المسيح مِن كلّ ما يَرميه به اليهود ، كما أنّ امرأته أيضاً كانتْ عاطِفَةً على يسوع ، مهتمّةً بأمره ، حريصةً على أنّه لا يُمَسّ بِسُوء ، وقد أوصت زوجها بذلك...

ففي إنجيل متّى : وإذ كان جالساً على كرسيّ الولاية ، أرسلت إليه امرأته قائلةً : إيّاك وذلكَ البارّ ؛ لأنّي اليوم تألّمتُ كثيراً في حُلُمٍ مِن أجلِه (7) .

ومِن ثَمّ نرى أنّ المسيح لم يَمكُث على خَشَبة الصَلب طويلاً ، ولمْ تُكسَر رجلاه كما كُسِرت رِجلا المَصلوبَينِ الآخَرَينِ ، بل جاء يوسف ـ وهو أحد تلاميذ المسيح ـ وتسلّم الجسد ، وتعجّبوا مِن موتِه سريعاً ، فلفّه في كفنٍ ووَضَعَه في قبرٍ له كان هناك .

ولا سبب لذلك إلاّ العناية الخاصّة التي كانت تحوط المسيح من ناحية الوالي بيلاطس وزوجه ويوسف ونيقوديموس...

فلهذه الاعتبارات جَعلوا يقولون : إنّ المسيح تَظاهَرَ بالموتِ وحَسِبَه الناسُ ميّتأً ، ولم يكنْ قد مات ، والذي تولّى إنزالَه رجلٌ من تلاميذه في الحقيقة ، وكان ذلك التَظاهر بإيحاءٍ منه وساعَدَه الوالي على ذلك بأنْ سُلِّم له في إنزالِه عن الخَشَبة ، واليهود في غفلةٍ عمّا بينه وبين المسيح من العلاقة ، ولفّه في كفنٍ ووضعه في القبر وأجافَ على الباب حجراً (8) .

* * *

هذا ، ولم يُصرِّح القرآن بنوعية الشُبهة ، وقِصّة إلقاء الشَبَه على ( يهوذا الأسخر يوطى ) . جاءت في إنجيل برنابا وبعض المصادر النصرانيّة  ؛ ولعلّه الأصلُ في شيوع ذلك بين مفسّري العامّة ، وعمدتُهم : وهب بن منبّه (9) الذي اشتهر بِكَثرَةِ النقل عن أهل الكتاب (10) ولا سيّما نصارى نجران (11) ولم يُؤثَر عن أئمّةِ أهل البيت ( عليهم السلام ) شيء من ذلك في تفاسيرنا القديمة المعتمدة (12) سِوى ما جاء في التفسير المنسوب إلى عليّ بن إبراهيم

القمي (13) ولم يَثبُت انتسابُ هذا التفسير إلى عليّ بن إبراهيم ، وإنّما هو من صُنْع أحد تلامذته المجهولين (14) ، ومِنْ ثَمّ لا يُعتَمد بما تفرّد به هذا التفسير ما لمْ يدعَمْه شواهد تُوجب الاطمئنان .

والمهمّ : أنّ الأناجيل وإنْ ذَكَرَتْ قصّة الصَلب لكن ليس فيها تصريح بموت المسيح بذلك . وقد عرفتَ عبارة ( لوقا ) : ( لماذا تَطلُبَنّ الحيَّ بين الأموات ) (15) الأمر الذي يلتئم واشتباه اليهود في زَعمِهم أنّهم قتلوا المسيح بالصَّلب .

والقرآن مصرّح بأنّ الأمر قد اشتبه عليهم {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ...... وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا } [النساء : 157] .

وأيضاً فإنّ الأناجيل متّفقة على أنّ المسيح رُفع بجسمه ورُوحِه ، وهذا هو ظاهر تعبير القرآن الكريم أيضاً : {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء : 158] .

ومِن ثَمّ لم يُعهَد للمسيح ( عليه السلام ) قبرٌ لا عند المسيحيّين ولا عند غيرهم .

نعم زَعَمَ ( غلام أحمد القادياني ) أنّ المسيح  أنجاهُ اللّه مِن كيد اليهود ، فذهب إلى بلاد الهند ، واستقرّ في بلاد كشمير ـ شمال الهند ـ بِسَفحِ الجبلِ ( جبال هملايا ) وأقام هناك إلى أن وافاه أجله ، ودُفن في تلك البلاد قُرب بلدة ( سرنجار ) وقبره معروف هناك .

قال الأُستاذ النجّار : كنت مسافراً في رحلةٍ إلى ( اسطنبول ) في سنة 1924م وكان في السفينة الأُستاذ الشيخ أبو الوفاء الشرقاوي ، فسألته : هل سمع حين كان في ( سرنجار ) بكشمير عن قبرٍ بقربِها يقال له : قبر النبيّ الأمير ـ حسب تعبير القادياني ـ يعني المسيح ؟ فقال : نعم ، سمعتُ بذلك وأنّه في الصحراء .

والقادياني في زَعمه هذا حاولَ إثبات كونه هو المسيح الموعود بمجيئه في آخر الزمان ، ولكن كيف يكون هو المسيح وهو معروف النَسب بين قومه ؟! فذهب إلى تأويل الأمر على أنّ المسيح مات ولا يمكن أن يعود بشخصه ، ولكنّه يعود في شخصيةٍ أُخرى .

فقال : إنّي أنا هو المسيح . آتٍ بِهديهِ وتعاليمهِ مِن بثّ السلام والرحمة والتعاطف والمحبّة... وله كلام طويل في كتبه ومجلّته التي كان يُصدرها في حياته ، ولا يزال جماعته في نشاط من التبشير بمسيحيّته... والدولة الإنكليزيّة ـ في وقته ـ كانت تؤيّدُهم ؛ لأنّهم كانوا يقولون أنّ مسيحهم أبطلَ الجهاد ، وكان مُغرماً بالكافر المُستعمِر ، ويمدح حكمهم في البلاد ويراه نعمةً على أهل الهند (16) .

بقي الكلام حول قوله تعالى : {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء : 159] إلى مَ يعود الضمير من قوله ( قبل موته ) ؟ فيه قولان :

أحدهما : أنّه يعود إلى المسيح ، ويكون دليلاً على أنّه ( عليه السلام ) لم يَمت ، وتضافرت الروايات بأنّه ينزل في آخر الزمان ليكون مؤيِّداً للمهديّ المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف ، فهناك يبدو الحقّ وتتجلّى الحقيقة لدى أبناء كلّ مِن اليهود والنصارى ، أمّا اليهود فيبدو لهم خطأهم في إنكار نبوّته ، وأمّا النصارى ففي زَعمهم أنّه إله .

قال عليّ بن إبراهيم القمي : حدّثني أبي عن القاسم بن مُحمّد عن سليمان بن داوود المنقري عن أبي حمزة عن شهر بن حوشب ، قال : قال لي الحجّاج : إنّ آية في كتاب اللّه قد أعيتني ! قلتُ : أيّة آية هي ؟ قال : قوله تعالى : {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } [النساء : 159] وإنّي لآمر باليهودي والنصراني فيُضرب عنقُه ، ثم أرمقُه بعيني فما أراه يحرّك شَفتيه حتّى يخمد ! فقلتُ : ليس على ما تأوّلتَ ، قال : كيف هو ؟ قلت : إنّ عيسى يَنزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا ، فلا يبقى أهلُ ملّةٍ يهودي ولا نصراني إلاّ آمن به قبل موته ، ويصلّي خلف المهديّ ، قال : ويحك أنّى لكَ هذا ؟ ومن أين جئتَ به ؟ فقلت : حدّثني به مُحمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ( عليهم السلام ) فقال : جئتَ بها واللّه من عينٍ صافية (17) .

وأخرج ابن المنذر عن شهر بن حوشب مثَلَه ، فقال الحجّاج : من أين أخذتها ؟ فقلتُ : مِن مُحمّد بن عليّ قال : لقد أخذتَها مِن معدنها . وفي رواية أُخرى : يعنى ابن الحنفيّة (18) .

وأَخرجه كبارُ المفسّرين ، قال الشيخ أبو جعفر الطوسي : ذهب إلى هذا القول ابن عبّاس وأبو مالك والحسن وقُتادة وابن زيد ، واختاره الطبري ، قال : والآية خاصّة لمَن يكون في ذلك الزمان (19) وهو الذي ذكره عليّ بن إبراهيم في تفسير أصحابنا . وذكر الحديث عن شهر بن حوشب عن محمّد بن عليّ ابن الحنفيّة ، وذكر البلخي مثل ذلك .

قال : وضَعَّف هذا الوجه الزجّاج وقال : الذين يَبقون إلى زمنِ نزول عيسى من أهل الكتاب قليل ، والآية تقتضي عموم إيمان أهل الكتاب أجمع (20) .

وهكذا الطبرسي في مجمع البيان (21) .

وذكر الإمام الرازي حديث شهر بن حوشب ، قال : فاستوى الحجّاج جالساً ـ حين ذكرتُ له ذلك ـ وقال : عمّن نقلتَ هذا ؟ فقلتُ : حدّثني به مُحمّد به عليّ ابن الحفنيّة . فأخذ ينكتُ في الأرض بقضيب ، ثم قال : لقد أخذتَها من عينٍ صافيةٍ (22) .

والقول الثاني : أنْ يعود الضمير إلى الكتابي ، ومعناه : لا يكون أحد من أهل الكتاب حين يخرج مِن الدنيا عند الموت إلاّ ويؤمن بالمسيح ، وذلك عند زوال التكليف ومعاينة الموت ؛ حيث الحقيقة تنكشف لدى حضور الموت .

قال الطبرسي : وذهب إليه ابن عبّاس في روايةٍ أُخرى ومجاهد والضحّاك وابن سيرين وجويبر ، قال : ولو ضربتُ رقبته لم تخرج نفسه حتّى يؤمن (23) .

قال الشيخ مُحمّد عبده : ( قَبْلَ مَوْتِهِ ) أي قبل موت ذلك الأحد ، الذي هو نكرة في سياق النفي فيفيد العموم ، وحاصل المعنى : أنّ كلّ أحدٍ من أهل الكتاب عندما يُدرِكُه الموت ينكشف له الحقّ في أمر عيسى وغيره مِن أمر الإيمان فيؤمن بعيسى إيماناً صحيحاً ، فاليهودي يعلم أنّه رسولٌ صادق غير دعيّ ولا كذّاب . والنصراني يعلم أنّه عبد اللّه ورسوله فلا هو إله ولا ابن اللّه .

ورجّح هذا المعنى على المعنى الأَوّل باحتياج ذلك إلى تأويلِ النفي العامّ هنا بتخصيصه بمَن يكون منهم حيّاً عند نزول عيسى ، قال : والمُتبادر من الآية هو المعنى الذي أختاره ، وهذا التخصيص لا دليل عليه ، وهو مبنيّ على شيءٍ لا نصّ عليه في القرآن حتّى يكون قرينةً له .

قال : والأخبار التي وردت فيه لم ترد مفسِّرةً للآية ، أمّا المعنى المُختار الذي هو الظاهر المُتبادر من النَظم البليغ فيؤيِّده ما ورد من اطّلاع الناس قبل موتهم على منازلهم في الآخرة ، قال : وممّا يؤيِّد هذه الحقيقة النصّ في سورة يونس على تصريح فرعون بالإيمان حين أدركه الغرق (24) .

غير أنّ سياق الآية يُرجّح القولَ الأَوّل ؛ حيث وقع هذا التعبير عقيب ردِّ مزعومةِ اليهود : أنّهم صلبوه وقتلوه ، بل شُبِّه لهم الأمر وما قتلوه يقيناً ، فمعناه : أنّه لم يُقتل ولم يَمُت وأنّه حيٌّ يرزق ، وما مِن أحدٍ من أبناء اليهود والنصارى ليؤمنَنَّ به إيماناً بنبوّته الصادقة قبل أن يموت المسيح ، فالكلام هنا كلام عن موت المسيح ، وأنّه مات بالصَلب وقُتل أم لا ، فالآية تَنكر ذلك ، وتنصّ على أنّه لم يَمُت ، فكان قوله تعالى إشارةً إلى موت المسيح ( عليه السلام ) .

ولسيّدنا العلاّمة الطباطبائي ( قدس سرّه ) هنا نظرة دقيقة في دلالة سياق الآية على عود الضمير في ( قَبْلَ مَوْتِهِ ) إلى المسيح ؛ وذلك حيث قوله تعالى ـ عقيب ذلك ـ : {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء : 159] . فإنّه يدلّ على أنّه ( عليه السلام ) يشهد يوم القيامة بشأن مَن آمن به في حياته قبل موته ، أمّا فترة التوفّي ورَفعه إلى السماء فكان الشاهد عليهم هو اللّه سبحانه ، كما جاءت في سورة المائدة : 117 (25) .

وأمّا مسألة تخصيص العموم فليس من التخصيص حقيقة ، وإنّما هو من باب التسامح والتوسعة في التعبير ، فخوطب الآباء بما يفعله الأبناء ، كما عوتب الأبناء بما فعله الآباء في كثير من مواضع القرآن .
____________________________

1- عيسى والقرآن ، ص 207 ، ترجمة وتحقيق الأُستاذ محسن بينا .

2- إنجيل متّى ، إصحاح 28 / 1 ـ 20 .

3- ذكر مرقس ولوقا : أنّ ثلاث من النساء ذهبنَ ليُفتّشن عنِ القبرِ .

4- إنجيل لوقا ، إصحاح 24 / 1 ـ 53 .

5- إنجيل يوحنّا ، إصحاح 20 و21 .

6- إنجيل مرقس ، إصحاح 16/19 .

7- إنجيل متّى ، إصحاح 27/19 .

8- راجع : قصص الأنبياء للنجّار ، ص 428 ـ 429 .

9- المصدر : ص448 ـ 449 .

10- راجع : جامع البيان ، ج6 ، ص10 ـ 12 ، ومجمع البيان ، ج3 ، ص136.

11- راجع : الإسرائيليّات والموضوعات لأبي شُهبة ، ص105 ، ومعجم البلدان ، ج5 ، ص267 .

12- راجع : تفسير العيّاشي ، ج1 ، ص175 و283 ، وتفسير التبيان ، ج2 ، ص478 وج3 ، ومجمع البيان ، ج2 ، ص449 وج3 ، ص135 ، وتفسير أبو الفتح الرازي ، ج3 ، ص55 وج4 ، ص61 .

13- تفسير القمي ، ج1 ، ص103 .

14- راجع : صيانة القرآن من التحريف ، ص229 ، طبع 1418 .

15- إنجيل لوقا ، إصحاح 24/5 .

16- راجع : قصص الأنبياء للنجّار ، ص427 .

17- تفسير القمي ، ج1 ، ص158 .

18- الدرّ المنثور ، ج2 ، ص734 .

19- راجع : جامع البيان ، ج6 ، ص16 .

20- تفسير التبيان ، ج3 ، ص386 .

21- مجمع البيان ، ج3 ، ص137 .

22- التفسير الكبير ، ج11 ، ص104 .

23- مجمع البيان ، ج3 ، ص137 .

24- تفسير المنار ، ج6 ، ص21 ـ 22 .

25- راجع : تفسير الميزان ، ج5 ، ص142 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .