المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6235 موضوعاً

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



تمييز المشتركات وتعيين المبهمات / محمد بن إسماعيل الذي روى عن الفضل بن شاذان (القسم الثاني).  
  
1394   05:50 مساءً   التاريخ: 2023-06-18
المؤلف : أبحاث السيّد محمّد رضا السيستانيّ جمعها ونظّمها السيّد محمّد البكّاء.
الكتاب أو المصدر : قبسات من علم الرجال
الجزء والصفحة : ج2، ص 472 ـ 495.
القسم : الحديث والرجال والتراجم / علم الرجال / مقالات متفرقة في علم الرجال /

ذُكِرَت عدة وجوه في توجيه الاعتماد على روايات محمد بن إسماعيل على الرغم من عدم توثيقه في كتب الرجال، وأبرز هذه الوجوه ما يأتي:

الوجه الأول: ما أفاده المحقق الشيخ حسن نجل الشهيد الثاني (قُدِّس سرُّهما) (1) من أن إكثار الكليني من الرواية عنه شهادة بحسن حاله مضافاً إلى نقاء حديثه.

ونحوه ما ذكره السيد الأستاذ (قدس سره) في كتاب الحج قائلاً (2): (إن كثرة رواية الكليني عنه في أكثر من سبعمائة مورد توجب الاطمئنان بوثاقة الرجل).

ولعل مبنى هذا الوجه هو أن الكليني (قدس سره) قد ذكر في مقدمة الكافي (3) أنه ألف ما طُلب منه من كتاب (كافٍ يجمع فيه من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين (عليهم السلام) والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدى فرض الله عز وجل وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ).

ومقتضاه أنه لم يكن غرضه مجرد جمع الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بصحيحها وضعيفها بل خصوص الأحاديث التي يعوّل عليها، وحيث إن عدد الروايات التي أوردها الكليني عن طريق محمد بن إسماعيل كبير جداً يبلغ أكثر من سبعمائة وستين رواية ــ على ما ذكره السيد الأستاذ (قدس سره) (4) ــ ويستبعد جداً توفر القرينة على صحة صدورها في كل واحدة واحدة منها من غير جهة وثاقة راويها محمد بن إسماعيل فالمظنون قوياً بل المطمأن به أن الكليني (قدس سره) كان يبني على وثاقة الرجل، ولذلك اعتمد على هذا العدد الكبير من رواياته. ويمكن أن يناقش هذا الوجه:

أولاً: بالنقض بأن للكليني (قدس سره) أكثر من ألف ومائتي رواية عن سهل بن زياد فلو كان إكثاره في الرواية عن شخص دليلاً على وثاقته عنده لكان اللازم جعل ما ورد في تضعيف سهل من كلام النجاشي وغيره معارضاً بتوثيق الكليني والبحث عما يرجح أحدهما على الآخر، كما صنعوا مثل ذلك بالنسبة إلى توثيق الشيخ، مع أنه لا يوجد مثل هذا في كلام الشيخ صاحب المعالم والسيد الأستاذ (قُدِّس سرُّهما) وغيرهما ممن تبنوا هذا الوجه.

وثانياً: أن مجموع روايات الكليني عن محمد بن إسماعيل لا تبلغ خمسمائة رواية وأما ما نسب إلى السيد الأستاذ (قدس سره) في موضع من أنها تبلغ أكثر من سبعمائة وستين رواية فليس دقيقاً وقد ذكر خلافه في موضع آخر (5).

والملاحظ أن ما يقرب من مائة وخمسين رواية منها هو ما رواه بطريق محمد بن إسماعيل فقط وأما البقية فله إليها طريق آخر أو أزيد لا إشكال في اعتباره. وإذا لوحظ أن الكثير من المائة وخمسين رواية هي مما يوافقها في المضمون رواية أو روايات أخرى في الباب نفسه، فلا يبقى من المجموع إلا ما يقرب من نصف العدد المذكور وليس هو بالعدد الكبير ويوجد مثله في الكافي في أحاديث من لا شك في ضعفهم كـ(محمد بن الحسن بن شمون) فإن له وحده فيه ما يزيد على ثمانين رواية، وليس من المستغرب توفر قرائن أخرى للكليني (رحمه الله) ــ غير وثاقة محمد بن إسماعيل ــ كانت موجبة لوثوقه بصدور تلك الروايات وصحتها عن الأئمة (عليهم السلام) كنقائها وعمل الأصحاب بمضامينها ونحو ذلك.

الوجه الثاني: ما أفاده السيد صاحب المدارك (قدس سره) (6) من أن كتب الفضل كانت موجودة بعينها في زمن الكليني فرواياته مأخوذة منها، وأما ذكر محمد بن إسماعيل فإنما هو لمجرد اتصال السند فلا يؤثر عدم ثبوت وثاقته.

أي أنه كان مجرد شيخ إجازة فيما يرويه من كتب الفضل بن شاذان فليس له دور حقيقي فيما نقله الكليني عن الفضل بل دوره شرفي بحت، كدور أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد فيما رواه المفيد عنه عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد، ودور أحمد بن محمد بن يحيى العطار فيما رواه الصدوق عنه عن أبيه محمد بن يحيى العطار، فلا يضر عدم ثبوت وثاقته في الاعتماد على تلك الروايات.

وهذا الوجه ضعيف لجهتين:

الأولى: أنه لا سبيل إلى إحراز أن كتب الفضل كانت موجودة بعينها عند الكليني، إذ لعل محمد بن إسماعيل استنسخ نسخاً منها لنفسه اعتمد عليها الكليني في الكافي.

الثانية: أن الظاهر أن الكليني لم يعتمد في إيراد ما رواه عن الفضل على كتب الفضل نفسه إلا في موارد نادرة، وذلك لأن جميع تلك الروايات باستثناء سبع منها مروية عن الفضل عن ثلاثة من الأعلام هم محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وحماد بن عيسى، ومن المؤكد أن للفضل بن شاذان عشرات المشايخ الآخرين غير هؤلاء الثلاثة، منهم إسحاق بن إبراهيم (7) ومحمد بن إسماعيل بن بزيع (8) وعبيد الله بن موسى (9) وإسماعيل بن صباح (10) وأحمد بن أبي نصر (11) ومعمر بن خلاد (12) ومحمد بن علي الكوفي (13) وعثمان بن عيسى (14) وعبد الرحمن بن أبي نجران (15) وكثيرون آخرون كما يظهر بمراجعة أسانيد كتاب الغيبة للشيخ الطوسي واختيار معرفة الرجال للشيخ الكشي. فلو كان الكليني قد أخذ الروايات الخمسمائة المروية عن الفضل من كتب الفضل لاشتملت على الكثير من مشايخه الآخرين. وعلى ذلك فمن المطمأن به أن الكليني إنما أخذ ما عدا الروايات السبع المشار إليها من كتب المشايخ الثلاثة أو من كتب من هم قبلهم في سلسلة السند كمعاوية بن عمار وإبراهيم بن عبد الحميد وعبد الرحمن بن حجاج وأضرابهم.

نعم كان لدى الكليني كتاب الطلاق وكتاب الفرائض والمواريث من كتب ابن شاذان فقد نقل عنهما في مواضع من الكافي (16)، والملاحظ أن خمساً من الروايات السبع المشار إليها هي مما ورد في كتاب الإرث من الكافي مما يشير إلى أنه (قدس سره) قد اقتبسها من كتاب ابن شاذان في الفرائض، وأما الرواية السادسة فقد وردت في كتاب الوصايا، وأما الرواية السابعة فهي مذكورة في كتاب النكاح (17).

وممّا يؤيد أن مصدر الكليني (قدس سره) فيما رواه عن الفضل عن المشايخ الثلاثة ليس هو كتب الفضل أن مقتضى الشواهد والقرائن أن الفضل لم يكن محدّثاً معنياً بسرد الأحاديث ولا فقيهاً يهتم بذكر الأحكام وما ورد فيها من الروايات بل كان متكلماً معنياً ببحث المسائل العقائدية وفقيهاً يهتم ببحث المسائل الخلافية ومناقشتها. ويبدو أن مؤلفاته كلها هي في أحد البابين حتى كتابه في الطلاق وكتابه الآخر في المواريث لم يؤلفا لسرد الأحكام الفقهية وإيراد النصوص الشرعية فيها بل لمناقشة آراء الآخرين وأحياناً ذكر بعض الروايات، ومراجعة المقاطع التي حكاها الكليني عنه في المواضع المشار إليها آنفاً تكفي للاطلاع على هذه الحقيقة.

وبالجملة: لم يظهر وجود كتب روائية للفضل بن شاذان لتكون هي معتمد الكليني فيما أورده من مئات الروايات المشار إليها، وهذا يؤيد ما تقدم آنفاً من أن الكليني لم يعتمد فيما رواه عن الفضل على كتبه إلا في موارد نادرة.

الوجه الثالث: ما ذكره بعض الأعيان (طاب ثراه) (18) من أن من تفحص روايات محمد بن إسماعيل اطمأن بوثاقته وإتقانه، فإن كثيراً من رواياته لو لم نقل أغلبها منقولة بطريق آخر صحيح أو موثق أو معتبر طابق النعل بالنعل، والوثوق والاطمئنان الحاصل من ذلك أكثر من الوثوق الذي يحصل بتوثيق الشيخ أو النجاشي أو غيرهما. وهذا الوجه غير تام أيضاً:

أولاً: لاحتمال أن يكون دور محمد بن إسماعيل فيما يتطابق من رواياته مع روايات الثقات دوراً شرفياً أي أنه كان شيخ إجازة في نقلها فقط، فلا يمكن أن يستدل بهذا التطابق على اعتبار رواياته الأخرى التي لا يعرف حالها.

وثانياً: أنه لو سلّم أن دوره في نقل جميع الروايات المروية بطريقه في كتاب الكافي دور حقيقي إلا أن مطابقة أكثر روايات الراوي مع روايات الثقات لا تقتضي بوجه وثاقة الراوي، بل أقصى ما تقتضيه أنه لم يكن كذاباً وضاعاً يكثر الوضع والاختلاق وأما احتمال كونه غير ثقة ولو من جهة عدم الضبط والإهمال والتسامح أحياناً فلا يمكن دفعه بهذا الوجه.

الوجه الرابع: أن الكليني (قدس سره) قد أكثر من الرواية عن محمد بن إسماعيل ــ كما سبق ــ وهذا مؤشر إلى أنه لم يكن ضعيفاً عند الأصحاب، لأن إكثار الرواية عن الضعفاء مباشرة كان يعدّ عيباً عندهم وقادحاً في الراوي كما يظهر من ثنايا كلماتهم.

ولكن هذا الوجه لا يجدي أيضاً، فإن أقصى ما يقتضيه ــ إن تم ــ هو عدم كون محمد بن إسماعيل مشهوراً بالضعف عند الأصحاب، وأما ثبوت وثاقته ليعتمد على رواياته فلا.

مضافاً إلى أن المذكور قادحاً في كلمات الرجاليين هو الرواية عن الضعفاء وأما رواية شخص كتباً متعددة عن ضعيف واحد ثم توزيع أحاديثها في مؤلفه فلم يعلم كونه قادحاً عند الأصحاب.

الوجه الخامس: أن محمد بن إسماعيل من رجال كامل الزيارات.

وهذا الوجه اعتمده السيد الأستاذ (قدس سره) فيما مضى (19) ثم عدل عن كبرى وثاقة رجال كامل الزيارات، وقد مرّ الخدش في هذه الكبرى مراراً.

الوجه السادس: ما يبتني على أمرين:

أحدهما: ما مرَّ في مناقشة الوجه الثاني من كون مصدر الكليني فيما رواه عن محمد بن إسماعيل عن الفضل عن ابن أبي عمير أو صفوان أو حماد هو كتب هؤلاء الثلاثة أو كتب بعض مشايخهم كمعاوية بن عمار مثلاً.

ثانيهما: أن من تتبع موارد نقل الكليني عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن المشايخ الثلاثة يجدها على نحوين:

النحو الأول: ما يذكر فيه طريق واحد فقط، وهو طريق محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير مثلاً.

النحو الثاني: ما يضم إلى الطريق المذكور طريق آخر أو أزيد.

وتفصيله: أن روايات محمد بن إسماعيل عن الفضل عن ابن أبي عمير في الكافي من دون أن يُضم إليها طريق آخر تقرب من خمسين رواية، ورواياته بضم طريق (علي بن إبراهيم عن أبيه) تقرب من مائة وخمسين مورداً. وهناك موارد نادرة ضم إليهما طريق ثالث هو طريق (أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار) أو (طريق محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد).

وروايات محمد بن إسماعيل عن الفضل عن صفوان بن يحيى من دون ضم طريق آخر إليها تبلغ ستين رواية، ورواياته عنه بضم طريق (أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار) تقرب من ستين رواية أيضاً. وهناك موارد قليلة ضم إليها طريق آخر هو طريق (علي بن إبراهيم عن أبيه) أو طريق (محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين)، وقد يضم إليها طريقان آخريان فيكون المجموع ثلاثة، وقد يضم إليها ثلاثة طرق، وهي (محمد بن جعفر الرزاز عن أيوب بن نوح) و(أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار) و(حُميد بن زياد عن ابن سماعة). وقد يذكر مكان طريق (حُميد بن زياد..) طريق (محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين).

وأما روايات محمد بن إسماعيل عن الفضل عن حماد بن عيسى فهي من دون ضم طريق آخر إليها تزيد على ثلاثين مورداً، ومع ضم طريق (علي بن إبراهيم عن أبيه) تبلغ الثلاثين، وهناك موارد قليلة ذُكر فيها ثلاثة طرق، بإضافة طريق (عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد) أو طريق (محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى). والملاحظ أن الروايات المذكورة بنحويها أي بما يكون بطريق واحد هو طريق (محمد بن إسماعيل عن الفضل) وما يكون بضم طريق أو طريقين آخرين موزعة على جميع أبواب الكافي ولا يختص باب بذكر الطريق المنفرد وباب آخر بذكر الطريق المزدوج، كما أن الملاحظ أن في جميع الأبواب يورد أعداداً كبيرة من الروايات عن المشايخ الثلاثة المذكورين بالطريق الآخر وحده، أي أنه روى مئات الروايات عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير من دون ضم طريق آخر، كما روى مئات الروايات عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى من دون ضم طريق آخر، وأورد مئات الروايات عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى من دون ضم طريق آخر.

وهذا كله ربما يورث الوثوق بأن الكليني (قدس سره) كان له طريقان رئيسان إلى كتب هؤلاء المشايخ الثلاثة أو من يروون عنهم، ولكنه للتفنن في التعبير كان يختار حيناً ذكر طريق وحيناً آخر ذكر طريق ثانٍ وحيناً يجمع بين الطريقين، وحيناً يضيف إليهما طريقاً ثالثاً أو رابعاً، ولا يبعد أن تكون الإضافة آنذاك من قبيل الجمع بين المصادر، كأن يجد الرواية نفسها المروية عن ابن أبي عمير بطريقَيه إليه في كتاب شخص ثانٍ أو ثالثٍ يمرُّ به أيضاً فيورد السند إليه من ذلك الكتاب كذلك.

فإن حصل الوثوق بما ذُكر ــ كما لا يبعد ــ أمكن الاعتماد على روايات محمد بن إسماعيل عن الفضل مما لم يُقرَن بطريق آخر ــ التي تقدم أنها تقرب من مائة وخمسين رواية ــ وإلا أشكل الاعتماد عليها وكان مقتضى الصناعة هو ما جرى عليه المحقق السبزواري (قدس سره) في الذخيرة (20) من عدم الاعتماد على ما ورد في الكافي مما تفرد بنقله محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان.

هذا وينبغي هنا التنبيه على أمرين:

الأمر الأول: أن العالم المتتبع المرحوم السيد حسن الصدر (قدس سره) صاحب تكملة أمل الآمل وغيره من الكتب الكثيرة قد ذهب إلى أن محمد بن إسماعيل المبحوث عنه هو ابن بزيع، وألّف في ذلك رسالة سماها (البيان البديع في أن محمد بن إسماعيل المبدوء به في أسانيد الكافي هو محمد بن إسماعيل بن بزيع).

وكنت طالما استغرب من ذهاب مثله إلى هذا الرأي ــ الذي ينبغي أن يعدّ بطلانه من واضحات علم الرجال ــ فإن محمد بن إسماعيل بن بزيع من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) المستشهد سنة (182هـ) ومن رجال الطبقة السادسة وجلُّ من روى عنهم من الطبقة الخامسة، في حين أن من رووا عنه هم من الطبقة السابعة كأحمد بن محمد بن خالد البرقي وأحمد بن محمد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم والحسين بن سعيد وسهل بن زياد والعباس بن معروف ومحمد بن الحسين ابن أبي الخطاب ومحمد بن عبد الجبار وأضرابهم. وأما الكليني المتوفى سنة (328 أو 329هـ) فهو من الطبقة التاسعة فأنّى له أن يروي مباشرة عن محمد بن إسماعيل بن بزيع؟! مضافاً إلى شواهد كثيرة أخرى مذكورة في المطولات ولا حاجة إلى ذكرها في المقام. وبالجملة: مجانبة الرأي المذكور للصواب بمثابة من الوضوح يُستغرب معه ذهاب مثل السيد (رحمه الله) إلى هذا الرأي.

وكنت أرغب في الإطلاع على رسالة السيد المخطوطة للتعرف على ما أوجب له هذا التوهم إلى أن تيسّر لي ذلك، فوجدته (قدس سره) قد استدل على مرامه بوجوه كثيرة ينبغي التعرض لها للاطلاع على سبب وقوعه في هذا الاشتباه.

الوجه الأول: قال (قدس سره) (21): إن ابن قولويه روى في الباب السابع والعشرين من كامل الزيارات حديثاً عن ابن بزيع بلا واسطة قائلاً: (وحدثنا محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي إسماعيل السراج..)، فإذا كان ابن قولويه ممن لقي ابن بزيع وروى عنه بلا واسطة فرواية الكليني شيخ ابن قولويه عنه بلا واسطة ممكنة بطريق أولى. ولكن الموجود في الباب المذكور في الحديثين الرابع والحادي عشر (22) رواية ابن قولويه عن (محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع) أي أنه يروي عنه بواسطتين، وقد تكررت الرواية نفسها بالسند نفسه في موضع آخر من كامل الزيارات (23)، فيبدو أن نسخة السيد الصدر (قدس سره) من الكتاب كان فيها سقط، توهم جرّاءه بأن ابن قولويه يروي عن محمد بن إسماعيل بن بزيع مباشرة.

الوجه الثاني: قال (قدس سره) (24): إنا عثرنا على رواية الكليني عن ابن بزيع بلا واسطة في موضعين من الكافي:

الأول: في كتاب الحدود، في باب (الرجل يجب عليه الحد وهو مريض)، هكذا: (محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب ومحمد بن إسماعيل بن بزيع عن حنان بن سدير عن يحيى بن عباد المكي) لظهور كونه عطف سند برأسه على سند آخر، أي أن الكليني كما يروي عن محمد بن يحيى كذلك يروي عن محمد بن إسماعيل بن بزيع مباشرة، وليس هذا عطفاً على ابن محبوب المذكور قبله. الثاني: في أول الروضة هكذا: (محمد بن يعقوب قال حدثني علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن فضال عن حفص المؤدب عن أبي عبد الله (عليه السلام) ومحمد بن إسماعيل بن بزيع عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام)) وهذا أيضاً ظاهر في كونه عطف سند برأسه على سند آخر.

وفي بعض النسخ إقحام لفظة (عن) بين (الواو) وبين (محمد) فأوجبت تشكيك بعض الأصحاب، وقال: إنه عطف على علي بن إبراهيم، وفيه: أني لم أعثر على رواية علي بن إبراهيم عن ابن بزيع. واحتمال العطف على أبيه في غاية الضعف.

ثم قال (طاب ثراه): (إنه قد ثبتت رواية ابن بزيع عن الفضل بن شاذان في موضع من الكافي وهو في باب (أنَ ابن آدم أجوف) حيث ورد فيه هكذا: عن محمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الفضل بن شاذان.

ثم بنى (قدس سره) على ما تقدم قائلاً: (إذا ثبتت رواية الكليني عن ابن بزيع بلا واسطة ورواية ابن بزيع عن الفضل بن شاذان ارتفع الإشكال عن المبدوء به في أول الإسناد وبطلت دعوى أن ابن بزيع يروي عنه الفضل دون العكس، فإنه لم يُعثر على رواية الفضل عن ابن بزيع إلا في موضع من عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (25)، وأما رواية ابن بزيع عن ابن شاذان فعديدة).

أقول: أما ما استظهره (رحمه الله) في موردين من الكافي من رواية الكليني عن ابن بزيع مباشرة فهو في غير محله:

أما في المورد الأول فلأن أحمد بن محمد بن عيسى يروي عن محمد بن إسماعيل بن بزيع كثيراً (26)، ومقتضى ذلك أن يكون ابن بزيع في هذا المورد عطفاً على ابن محبوب المذكور قبله ولا يكون من عطف سند برأسه على سند آخر.

وأما في المورد الثاني فلأن ما حكاه (طاب ثراه) عن بعض نسخ الكافي من إضافة لفظ (عن) بين (و) وبين (محمد) هو الموجود في جميع ما تيسر الاطلاع عليه من نسخ الكافي ومنها الطبعتان القديمة والحديثة (27)، ومقتضاه كون قوله: (وعن محمد بن إسماعيل..) عطفاً على قوله: (عن ابن فضال)، أي إن إبراهيم بن هاشم يروي عنهما جميعاً، ولا وجه لاستضعافه (قدس سره) هذا الاحتمال فإن رواية إبراهيم بن هاشم عن محمد بن إسماعيل بن بزيع متداولة (28).

وأما ما ادعاه (قدس سره) من أنه توجد في باب (أن ابن آدم أجوف) من الكافي رواية (محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الفضل بن شاذان) فهو غير تام أيضاً، فإنّه لا توجد لفظة (بن بزيع) في السند المشار إليه في شيء مما تيسر الاطلاع عليه من النسخ المطبوعة (29) والمخطوطة من الكافي، ويبدو أن نسخته (قدس سره) كانت مغلوطة. ومن الغريب ما زعمه من أن رواية ابن بزيع عن ابن شاذان عديدة، فإنه لم يعثر على مورد واحد لها بل هي غير مناسبة أصلاً، لأن ابن بزيع ــ كما تقدم ــ من الطبقة السادسة والفضل من الطبقة السابعة فكيف يروي المتقدم عن المتأخر؟!

وأما رواية الفضل بن شاذان عن محمد بن إسماعيل بن بزيع فهي متداولة وليست منحصرة في مورد واحد من (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)) كما ادعاه (قدس سره)، ومن مواردها ما أورده الشيخ (قدس سره) في موضع من كتاب الغيبة (30) هكذا: (روى الفضل عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن سنان) ومن المعلوم أن محمد بن إسماعيل الذي يروي عن ابن سنان هو ابن بزيع، ومنها ما ورد في كتاب (إثبات الرجعة) للفضل (31) هكذا: (حدثنا محمد بن إسماعيل بن بزيع (رضوان الله عليه) قال: حدثنا حماد بن عيسى)، ولعل المتتبع يعثر على موارد أخرى أيضاً.

وكيف كان فقد ظهر بما تقدم أن وجه الخلل في الوجه الثاني الذي استند إليه (قدس سره) لإثبات مرامه هو الخطأ في الاستظهار من جانب ووقوع الغلط في نسخته من الكافي من جانب آخر.

الوجه الثالث: قال (قدس سره) (32): (إنه قد تكرر في الكافي رواية الكليني عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الفضل بن شاذان، وظاهر أن محمد بن يحيى المذكور متأخر لم يدرك إلا عصر العسكري (عليه السلام) في أوائل عمره، فلا بد من أن يكون الكليني قد شاركه في الرواية عن ابن بزيع لأن ولادة الكليني كانت في أول عصر العسكري (عليه السلام) أو قبله).

ولكن لم أجد رواية لمحمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع في الكافي إلا بتوسط أحمد بن محمد بن عيسى (33) أو محمد بن الحسين بن أبي الخطاب (34).

ويبدو أن نظره (قدس سره) إلى ما تقدم عنه في الوجه الثاني من أنه يوجد في باب (أن ابن آدم أجوف) رواية محمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الفضل بن شاذان. وإلى مورد آخر (35) وردت فيه أيضاً رواية محمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان. ويلاحظ عليه..

أولاً: أنه لم يقيّد محمد بن إسماعيل في أي من الموردين ــ فيما اطلعنا عليه من نسخ الكافي ــ بـ(بن بزيع) ليستند إليهما في دعوى تكرر رواية محمد بن يحيى عنه.

وثانياً: أن ذكر محمد بن يحيى في بداية السندين المشار إليهما وإن اشتملت عليه مختلف نسخ الكافي المطبوعة والمخطوطة ــ عدا نسخة قديمة جداً موجودة في مكتبة الروضة الرضوية المقدسة كما أشير إليه في هامش الطبعة الجديدة (36) ــ إلا أن من المؤكد كونه حشواً وزيادة من قلم النسّاخ، فإن محمد بن إسماعيل الذي يروي عن ابن شاذان إنما يروي عنه الكليني بلا واسطة كما في مئات الموارد فكيف روى عنه بواسطة محمد بن يحيى في هذين الموردين؟!

وكيف كان فلا أساس لدعوى رواية محمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع. نعم توجد له روايات عديدة عن محمد بن إسماعيل من غير تقييد (37) إلا أن محمد بن إسماعيل هذا قد روى تلك الروايات عن علي بن الحكم لا عن الفضل بن شاذان، والمراد به هو القمي للتصريح به في موضع من الكافي (38)، والرجل هو محمد بن إسماعيل الصيمري كما ذكر ذلك الأردبيلي (39) لتوصيف الشيخ (40) إياه بالقمي، ولكن رجّح السيد الأستاذ (قدس سره) (41) كونه هو البرمكي. إلا أن ما أفاده بعيد فإن البرمكي رازي لا قمي، فليلاحظ.

ومهما يكن فقد ظهر بما تقدم أن أصل ما ذكره السيد الصدر (قدس سره) من رواية محمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع غير تام، فلا محل لقياسه رواية الكليني عن ابن بزيع برواية محمد بن يحيى عنه.

مع أن هذا القياس في غير محله لأن محمد بن يحيى متقدم طبقة على الكليني فهو من أحداث الطبقة الثامنة والكليني من الطبقة التاسعة فدعوى أن الكليني لم يكن بأقل سناً منه غير تامة.

الوجه الرابع: قال (قدس سره) (42) : إن الكشي أورد في كتابه (43) رواية بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى قال: كنت بفيد فقال لي محمد بن علي بن بلال: مُرّ بنا إلى قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع لنزوره، فلما أتيناه جلس عند رأسه مستقبل القبلة والقبر أمامه ثم قال: أخبرني صاحب هذا القبر يعني محمد بن إسماعيل بن بزيع... ومقتضاها أن موت ابن بزيع كان في حياة ابن بلال وأن ابن بلال ممن يروي عن ابن بزيع بلا واسطة، وظاهر أن ابن بلال لم يدرك غير العسكري (عليه السلام) وهو من وكلاء الناحية، فلا بد من أن يكون موت ابن بزيع في عصر العسكري (عليه السلام) أو بعده لأنه لو كان قبله لم يكن ابن بلال يدركه، وحينئذٍ يمكن أن يروي عنه الكليني لأن وفاة العسكري (عليه السلام) كانت في سنة (260) والكليني كان شيخ الشيعة في هذه المائة ولا أقل من أن يكون في سن العشرين عند وفاة العسكري (عليه السلام) ووفاة ابن بزيع ليكون في رأس المائة الثالثة في سن الستين ويكون هو المجدد للمذهب والعالِم المشهور في العالَم عند العامة والخاصة كما نصوا عليه. وهذا الوجه غير صحيح أيضاً، فإن محمد بن علي بن بلال قد أدرك عصر ما قبل العسكري (عليه السلام)، بدليل أن الشيخ (قدس سره) قد عدّه في أصحاب الهادي (عليه السلام) قائلاً (44): (أبو طاهر محمد وأبو الحسن وأبو الطيب بنو علي بن بلال).

مضافاً إلى أن الرواية المشار إليها مذكورة بعينها في موضع من الكافي (45) وكامل الزيارات (46) وفيهما بدل محمد بن علي بن بلال (علي بن بلال) الذي عدّ من أصحاب الجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام)، والظاهر أن هذا هو الصحيح بقرينة كون الراوي عنه هو محمد بن أحمد بن يحيى الذي عدّ من رواة كتاب علي بن بلال (47).

ثم إن مضمون هذه الرواية قد رواه الصدوق (48) عن أحمد بن محمد قال: (كنت أنا وإبراهيم بن هاشم في بعض المقابر إذ جاء إلى قبر فجلس..)، وإبراهيم بن هاشم من الطبقة السابعة فيعلم أن محمد بن إسماعيل بن بزيع لم يكن حياً في أواخر أيام إبراهيم بن هاشم فكيف يمكن أن يروي عنه الكليني المتأخر عنه بطبقتين؟!

الوجه الخامس (49): (أن الكليني ابتدأ أحاديث كثيرة في كتابه بأبي داود (50) وأبو داود هذا هو أبو داود المنشد أو المسترق المتوفى سنة (231) فإذا كان الكليني في هذا التاريخ ممن يصح له تحمّل الرواية فروايته عن ابن بزيع لا إشكال فيها حتى على القول بموت ابن بزيع في زمن الجواد (عليه السلام) ).

أقول: الذي روى عنه أبو داود في الموارد المذكورة في الكافي هو الحسين بن سعيد الذي يعدّ من الطبقة السابعة فيعلم أن أبا داود المذكور من الطبقة الثامنة أي طبقة مشايخ الكليني. وأما أبو داود المسترق فهو من الطبقة السادسة ومشايخه من الطبقة الخامسة والكليني يروي عنه بواسطتين (51) وأحياناً بثلاث وسائط (52) وأحياناً بأربع وسائط (53)، فكيف يحتمل أن يكون أبو داود الذي هو من شيوخ الكليني هو أبو داود المسترق؟! وقد نبّه السيد البروجردي والسيد الأستاذ (قُدِّس سرُّهما) (54) وآخرون على أن شيخ الكليني المكنى بأبي داود مجهول لا يعرف اسمه ولا لقبه ولا أي خصوصية أخرى له.

الوجه السادس (55): (أنّ الكليني (56) روى في أول السند عن علي بن إسماعيل عن محمد بن عمرو عن جميل بن دراج، وعلي بن إسماعيل هو ابن سندي شريك إبراهيم بن هاشم في الرواية عن أبيه إسماعيل الملقب بسندي فهو في طبقة ابن هاشم الراوي عن ابن بزيع بالاتفاق فلا مانع حينئذٍ من رواية الكليني عن ابن بزيع لاتحاد زمانهما). أقول: ذكر العلامة المجلسي (رحمه الله) (57) أن السند المذكور معلّق على ما قبله أي على قوله: (عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد)، وما أفاده لا يخلو عن وجه. ولكن الأوجه سقوط محمد بن يحيى عن أول ذاك السند، أي أن الصحيح (محمد بن يحيى عن علي بن إسماعيل)، فإنه المذكور في مختلف مواضع الكافي (58) ولم أجد رواية سهل بن زياد عن علي بن إسماعيل في شيء من الموارد، وعلى كل حال فإن علي بن إسماعيل المذكور إنما هو من الطبقة السابعة ولا يروي عنه الكليني مباشرة، فما ذُكر من الاستدلال مبنياً على روايته عنه بلا واسطة غير صحيح أيضاً.

الوجه السابع (59): (أنه وردت رواية محمد بن العباس بن علي بن مروان الماهيار المعاصر للكليني عن محمد بن إسماعيل بن بزيع بالتصريح بلفظ حدثني في كتاب (تأويل الآيات الباهرة في العترة الطاهرة)، فإذا كان ابن ماهيار يروي عن ابن بزيع فلا مانع من رواية معاصره الكليني أيضاً عنه).

أقول: لم أجد في المطبوع من الكتاب المذكور ما حكاه (قدس سره)، بل الموجود في موضعين (60) منه هكذا: (محمد بن العباس: حدثنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن حديد ومحمد بن إسماعيل بن بزيع جميعاً..)، أي أن ابن الماهيار يروي عن محمد بن إسماعيل بواسطتين لا بدون واسطة.

هذه هي عمدة الوجوه التي استدل بها العلامة السيد حسن الصدر (قدس سره) على كون محمد بن إسماعيل شيخ الكليني هو ابن بزيع، وقد ظهر أن هذه الوجوه تبتني إما على خطأ أو سقط في نسخ الكتب التي كانت عنده (رحمه الله) وإما على خطأ في الاستظهار، ولا يتم شيء منها أبداً.

الأمر الثاني: أنه توجد في موارد كثيرة من الكافي أسانيد مزدوجة على النحو التالي (61): علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان (عن ابن أبي عمير) وأحياناً عن صفوان (62) وأحياناً عن حماد (63).

وفي مفاد هذه الأسانيد بدواً وجهان:

أحدهما: أن يكون السند مزدوجاً إلى من ينتهي إليه من المشايخ الثلاثة، أي أن الكليني يروي تارة عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير مثلاً وأخرى عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير أيضاً.

وهذا هو الذي فهمه المعظم وكان البحث المتقدم مبنياً عليه.

ثانيهما: أن يكون السند مزدوجاً إلى الفضل بن شاذان، أي أن الكليني يروي عن علي بن إبراهيم وهو يروي عن أبيه ومحمد بن إسماعيل وهما يرويان عن الفضل بن شاذان وهو يروي عن أحد المشايخ الثلاثة، أو أن الكليني يروي عن علي بن إبراهيم ومحمد بن إسماعيل والأول يروي عن أبيه عن الفضل بن شاذان والثاني يروي عن الفضل بن شاذان مباشرة والفضل يروي عن أحد المشايخ الثلاثة.

وهذا الوجه هو الذي بنى عليه الشيخ (قدس سره) عند تنظيم مشيخة التهذيبين (64)، فقد ذكر في مشيخة التهذيب (65) هكذا: (ومن جملة ما ذكرته عن الفضل بن شاذان ما رويته بهذه الأسانيد ــ ويقصد أسانيده إلى الكليني ــ عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان)، ونحوه ما في مشيخة كتاب الاستبصار (66).

ومن المعلوم أن ما يرويه الشيخ بطريق الكليني إنما يكون قد أخذه من الكافي، فيستفاد من عبارته المذكورة أنه بنى على أن ما يوجد فيه من الأسانيد المزدوجة التي يُذكر فيها الفضل إنما هي أسانيد إلى الفضل لا إلى من بعد الفضل. ولذا ذكر السند إليه على النحو المذكور.

ولكن هذا الوجه غير صحيح، والدليل القاطع على ذلك هو أن الكليني قد عقّب قوله: (عن الفضل بن شاذان) في تلك الأسانيد بكلمة (جميعاً) في كثير من الموارد بل في معظمها، أي هكذا: (علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير..)، مما يدل على أن من يروي عن ابن أبي عمير ــ مثلاً ــ ليس هو الفضل وحده بل معه شخص آخر وليس هو إلا إبراهيم بن هاشم، ولو كان إبراهيم ومحمد بن إسماعيل يرويان عن الفضل لكان اللازم أن تذكر كلمة (جميعاً) بعد كلمة (إسماعيل) أي هكذا: (علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل جميعاً عن الفضل بن شاذان).

ومما يزيد الأمر وضوحاً ما يلاحظ في موارد كثيرة من إيراد السند المذكور بتأخير رواية علي بن إبراهيم عن أبيه في الذكر، فيقول الكليني هكذا: محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان وعلي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير مثلاً إما معقباً بكلمة جميعاً وإما بدونها (67).

هذا مضافاً إلى أن مقتضى الوجه الثاني المذكور هو كون إبراهيم بن هاشم راوياً لأحاديث محمد بن أبي عمير مثلاً عن طريق الفضل بن شاذان مع أن ابن أبي عمير من مشايخ إبراهيم بن هاشم وهو يروي أحاديثه مباشرة كما يظهر من سائر أسانيد الكافي وفهارس الأصحاب، فكيف يروي روايات ابن أبي عمير هذه عن طريق الفضل بن شاذان؟! وأيضاً مقتضى هذا الوجه على أحد التقديرين أن يكون محمد بن إسماعيل شيخاً لعلي بن إبراهيم لا للكليني مع وضوح أنه ليس كذلك.

وأما التقدير الآخر بأن يكون الكليني راوياً عن كل من علي بن إبراهيم ومحمد بن إسماعيل ويكون الأول راوياً عن أبيه عن الفضل ويكون الثاني راوياً عن الفضل مباشرة فالكلام يأبى الحمل عليه إلا بتكلف شديد فلا مجال للبناء عليه لأنه مخالف لظاهر العبارة جداً.

وبالجملة: إن الوجه الثاني المذكور غير صحيح قطعاً. ويبدو أن عجلة الشيخ (قدس سره) الدينية ــ كما ورد هذا التعبير في كلمات الأصحاب ــ هي التي أوقعته في هذا الوهم (68).

ومن الغريب سريان هذا الوهم إلى بعض مساعدي السيد الأستاذ (قدس سره) (69) فقد بنى على أنّ الأسانيد المزدوجة في روايات الفضل في الكافي إنما هي طرق متعددة إلى الفضل نفسه! ومن المؤسف ما قام به في أواخر حياة السيد الأستاذ (قدس سره) ــ كما أقرّ به على نفسه (70) ــ من إدراج المعنى المتوهم المذكور في كتاب المعجم في طبعته الأخيرة الخامسة (71)، وعلى أساسه رام تصحيح روايات محمد بن إسماعيل المروية في الكافي، قائلاً في الطبعة المذكورة من المعجم: (إن روايات الكليني (رحمه الله) عن الفضل بن شاذان في الأغلب لا تكون منحصرة عن طريق محمد بن إسماعيل بل يذكر كثيراً منضماً إليه علي بن إبراهيم عن أبيه، وفي بعض الموارد مكان علي بن إبراهيم شخص آخر مثل محمد بن عبد الجبار أو محمد بن الحسين وغيرهما، وقد أحصينا هذه الموارد فبلغت أكثر من ثلاثمائة مورد.

ومن جهة أخرى: إن الشيخ (رحمه الله) ذكر في المشيخة طريقه إلى روايات الفضل فروى عن مشايخه عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل، وبعض الروايات المذكورة في التهذيبين عن الفضل نفس الروايات التي ذكرها الكليني (رحمه الله) بطريق واحد يعني عن محمد بن إسماعيل عن الفضل. فيظهر من ذلك أن للكليني أكثر من طريق واحد إلى روايات الفضل وإنما اكتفى بواحد منها في بعض الموارد اختصاراً أو لغير ذلك).

وحاصل كلامه: أنّ الكليني وإن كان لا يورد أحياناً سنداً مزدوجاً إلى الفضل بل خصوص سند محمد بن إسماعيل إليه إلا أنه يظهر من الشيخ في المشيخة أن السند المزدوج إنما هو سنده إلى جميع روايات الفضل بقرينة أن بعض ما أورده الشيخ مبتدءاً باسم الفضل في التهذيب لا يوجد في الكافي إلا مروياً بطريق محمد بن إسماعيل فقط، فلولا أن للكليني سنداً مزدوجاً إلى جميع روايات الفضل لما كان وجه لما صنعه الشيخ من إيراد السند المزدوج إليه في المشيخة كما لا يخفى.

ولكن قد ظهر مما تقدم أن هذا كله وهم في وهم، لأن طريق الكليني إلى روايات الفضل بن شاذان ينحصر فيما يرويه عنه محمد بن إسماعيل وإن توهم الشيخ (قدس سره) خلاف ذلك في المشيخة، وعلى ذلك فلا سبيل إلى تصحيح روايات محمد بن إسماعيل عن الفضل في الكافي بالنحو المذكور، فلاحظ.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1.   منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان ج:1 ص:45.
  2.   المعتمد في شرح المناسك ج:5 ص:22. وتجدر الإشارة إلى أنه (قدس سره) قد ذكر خلافه في المعجم ج:15 ص:101، فلاحظ.
  3.  الكافي ج:1 ص:8.
  4. لاحظ معجم رجال الحديث ج:15 ص:94.
  5.  لاحظ معجم رجال الحديث ج:18 ص:449، وفيه: أن روايات الكليني عن محمد بن إسماعيل في الكافي (513) مورداً.
  6.   مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام ج:3 ص:380.
  7.  كمال الدين وتمام النعمة ص:240.
  8.  عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج:1 ص:21.
  9.  كمال الدين وتمام النعمة ص:239.
  10. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ج:2 ص:370.
  11. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ج:2 ص:374.
  12. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ج:2 ص:376.
  13. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ج:2 ص:379.
  14. كتاب الغيبة للطوسي ص:41.
  15. كتاب الغيبة للطوسي ص:162.
  16. نقل عن الأول في الكافي ج:6 ص:93، ونقل عن الثاني في موارد كثيرة منها ما في ج:7 ص:88، 90، 95، 98، 105، 116، 118، 120، 142، 145، 148، 166، 168.
  17. لاحظ ما أورده في الكافي (ج:7 ص:79) عن الفضل عن محمد بن يحيى، وفي (ص:113) عن عبد الله بن جبلة وابن محبوب، وفي (ص:136، 148) عن أبي ثابت. ولاحظ ما رواه في (ج:7 ص:10) عن يونس، وفي (ج:5 ص:384) عن محمد بن سنان.
  18. كتاب الطهارة ج:1 ص:45ــ46.
  19. معجم رجال الحديث ج:15 ص:101.
  20. لاحظ ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد ج:1 ق:1 ص:26، 34، ق:2 ص:202، 213، 270، وغيرها.
  21. البيان البديع ص:7 (مخطوط).
  22. كامل الزيارات ص:172، 174.
  23. كامل الزيارات ص:350.
  24. البيان البديع ص:8ــ9 (مخطوط).
  25. عيون أخبار الرضا ج:1 ص:21.
  26. الكافي ج:1 ص:41، 286، 437، ج:2 ص:72، 77، 152، 623، ج:5 ص:431، 525، ج:6 ص:353، وغيرها من الموارد الكثيرة.
  27. لاحظ الكافي ج:8 ص:2 ط: دار الكتب الإسلامية، ج:15 ص:7 ط:دار الحديث.
  28. لاحظ علل الشرائع ج:2 ص: 484، 577، وثواب الأعمال ص:199، والتوحيد للصدوق ص:136، والأمالي للطوسي ص:224.
  29. لاحظ الكافي ج:2 ص:161 ط:حجر، ج:6 ص:287 ط:دار الكتب الإسلامية، ج:12 ص:347 ط:دار الحديث.
  30. الغيبة للطوسي ص:428.
  31. لاحظ مجلة تراثنا العدد:15 ص:201.
  32. البيان البديع ص:10 (مخطوط).
  33. لاحظ الكافي ج:1 ص:41، 286، 290، 437، ج:2 ص:72، 77، 163، 556، 623، وغيرها من الموارد الكثيرة.
  34. لاحظ الكافي ج:1 ص:144، 145، 290، 405، 436، ج:2 ص:178، 183، 186، 196، وغيرها من الموارد الكثيرة.
  35. الكافي ج:6 ص:276 ط:دار الكتب الإسلامية.
  36. الكافي ج:12 ص:311، 347 ط: دار الحديث.
  37. لاحظ الكافي ج:1 ص:284، ج:2 ص:6، ج:3 ص:11، وغيرها من الموارد.
  38. الكافي ج:3 ص:452.
  39. جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والإسناد ج:2 ص:72.
  40. رجال الطوسي ص:392.
  41. معجم رجال الحديث ج:15 ص:123.
  42. البيان البديع ص:12 (مخطوط).
  43. اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:836..
  44. رجال الشيخ الطوسي ص:394.
  45. الكافي ج:3 ص:229.
  46. كامل الزيارات ص:319، 528.
  47. رجال النجاشي ص:278.
  48. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ص:199.
  49. البيان البديع ص:14 (مخطوط).
  50. لاحظ الكافي ج:3 ص:9، 21، 37، 44، 49، 51، 265، 304، 314، وغيرها من الموارد.
  51. لاحظ الكافي ج:1 ص:206، 374، ج:2 ص:76، 462، ج:4 ص:582، ج:5 ص:496، وغيرها من الموارد.
  52. لاحظ الكافي ج:2 ص:256.
  53. لاحظ الكافي ج:1 ص:338.
  54. ترتيب أسانيد كتاب الكافي ج:1 ص:116. معجم رجال الحديث ج:21 ص:178.
  55. البيان البديع ص:14 (مخطوط).
  56. لاحظ الكافي ج:6 ص:236.
  57. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ج:22 ص:20.
  58. لاحظ الكافي ج:1 ص:464، ج:3 ص:31، ج:4 ص:213، 255، ج:5 ص:166، ج:7 ص:431.
  59. البيان البديع ص:41 (مخطوط).
  60. تأويل الآيات الباهرة في العترة الطاهرة ج:2 ص:550، 677.
  61. لاحظ الكافي ج:2 ص:344.
  62. لاحظ الكافي ج:4 ص:520.
  63. لاحظ الكافي ج:3 ص:21.
  64. ومثله ما وقع في متن التهذيب (ج:7 ص:6 ح:19)، فلاحظ.
  65. تهذيب الأحكام (المشيخة) ج:10 ص:47.
  66. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ج:4 ص:307.
  67. لاحظ الكافي ج:1 ص:409، ج:2 ص:662، ج:3 ص:63، ج:4 ص:262، وغيرها من الموارد.
  68. تجدر الإشارة إلى أنه (قدس سره) لم يقع في مثله في متن التهذيب إلا في مورد واحد أشير إليه في هامش سابق، وأما في سائر الموارد فيعدّ السند مزدوجاً إلى من بعد الفضل بن شاذان.
  69. قال في معرض تعليقه على ما يظهر من كلام الكليني في مقدمة الكافي من اشتمال كتابه على خصوص الروايات الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام أنه يحتمل أنه أراد بالروايات الصحيحة خصوص ما هي معتبرة الأسانيد لا مطلق ما حصل له الوثوق بها وإن كانت ضعيفة السند. قال: ولا ينافي ذلك ما يُلاحظ من اشتماله على عدد وافر من الروايات الضعيفة بحسب الأسانيد المدرجة في الكتاب، لأنه يُحتمل أنه كان قد اطلع على أسانيد أُخرى لها معتبرة ولكنه لم يعتن بإيرادها جرياً على ما عُرف من طريقة المتقدّمين من عدم الاعتناء باستقصاء طرق الرواية ولا إيراد خصوص المعتبر منها، بل إيراد بعضها أياً كان لتخرج بذلك عن حدّ الإرسال. قال: ومن الشواهد على ذلك ما يُلاحظ في مرويات الكليني عن الفضل بن شاذان، فإنه روى جملة منها عن علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان، في حين روى جملة أُخرى عن محمد بن اسماعيل عن الفضل، مع أن الظاهر أن السند الأول المزدوج هو سنده إلى جميع مرويات الفضل بقرينة ما ذكره الشيخ في مشيخة التهذيبين من أن ما يُبتدأ فيه باسم الفضل بن شاذان فقد رواه بإسناده عن محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن أبيه ومحمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان، مع أن جملة من الروايات التي ابتدأ فيها باسم الفضل مما يوجد في الكافي بالسند الثاني فقط، وهذا يكشف عن أن الشيخ قدس سره قد اطلع على أن الإسناد المزدوج إلى الفضل هو سند الكليني إلى جميع رواياته لا إلى خصوص البعض منها، وبهذا الطريق يمكن تصحيح جميع روايات الفضل بن شاذان المروية في الكافي وإن ناقشنا في وثاقة محمد بن اسماعيل اهـ. ولكن أصل ما ذكره غير صحيح ولتوضيح ذلك محلّ آخر، والمقصود هنا الإشارة إلى ما توهمه ــ تبعاً للشيخ (قدس سره) ــ من كون (محمد بن اسماعيل) في قول الكليني: (علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان) عطفاً على قوله: (أبيه) ليكون الطريق إلى الفضل مزدوجاً، مع وضوح أنه عطف على علي بن ابراهيم وأن الطريق مزدوج إلى مَنْ بعد الفضل كابن أبي عمير وصفوان وحماد بن عيسى، والوجه في ذلك مضافاً إلى ما ذكر في المتن: إن ابراهيم بن هاشم معاصر للفضل ومشارك معه في الطبقة ــ إن لم يكن أسبق منه قليلاً ــ فلا يُناسب أن يروي عنه ما رواه بنفسه عمّن يشاركه فيهم من الشيوخ كما هو الحال فيما روي في الكافي بالطريق المزدوج المذكور فإن جميعه مروي عن المشايخ المشتركين لإبراهيم بن هاشم والفضل بن شاذان كابن أبي عمير وصفوان بن يحيى وحماد بن عيسى. وأيضاً إن لعلي بن إبراهيم طريقاً إلى روايات ابن أبي عمير وصفوان واضرابهما بواسطة واحدة هو والده ابراهيم، فما الذي دعاه إلى روايتها عنهم بواسطتين هما محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان، مع ما يُعرف عن المحدّثين من بالغ اهتمامهم بقلّة الوسائط وقرب الإسناد في نقل الأحاديث؟! إن قيل: لا محلّ لما ذُكر من الاستبعاد بعد ما يُلاحظ من رواية ابراهيم بن هاشم عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير في موضع من التهذيب (ج:7 ص:6 ح:19) وبعد ما ذكره الشيخ في أواخر مشيخة التهذيبين (التهذيب ج:10 ص:86) من أنه يروي ما ذكره عن الفضل بن شاذان بإسناده عن الحسن بن حمزة العلوي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن الفضل، ويرويه أيضاً عن الشريف الحسن بن أحمد المحمدي عن أبي عبد الله الصفواني عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن الفضل. قلت: أما المورد الأول المذكور في التهذيب ففيه سهو، منشؤه أن الشيخ قدس سره لاحظ سند الكليني إلى تلك الرواية، وفيه: (علي بن ابراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير) فزاغ بصره الشريف عن كلمة (جميعاً) فاعتقد أن محمد بن إسماعيل عطف على (أبيه) وأنهما معاً واسطة رواية علي بن ابراهيم عن الفضل عن ابن أبي عمير، ولذلك أورد السند على النحو المشار إليه، كما صنع نظير ذلك في المشيخة (ص:47) وقد مرّ آنفاً. وأما في السندين المذكورين في أواخر المشيخة فإن قوله: (وما ذكرته عن الفضل بن شاذان) وإن كان ظاهراً في الشمول لجميع مرويات الفضل في التهذيب، إلاّ أنه لا يبعد أن يكون نظره الشريف إلى جملة مما أورده في كتاب الفرائض والمواريث خاصة، فإن معظم مروياته في التهذيب مقتبسة من الكافي وقد ذكر سنده إليها قبل ذلك، ولكن فيما أورده في كتاب المواريث ما لم يذكر في الكافي ولا في الفقيه أو أنه قد ذكر فيهما بنحوٍ مختلف عما ذكره (لاحظ التهذيب ج:9 ص:331 ح:1192، ص:338 ح:1217، الكلام المطوّل للفضل في ص:251). ولذلك فالمظنون قويّاً أنه اعتمد في إيرادها على أحد كتابي الفضل بن شاذان في الفرائض اللذين ذكرهما في الفهرست، وأن ما ذكره من الأسانيد في أواخر المشيخة هي طرقه إلى ذلك الكتاب أو إلى كتب الفضل عامة. وينبغي أن يُعلم أن الفضل بن شاذان الذي كان أبرز فقهاء الامامية ومتكلّميهم في عصره والمدافع الجلد عن أُصول المذهب وفروعه لم تكن مؤلّفاته مخصصة لنقل الأحاديث ـ ليستغني معاصره المحدث الكبير ابراهيم بن هاشم عن روايتها عنه ـ بل كانت مشتملة على الاحتجاجات والمناقشات المعمّقة مع أصحاب المذاهب الأُخرى، ويتمثّل ذلك في المقاطع المنقولة عنه في الكتب الأربعة وغيرها، ومن هنا فلا غرو في أن يروي ابراهيم بن هاشم كتب الفضل عنه بالرغم من كونه معاصراً له. وبالجملة: إن المستغرب هو أن يروي ابراهيم بن هاشم عن الفضل ما رواه من كتب مشايخه ورواياتهم مما رواها ابراهيم نفسه عنهم كما هو الحال بالنسبة إلى كتب ابن أبي عمير وصفوان وحماد ومروياتهم، وأما إن يروي عن الفضل كتبه ومؤلفاته فليس فيه ما يثير الاستغراب ولا ينافي ما تقدم. (بحوث فقهية ص:262 وما بعدها).
  70. أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق ج:2 ص:454.
  71. لاحظ معجم رجال الحديث ج:16 ص:99 ط: الخامسة.



علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)