أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-09-2014
4842
التاريخ: 2023-08-30
1156
التاريخ: 8-6-2022
1643
التاريخ: 16-6-2022
1643
|
اتحاد المريد والإرادة
إن الإنسان الذي يتحرك في مسير العلم والإرادة في البداية يتحرك بعلوم ونيات، وبالتالي صفات وتكون بالنسبة إليه (حالا) وهذا الحال قابل للزوال بسرعة كطعم عذوبة الماء المؤقت العابر، ولكن على أثر الاستمرار والمواصلة الدائمة تصير هذه الصفات ملكه له كحلاوة العسل الثابتة والطويلة الأمد.
والمحققون في أي تخصص علمي على أساس (اتحاد العالم والمعلوم)(1) وبعد الفهم العميق لمعارف ذلك التخصص يتحدون مع تلك المعارف.
والنية والإرادة بهذا النحو أيضا، فالإنسان يتحد مع نياته وإراداته، وعلى هذا الأساس يحشر الناس يوم القيامة طبقة لنياتهم: "إن الله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة"(2). وليس طبقا للأعمال المنفصلة عنهم، وما يرتبط بالنفس هو النية والإرادة، التي هي إما حسنة أو قبيحة.
والنية الصحيحة والمقبولة، أي الإخلاص، تكون فيها صعوبة بالغة، ولا شيء أشد صعوبة في العمل من نيته(3) "أفضل الأعمال أحمزها"(4)، "نيه المؤمن خير من عمله"(5).
وهذا العمل الأفضل هو الذي تصنعه روح الإنسان بحركتها وتتحد معه ويوم القيامة يحشر الإنسان أيضا على نفس تلك الهيئة.
إذن فعلى أساس "لكل امرئ ما نوى"(6)، "إنما الأعمال بالنيات"(7) وكذلك حشر الإنسان في القيامة وفقا لنيته، فإن النية التي هي روح العمل تتحد مع روح الإنسان، وفي البداية تظهر للإنسان في مستوى (الحال المعرض للزوال، ولكن في النهاية سوف تكون له ملكة ثابتة.
والقرآن الكريم يتحدث حول المجرمين الذين ترسخت في نفوسهم الملكات السيئة فيقول: إن إنذارهم وعدم انذارهم سواء: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] ، وهم بأنفسهم يقولون بصراحة لنبي الله إنا لا نتأثر أبدأ بمواعظك: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ } [الشعراء: 136].
ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) حول المؤمنين الذين ترسخت الملكات الحسنة في نفوسهم: "لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني"(8).
ملاحظة: يقول القرطبي في تفسير آية {اهدنا الصراط المستقيم}
في هذه الآية رد على القدرية والمعتزلة والامامية، لأنهم يعتقدون أن إرادة الإنسان كافية في صدور أفعاله منه، طاعة كانت أو معصية؛ لأن الإنسان عندهم خالق لأفعاله، فهو غير محتاج في صدورها عنه إلى ربه. وقد كذبهم الله تعالى في هذه الآية، لأن الإنسان يسأل الله الهداية إلى الصراط المستقيم ...(9).
وهذا الكلام وإن كان يمكن تبريره بالنسبة إلى المفوضة والمعتزلة، لكن بالنسبة إلى الامامية الاثني عشرية القائلين بالاختيار والمنزله الوسطى بين الجبر الأشعري والتفويض المعتزلي، فهذا الكلام لا يمكن تبريره أبد، وما هو إلا افتراء محض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. لأجل إدراك أي شيء خارجي تتحقق ستة عناصر، أربعة منها خارجة من دائرة بحث اتحاد العالم والمعلوم، مثلا عندما يدرك الإنسان حقيقة الشجرة ادراكا صحيحا، فالشجرة التي توجد في العالم العيني خارج الذهن لها (وجود) و (ماهية). والإنسان
المدرك لها أيضا له (وجود) و (ماهية)، والصورة العلمية الموجودة في النفس المدركة أيضا لها (وجود) و (ماهية).
وخلاصة القول هي ان كلا من المدرك والمدرك والصورة الإدراكية لها وجود وماهية. ومن هنا فإن الإدراك تتحقق فيه عناصر ستة. ومن هذه العناصر الستة يخرج وجود وماهية المدرك وهي (الشجرة الموجودة في العالم الخارجي) عن بحث اتحاد العالم والمعلوم حيث انها خارجة عن نفس المدرك، كذلك تخرج من البحث ماهية المدرك وماهية الصورة الإدراكية، لأن الماهية من سنخ المفهوم والأمر الخارجي لا يتحد مع المفهوم. إذن فالذي يبقى من العناصر الستة هو (وجود العالم) و(وجود العلم) فيتحدان فيما بينهما وهذا هو معنى كون الإنسان فكرة (يا أخي أن حقيقتك هي الفكر) يعني انك هذا الفهم (لا المفهوم). والإنسان كلما أدرك و فهم شيئا فإنه يصير نفس ذلك الفهم وليس نفس ذلك المفهوم، فمن عرف الشجرة معرفة صحيحة فإنه لا يتحد بماهيتها بل يتحد مع العلم بالشجرة.
2. البحار، ج67، ص 209. يحشر بعض الناس في القيامة على هيئة الحيوانات، وحشرهم في هذه الهيئة لا يعني ان سيرتهم انسانية وصورتهم حيوانية، بل انهم تحولوا الى حيوان حقيقة، لأن الطريقة الخاصة بالمشي لدى الحيوان والإنسان (الحركة على اثنين أو أربع) ليست مقومة ذاتية لهما، بل هي أمر ظاهري وعرضي، لأن الإنسان لو كان كالفرس يمشي على أربع لبقي إنسانا، والفرس لو كان يمشي على اثنين لبقي فرسا. فإنسانية الإنسان بنفسه الناطقة وتشبيه الكفار بالأنعام في القرآن الكريم: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179] ليس مجازا وليس لأجل اهانتهم و توبيخهم، لأنه أولا: القرآن كله أدب ولطف وهو لا يتجنب في كلامه الشتم فحسب بل هو ينهى غيره عن السب والشتم حتى ولو كان الأصنام المشركين: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الأنعام: 108] ، بل ان الكفار حقا كالأنعام أو أدنى من ذلك لأن عقلهم أسير بيد شهوتهم وغضبهم .
وثانيا: ان الحيوانات ليست مجرمة حتى يهين الله الكفار بتشبيههم بها. فالله سبحانه قد هدى الحيوانات جميعها بهدايته التكوينية إلى الصراط المستقيم: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 56] كذلك اطرى عليها اطرا جميلا ووصفها بأنها مظهر الجمال: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل: 6]. فهذا التشبيه لبيان الحقيقة الخافية عن أنظار بعض الناس، فالإنسان الذي يتحرك وفقا لشهوته وبطنه ويسخر علمه وإرادته لشهوته فهو بلحاظ الهيئة والسلوك كالحيوان الذي يمشي على بطنه: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} [النور: 45]. وعليه فإن حشر الإنسان على هيئة الحيوان طبقا للمباني القرآنية والعقلية هو أمر واقعي وليس كلاما مجازيا وشعريا.
3. يقول الشيخ البهائي : أن الأمر الذهني الذي نحسبه (نية العبادة) هو (نية) بالحمل الأولي، وهو (غفلة) بالحمل الشائع، أي أن اسمه وعنوانه نية، لكن روحه وحقيقته مصداق من مصادیق الغفلة، لأنه لو كان هذا نية لما كانت أفكارنا في الصلاة مبعثرة و متشتتة بهذا النحو. النية الحقيقية هي انبعاث وتحليق الروح وتركها التعلق، فإذا تمكن المصلي عند الصلاة أن ينقطع عن الطبيعة، فعندها تتحقق النية الواقعة، وإلا فان الإنسان الذي لايزال باقيا في محله السابق في حال العبادة ولم يهاجر فإنه لم يتقرب، فالتقرب الذي يحصل بالتحليق عن الطبيعة عمل صعب ولهذا وصف بأنه أفضل الأعمال) (أربعين الشيخ البهائي، بحث النية).
4. البحار، ج67، ص 191.
5. نفس المصدر، ص190.
6. البحار، ج 17، ص 210.
7. نفس المصدر السابق.
8. نهج البلاغة، الحكمة 45.
9. الجامع لأحكام القرآن، ج 1، ص 145.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|