الإنسان الكامل متحقّق بالولاية المطلقة لله
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص69-71
2025-12-18
54
بعد أن بلغ الإنسان مقام الفناء التامّ، وتيسّر له الفناء في الذات، والصفة، والاسم، والفعل، وطوى أسفاره الأربع. الأول: السَّفَرُ مِنَ الْخَلْقِ إلى الْحَقِّ؛ والثاني: السَّفَرُ في الْحَقِّ بِالْحَقِّ في الأسماء والصفات مع الحق؛ والثالث: السَّفَرُ مِنَ الْحَقِّ إلى الْخَلْقِ بِالْحَقِّ؛ والرابع: السَّفَرُ في الْخَلْقِ بِالْحَقِّ، فإنّه يصبح إنساناً كاملًا، ويبلغ درجة كماله المطلق، وتبلغ جميع القوى والقابليّات الإلهيّة المودعة في وجوده مقام الفعل المحض، ويكون إنساناً بالفعل، ويصبح مرآة مَجْلُوَّة لصفات الجمال والجلال والذات الأحديّة، وتكتمل ولايته، أي أنه يصبح وليّاً مطلقاً بالولاية الإلهيّة الحقّة. إذَن، يكون مع جميع الموجودات بولاية الحقّ تعالى، ويتصرّف في كافّة الامور بإذن الله، لأنّ هذا ما يلازم مقام الولاية المطلقة.
بل أنّ الولاية المطلقة للحقّ سبحانه وتعالى ليست شيئاً غير هذه الولاية. وفي ضوء هذا الأساس، يقول جلّ من قائل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}.[1]
وهذه هي الدرجة العليا من القوام الإنسانيّ، وهي صلاحيّته وفقاً لخلقه، للعروج إلى الرفيق الأعلى، والظفر بالحياة الأبديّة السرمديّة عند الله، والتحقّق بأسمائه عزّ وجلّ وصفاته الكلّيّة.
ومن هذا المنطلق يقول الله أيضاً: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها}.[2]
وهذا هو معنى خليفة الله؛ ومؤدّى الحديث الشريف المأثور عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم: خَلَقَ اللهُ آدَمَ على صُورَتِهِ.[3]
وفي مقام هذا الإنسان ومنزلته ومرتبته ودرجته، يقول الإمام جعفر ابن محمّد الصادق عليهما السلام: "أنّ الصُّورةَ الإنسانِيَّةَ هِيَ أكْبَرُ حُجَّةِ اللهِ على خَلْقِهِ؛ وهِيَ الْكِتَابُ الذي كَتَبَهُ بِيَدِهِ؛ وهِيَ الْهَيْكَلُ الذي بَنَاهُ بِحِكْمَتِهِ؛ وهِي مَجْمُوعُ صُورَةِ الْعَالَمِينَ؛ وهِيَ الْمُخْتَصَرُ مِنَ الْعُلُومِ في اللَّوحِ الْمَحْفُوظِ؛ وهِي الشَّاهِدُ على كلّ غَائِبٍ؛ وهِيَ الْحُجَّةُ على كلّ جَاحِدٍ، وهِيَ الطَّريقُ الْمُسْتَقِيمُ إلى كُلِّ خَيْرٍ؛ وهِيَ الصِّرِاطُ الْمَمْدُودُ بَيْنَ الْجَنَّةِ والنَّارِ".[4]
ومن هذا المنطلق أيضاً، تميّز الإنسان بوقوع الملائكة ساجدين له؛ وفاق في مقامه ومنزلته جمع الملائكة،[5] وبلغ الحجاب الأقرب الذي يمثّل أقرب الموجودات وهو الروح- وهو أعظم من الملائكة- ولهذه المناسبة
يقولون لحقيقة الإنسان: روح الإنسان، لأنه قابل للوصول إلى مقام الروح، وإلّا فإنّ الروح ليست اسماً وعَلَماً لحقيقة الإنسان.[6]
يقول السيّد حيدر الآمليّ: وصاحب هذا المقام هو مرجع الكلّ، ومبدؤه ومصدر الكلّ ومنشؤه.
هوالمبدأ وإليه المنتهى المعبّر عنه: لَيْسَ وَراءَ عَبَّادَانَ قَرْيَةٌ.[7] وإليه تستند كلّ العلوم والأعمال؛ وإليه تنتهي جميع المراتب والمقامات، نبيّاً كان (صاحب هذا المقام) أو وليّاً أو وصيّاً أو رسولًا.
[1] الآية 4، من السورة 95: التين.
[2] الآية 31، من السورة 2: البقرة.
[3] «جامع الأسرار» للسيّد حيدر الآمليّ ص 135.
[4] «جامع الأسرار» ص 383، وذكر في «تفسير الصافي» ذيل ذلك الكلام في ص 55، طبع المكتبة الإسلاميّة
[5] راجع الجزء الأوّل من كتاب «معرفة المعاد»، المجلس الأوّل.
[6] لقد نقلنا في كتابنا «مهر تابان» (الشمس الساطعة) مواضيع نفيسة عن العلّامة الطباطبائيّ رضوان الله عليه حول معني الروح وأفضليّتها على الملائكة. (القسم الثاني- رقم التسلسل- 240- 241).
[7] مثل معروف في إيران.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة