أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-13
1003
التاريخ: 2023-06-06
833
التاريخ: 2023-09-10
783
التاريخ: 2-6-2016
2322
|
غالبًا ما يكون تأثير القمر الصناعي «سبوتنيك» على الرأي العام الأمريكي مبالغا فيه؛ فقد استخدم مُؤرّخون مشهورون كلماتٍ مثل «ذعر»، و«هستيريا»، و«خوف» لوصف تأثيره. أما الدراسات الحديثة، فهي لا تُؤيد ذلك. ترك هذا الإنجاز انطباعًا لدى كثير من الأمريكان، لكن كثيرين أيضًا لم يُلقوا له بالا على الإطلاق إلَّا أنَّ الصحافة والسياسيين سرعان ما هاجموا إدارة أيزنهاور لإعطائها السوفييت هذا الانتصار الرمزي. 7 وصار الإعلام يتشدق بأن الرئيس عجوز طيب يُفضّل لعب الجولف على الحكم. وآثر الرئيس الإبقاء على تدخله العميق في اتخاذ قرارات الحرب الباردة سرا، وذلك جزئيا لكي يحمي أجندته السرية، مثل استراتيجية المراقبة الجوية وكذلك مهام الاستطلاع الخطيرة بطائرات «يو- 2». هذه الرحلات الجوية، رغم كونها محدودة، أوضحت أنه بخلاف ما كان شائعًا عن وجود «فجوة قاذفات» ثم بعدها «فجوة صواريخ»، كان العكس صحيحًا؛ فقد كانت الولايات المتحدة متقدمة عن الاتحاد السوفييتي في كل فئات الأسلحة النووية. ولكنَّ جَهْلَ ناقديه بهذه المعلومات أتاح لهم الفرصة لنقد إحجامه عن تشجيع التقدم في سباق التسلُّح والفضاء. ومع ذلك، كانت أجندات النقاد كثيرًا ما تتعارض مع أجندته. كان الجيش والقوات الجوية مُنافسين لَدُودَين في تطوير الصواريخ الباليستية، وانتقلت هذه المنافسة فورًا إلى سباق الفضاء. وطالب كلاهما بأحقيتهما في إدارة البرنامج في المستقبل، في حين طالبت البحرية بأحقيَّتِها في الحصول على جزء من الكعكة.
أثار رد فعل الصحافة العالمية مفاجأة القادة السوفييت كذلك. احتوت الجريدة الرسمية مقالةً صغيرة في اليوم التالي للإطلاق، ولكن في السادس من أكتوبر كانت ثمة عناوين ضخمة بينما تنهمر التهاني الدولية. وأراد رئيس الحزب الشيوعي نيكيتا خوروشوف، الذي اعتلى سُدَّةَ الحُكم بعد وفاة ستالين في 1953، تحقيق إنجاز مشهود آخر في الفضاء للذِّكرى الأربعين للثورة البلشفية في مستهل نوفمبر. أرسل فريق كوروليف كلبًا إلى الفضاء، في مقصورة مجهزة من أجل رحلات الفضاء دون المدارية. وفي الثالث من نوفمبر، انطلق القمر الصناعي «سبوتنيك 2» وعلى متنه الكلبة لايكا، كلبة ضالة التُقطت من شوارع موسكو. وللأسف ذُعِرَت الكلبة المسكينة وماتت من جراء الحرارة الشديدة، ولكنَّ السوفييت كذبوا بشأنها لمدة أسبوع قبل أن يدَّعوا قتلها قتلا رحيما. مرة أخرى، أثار حجم القمر الصناعي الضخم، 1121 رطلًا، وهو ما يبلغ أضعاف وزن «سبوتنيك 1» البالغ 184 رطلًا، إعجاب الجميع، كما أعطى للسوفييت الحق في ادعاء تحقيق أول اختبار ناجح للصواريخ الباليستية العابرة للقارات في أواخر أغسطس. 8
فاقم النجاح الثاني للاتحاد السوفييتي ما أطلق عليه المؤرخ والتر ماكدوجال «الشعب الإعلامي» في أمريكا حول الإحراج الملحوظ الذي تتعرض له أمريكا. ورُويدًا رويدا تحوّل الرأي العام الأمريكي إلى الغضب والقلق ونقد الإدارة الأمريكية. وزاد التهديد السوفييتي باستخدام الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، رغم أنه كان على بعد سنوات من التنفيذ، شعر الأمريكان بالضَّعف. وكان خروتشوف سعيدًا بتغذية هذا الخوف بالتفاخُر بالصواريخ السوفييتية وبقدرات السوفييت الفضائية. ما زاد الطين بلة، في السادس من ديسمبر، سقوط صاروخ «فانجارد» يحمل قمرًا صناعيا مصغَرًا على منصة الإطلاق، مُحدِثًا انفجارًا مدوّيًا على التليفزيون الوطني. عند هذه اللحظة، نجح الجيش في الحصول على موافقة على مشروعه الثاني المستند إلى «جوبيتر-سي». جاء صاروخ ريدستون وتوجيه المشروع من فريق فون براون في هانتسفيل، في حين أدار مراحل الوقود الصلب العليا والقمر الصناعي مختبر الدفع النفاث في كاليفورنيا. في 31 يناير 1958، أصبح للولايات المتحدة أخيرًا قمر صناعي في المدار؛ وسمَّاه الجيش «إكسبلورر 1»، وتبعه «فانجارد» في أول نجاح مداري له بعد ستة أسابيع. 9 في الوقت الذي تناحرت فيه قوات الجيش على برنامج الفضاء، أقرَّ كلٌّ من الرئيس الجمهوري وقائد الأغلبية في مجلس الشيوخ الديمقراطي ليندون جونسون، الحاجة إلى هيئة مدنية للقيام ببعثات علمية وسلمية. وكانت المرشحة الأولى لهذا العمل هي اللجنة الاستشارية الوطنية للملاحة الجوية (التي تُعرَف اختصارًا بـ NACA) وهي عبارة عن منظمة حكومية للأبحاث تأسست في عام 1915، وتقع أكبر مراكزها في فيرجينيا وأوهايو وكاليفورنيا. وفي نهاية يوليو، وقع الرئيس على مُذكَّرة إنشاء الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء التي تُعرَف اختصارًا بـ NASA أو (ناسا) من رحم NACA، بالإضافة إلى جماعة «فانجارد» في معمل أبحاث البحرية الأمريكية وبعض مشروعات الفضاء الخاصة بالجيش والقوات الجوية. رحب مُختبر الدفع النفّاث الخاضع للتوجيه الأكاديمي، الذي كانت تديره كالتيك، بأن يتخلى عن الجيش لصالح وكالة ناسا بمجرد أن بدأت الوكالة ممارسة نشاطها في 1 أكتوبر 1958. لكن فون براون وقائده في هانتسفيل قاوموا محاولة نقل نصف فريقه الذي انحل، مخافة عواقب حدوث انفصال في مشروع صاروخ «جوبيتر» وغيره من المشروعات. وأخيرًا أصدر أيزنهاور أمرًا بالنقل بعد سنة، عندما أمكن استيعاب كل أعضاء فريق فون براون. 10
كان إنشاء هيئة مدنية هو الحل الأمريكي أثناء الحرب الباردة للتحديات التنظيمية، وأيضًا السياسية، في السباق السريع الاحتدام. أبرزت الأقمار الصناعية السوفييتية «سبوتنيك» قيمة إنجازات الفضاء في تحقيق المكانة والتدليل على القوة العلمية والتكنولوجية. وقد كان انفصال الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية، وخاصة بريطانيا وفرنسا في أفريقيا وآسيا سياقًا مهما كان ثمَّة دول جديدة تتشكل كل عام، والحركات الثورية القومية غالبًا ما تنظر إلى الاتحاد السوفييتي والصين باعتبارهما نموذجين للتطور. كانت إنجازات الفضاء السوفييتية بمثابة إعلان مدو للتفوق المزعوم للاشتراكية على الرأسمالية. وكانت الدعاية الشيوعية تنتقد أمريكا والغرب بلا هوادة على العسكرية والإمبريالية. ولذا فإنَّ إنشاء هيئة فضاء مدنية وعلمية تنطوي شروط تأسيسها على التعاون الدولي، سوف تُصدّر صورةً أمريكية إيجابية للحلفاء في أوروبا الغربية وغيرها. كما أنَّ إنشاء ناسا جعل الولايات المتحدة تبتكر فئة نشاط الفضاء المدني، في الوقت الذي كانت فيه القوات المسلحة هي الوحيدة، حتى ذلك الوقت، التي تملك التكنولوجيا القادرة على القيام برحلات الفضاء. 11
ضلل إنشاء وكالة ناسا الكثير لِيَظنُّوا أنها تُدير «برنامج» الفضاء الأمريكي. في السنوات الأربع الأولى بعد «سبوتنيك»، وضعَتِ الحكومة الأمريكية فعليا ثلاثة برامج فضاء. كان الأول الجهد المدني الذي توجهه وكالة ناسا. أما الثاني فهو البرنامج العسكري الذي تُسيطر عليه القوات الجوية الأمريكية، بعد أن فقد الجيش والبحرية معظم خبراء الفضاء التابعين لهم لصالح ناسا وظهرت نظم الاستطلاع والاتصالات والملاحة الجوية وغيرها من نظم الأقمار الصناعية العسكرية في هذه الفترة، وواصلت القوات الجوية الأمريكية حلمها بإرسال مركبات فضائية تحمل طيارا، حتى بعد أن سُلِّمَت ناسا مهمَّة إرسال إنسان للمدار. أما برنامج الفضاء الأمريكي الثالث فكان برنامج الاستخبارات، وكان مُرتبطًا ارتباطًا وثيقًا مع البرنامج العسكري، ولكنه كان منفصلًا عنه تنظيميا. وبدأ البرنامج بمشروع سري للغاية لقمر صناعي استطلاعي للتصوير من الفضاء وإعادة الفيلم إلى الأرض وأُطلق عليه «كورونا»، وقد فصله أيزنهاور في بداية 1958. وعلى غرار البرنامج الموازي له، «يو-2»، كان من المفترض أن يجري توجيه هذا القمر الصناعي بالتعاون بين القوات الجوية ووكالة الاستخبارات المركزية وأسهمت البحرية بعد ذلك بالأقمار الصناعية الأولى لاستخبارات الإشارات. في 1961، أُضفيَت الصفة الرسمية على هذا البرنامج وسُمِّي مكتب الاستطلاع الوطني (الذي عُرِف اختصارًا باسم NRO)، وظلَّ هذا الاسم نفسه سريًّا حتى 1992 وكان يُصنع ويُشغل أقمارًا صناعية للتجسس، بالتعاون الوثيق مع القوات الجوية، ولكنه كان يُسلّم ما يصل إليه من نتائج إلى الوكالات الاستخباراتية. عملت وكالة ناسا أيضًا عن قُرب مع وكالة الاستخبارات المركزية ومع القوات العسكرية، لا سيما فيما يختص بالاستخبارات حول برنامج الفضاء السوفييتي، وتكنولوجيا أجهزة الاستشعار ومركبات الإطلاق، ولكنها أخفت جزءًا كبيرًا من هذا التعاون وراء جدار التصنيف لتحمي صورتها كوكالة سلمية. 12
لم يشعر السوفييت أبدًا بحاجتهم إلى إنشاء وكالة مدنية، حتى وإن كانت واجهة. وكان برنامجهم عسكريًا خالصًا، ولكنه مُحاط بأعلى درجات التكتم والسرية. فصل خروتشوف فرق الصواريخ الباليستية عن الجيش، وأنشأ سلاحًا مُنفصلًا، أسماه قوات الصواريخ الاستراتيجية، لتنفيذ كافة عمليات الإطلاق للفضاء وابتكرت التكنولوجيا مصانع ومؤسسات ومكاتب تصميمات عسكرية التوجيه مثل مكتب التصميمات «أوه كي بي-1» الخاص بكوروليف واختارت القوات الجوية أول دفعة من رواد الفضاء ودربتهم في 1960. وبالنسبة إلى العالم الخارجي، كانت أكاديمية العلوم السوفييتية هي صاحبة البرنامج؛ ولكن في الحقيقة لم تتدخّل الأكاديمية إلا في التجارب العلمية، على الرغم من أنَّ قيادة الأكاديميين كان يمكن أن تحظى بمكانة مرموقة في سياسات السوفييت الداخلية.
كان سباق الفضاء في البداية يُقاطعه بين الحين والآخر إنجازات سوفييتية مُذهلة تلقي الظل على أفضلية أمريكا في قطاعات أخرى. ففي 1959، حلق القمر الصناعي السوفييتي «لونا 1» بالقُرب من القمر، وأصبح أول آلةٍ من صنع البشر تهرب من تأثير الأرض، وهبط «لونا 2» على سطح القمر، والتقط «لونا 3» صورًا أولية للجانب الذي لم يُرَ من الكوكب الأم. وكان أقصى ما استطاعت الولايات المتحدة عمله في ذلك الحين هو التحليق على مسافة أبعد بكثير. في 12 أبريل 1961، أصبح يوري جاجارين أول إنسان يصعد إلى الفضاء، ويتمكّن من الدوران حول الأرض دورةً واحدة على متن مركبة الفضاء «فوستوك 1»؛ وبعد أربعة أشهر، قام جيرمان تيتوف بالدوران حول الأرض لمدة يوم كامل. أما برنامج «ميركوري» الأمريكي فعانى من البطء؛ إذ قام آلان شيبارد وفيرجيل جس جريسوم برحلتين دون مداريَّتَين قصيرتين في الفترة ما بين الرحلتين السوفييتيتين. لم تنجح مساعي الولايات المتحدة في مضاهاة إنجاز جاجارين إلا عندما دار جون جلين حول الأرض في فبراير 1962. وفي يونيو 1963، أرسل الاتحاد السوفييتي أول امرأة إلى الفضاء لتدور حول الأرض، وهي رائدة الفضاء فالنتينا تيريشكوفا، في الوقت الذي قاومت فيه وكالة ناسا محاولات إرسال رائدات فضاء. 13 مع ذلك، ما لم يكن ظاهرًا للعيان هو أن الولايات المتحدة كانت متقدمة بعامين في مجال الأقمار الصناعية الاستطلاعية؛ إذ حققت إنجازاتها الأولى بحمولات استخبارات إشارات البحرية والأقمار الصناعية الاستطلاعية «كورونا» المُعَدَّة للتصوير الفوتوغرافي في ربيع وصيف 1960. كما كانت الولايات المتحدة متقدمة أيضًا علميا من حيث عمليات الإطلاق الأكثر عددًا والحمولات الأكثر فاعلية. ولكن كان من الصعب أن يُدرك المرء ذلك من ردود أفعال الصحافة بعد كل انتصار سوفييتي.
قاوم الرئيس أيزنهاور زيادة الدين الوطني وحجم الحكومة، إلا أنه لم يستطع أن يقف أمام نمو برامج الصواريخ والفضاء، بسبب الضغط الشعبي والسياسي من أجل مواكبة السوفييت في سباقي الأسلحة والفضاء. تنحى الجنرال السابق برتبة خمسة نجوم عن منصبه مُندِّدًا بـ «المجمع الصناعي العسكري» وبنخبة الخبراء الذين حاولوا ترويج مشروعات باهظة التكاليف، كما فعل فون براون. وعلى النقيض، تولى جون إف كينيدي الرئاسة في يناير 1961، جُزئيًّا بفضل التشدُّق المتواصل بـ «فجوة الصواريخ» والقصور الأمريكي في مجال الفضاء.
هوامش
(7) Kim McQuaid, “Sputnik Reconsidered: Image and Reality in the Early Space Age,” Canadian Review of American Studies 37 (2007): 371– 401; McDougall, … the Heavens, 141–156.
(8) Siddiqi, Challenge to Apollo, 167–174.
(9) McDougall, … the Heavens, 141–156; Neufeld, Von Braun, 311–323.
(10) Michael J. Neufeld, “The End of the Army Space Program: Interservice Rivalry and the Transfer of the Von Braun Group to NASA, 1958- 1959,” Journal of Military History 69 (July 2005): 737–758.
(11) On applying economic signaling theory to the space race, see MacDonald, The Long Space Age, 7–11, 160–206.
(12) Dwayne A. Day, John M. Logsdon, and Brian Latell, eds., Eye in the Sky: The Story of the Corona Spy Satellites (Washington, DC: Smithsonian Institution Press, 1998); James E. David, Spies and Shuttles: NASA’s Secret Relationships with the DoD and CIA (Gainesville: University Press of Florida, 2015).
(13) Margaret A. Weitekamp, Right Stuff, Wrong Sex: America’s First Women in Space Program (Baltimore, MD: Johns Hopkins University Press, 2004).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|