أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-2-2022
1149
التاريخ: 2023-06-07
1098
التاريخ: 2023-06-04
1082
التاريخ: 14/12/2022
1156
|
فنون المقال
سبق لنا القول في كتاب "الصحافة والادب في مصر " (1) : للغة التي تستخدم في الكتابة مستويات ثلاثة، وهي:
المستوى الادبي وهو المستوى الذي يقف فيه الادباء للتعبير عن عواطفهم ومشاعرهم وتجاربهم الإنسانية بوجه عام، ولهم في هذا التعبير طرائق شتى تختلف باختلاف الاشخاص، واختلاف العصور، واختلاف البيئات، والمستوى العلمي: وهو المستوى الذي يقف فيه العلماء ليعبروا عن الحقائق العلمية؛ سواء أكان ذلك في العلوم الكونية، أم التاريخية، أم الادبية، وهم في هذا التعبير يلتزمون لغة تمتاز بالوضوح، واستخدام الالفاظ التي تكون على قدر المعاني، واصطناع المصطلحات التي اتفق عليها أهل كل علم من هذه العلوم على حدة. ومعنى ذلك أن العلم مادته الحقائق وحدها، في حين أن الادب مادته العواطف والصور والاخيلة؛
والمستوى العلمي: وهو المستوى الذي يقف فيه الصحافي لينقل للناس أخبار البيئة التي يعيشون فيها، والبيئات التي يتصلون بها، وليقوم للناس بتفسير هذه الاخبار في أثناء نقلها، وبعد نقلها، وذلك عن طريق التعليق عليها، والاستنارة بآراء الممتازين من القراء في بعضها. والصحافي في سبيل هذه الغاية وهي كتابة الاخبار والتعليق عليها يستخدم لغة عملية يفهمها القراء، ولا يشترط فيها ما يشترط في لغة الادب من خيال أو جمال، أو ما يشترط في لغة العلم من دقة بالغة في تحديد معاني الالفاظ.
ولعلنا حين نمعن النظر في تاريخ الكتابة الفنية، في أية أمة من الامم، نجد أنها تمر بالمستوى الادبي أولاً، فالمستوى العلمي ثانياً، فالمستوى الصحفي في نهاية الامر: ففي الاول تكون الكتابة ذاتية لأنها أدبية، وفي الثاني تكون الكتابة موضوعية لأنها علمية، وفي الثالث تكون الكتابة عملية لأنها صحفية. حدث هذا في أوربا، فظهرت الكتابة الذاتية أو الشخصية عند الكاتب الفرنسي مونتاني " 1533 – 1592 "، ثم ظهرت المقالة الموضوعية عند الكاتب الإنجليزي بيكون " 1561 – 1636 "، وأخيراً ظهرت المقالة الصحفية بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة على أيدي كتاب كثيرين، مثل الكاتب الإنجليزي "ديفو" و "ستيل" وغيره من كتاب القرن الثامن عشر الذين أدركوا الفروق بين هذه المستويات الثلاثة التي تحدثنا عنها، وقدروا إذ ذاك ان الصحافة جعلت لمخاطبة "رجل الشارع" ولتوجيهه، ولتثقيفه ولتسليته، وإمتاعه، ومن أجل هذا أثر عن "ديفو" أنه قال كلمته المشهورة:
"إذا سألني سائل عن الاسلوب قلت إنه الذي إذا تحدثت به إلى خمسة آلاف شخص ممن يختلفون اختلافاً عظيماً في قدراتهم العقلية باستثناء البله والمجانين فإنهم جميعاً يفهمون ما أقول".
وإذا صح هذا الذي نقوله الآن فإننا نستطيع أن نقسم المقال في جملته إلى ثلاثة أقسام هي: المقال الادبي، والمقال العلمي، والمقال الصحفي.
وننظر في كل قسم من هذه الاقسام الرئيسية فنرى أنه ينقسم كذلك إلى أنواع وأشكال:
فمن أنواع المقال الادبي على سبيل المثال المقال الوصفي أو العرضي، والمقال النزالي، والمقال النقدي، والمقال الكاريكاتوري، والمقال القصصي، والمقالات التي على شكل رسائل بين المحرر وقرائه، والمقالات التي على شكل مذكرات أو اعترافات، والمقالات التي على شكل خواطر وتأملات، وهكذا.
والمقال العلمي كذلك أنواع تختلف باختلاف المادة العلمية التي يخوض فيها الكاتب: فمقال في مادة التاريخ، وآخر في مادة الطب، وثالث في مادة الفلسفة ورابع في مادة الادب "من الناحية الوصفية لا الإنشائية" وهكذا. غير أنه يشترط في المقال العلمي إذا أريد نشره في صحيفة من الصحف أن يبذل المحرر جهداً كبيراً في تبسيطه للقارئ، وبغير هذا لا تكون للصحيفة حاجة إلى نشره، أو العناية به.
والمقال الصحفي ينقسم هو الآخر إلى أنواع منها: المقال الافتتاحي أو العمود الرئيسي، والعمود العادي، والتقرير بأشكاله المختلفة التي هي: الحديث، والتحقيق، والماجريات بأنواعها المعروفة.
إلا أننا مع هذا وذاك لا نستطيع ولو حرصنا أن نفصل فصلاً تاماً بين هذه الاقسام الرئيسة الثلاثة التي هي: المقال الادبي، والمقال العلمي، والمقال الصحفي، والسبب في ذلك أنها تتلاقى في كثير من الاحيان، وتدع الباحث المدقق في حيرة من الامر. خذ لذلك مثلاً: مقال النقد، فإنك ترى هذا الفن من فنون القول ذاتياً وموضوعياً في وقت معاً، أو بعبارة أخرى: نراه فناً وعلماً في آن واحد، له من الفن ذاتيته، وله من العلم موضوعيته.
فالنقد علم بمعنى أن له أصولاً وقواعد تنبغي مراعاتها، ولا يستطيع الناقد أن يتجاهلها بحال من الاحوال. والنقد فن بمعنى أن صاحبه في استطاعته أن يبني نقده على ذوقه الخاص، وشعوره الخاص نحو القطعة الادبية أو الفنية التي يتعرض لها النقد، ويزنها بميزانه، ويطبق عليها أصوله:
فماذا نسمي المقال النقدي إذن؟ أنسميه مقالاً أدبياً صرفاً؟ أم نسميه مقالاً علمياً صرفاً، أم ننظر إليه على أنه مزاج من المقالين؟
وبمثل هذه الطريقة في الواقع تتلاقى فنون المقال على اختلافها، ويتداخل بعضها في بعض إلى الحد الذي تصعب معه التفرقة بينها تفرقة لا تقبل الشك وقد أشرنا إلى هذه الظاهرة في مقدمة البحث.
__________________
(1) راجع الطبعة الاولى من الكتاب سنة 1955 ص12.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|