يقول تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60]

استمراراً في الآية ومن أجل رسم التحول الخاص الذي حصل لقوم يهود بعد الإنعام الإلهي وتصوير عيشهم الرغيد يقول الباري تعالى: (بعد إعطاء هذه النعمة) قلنا لهم {كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.

إن الالتفات من صورة الماضي والحكاية إلى صيغة الأمر (حيث ذكر بني إسرائيل في صدر الآية بصيغة الماضي الغائب وفي هذا القسم منها، ومن دون تكرار كلمة "قلنا"، يوجه الأمر لهم وكأنه وضعهم الآن موضع المخاطبين) . هو لجلب انتباه المخاطبين في عصر النزول واليهود في زمن النبي الأكرم (صلى الله عليه واله) وإحضار الوضع الخاص لأسلافهم في أذهانهم ليجعلهم وكأنهم حاضرون في عصر نزول القرآن وأن الخطاب الفعلي لله عزوجل موجه لهم، هذا النمط من الخطاب هو من فنون القرآن الحكيم في الإيجاز في القول والانتقاء في الكلام (1).

_____________________

1. راجع تفسير المنار، ج 1، ص327.