أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-25
1366
التاريخ: 2023-03-28
1240
التاريخ: 2023-04-19
964
التاريخ: 2023-08-24
941
|
وأما نحن، فقد كُنَّا نساير هوانا في مكافحة هذا العدو ومقاومته، نستصغر من أمره ما أرضى استصغاره شهوتنا ونحتقر من شأنه ما أقنع الاحتقار غرورنا، نحكم العاطفة حيث يجب أن يُحكَّم العقل ونعتمد على الأوهام حيث لا يجوز الاعتماد إلا على ما ثبت من الحقائق. نرى العدو يسعى جاهدًا في إعلاء شأنه. ودعم مركزه، فنعمد نحن إلى كتب التاريخ نقلب صفحاتها ونتخذ من ماضينا ما نخدر به أعصابنا، ألم نكن كلما حزبنا الأمر وتجسم لنا الهول نعيد الطمأنينة إلى نفوسنا والسكينة إلى قلوبنا، بأن نذكر أن الله جلت حكمته كتب عليهم التشرد والتفكك والانحلال؟ كُنَّا نفعل كل ذلك ونتناسى أمرًا لا وذهبت ريحهم يجوز تناسيه في معرض هذه الذكرى، ألا وهو أنَّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، كُنَّا ننسى أن الله جلت قدرته لن يدفع عنا الضر إلا إذا اتحدنا وتضافرنا في دفعه، وأنه سبحانه وتعالى لا يحب من عباده المتواكلين المتخاذلين الذين تفرق شملهم فلا يهبون هبة رجل واحد ليدفعوا عن أنفسهم خطرًا حاق بهم، وداهية تعصف بكيانهم ، لقد كُنَّا إذا ادلهم الخطب ورأينا النوائب تتجمع لتعصف بنا ننسى كل شيء إلا أننا أبناء الغطارفة الألى حملوا نبراس الحضارة عاليًا، فتحوا الفتوح وأقاموا الممالك وهزموا الجيوش، وأسسوا لهم في التاريخ اسمًا لن تمحوه العصور، في وقت كان الجهل فيه فاشيا والتخاذل سائدًا، فأما هؤلاء المشردون الذين ما سطر التاريخ لهم مجد، والذين أصبح اسمهم في العالم مُرادِفًا للذلة والمسكنة، فهل كان هؤلاء إذا قيسوا بنا ذوي خطر وشأن يُذكر ؟ وماذا تستطيع هذه الحفنة الصغيرة من شُذَّاذ الآفاق أن تفعل في خِضَم العالم العربي الذي لا ينقصه المجد التليد ولا السؤدد الماضي ولا العز القديم؛ إن من يرى في هذا النفر خطرًا يهدد كياننا كان أحد رجلين، إما متشائم قد أغرق في التشاؤُم حيث لا مجال لذلك، أو خائن قد اشتراه العدو ليشيع الوهن في صفوفنا ويبعث الشك في قلوبنا، ويجعلنا نكفر بأمجاد الماضي. هكذا سرنا في غفلتنا وأمعنا في سُباتنا، فصرنا كلما ارتفع فينا صوت يدعو إلى العمل نحمده ونكبته، أو نضيعه وسط صراخ المهوشين المشعوذين، حتى جاء وقت سكت فيه الكثيرون من عُقلاء الأمة عن الجهر بالحقائق، خوفًا من مهاجمة الجهال، وكم ذهبت نداءات المصلحين منا، ودعوات المخلصين من رجالنا صيحةً في وادٍ، فكأنما جعلنا تاريخنا مخدرًا يُسكِّن آلام الجرح ولا يُبرئه، ويبعث فينا التخاذل والاستكانة، حتى إذا أيقظنا ضجيج الحوادث من غفلتنا فاستفقنا من سُباتنا، وجدنا أن ما كُنَّا نَركن إليه وَهُمْ من الأوهام، وأنَّنا كُنَّا نبني في الهواء قصورًا، بينما كان العدو يقيم بنيانه على رواسي الجبال بالأسس العلمية الصحيحة، فقد اتخذ من مآسيه وآلامه الماضية، ومما كابد من شظف العيش وذل الاضطهاد سببًا يدعوه إلى التآخي والتكاتف وتوحيد الكلمة، والائتلاف والسير على المناهج القومية بالطرق الفنية الحديثة إن القضية الصهيونية قضية تقوم على العلم وتُشاد على المعرفة، وهي حركة عالمية يؤيدها المال اليهودي الضخم في العالم أجمع، كما أنها تُعتبر بالدرجة الأولى حركة رأسمالية استعمارية؛ لهذا نجدها قد تضافرت مع جميع القوى الاستعمارية كافةً في الدنيا، وما زالت أكبر دول العالم تُمالِئها وتسير في ركابها، أيامَ كُنَّا نائمين نحلم بالمجد الغابر ونفخر بالعز القديم ومهما كانت المتناقضات في النظام الرأسمالي قريبة الوقوع، بحيث تتراءى لنا كأنها على وشك أن تفصم العُرى وتبعد الشقة بين الأمم المستعمرة، فلا يَغرُرْنا مثل تلك الخلافات، فنطمئن إليها، آملين ألا نكتفي بإيقاع الشقاق بين الأمم وزرع البغضاء في صفوفها؛ لأن هذه المتناقضات مخدّرات يستعملها المستعمرون لاقتسام الفريسة وتوزيع الغنائم. سأبقى على صراحتي هذه مهما كانت مؤلمة، وإني لأرجو أن يكون هذا الألم دافعًا لشبابنا للقيام بواجبهم إزاء هذه الكارثة التي حاقت بالأمة العربية جمعاء، وباعثًا لنشاط أولئك الشباب الذين عليهم وحدهم يقوم اعتماد الأمة وأملها. إنّي أقول لهم إننا قد دخلنا حرب فلسطين وليس لدينا أية معلومات عن حقيقة العدو، في حين كان العدو يعلم عنا ما كُنَّا نحن نجهله عن أنفسنا، وقد كان أكثر المراقبين الدوليين الذين وفدوا إلى بلادنا من مختلف الجهات والميادين جواسيس علينا، ولقد ذهب بنا الغباء أن كُنَّا نُقدِّم إليهم أجلَّ الخدمات وأرفعها، فكنا نسمح لهم بالتجوال في أنحاء البلاد حتى في خطوطنا الأولى، وإني لأخجل من القول إنه علاوةً عما اتسمت به أعمالنا من الفوضى والاضطراب، لم يكن للأمة العربية في مكافحة الصهيونية هدف معين متفق عليه، ولا اتخذت لتحقيق أمانيها وسائل محددة مرسومة المعالم، بل كانت في جميع أعمالها تخبط خبط عشواء، ولكن العاقل مَن اتَّعظ بأخطاء الماضي، فحاول أن يجتنبها في مستقبله، فماذا ترانا فاعلين الآن وقد أصبح للصهيونيين في قلب البلاد العربية كيان إذا لم نعترف به نحن فقد اعترف به العالم بالرغم عنا، وكيف نقاوم هذه الدولة الجديدة التي تتاخم حدود أربع من الدول العربية السبع، وتجد من العالم الخارجي كل تأييد وتقدير بواسطة دعايتها المنظمة، وأموالها التي أغدقتها على من فسدت ضمائرهم، فاشترتها وسخَّرتها لمآربها، تصنع بها ما تشاء. إن هذا الخطر المميت الجاثم فوق صدورنا ليتطلَّبُ مِنَّا تغييرًا أساسيا في سياستنا وتعديلاً جوهرياً في المنهج الذي نسير عليه.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|