دور ميكانيك الكم في نشوء الحياة Role of quantum mechanics in origin of life |
1013
11:46 صباحاً
التاريخ: 2023-04-13
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-12
807
التاريخ: 2023-04-13
889
التاريخ: 2023-04-10
1292
التاريخ: 2023-12-07
678
|
- ربما تكون الفايروسات هي الكائنات الحية الأبسط تركيبًا ووظيفة، لكنها لا تتمكن من إظهار خواصها الحية إلا داخل خلايا حية؛ وعليه فهي لا تصلح أن تكون الشكل الأول للحياة القادر على التكاثر الذاتي.
- أبسط كائن حي معروف في الوقت الحاضر يتألف من خلية واحدة وهي خلية البكتيريا. وبساطة خلية البكتيريا تأتي من خلال مقارنتها مع الأحياء الأخرى المتعددة الخلايا والغاية في التعقيد مع ذلك فإن خلية البكتيريا ذاتها عالية التعقيد أيضًا؛ فهي تمتلك جدار خلية متعدّد المكوّنات وغشاءً خلويًا يتألف من طبقتي دهون وبروتينات، وتحتوي على كروموسوم بآلاف الجينات، كما تحتوي على آلاف الرايبوسومات والإنزيمات والأنواع الأبسط من البكتيريا هي المايكوبلازما التي تكون أصغر حجمًا بقطر 0.3 مكم) وتفتقد لجدار الخلية (شكل 15-8) وتعيش طفيلية داخل خلايا حية لحاجتها إلى الكوليسترول وبعض البروتينات الضرورية للنمو، كما أن بعضها يفتقد للإنزيمات اللازمة في المسارات التنفسية. مع ذلك فهي تمتلك جزيئة DNA بعدد جينات يصل إلى 500 تشفر لمثلها من البروتينات. وبذلك فهي أيضًا يصعب أن تكون الخلية البدائية التي أظهرت الحياة.
- ربما تكون المسارات الأيضية الذاتية التحفيز المتضاعفة؛ مثل مسار Acetyl CoA وFormos وCitric Acid Cycle وكيماتون وRAF قد مثلت الأشكال الأكثر بدائية لنشوء الحياة قبل الخلوية. كما يتوجب الأخذ بعين الاعتبار أن سِر الحياة لا يكمن في تعقيد المادة البيولوجية، وإنما في قدرتها على معالجة المعلومات والتضاعف
(2008 ,Davis).
- يبقى نموذج الخلية البدائية Chen atal., 2004; 2005; Adamala & Szostak, (2013a; Budin && Szostak, 2011) والمؤلف من جزيئة رايبوزايم مع مكوّنات محاطة بغشاء دهني يحتوي على ببتيدات يمكن أن يكون الأقرب إلى المتضاعف الأولي عند نشوء الحياة.
الآن يبرز السؤال الأكبر: هل أن نشوء المتضاعف الأولي الذي تطور إلى الخلية الأولية تم بالصدفة؟ الجواب سيظهر من خلال المناقشة التالية.
إذن ما هي الصدفة؟ إنها موضوع شغل الفلاسفة واحتار العقل البشري باستيعابه وهو موضوع أساسي في الرياضيات. وكان المفكر المصري المعروف محمود أمين العالم، قد نشر كتاب «فلسفة المصادفة» سنة 1969 م، وهو أطروحة الماجستير له، ناقش فيه الموضوع من جوانبه المختلفة بما فيها دور ميكانيك الكم. خلاصة رأيه أن المصادفة هي أحد الاحتمالات المتحققة، أو التي يمكن أن تتحقق من بين عدد كبير من الاحتمالات الأكثر ترجيحا للتحقق في الواقع؛ أي إن احتمالية تحقق «الصدفة» نادر أو نادر جدا عادة، مع ذلك فإنه ممكن الوقوع.
شكل 15-8: رسم تخطيطي لتركيب خلية المايكوبلازما.
وكما نعرف من تجربة الشق المزدوج أن الجسيم العابر من الشق يمكن أن يقع على نقاط عديدة على الشاشة لكن وقوعه سيكون متناسبًا مع أرجحية الاحتمال. لكن دور الديناميكا الحرارية في تسيير التفاعلات الكيميائية البدائية، ودفع المنظومة البيولوجية إلى التضاعف أو الانقسام يُبعد عامل الصدفة تمامًا. وعندما يختبر عددا هائلًا من الاحتمالات وفي بيئات مختلفة وعلى مدى ملايين السنين، فإن تحقق الحالة النادرة لا تكون صدفة؛ فقد تم تجريب (كل) الاحتمالات.
لنأخذ مثال البركة أو البركة الطينية أو الشقوق الصخرية المائية الحرارية في الينابيع البركانية، وقيعان المحيطات (أشكال 15-9 و15-10 و15-11) والتي غالبًا ما ترشح على أنها يمكن أن تكون موطن نشوء الأشكال الأولى للحياة، وهي منظومات من ماء وعناصر عديدة ومركباتٍ مختلفة لا عضوية وعضوية لا أحيائية.
شكل 15-9: من أقدم شكل للحياة المشخصة في الطبقات الصخرية البحيرة Thetis في غرب أستراليا، وهي نموات طحلبية تعود إلى 3,5 مليارات سنة. عن: Bernhard Richter /Dreamstime.
العديد من الدراسات تُرجّح أن تكون الحياة الأولى قد نشأت في مثل هذه البيئات التي بعضها أعلى من مستوى سطح البحر، والتي نشأت قبل 4 مليارات سنة نتيجة الانفجارات البركانية؛ فمياه هذه البيئات تكونت نتيجة الأمطار؛ مما يجعلها ذات تراكيز ملحية أقل من مياه المحيطات. كما أنها تتميّز بمحدودية كميات المياه فيها؛ مما يجعلها مؤهلة لأن تجمع وتركّز المركبات العضوية التي تُخفف جدًّا في مياه المحيطات، وتحول دون تراكمها (2018 ,.Milshteyn et al). وهكذا ففي أية منظومة متعددة المكونات وهذه المكونات تتحرك بصورة عشوائية، فثمة احتمالات قائمة أن يصطدم أي مكون فيها بأي مكون آخر في زمن مفتوح. ومع الزمن تتغير تشكيلات الظروف البيئية من درجات الحرارة والرطوبة والضغط وتراكيز المواد. وكذلك التأثيرات الكونية المتمثلة بالمذنبات والنيازك، والتي كانت تسقط على الأرض بمعدلات وكمياتٍ أعلى بكثير مما يحصل الآن، مع ما تحمله من مواد بما فيها المواد العضوية والحرارة الهائلة التي تُحدثها، وكذلك الإشعاعات الكونية بما فيها الأشعة فوق البنفسجية. كما تدخُل في صلب العمليات طبيعة التركيب الذري والجزيئي للعناصر، والجزيئات، والشحنات، والاستقطابية، والطاقة الحرة، وعامل التنظيم الذاتي (Self-organization)؛ كل هذا وغيره سيُنتج المركبات المختلفة، التي تم استعراض العديد منها في تجارب المحاكاة التي تم ذكرها. وأعقد مركب له أهمية كبرى في تشكيل الخلية الأولية، هي جزيئات RNA القادرة على حفظ المعلومات الوراثية، والنشاط الإنزيمي؛ أي جزيئات الرايبوزايم. الملاحظة المؤكَّدة أن جميع تجارب محاكاة ظروف الأرض البدائية في المختبر منذ تجربة Miller - Urey في بداية خمسينيات القرن العشرين حتى الوقت الحاضر، لم تنجح في تكوين منظومة متضاعفة أولية. وإن نجحت بعض التجارب في تكوين أحماض أمينية، وقواعد نووية، وسكريات بما فيها سكر الرايبوز، وأحماض دهنية تتمكّن من التشكل الذاتي بشكل غشاء دهني، إلا أن هذه التجارب تتم عادةً بتهيئة ظروف مناسبة مع تخليص النواتج المرغوبة من المركبات العرضية التي لولا ذلك لأعاقت تكوينها. إن تكوين مركبات معقدة ذات ترتيب خاص مثل جزيئات RNA يتطلب ربط إحدى القواعد النووية وهي أربعة؛ الأدنين والسايتوسين والكوانين واليوراسيل مع جزيئة سكر الرايبوز، وربط الرايبوز من الناحية الأخرى مع مجموعة فوسفات لتشكيل النكليوتيدة، وهي اللبنة الأساسية التي يجب أن تتكرر مع تغير القاعدة النووية لبناء جزيئة الـ RNA. كما أن ارتباط القاعدة النووية البيورينية (أدنين أو كوانين) يجب أن يكون بين الذرة 9 من القاعدة النووية مع ذرة الكاربون رقم واحد في جزيئة السكر، وأن ترتبط مجموعة الفوسفات مع ذرة الكاربون رقم خمسة في جزيئة السكر والنكليوتيدة التالية يجب أن ترتبط مع النكليوتيدة السابقة مع ذرة الكاربون الثالثة.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ولغرض تضاعف جزيئة الـ RNA المؤلفة من عددٍ غير قليل من النكليوتيدات يتوجب استخدام شريط RNA كقالب وانتخاب النكليوتيدات الصحيحة بالضبط لبناء الشريط الجديد. هذه المحدّدات العديدة تجري عبر انتخاب المكونات المذكورة من وسط الحَسَاء البدائي والذي يعج كما هو متوقع بمثل المواد المطلوبة والكثير غيرها من الصعب جدًّا أن تحصل مثل هذه العملية من خلال الصدفة؛ فهذه مثل أن تطلب من مجموعة كبيرة من القرود التي كل واحد منها مجهز بطابعة، ويضغط على أزرارها بشكل عشوائي طبعًا أن ينجح أحدهم في كتابة مسرحية هاملت لشكسبير مهما استمروا في ذلك، كما ذكر (2006) Lloyd في حالة مماثلة.
شكل 15-10: بركان طيني حديث في تايلاند يمكن أن تكون أشكال الحياة الأولى قد نشأت في مثل هذه البيئة عن: Michael C. Rygel via Wikipedia Commons.
قام (2014) McFadden & Al-Khalili بتتبع الاحتمالات اللازمة لتخليق جزيئات RNA في وسط الحَسَاء البدائي؛ فحسب الكيميائي الاسكتلندي Graham Cairns-Smith ثمة 150 خطوةً تلزم لتحضير قاعدة نووية من مركبات عضوية يرجح أن تكون موجودة في الحَسَاء البدائي. وفي كل خطوة ثمَّة 6 تفاعلات محتملة يتوجب تجنبها. وهكذا يمكن تصور أن التفاعل الكيميائي المطلوب يمثل أحد وجوه زهر الطاولة الستة، الذي سيُحقق التفاعل المطلوب في كل خطوة؛ وعليه يتوجب رمي الزهر للحصول على الوجه المطلوب 150 مرة. وبذلك ستكون الاحتمالية الصحيحة 1 من 6140 أو 10109 تقريبًا. هذا يستدعي أن يكون في الحَسَاء البدائي في بداية التفاعل هذا العدد من الجزيئات، لتحصل على جزيئة RNA بطريق الصدفة. غير أن هذا العدد يتجاوز بكثير عدد الذرات في الكون البالغة 1080. إذن من غير الممكن بناء قاعدة نووية بهذا الكم المهول من الجزيئات. ولو تم بناء قواعد نووية بطريقة غير معروفة، ينبغي أن تكون هذه القواعد بترتيب معين في شريط الـ RNA الذي هو بطول ما لا يقل عن 100 قاعدة نووية، لتتكون جزيئة رايبوزايم؛ وعليه في كل موقع قاعدة نووية ينبغي الاختيار بين واحدة من أربع قواعد (A,U,G,C).
شكل 15-11: الشقوق الصخرية في أعماق المحيطات والمولّدة لتدفق غازات حارة. عن: Universal History Archive/UIG, via Getty Images.
وهكذا سيكون 4100 طرق محتملة لربط القواعد النووية المضبوطة في جزيئة الرايبوزايم. هذا يعني استخدام 1050 كغم من المادة، وهذا يفوق كتلة مجرتنا؛ درب التبانة، التي تبلغ 1042 كغم؛ وبناءً على ما تقدَّم لا يمكن الاعتماد على الصدفة وحدها كتفسير لتكون الرايبوزايم. وحسب الباحثين (2014) McFadden & Al-Khalili قد تكون ثمة ترليونات المتضاعفات المحتملة الممكن تكونها لشريط RNA من 100 قاعدة نووية. وقد تكون الـ RNA المتضاعفة شائعةً وقتها؛ حيث وجود مليون جزيئة كان كافيًا لتكونها. لكن رغم كل الجهود العلمية لتكوين جزيئة RNA قادرة على التضاعف لم تُفلح. ولم يتم العثور في الطبيعة خارج الخلايا على مثلها. لكن هل تم ذلك بواسطة متضاعف أولي أبسط بكثير من الخلية في ذلك الزمن السحيق؟ يجيب الباحثان بالتأكيد نعم، ولكن من غير الواضح كيف. وعلى الرغم من التقدم الصناعي والعلمي، لم يتم إنتاج أية ماكنة تتمكن من نسخ نفسها، علما أن هذا كان الهدف الأسمى الذي وضعه مؤسس التقنية النانوية K, Eric Drexler سنة 1986 م، منطلقًا من أفكار الفيزيائي الفذ Richard Feynman ومقولته الشهيرة: ((الشيء الذي لا أستطيع عمله فإنني لم أفهمه.)) لكن الباحثان (2014) McFadden & Al-Khalili يطرحان مسألة نشوء الفايروسات الرقمية، وهي برامج قصيرة نسبيًّا، وتتمكن من التضاعف. ولماذا لم يتم نشوءها تلقائيًا من كَم المعلومات الهائل في الإنترنت، والذي يبلغ زليونات المليارات من البتات في الثانية، وهي بحدود معيَّنة مشابهة لنشوء متضاعف جزيئي في كم كبير من جزيئات الحَسَاء البدائي؛ فإلى الآن لم ينشأ أي فايروس رقمي تلقائياً، بينما يتم ذلك من قبل أفراد ذوي مهارة جيدة ببرامج الحواسيب الرقمية. وكمثال الفايروس الرقمي المعروف Tinba مؤلف من 20000 بايت أو 160000 بت، هذا يعني وجود احتمال 1 من 2160000 أن ينشأ هذا الفايروس بالصدفة. وهذا احتمال كما هو واضح غاية في الندرة، ويفسّر عدم إمكانية نشوئه بالصدفة وحدها. وهكذا يظهر أن نشوء المتضاعف الأولي بالصدفة، أمر مستبعد جدًّا، ولكن هذه الحسابات والاستنتاجات تدور في إطار العالم التقليدي. ماذا لو بحثنا المسألة من واقع ميكانيك الكم الذي يحكم حركة الجسيمات والذرات والجزيئات وهو على حال المتضاعف الأولي المفترض بشكل جزيئات الرايبوزايم.
وجُزيئة الـ RNA هذه تتألف من ذرات مترابطة من خلال الأواصر الكيميائية التي تعتمد على الإلكترونات والبروتونات. بعض هذه البروتونات والإلكترونات غير شديدة الارتباط، ويمكن أن تنتقل بين الذرات المرتبطة كما تطرقنا إلى ذلك في عمل الإنزيمات، وتركيب جزيئات الحامض النووي. هذه الجسيمات على خلاف الحالة التقليدية يمكن أن تعبر حاجز الطاقة، وتنتقل من ذرة إلى أخرى مؤديةً إلى تغيُّرات تركيبية ووظيفية في الجزيئة، وهي في الحالة الكمومية. لكن هذه الحالة تتطلب أن تكون الجسيمات في حالة تماسك كمومي، والذي سرعان ما تنهار إلى الحالة التقليدية (حيث تصبح جزءًا من الواقع) عند فك التماسك الكمومي، ولكن في هذه الحالة تكون قد صارت في وضعية مختلفة عن حالتها الأصلية. وتبدأ عملية تماسك جديدة وقدرة على الانتقال للجسيمات ومن ثَم انهيارها لحالة تقليدية جديدة وهكذا. في كل حالة فنّ تماسك، يمكن أن تكون الذرات قد ترتَّبَت على نحو مختلف. وهكذا يمكن أن تتمكن الجزيئة من البحث عن احتمالات مختلفة قد يكون أحدها هو القدرة على التضاعف. مع ذلك، فهذا يتطلب كما رأينا أعلاه، البحث في احتمالات هائلة، والتي من بينها احتمال نادر؛ هو أن تكون بترتيب ذري يُكسبها القدرة على التضاعف مثلا يفترض الباحثان (2014) McFadden & Al-Khalili وجود 64 إلكتروناً وبروتونا قابلين لتغيير مواقعهم بين الذرات عبر عملية التسرب الكمومي؛ كأن يكون الواحد منهم على هذا الجانب أو ذاك من حاجز الطاقة. هذا يعني أن الاحتمال المطلوب وهو التركيب الذري الذي يمكّن الجزيئة من التضاعف، سيساوي 1 وهو احتمال نادر جدا يذكرنا بمثال الأمير الصيني مع مخترع لعبة الشطرنج. لكننا هنا لا نعامل المسألة بمفهوم تقليدي، وإنما بمفهوم كمومي. يعني وكأننا نتعامل مع حاسوب كمومي بـ 64 كيوبت. هذا سيمكّن من بحث كل الاحتمالات في نفس الوقت، وبالتالي سيُسرِّع جدًّا من العثور على ذلك الاحتمال الضئيل مع الوقت، الذي كان قد امتد ملايين السنين وأماكن ومكونات وظروف شديدة التغاير. وعند الانهيار على تلك الحالة، والتي ستتحول إلى الحالة التقليدية (العادية) بفك التماسك، تكون قد تكونت الجزيئة القادرة على التضاعف. وما إن يكون المتضاعف الأولي قد تكون، يبدأ عمل التطور الداروني نتيجة التغيُّرات التي ستنشأ أثناء التضاعف، ويبدأ مسلسل التطور ونشوء الحياة.
وبطريقة مماثلة فإن نشوء الإنزيمات لا بد أن مر بسلسلة طويلة من التعقيد بدءًا من تكوين ببتيد ثنائي إلى ببتيد ثلاثي وهكذا. بالتأكيد كلما زاد عدد الأحماض الأمينية في الببتيد المتعدد، زادت خيارات أو احتمالات ارتباطاتها المختلفة. لكن عمل ميكانيك الكم وبخاصة ظاهرة التراكب ستُمكّن من تجريب كل الاحتمالات في وقت واحد، مما يختزل كثيرًا الزمن اللازم للوصول إلى تشكيلة الببتيد المتعدِّد، الذي يُظهر نشاطًا إنزيميًّا. غير أن تحقق الظاهرة الكمومية، يتطلب حصول التماسك الكمومي والذي يشترط عدم الاتصال مع البيئة. هذا الشرط يمكن أن يتحقق من خلال الحجم الصغير جدًّا للمتضاعف الأوَّلي أو الخلية البدائية التي تستضيف الببتيد المتعدد. وعند إضافة حامض أميني إلى سلسلة الببتيد المتعدد ستنهار الحالة الكمومية في هذه التشكيلة. وطالما بقيت سلسلة الببتيد المتعدِّد كجزيئة مفردة، يمكن أن تدخل في حالة التماسك الكمومي من جديد، وتنهار الحالة الكمومية بعد اتصالها بحامض أميني جديد وربطه بالجزيئة وهكذا. كما أن الببتيدات في أطوال مختلفة (قبل أن تصبح بروتينا) يمكن أن يُظهر بعضها نشاطًا إنزيميًّا ليصبح إنزيما أوليًّا (Protoenzyme). هذا ما يعمله الباحثون روتينيا من خلال تجريب ملايين التشكيلات من الببتيدات في البحث عن ببتيد ذي نشاط إنزيمي، والذي يمكن أن يُوجد في بعضها ضمن مليون ببتيد. حالة إضافات الأحماض الأمينية الجديدة يمكن أن تستمر لحين الوصول إلى حالة غير قابلة للانعكاس، وتُصبح حالة تقليدية بهيئة إنزيم أولي أو إنزيم. هذه الحالة تكون عندما يتمكّن هذا الإنزيم من مضاعفة نفسه؛ ومن ثم يخضع للتطور الداروني (2000 ,McFadden).
هكذا يكون ميكانيك الكم ومن خلال ظواهر التماسك والتراكب والتسرب والتشابك قد شرع بمقاييس هائلة من البحث عن كل الاحتمالات، كما لاحظنا ذلك في عمل الإنزيمات وتضاعف الـ DNA وانتقال الفوتونات في التركيب الضوئي وغيرها. وحسب (2006) Lloyd فإن كل التعقيد الذي نراه في أنفسنا وما حولنا من مجرات ونجوم وأحياء، هو نتاج البحث الكمومي للجسيمات والذرات والجزيئات في كون هو حاسوب كمومي. السؤال الملح الذي يمكن أن يبرز هنا: لماذا لم تُفلح التجارب المختبرية العديدة جدا والجارية منذ خمسينيات القرن العشرين في إيجاد متضاعف أولي مع أن ميكانيك الكم يبقى هو الحاكم للجسيمات والذرات والجزيئات المتفاعلة؟ الجواب هو أن ذلك يعود إلى عدم توافق المكونات والظروف والزمن الكافي للحصول على النتيجة المطلوبة، وأعتقد أن مزيدًا من المعرفة والتجارب وتجارب المحاكاة باستخدام الحاسوب الكمومي المرتقب، يمكن أن تقرب المسافة باستمرار نحو ذلك الهدف.
يعتقد (2004) Davies أن من غير الممكن صناعة الحياة من بعض الوصفات الكيميائية في أنبوبة الاختبار. لكن سيتم أخيرًا صنع الحياة اصطناعيا كناتج عَرَضي لمعالجات المعلومات الكمومية والتقنية النانوية، وليس الكيمياء العضوية. مع ذلك، تمكن فريق من الباحثين (2020) ,.Otele et al من العثور على متضاعف ذاتي (شكل 15-12) ويظهر نشاط أيضي بتفاعل أدول قهقرى (retro-aldol reaction) وشطر مجاميع 1fluorenylmethoxycarbony والتحول الأخير يسلّط تغذية عكسيةً موجبة على التضاعف (أيض أول Protometabolism)؛ فهذا المتضاعف الذاتي والذاتي التنظيم، لا يتمكن من تحفيز تكوين ذاته فحسب، وإنما تحويلات كيميائية أخرى تختلف طبيعتها عن تفاعل تضاعفه. إن المتضاعف الذاتي يتمكّن من تكوين جزيئات تقود إلى تكوين وحدات بناء المتضاعف، وبذلك يُسرّع عملية التضاعُف وهذه العملية تؤشّر إلى بداية الأيض. وهكذا يخلص الباحثون إلى أن التضاعف والأيض وهما عمليتان مفتاحيتان في نشوء الحياة، يمكن أن تتكاملا ذاتيًا، وتؤشّرا إلى إمكانية خلق شكل مختزل من الحياة.
شكل 15-12: التركيب الجزيئي للوحدات البنائية للمتضاعف الذاتي المتكون من لب جزيئة بنزين ثنائية الثيول (benzene-1,3-dithiol) (اللون البرتقالي) وسلسلة ببتيدية (اللون الأزرق). عن (2020) ,.Ottelé et al.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|