أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-28
1178
التاريخ: 2024-11-07
189
التاريخ: 2023-03-19
1294
التاريخ: 5-7-2021
1842
|
ميزة تفسير النصوص المقدّسة
أن تفسير كتاب أي مؤلف ومقالة كل قائل استنادا إلى رأي القارئ أو المستمع فحسب ليس صحيحاً، والتفسير بالرأي للنصوص المقدسة الدينية يتعلق به النهي الخاص عقلا ونقلاً، وقد بينت - إلى حد ما مصادر التفسير الصحيح، وكذلك تم معرفة معيار وميزان التفسير بالرأي. وهنا ينبغي البحث في مسألة حساسة وجديرة بالاهتمام وهي هل أنت تفسير جميع معارف القرآن أمر ممكن طبقا لقواعد الأدب العربي في أقسامه المختلفة من اللغة والصرف والنحو والمعاني والبيان والبديع وسائر العلوم المرتبطة بالأدب، حتى يقال ان مراعاة قانون المحاورة العربية في المحادثة والاحتجاج والمناظرة أو التفهيم والتفهم، أو الأمر والنهي أو الوعد والوعيد كافية لاستنباط المعارف من القرآن، يعني وإن كانت العلوم الأخرى لازمة أيضا ولكن أدوات التفاهم في مجال مواضيع القرآن هي المفردات العربية، وجميع العلوم الأساسية والأولية لأجل استظهار المواضيع الإسلامية من النصوص الدينية المدونة باللغة العربية يتم استعمالها فقط في دائرة قوانين الأدب العربي، أم أنه لأجل بلوغ قمة المعارف الإلهية ينبغي أن نتدبر بدقة تامة لاستيعاب الرسالة الخاصة للقرآن وثقافة الوحي المتميزة بالمقدار الممكن من دون التصرف في المفردات العربية على نحو التوسع، فيستفاد من قانون المحاورة في هذا السياق، وأما ما خرج من ذلك النطاق مما لا يكون لوعاء لغة وأدب العرب سعة استيعاب تلك المعاني السامية والعميقة، فهنا يجب أن نلاحظ الفن الأدبي الخاص بالوحي الذي جعله الله في قوالب المفردات العربية، وبواسطة تلك الأدوات تستنبط المعارف الإسلامية من النصوص الدينية؟
إن الله سبحانه قد رفع مستوى الأدب العربي بواسطة فن الأدب الخاص بالوحي وبواسطة الشواهد والقرائن الخاصة، ومنح ذلك الظرف مزيدا من السعة، ثم أنزل في هذا الوعاء الأرضي حقيقة ملكوتية على نحو التجلي وليس التجافي، وحفظ الارتباط بين الجانب الطبيعي لهذا في الوعاء واتجاهه نحو البعد الذي يفوق الطبيعة.
وتوضيح ذلك: أن العالم في عصر نزول الوحي وبعثة الرسول الأكرم بالرسالة الإلهية كان محروماً من إدراك التوحيد الخالص وكان صفر اليدين من المعارف التنزيهية والتقديسية المحضة، ولم يكن له نصيب من العلم بالأزلية والأبدية والإطلاق الذاتي وعدم التناهي للموجود العيني الحقيقي وأشباهها، وكما قال أمير المؤمنين(عليه السلام) " إلى أن بعث الله سبحانه محمداً رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) ... وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة وأهواء منتشرة وطوائف متشتتة، بين مشبه لله بخلقه أو ملحد في اسمه أو مشير إلى غيره فهداهم به من الضلالة ..."(1)
والقومية العربية أيضاً كباقي القوميات كانت تابعة لإحدى هذه العقائد الباطلة، ولم يكن للتوحيد الخالص وسائر مسائله المرتبطة به وجود في محيط الناطقين بالعربية.
ومن جهة أخرى، فإن المفردات اللغوية عند كل أمة هي أدوات للتفاهم وتبادل الأفكار وانتقال الرغبات بين أفراد تلك الأمة، ومن الواضح أن القومية التي ليس لها نظرة توحيدية ولا نصيب لها من علم المعاد والتي تحسب ما وراء الطبيعة والمادة أسطورة، فإن جميع ألفاظها التي تضعها ابتداء لمعاني خاصة تنقل بعضها عن وضعها الأولي أو تترك بعض الألفاظ وتهجرها بسبب انعدام مصداقها الأولي وتستعملها في مصداق آخر أو معنى جديد، كل هذه الألوان من التعيين والتعين والوضع والنقل والهجر يتم في إطار مفاهيم مدركة ومفهومة عند أولئك او القوم، والشيء الذي لا سابقة له في أفهام هؤلاء القوم، لن يصبح معنى أي لفظ من الألفاظ المتداولة بين أولئك القوم.
ومن جهة ثالثة فإن قوانين التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز والمرسل وسائر فنون المعاني والبديع والبيان على الرغم من قبولها فإن كلا منها له دائرة خاصة، يعني أن الأمة التي لم تكن تدرك معارف الإسلام الخالصة مثل الحقيقة البسيطة المحضة، والإطلاق الذاتي للحق تعالى. فإن مستوى الكنايات و مجازات الألفاظ لا يمكن أن يرقى إلى تلك القمة الصعبة المنال، وكما أن الوحي الإلهي لو أنزل على الجبال فإنها لا تطيق حمل قوة الوحي الهائلة ولتصدعت وتفتتت، فكذلك المعارف الخالصة لو أنزلت في قوالب اللغة العربية دون إعمال التوسعة الأدبية وترشيد وتطوير المفردات وتحرير اللغة من قيود عبودية الفهم العربية المتداول والمشهور، فإنه سوف يلزم أحد محذورين: فإما أن تصبح المعارف الخالصة غير خالصة ومشوبة، وإما أن تتفكك وتختل أسس وقواعد الأدب العربي لأن كل ظرف وإناء لا يتحمل أكثر من المقدار والحجم الخاص به.
ومن هنا ندرك اللغة المتميزة للوحي ولسان القرآن الخاص وأن القرآن قد عرض جميع المسائل المرتبطة بالدنيا والملك والمادة ولوازمها وكذلك البدن وأحكامه الخاصة والسماء المادية ولوازمها وكل ما هو من سنخ الحس والخيال والوهم وحتى ما فوق الوهم أي العقل المتعارف للناطقين بالعربية في ذلك العصر، كل ذلك عرضه القرآن بواسطة المفردات العربية وقانون المحاورة العربية وسائر الفنون والآداب المستخدمة في التفاهم ولاتزال باقية في نفس القوة السابقة، وأما المعارف المتعالية التي لم تكن في صفحات الذهن العربي أو الفارسي والتي لا يحيط بها النطاق الفكري للواضعين والمستعملين لتلك الألفاظ، والتي لا تخطر على بال ولا تدخل في مجال إدراك أدباء سوق عكاظ وشعراء (المعلقات السبع) وأمثالها، فإنه بعد إثارة دفائن العقول وتفهيم أصل موضوع ما وراء الطبيعة فقد هيأ الأرضية للتوسعة الثقافية وزيادة سعة اللغة والتطور التكاملي للمفردات.
طبعاً إن التوسعة لثقافة التفاهم لها طرق كثيرة من جملتها اقتراحان مشهوران في مجال المفردات اللغوية(وهما على نحو مانعة الخلو): أحدهما: إن الألفاظ توضع لأرواح المعاني، فعلى الرغم من أن الواضعين الأوائل لا يعلمون ببعض درجات ومراتب تلك الأرواح العالية، وبسبب الجهل أو الغفلة عن المراحل العالية فإنهم يتوهمون انحصار المعنى في مصداق خاص. والاقتراح الآخر: هو أنه على الرغم من أن الألفاظ توضع لتلك المرتبة من المعنى التي يدركها ويفهمها الواضعون الأوائل لكن استعمالها في مصاديق أخرى أو تطبيق ذلك المعنى على مصاديق أرفع وأعلى يكون من قبيل التوسعة والمجاز. ولما كان كل واحد من هذين الاقتراحين و أمثالهما يشبه ترتب الغاية والفائدة في استعمال الألفاظ فهو يصبح ميزاناً للاستنباط ويعد جزءاً من المعطيات الجديدة والبديعة للقرآن الكريم. فالذي لا يعلم سوى اللغة العربية تخصصاتها وفنونها الأدبية، بجميع لكنه غير مطلع على هذه الملاحظة الإبداعية للقرآن، فإنه مهما بذل من حثيث في حفظ الأمانة الأدبية، فهو لن يفلح أبداً في مضمار استنباط المعارف من القرآن، ولن يتخلص من فخ التفسير بالرأي الذي يكبل الإنسان ويصيبه بالسقم، لأن حلة الأدب الجاهلي وثياب الفن العربي تقصر عن قامة الوحي الإلهي الرفيعة، وشهادة دواوين الجاهلية وشعرائهم وادبائهم فيما يتعلق بمعارف السماء العالية ستكون شهادة زور، وقاضي محكمة المفردات العربية متهم برشوة الأنانية وحب الذات والمادية والميل إلى الطبيعة: "لا تسل من الجاهلي أمثال هذه المواضيع".
والقرآن الكريم يعلن أن قسماً من المعارف المتعالية للقرآن ومعطيات الوحي خارجة عن نطاق القدرة البشرية. ويمكن استنباط هذا المعنى المدعى من الآيات التالية:
1. { ... إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 3، 4] ، يعني أن هذا الكتاب جعلناه في قالب عربي واضح حتى يمكنكم بعد الإحاطة بقوانين العربية والأدب العربي أن تقطفوا الثمار العلمية والعملية من مضامينه وأن تتعقلوه، وهذا الكتاب مع احتفاظه بعنوان القرآن له امتداد وجذور عميقة ومواضيعه ومعانيه العالية تسمو وترتفع حتى تكون حاضرة في أم الكتاب، ونفس هذا القرآن العربي موصوف عند الله بصفتي (العلو) و(الحكمة)، فهو (علي حكيم). وعليه فإن ثمرة سوق عكاظ لا توفر للمفسر السطحي أمر الحصول على بضاعة أم الكتاب، وثروة المعلقات السبع لا تمكنه من أن يحترف تجارة العلي الحكيم.
تنويه: حيث إن ارتباط مرتبة (أم الكتاب) مع مرتبة (عربي مبين) على نحو التجلي لا التجافي، فإن حبل الوحي والحبل المتين القرآني قد أحاط بجميع الملك والملكوت، وهو موجود في جميع هذه المراتب، وبما أن معارف وحقيقة أم الكتاب قد ظهرت على نحو الرقيقة في ألفاظ خاصة، فإنه لن يمكن بلوغ قمتها بالوسائل والأدوات الضعيفة والبضاعة المزجاة لأدب الحجاز المدنس بالشرك وأدب نجد واليمن الملوث بالكفر.
2. {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151] يعني ان رسولنا يقوم بعدة مهمات إحداها: تلاوة الآيات على المجتمع البشري كي يتعلم الناس قراءة كتاب الله، والأخرى: تهذيب الأرواح وتزكية النفوس كي تطهر قلوب المجتمع، والثالثة: تعليم مواضيع الكتاب ومعارف الحكمة، والرابعة: تعليم الأمور التي لا يعلم بها المجتمع البشري ليس هذا فحسب، بل لا يمكن أن يستوعبها أبداً بواسطة وسائل وأدوات التعليم العادية الأعم من الأدبية والفلسفية والعرفانية، والتدبر الكافي في كلمة {ما لم تكونوا تعلمون} يفيد هذه الحقيقة وهي أن ذلك المستوى من المعارف العالية لا يمكن أبدأ أن تحظى به القوة العقلية للبشر دون تعليم السماء، لأن تعبير {ما لم تكونوا تعلمون}يختلف عن تعبير {ما لا تعلمون}، وفي هذا المنهج الرابع يمكن القول: إن المقصود منه لا يقتصر على سنخ العلم الحصولي أو الحضوري، بل يمكن أن يكون من سنخ التزكية والتهذيب أيضاً، أي إضافة إلى العلوم النظرية فإن النزاهة الروحية والفضائل الأخلاقية الخاصة تقدم إلى المجتمع البشري بواسطة الرسول الإلهي، ولعل المجتمع الإنساني" نفسه إذا رجع إلى حجته الباطنة ومصباح خلقته المضيء وهما العقل والفطرة وأزاح عنهما غبار الأغيار. واستمع إلى ايقاع نغماتهما الجذاب وأدرك ما فيهما من نصائح ومنافع، فإنه ذلك كله لا يستطيع بدون الوحي أن يبلغ مقام التنزيه والتسبيح ذاك، لأنه صحيح أنه في مجال تعلم الكتاب والحكمة يكون الأمر كذلك إلى حد ما، ولكن المرتبة العالية من نزاهة الروح والدرجة السامية من العلم لا تدخل في دائرة البشر العادي أصلاً، وليس لها حضور وظهور في نطاق الإنسان المتعارف أبداً، إلى درجة أن اسم هذه المرتبة قد ورد على نحو الكناية: {ما لم تكونوا تعلمون} ولم ترد أية إشارة إلى علاماتها وشواهدها وعللها ومعاليلها، كالذي جاء في نعت بعض النعم الغيبية للجنة في قوله تعالى: {... فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]
ولعل هذا المقام السامي الخفي هو لذلك الفرد الذي قد حاز على العلم المكنون والنزاهة المحجوبة، يعني أنه في مجال المعارف العقلية إضافة إلى تعليم الكتاب والحكمة له نصيب خاص من: {يعلمكم ما لم تكونوا تعلمون} مما يعد من بركات الوحي الإلهي، وأيضاً في مجال الفضائل الروحية إضافة إلى {يزكيهم} الذي يوهب لأغلب الأتقياء فإن له حظاً وافراً من علم التنزيه والتهذيب الذي لا يحظى به أحد إلا عن طريق تعليم الغيب، ولعل الأوحدي من أهل الجنة يقصد من قوله: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] ان بلوغ هذا المقام الرفيع الشامخ لم يكن ممكناً بمجرد العقل، وان الطرق العادية عاجزة عن بلوغه، فلم تكن إلا العناية والهداية الإلهية هي التي أرشدت وأوصلت إلى ذلك.
وعلى كل حال فإن الوحي الإلهي يحتوي بالإضافة إلى المضامين المعروفة التي هي في متناول العقل على مواضيع خارج العقل المعتاد والتي يعبر عنها باصطلاح: (طور وراء طور). ولذلك فإن الخوض في تفصيل هذه المواضيع التي هي فوق العقل المتعارف اعتماداً على ميزان ثقافة المحاورة وبالاستعانة بالأساليب الأدبية لأمة العرب وحصرها في الدهاليز الضيقة لحصيلة المعلومات الأرضية من النثر والنظم الجاهلي أو المخضرم لن يتم بدون التفسير بالرأي.
وان الدور الوحيد للمفسر في مثل هذه المعارف العالية هو (في مثل هذا المكان يجب أن تكون كل الأعضاء أبصاراً وأسماعاً) لكي يتم أولاً: تلقي وسائل التفاهم من معلم الجميع. وثانياً يتعلم طريقة استعمال تلك الوسائل من المعلم الأول وهو الرسول الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) ومن هم في درجة روحه الملكوتية والجبروتية، وثالثاً يستوفي من معلم الكتاب والحكمة طريقة الانتقال من ملك الأدب العربي إلى ملكوت اللطائف الأدبية القرآنية. ورابعاً: يستوعب طريقة العروج من مرتبة العربي المبين إلى (أم الكتاب) والارتقاء من دائرة اللغة إلى فضاء ما فوق اللغة والتحليق إلى جه مرتبة (علي حكيم) من معلم {ما لم تكونوا تعلمون}، إذ إن تفسير القرآن دون سلوك هذه المراحل وبالاقتصار على قواعد المحاورة العربية وإن كان متيسرة في الجملة لكنه غير ممكن بالجملة، كما أنت خطر الابتلاء بالتفسير بالرأي متوقع في "الحمى". ولعل قسما من التحدي العالمي للقرآن الكريم يقصد به هذه المرتبة: {فيما لم تكونوا تعلمون}، وتفصيل ذلك مرتبط بمبحث الإعجاز.
والمقصود هو أن تفسير جزء من القرآن إذا لم يكن موافقاً لـ(ام الكتاب) ومنسجمة مع "علي حكيم"، فلابد أن يكون غير مخالف لهما، وحيث إن الموافقة مع المعارف المتعالية لأم الكتاب والمعاني الشامخة والعميقة لعلي حكيم إذا لم تكن شرطة حتميا في التفسير الصحيح، فإن المخالفة معهما ستكون حتما مانعة من هذا التفسير، وبالنتيجة فإن التفسير المخالف مع تلك المرتبة العليا هو تفسير بالرأي، لأن من يريد أن يعتمد على ما لديه من ثقافة المجاورة، وقواعد التفاهم العربية الجاهلية مع ما فيها من سعة من جهة التشبيه والكناية والاستعارة والمجاز والمرسل و... ليستفيد من الوحي العظيم ذي الآفاق الواسعة، والذي حده العربي المبين من جهة، وحده الآخر "أم الكتاب" و"علي حكيم"، فإن غاية ما يناله هو غيض من فيض وجدة من لجة، وفقاعة من سيل، ومن الواضح أن تصور كل الفيض غيضا وحسبان الجدة لجة وزعم الفقاعة أنها سيل، هو حمل للوحي العظيم الواسع على الوهم الضيق وفرض للسراب على الماء الزلال الصافي، وتخيل أنه ارتوى من عين الماء المعين، أي أنه وقع في تفسير القرآن بالرأي، وهذا هو ما نبه إليه العلامة الطباطبائي ف حيث قال: إن النهي عن التفسير بالرأي يقصد به طريق الكشف وليس المكشوف.(2)
كما يمكن ضمناً الاستعانة بما جاء في حديث الثقلين فيما يتعلق بالقرآن الكريم حيث يؤكد أنه حبل ممدود طرف منه بيد الله والطرف الآخر بيد الناس: "وهو كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض"(3)، لأن حقيقة القرآن موجود متصل قد ارتبطت فيه المرتبة الإلهية برتبة العربي المبين، وتفسير الرتبة النازلة طبقاً لقواعد التفاهم العربية دون مراعاة المرتبة الإلهية، يعتبر من سنخ تقطيع القرآن وجعله "عضين" ويعد تفسيراً بالرأي. طبعاً إن سفر الإنسان وحده في مثل ماء الحياة هذا ممكن إذا اصطحب معه خضر الولاية، وذلك أيضاً على قدر الاستعداد والقابلية، ولذلك يجب أن يقترن مع المعرفة الاعتراف بالعجز في جميع المراتب.
وما اكده أمير المؤمنين(عليه السلام) حول الاهتمام بالقرآن وجعله أساساً ومحوراً، واجتناب فرض الهوى على الهدى والتأكيد على عطف الهوى على الهدى وفرض الهدى على الهوى، يمكن أن يشمل بعض بحوث التفسير بالرأي: "ألا إن كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله، غير حرثة القرآن، فكونوا من حرثته وأتباعه، واستدلوه على ربكم واستنصحوه على أنفسكم واتهموا عليه آراءكم واستغشوا فيه أهواءكم"(4)، "يعطف الهوى على الهدى، إذا عطفوا الهدى على الهوي، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي"(5). طبعة إن منشأ التفسير بالرأي في القرآن وغيره من النصوص الدينية هو الجهل العلمي تارة، وأحيانا هو الجهالة العملية، فمرة الشبهة العلمية وأخرى الشهوة العملية، تارة الضحالة وأخرى المرض، تارة الغباء، وأخرى عمى القلب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. نهج البلاغة، الخطبة 1، المقطع 41 .
2. الميزان، ج 3، ص 75 – 87
3. البحار، ج23، ص108.
4. نهج البلاغة، الخطبة 176، المقطع 12.
5. نهج البلاغة، الخطبة 138، المقطع1.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|