أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-27
132
التاريخ: 2023-07-28
1399
التاريخ: 2024-04-21
754
التاريخ: 2023-05-16
1245
|
معيار (كون الشيء دينياً)
ان المقصود من كون الموضوع دينياً هو أن هذا الموضوع قد تمّ كشفه عن طريق العقل البرهاني أو النقل المعتبر، وهو يتضمن تعلق إرادة الله بضرورة الاعتقاد أو التخلف أو العمل بشيء من الأشياء. طبعا إن الأرضية والقاعدة الأصيلة لكون الشيء دينيا هو الإرادة الإلهية، وأما والدليل العقلي أو النقلي فهو كاشف عنها فحسب، وإن سمي هذا المعنى لكون الشيء دينيا خرافة وأسطورة في قاموس الملحدين والعلمانيين، كما نلاحظ ذلك في عبدة الأصنام والأوثان حيث وصفوا القرآن بالأسطورة، وكما كان فرعون يقول لأهل مصر المظلومين عن موسى كليم الله: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: 26]
فهو يعتبر عبادة الأصنام والطاعة لهواه وهوى أتباعه الضالين ديناً ولا يرى الوحي الإلهي لموسى الكليم ديناً صحيحة، كما أن تشخيص العقل النظري والعملي من جهة المصداق مختلف عند الأفراد المختلفين، فمثلا عندما يسأل الإمام الصادق(عليه السلام) ما هو العقل؟ فإنه يقول(عليه السلام) "العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان" وعندما سأل الإمام عن الشيء الذي كان عند معاوية ما هو؟ فإنه يقول: "تلك النكراء، تلك الشيطنة"(1)، وفي مقابل هذا يمكن للمختال المكار أن يضفي على مكره وحيلته صبغة الثقافة ويزعم أنها عقل، ويعد العقل الإلهي لعباد الله الموحدين ورجال التقوى والورع وهما وخيالاً.
وعلى كل حال، فإن معنى كون الموضوع دينياً واضح لدى المطلعين على المعارف الإلهية. وما يجب الالتفات إليه هنا هو أن كون الشيء دينياً غير كونه عبادياً، لأنه توجد في الدين أمور كثيرة تسمى بالأحكام "التوصليّة"، لا التعبدية، يعني أن الإتيان بنفس العمل فيها كاف في امتثال الأوامر المتعلقة بها، وسقوط تلك الأوامر حتى ولو كان أداء العمل بغير قصد القربة، وهذا على العكس من الأحكام التعبدية (في مقابل التوصلية)، التي لا يكفي في امتثالها وسقوط أوامرها مجرد أدائها، بل يجب الإتيان بها بقصد القربة وبنية الطاعة لأمر الله. إذا ففي الأحكام التوصلية وإن كان نيل الثواب متوقفاً على قصد القربة ونية الطاعة، لكن مجرد تنفيذ العمل كاف في تحقق أصل الامتثال.
تنويه: تارة يستعمل اصطلاح التعبدي في معنى جامع، وهو يعني عندئذ الشيء الذي ورد في الأوامر الإلهية وامتثاله واجب ولو كان سره الخفي" وحقيقته الباطنية غير معلومة، مثل وجوب تطهير لباس المصلي من بعض الأشياء المذكورة في الفقه، فمثل هذا التطهير وإن كان وارداً في الدين بشكل تعبدي، ولكنه واجب توصلي وليس تعبدياً (عبادياً). وعليه فإن النسبة بين كون الشيء دينياً وكونه عبادياً هي نسبة العموم والخصوص المطلق. ففي الإسلام تعتبر بعض الأمور واجباً نفسياً، وبعضها يعد واجباً مقدميا، وكل واحد منهما ينقسم إلى التعبدي والتوصلي، كما أن للواجب أقساماً أخرى كثيرة مذكورة في محلها، من قبيل التعييني والتخييري العيني والكفائي و... .
وبناء على ما سبق ذكره يمكن القول: ان العقل البرهاني إذا أدرك أمراً وكان ذلك الأمر بالفعل جزءاً من العقائد أو الأخلاق أو الأحكام أو الحقوق الإسلامية، فمثل هذا الموضوع هو بالفعل أمر ديني. وإذا أدرك العقل البرهاني موضوعاً ولم يكن هذا الموضوع بالفعل من الأمور المذكورة ولكن هذا الأمر نافع بالنسبة للإنسان المتدين أثناء العمل كأن يكون بنفسه واجباً أو مقدمة لواجب، فمثل هذا الموضوع هو أمر ديني بالقوة وعند الحاجة وبلوغ النصاب المعين، فإنه يصير دينياً بالفعل.
مثلا، إذا أثبت العقل التجريبي بدليل معتبر خاص أنه ينتج من تركيب مادتين معيّنتين دواء مؤثر في علاج مرض خاص، فمثل هذا الموضوع ليس له صبغة دينية بالفعل، لكن عندما يصاب شخص ذو نفس محترمة (يجب المحافظة عليها) بذلك المرض الذي يعالج بذلك الدواء، فإن الحصول على ذلك الدواء عن طريق تحضيره بذلك التركيب المعين يكون واجباً، وإذا كان هناك شخص يمتلك القدرة العلمية والعملية لتحضير ذلك الدواء ولم يبادر لذلك ولم يهتم بحفظ نفس ذلك الفرد المريض ذي النفس المحترمة، فقد عصى وسيحاسب على عمله هذا في يوم القيامة، لأن حكم الله قد أبلغ إلى ذلك الشخص عن طريق العقل التجريبي، وهو قد أهمل هذا الموضوع الديني. وعليه فإن كل شيء يقع في مسير الفعل أو الترك الديني ونفعه أو ضرره يثبت بالعقل البرهاني أو التجريبي" فهو ديني بالفعل أو بالقوة، حتى وإن لم يقم دليل نقلي على نفيه أو إثباته.
وبناء على هذا فإنه وإن كان مجرد قيام البرهان العقلي أو التجريبي على كيفية تحقق الشيء لا يعد سنداً على كون ذلك الشيء دينياً أو غير ديني، لكنه بمجرد أن يدخل ذلك الشيء في دائرة فعل الإنسان، فإنه يكون بلحاظ المنافع والمضار المترتبة عليه أو تساوي الطرفين - محكوماً إما (بالوجوب)، أو مطلق (الرجحان) أو محكوماً (بالحرمة) أو مطلق (كونه مرجوحاً)، وفي حالة تساوي جانبي المنفعة والضرر، فإنه سيكون محكوماً (بالإباحة)، وسند هذه الأحكام الدينية الخمسة تارة يكون العقل المحض، وتارة يكون النقل المحض، وتارة يكون ملفقاً العقل والنقل.
ويمكن أن نوجز ما ذكر بما يلي:
1. كل شيء يكون الاعتقاد به لازماً أو ممنوعاً، أو التخلق به راجحاً أو مرجوحاً، أو امتثاله مفضلاً أو الاجتناب عنه راجحاً، سواء كان على نحو الوجوب أو الاستحباب أو كان على نحو الحرمة أو الكراهة فهو موضوع ديني (بلحاظ مقام الثبوت).
2. كل دليل يثبت أحد الأمور الاعتقادية أو الأخلاقية أو العملية فهو برهان ديني سواء كان الدليل عقلياً أم نقلياً (بلحاظ مقام الإثبات).
3. كل المعارف وطرق الإثبات المذكورة هي وصف للعقل، لأن الفهم عمل العقل، سواء كان المفهوم والمعلوم مكشوفاً من قبل العقل نفسه أيضاً، كما في المستقلات العقلية التي يكون فيها العقل الاستدلالي صراطاً وسراجاً، أي انه يكشف صراط وطريق الدين المستقيم بوضوح ويدل عليه، أو كان المفهوم والمعلوم مبيناً بواسطة الأدلة النقلية، والعقل يدركها من النصوص المقدسة، وهنا يكون للعقل دور السراج فقط، لا الصراط، بل النقل هو الصراط، والعقل سراج للصراط.
4. كل موضوع يكون العلم التفصيلي به ليس جزءاً من العقائد أو الأخلاق أو الأعمال، لكن أشير إليه في النص الديني مثل كون السماوات والأرض رتقاً في السابق: {... أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا} [الأنبياء: 30] أو أن السماوات كانت دخاناً قبل التسوية: {... ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ... فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ }[فصلت: 11-12] فالمعرفة البرهانية بها دينية أيضاً، أي ان المعلوم والصراط قد استنبط أو يستنبط من النص الديني المقدس، كما أن مثل هذه المعرفة هي دينية أيضاً.
5. الموضوع الذي لاوجود له في أي نص ديني، لا في القرآن ولا الحديث ولا التاريخ والسيرة المنقولة عن المعصومين(عليهم السلام)، فهو، وإن كان العمل به في حال كونه مفيداً ونافعاً تحت عنوان الوجوب أو الاستحباب، وفي حال كونه مضراً تحت عنوان الحرام أو المكروه، فإنه أمر ديني، لكن معلومه لا يحمل صبغة دينية، أي ان معرفة التكليف العملي لذلك الشيء أمر ديني، ولكن نفس ذلك المعلوم لا هو ديني ولا غير ديني، لأن التقابل بين هذين الأمرين هو تقابل العدم والملكة وليسا هما متناقضين، ولذلك فإن ارتفاعهما ممكن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. أصول الكافي، ج 1، ص11.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|