أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-03
257
التاريخ: 26-11-2014
1820
التاريخ: 13-10-2014
2817
التاريخ: 27-09-2015
2480
|
إمكان وضرورة تفسير القرآن
التفسير يعني التوضيح وكشف الحجاب عن وجه الكلمة أو الكلام، الذي يدلى به وفقاً لقانون المحاورة وثقافة وأسلوب التفاهم ويكون معناه غير بين وواضح. وعليه فإن الألفاظ ذات المعاني الواضحة والبديهية ليست بحاجة إلى التفسير. كما أن الكلام الذي يؤتى به من باب الألغاز والتعمية والإبهام ومن سنخ الرموز، فهو ليس مطابقاً لثقافة المحاورة والتفاهم وله حكمه الخاص به. وعليه فإن اللفظ المفرد أو الجملة التي لو تم التأمل والتدبر العقلائي فيها لظهرت مبادئها التصورية والتصديقية، فهي بحاجة إلى التفسير، وتفسيرها عبارة عن: تحليل المبادئ المذكورة لأجل الوصول إلى مقصود المتكلم والمدلول البسيط والمركب للفظ، والتفسير بهذا المعنى لا يختص بالنصوص الدينية كالقرآن الكريم. وإن تعارف إطلاق فن التفسير على شرح وتوضيح القرآن خاصة.
إن تفسير القرآن وإن كان له شروط وآداب عديدة، لكن أهم شروطه المحورية والأساسية هو لزوم كون القرآن واضحاً من جهة، حتى يكون لمن راجعه قابلاً للنظر وللفهم، وكون المفسر بصيراً وقادراً على النظر من جهة أخرى لكي يكون مؤهلاً لرؤية معارفه وإدراكها، لأن الشيء وإن كان مثلاً كالشمس ساطعة منيرة، لكن الأعمى والأعور والأحول والأكمه إما أن لا يراها أصلاً أو لا يراها كما هي. والقرآن الكريم وإن كان نوراً كما جاء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } [النساء: 174] ، وقوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا } [التغابن: 8] وقوله تعالى {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} [الأعراف: 157] ، وقوله تعالى {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة: 15] ، لكن هو نور ثقيل ووزين وليس ضعيفاً وتافها كما قال تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5]. ولذلك فإنه لأجل رؤية مثل هذا النور لا توجد هناك وسيلة إلا أن يمتلك الإنسان البصر الحديد والرؤية العلمية الثاقبة والعميقة. بل لقد قيل حول القرآن: "إن القرآن غريم لايقضى دينه، وغريبة لا يؤدي حقه"، لأن ذروة معارفه م وعمق مطالبه لاتمتها إلا يد الفكر الوهاج للمعصومين(عليهم السلام): {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 77 - 79] ولأجل ذلك فقد تم أخذ قيد (بمقدار طاقة البشر) في تعريف مفهوم تفسير القرآن. وبناء على ذلك فإنه إضافة إلى ضرورة كون المفسر بصيرة وواعية فمن اللازم عليه إن أراد أن يستلهم المزيد من معارف القرآن الكريم، أن يرجع إلى (المطهرون) وهم أهل بيت العصمة والطهارة طبي، وفي البحوث التالية سيتضح نطاق الرجوع إلى السنة الواردة عن المعصومين(عليهم السلام).
وبناء على ما تم تبيينه فإن القرآن الكريم أولا: قابل للتفسير، وثانية: م تفسيره ضروري. وقبول القرآن للتفسير يعني أنه منزه من آفة (التفريط في البداهة) ومصون من خلل (الإفراط في التعمية)، فلا هو بسيط وساذج جدا بحيث لا يحتاج إلى تحليل المبادئ التصورية والتصديقية، ولا هو معقد ومبهم كاللغز بحيث يكون خارجة عن قانون المحاورة والتفاهم وثقافة المحادثة وبعيدة عن متناول يد التفسير. فمع أن القرآن الكريم نور ولكن فيه معارف راقية وعميقة تجعله قابلا للتفسير، لأن كون القرآن نورا يعني أنه في مقابل ظلمة الإبهام، وليس في مقابل كونه نظرية وعميقة، حتى يكون النور بمعنى البداهة التي تغني عن التفسير.
وأما أنت التفسير ضروري ولازم، وبدونه لا يتيسر لعامة الناس إدراكه وفهمه فلأجل ما قد أشير إليه ضمنا، وسر ذلك يوضحه القرآن الكريم نفسه، فالقرآن الكريم من جهة يذكر لنفسه صفات يلزم منها ضرورة التفسير، وهو من جهة أخرى يطرح علوما لا تدرك بغير التفسير، فهو يمتدح نفسه بأنه كلام رصين وقول وزين ومليء باللب: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] ويعتبر سلاسل الجبال أمام هيمته وسيطرته تعالى خاضعة خاشعة ومتصدعة متفتتة: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21] كما يدعو الجميع من الجن والإنس إلى المبارزة، ويعلن عجزهم في هذا السجال الشاقة الشامل: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [الإسراء: 88] فالظهور الاطلاقي في جملة "لا يأتون" يعني أنت مجتمعي الإنس والجن جميعا في هذا الصراع الحامي عاجزان وكليلان إلى الأبد، كما أنه يعلم من قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24] عجز وهزيمة المقاتلين الأبدية في هذه المعركة.
من جهة أخرى فإن القرآن يطرح علوم ومعارف خاصة في الرؤية الكونية التوحيدية، والأسماء الحسنى الإلهية، والصفات الأزلية العليا، والقضاء والقدر، والجبر والتفويض والاختيار، وتجرد الروح، وعصمة الملائكة، وعصمة وطهارة الأنبياء وأئمة أهل البيت(عليهم السلام)، والإمامة والقيادة في النظام الإسلامي، والحكم على العقائد والأديان الأخرى، وتوضيح ة الأنبياء السلف وأوامر ونصائح الأولياء الخلف وعشرات المسائل العميقة، في الحكمة النظرية والحكمة العملية التي لا يمكن ولا يتيسر فهمها العام دون شرح وتوضيح العقلاء لها.
ولأجل ذلك فإن ضرورة تفسير القرآن تكون من جهتين:
إحداهما: إن الكتاب العلمي العميق ذو الثقل النظري لا يمكن بالتأكيد أن يدرك بغير تفسير (هذا من الناحية العلمية). والثانية هي أن كتاب الهداية إذا كانت رسالته تؤكد على: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9] فإنه لا وسيلة له لأجل هداية المجتمع البشري إلا بتوضيح مفاهيمه وتفسير معانيه (وهذا من الناحية العملية).
وإن ضرورة تفسير القرآن للمتضلعين والمتعمقين في مختلف العلوم وأنواع الفنون أوضح. ولذلك كان تفسير القرآن منذ عصر النزول وإلى الآن سنة حسنة متداولة ورائجة بواسطة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وأهل بيته المعصومين الأطهار، وكذلك الصحابة، والتابعين للصحابة، والقدماء والمتأخرين من علماء الدين. وإن كان بعض السابقين قد نأوا بأنفسهم عن تفسير القرآن وكانوا يحتاطون منه، لكن الجميع كان يستفيد من التفسير بالمأثور، وفيما بينهم عدة كانوا يمتنعون من إظهار الرأي، وسيأتي تفصيل ذلك في فصل التفسير بالرأي، وحتى القرن الخامس الهجري لم يكن هناك غير (التفسير الروائي) أسلوب متداول آخر بعنوان أنه (التفسير عن دراية) وهو التفسير الاجتهادي، سوى ما كان على نحو الاجتهاد الأدبي واللغوي الذي كان مشهوداً في آثار السلف.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|