أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-9-2020
1312
التاريخ: 29-1-2023
1098
التاريخ: 4-5-2017
1395
التاريخ: 18-8-2020
1241
|
دعوني أتدبر نموذجًا أكثر واقعية للانفجار العظيم. ليس الكون كرة من المادة محاطة بفضاء خاو، بل إن «سطح» الكرة يبدو: كأنه التمثيل الأصلح للفضاء نفسه. تذكر التنبيه المهم هنا: الفضاء ثلاثي الأبعاد، لكن سطح الكرة ثنائي الأبعاد. وعلى هذا يكون سطح الكرة تشبيها ضمنيًّا، وليس توصيفا دقيقًا؛ فالجزء الداخلي من الكرة والفضاء المحيط بها ليسا جزءًا من الكون المادي الذي نناقشه هنا، بل هما يستخدمان فقط لتسهيل عملية التصور. بعض الناس يستسلمون عند هذه النقطة لأنهم يعجزون عن تصور السطح الكروي (الكرة الفائقة ثلاثي الأبعاد لكني أحثك على أن تبقى معي.
مجددا، دعونا نعد عرض الفيلم إلى الوراء: ينكمش سطح الكرة نحو مركزه إلى أن تلتقي جميع النقاط في نقطة واحدة، ثم بعد ذلك ... لا شيء. لكن في هذه الحالة ليس الـ «لا شيء» فراغا محيطا؛ لأن الفضاء الوحيد الموجود - الفضاء المادي - ممثل في «سطح» الكرة، وهذا بدوره اختفى تمامًا. إذن في هذه الحالة فإن الـ «لا شيء» الموجود قبل الانفجار العظيم هو في الواقع «لا شيء» بالفعل، لا مادة ولا فضاء؛ عدم تام.
يتكون الكون الحقيقي، بالطبع، مما هو أكثر من الفضاء المتمدد؛ فهناك المادة أيضًا. ينضغط الكون إلى حجم يبلغ الصفر، وتصير كثافة المادة لانهائية، ويكون هذا هو الحال سواء كان الفضاء متناهيًا أو غير متناه؛ ففي كلتا الحالتين يوجد انضغاط لانهائي للمادة إلى كثافة لانهائية في نظرية النسبية لأينشتاين، المبني عليها هذه المناقشة بأسرها، تحدد كثافة المادة (إلى جانب الضغط) مدى تقوس أو تشوه شكل الزمكان. وإذا طبقنا نظرية النسبية بحذافيرها، وصولاً إلى حالة الكثافة اللانهائية، فستتنبأ النظرية بأن تقوس الزمكان ينبغي هو الآخر أن يكون لانهائيا. يطلق الرياضيون على حد تقوس الزمكان اللانهائي هذا نقطة التفرد Singularity. في هذه الصورة، إذن، ينشأ الانفجار العظيم من نقطة تفرد. إن أفضل سبيل لتصور نقاط التفرد الزمكانية هو بوصفها تخومًا أو حواف للزمكان. ومن هذا المنطلق لا تعد نقاط التفرد هذه جزءًا من الزمكان نفسه، تماما مثلما لا تعد حافة هذه الصفحة جزءًا منها.
وعلى هذا تكون اللحظة الأولى للكون - في هذه الصورة مفرطة التبسيط - ليست لحظة أو مكانا على الإطلاق، بل «حدا» للحظات والأماكن. قد يبدو حديثي هذا مغرقًا في التفلسف، إلا أن من الخصائص المهمة لهذا الحد هو أنه إشارة تحذير على أنه «لا يوجد ما وراء ذلك!» إن حد الزمكان يقول إنه من المحال اجتيازه. هذا أمر متوقع؛ فحين تشتمل نظرية فيزيائية على كمية لانهائية تتحلل المعادلة ولا يصير بمقدورنا الاستمرار في تطبيقها، فالتفرد في نظرية الانفجار العظيم هو إذن الحد الذي تقول فيه نظرية النسبية: «اللانهاية؟ سُحقا أنا أستسلم!» ومن ثم يتوقف كل من الزمان والمكان. ليس التفرد الزمكاني مفهوما تقنيا غير معروف. لقد صنع كل من روجر بنروز وستيفن هوكينج اسميهما في عالم الفيزياء النظرية عن طريق إثبات عدد من نظريات التفرد الزمكاني في الستينيات باستخدام أساليب رياضية بارعة. وكرس بعض زملائي حياتهم المهنية بالكامل لدراسة التفرد الزمكاني، بل وصل الأمر إلى أن هذا الموضوع وجد طريقه إلى حلقة مبكرة من حلقات مسلسل الخيال العلمي البريطاني الشهير «دكتور هو».
قلت إنه لا يمكن الاستمرار في الزمكان ما وراء إحدى نقاط التفرد. على وجه الدقة، لا يوجد ما يمنع الزمكان من أن يوجد على الجانب الآخر من نقطة التفرد، بمعنى أنه يمكننا تخيل الانضمام إلى زمكان آخر عند نقطة التفرد الخاصة بالانفجار العظيم من الجانب الآخر. إلا أن هذا لن يكون له مبرر؛ فلأن نقطة التفرد تمثل الذروة اللانهائية للتقوس والكثافة، ونهاية للنظرية الفيزيائية الأساسية التي تصف كل هذا، لا يمكننا الافتراض بأنه بمقدور أي جسم أو تأثير مادي أن يخترق إحدى نقاط التفرد، وبهذا لا يوجد سبيل لمعرفة هل يوجد أي شيء على الجانب المقابل أم لا. أيضًا لا يمكننا أن نولي فكرة وجود شيء ما على الجهة المقابلة أهمية كبيرة، فعلى أي حال لن يكون الزمان أو المكان الموجودان هناك زماننا ومكاننا، وبهذا يكون القول إن الزمكان «الآخر» وُجِدَ «قبل» الانفجار العظيم أمرًا غير ذي أهمية. وإذا كان ذلك الزمكان السابق لا يحمل أي تأثير فيزيائي على كوننا، فلا جدوى إذن من افتراض وجوده من الأساس.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|