مدى الترابط بين سوء النية وصحة شرط التخفيف والاعفاء من الضمان الاتفاقي |
1099
10:13 صباحاً
التاريخ: 2023-02-20
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-8-2020
7308
التاريخ: 8-3-2017
10304
التاريخ: 11-3-2017
2149
التاريخ: 3-8-2017
7458
|
إذا كان المدين بالضمان حسن النية بأن لم يعلم وقت العقد بعيب الشيء محل العقد أو لم يتعمد اخفاء سبب الضمان غشا منه واضرارا بالدائن بالضمان ، فإن الاتفاق على انقاص الضمان أو اسقاطه يكون صحيحا ومنتجا لأثاره فيما بين الطرفين. ففي حالة شرط اسقاط الضمان فقد يرد هذا الشرط متعلقا بحالة معينة وفي هذه الحالة يتعين قصره على ما ورد بشأنه ، وقد يرد عاما يعفي المدين من اي مسؤولية وهذا الاتفاق يكون مشروعا في حدود ما يقضي به القانون (1).
وإذا كانت القاعدة أن الاتفاق على الإعفاء من الضمان ولو جاء بصيغة عامة يؤدي إلى تخليص المدين من التزامه بالضمان ، (2) الا انه وفي نطاق ضمان التعرض والاستحقاق مقيد بما يقضي به القانون من أن المدين بالضمان يبقى رغم وجود هذا الشرط مسؤولا عن ضمان التعرض الناشئ عن فعله الشخصي ، كما يبقى ضامنا للاستحقاق الذي يرجع سببه إلى فعله (3).
فلا يجوز للبائع مثلا في عقد البيع ان يتعرض للمشتري ماديا في حيازته أو انتفاعه بالمبيع على اعتبار انه قد باع بشرط عدم الضمان ، كما لا يجوز له فضلا عن ذلك أن يتعرض قانونيا للمشتري ، كما لو ادعى لنفسه حقا على الشيء المبيع يتناقض مع التزامه بالضمان ، ، لأن من التزم بالضمان امتنع عليه التعرض (4).
فالبائع قد تعهد بأن ينقل للمشتري ملكية الشيء المبيع وان يضمن له حيازة هادئة ، ولهذا فإن القانون يفترض إذا ما سمح للبائع بأن يتعرض بنفسه للمشتري فإنه يرتكب غشا وينتفي بذلك شرط حسن النية عنه مما يؤدي إلى بطلان مثل هذا الاتفاق ، اذ لا يجوز الاتفاق على عدم مساءلة الشخص عن غشه وسوء نيته(5).
وقد نصت المادة (1/557) من القانون المدني العراقي على انه " اذا اتفق على عدم الضمان بقي البائع مع ذلك مسؤولا عن اي استحقاق ينشأ عن فعله ويقع باطلا كل اتفاق يقضي بغير ذلك (6) فالمدين وفقا للنص المشار إليه سابقا يبقى رغم شرط عدم الضمان مسؤولا عن اسباب الاستحقاق التي ترجع إلى فعله، سواء كان هذا السبب سابقا على عقد البيع ام لاحقا له.
فشرط إسقاط الضمان لا يعفي المدين في نطاق ضمان التعرض والاستحقاق الا من تعرض الغير واستحقاقه بشرط الا يكون راجعاً إلى فعل المدين بالضمان وبشرط الا يكون هذا الأخير قد تعمد اخفاء سببه عن الدائن (7) كما أن عدم ضمان المدين لاستحقاق الشيء محل العقد لا يعني ان تبعة الاستحقاق تقع على عاتق الدائن وان المدين يعفى من كل مسؤولية اذ يبقى المدين رغم شرط اسقاط الضمان مسؤولا عن رد الثمن إلى الدائن. وهذا ما ذهبت إليه المادة (2/557) من القانون المدني العراقي بقولها " اما اذا كان استحقاق المبيع قد نشأ من فعل الغير فإن البائع يكون مسؤولا عن رد الثمن فقط " (8) ومن ثم فإن شرط الاعفاء من الضمان لا ينتج سوى أثر جزئي هو اعفاء المدين من التعويضات المستحقة للدائن وفقا لما نصت عليه المادة (554) من القانون المدني العراقي. اما مسؤولية المدين عن رد الثمن إلى الدائن لا يؤثر فيها شرط الاعفاء من الضمان. وفي هذا يختلف شرط عدم ضمان التعرض والاستحقاق عن شرط عدم ضمان العيوب الخفية ، لان هذا الشرط الأخير يعفي المدين من هذا الضمان كلية ولا يكون للدائن عندئذ أن يرد له الشيء محل العقد أو يحصل على اي تعويضات (9).
الا ان هناك حالتين نص عليهما في القانون المدني المصري في المادة (2/446) والقانون المدني الفرنسي في المادة (1629) يعفى فيهما المدين بالضمان من كل مسؤولية ، حتى انه لا يلتزم برد قيمة المبيع في القانون المدني المصري أو برد الثمن في القانون المدني الفرنسي ، وذلك في حالة اقتران شرط عدم الضمان من قبل المدين اما بعلم الدائن بسبب الاستحقاق أو في حالة اقترانه مع قبول الدائن الشراء وهو ساقط الخيار . بشرط لا يكون المدين بالضمان قد تعمد اخفاء سبب الاستحقاق عن الدائن بالضمان (10).
فاذا تمكن المدين بالضمان من اثبات علم الدائن وقت البيع بسبب الاستحقاق وقبوله الشراء على الرغم من ذلك بشرط عدم الضمان ، فإن ذلك يعني ان ارادته قد اتجهت إلى إعفاء المدين من كل ضمان وانه قد اشترى مخاطراً ، وعليه ان يتحمل نتيجة ما اقدم عليه (11).
إلا أن علم الدائن وحده بسبب الضمان ما لم يكن مقترناً بشرط اسقاط الضمان لا يترتب عليه سوى عدم استحقاق هذا الأخير للتعويض مع بقاء حقه في استرداد قيمة المبيع أو الثمن (12). ويقع على عاتق المدين اثبات علم الدائن بسبب الاستحقاق ويستطيع ذلك بكافة طرق الاثبات على اعتبار العلم واقعة مادية يمكن اثباتها بكافة الطرق (13).
وقد يقترن شرط اسقاط الضمان بقبول الدائن الشراء وهو ساقط الخيار ، أي قبوله الشراء متحملاً وحده ما قد يترتب على استحقاق الشيء محل العقد للغير من نتائج ، فيكون قد أقدم في هذه الحالة على العقد مخاطراً ويحصل ذلك في أغلب الأحوال عندما يكون الدائن قد دفع ثمناً يقل عن ثمن مثل المبيع الذي يباع عادة دون اشتراط عدم الضمان (14).
اما بالنسبة إلى موقف القانون المدني العراقي فإنه قد خلا من نص يشير إلى هاتين الحالتين ، مما ادى إلى اختلاف الفقه في امكانية الاخذ أو عدم الأخذ بالحكم الوارد في المادة (2/446) من القانون المدني المصري ، فقد ذهب جانب من الفقه العراقي إلى إمكانية الأخذ بالحكم الذي جاءت به المادة (2/446) من القانون المدني المصري وذلك لاتفاق حكم هذه المادة مع أحكام القواعد العامة في القانون المدني العراقي ، اي انه يجوز الاتفاق على اعفاء المدين من كل مسؤولية حتى فيما يتعلق بالتزامه برد الثمن شريطة ان لا يكون هذا الأخير قد تعمد اخفاء سبب الاستحقاق غشاً منه (15).
في حين نجد ان جانبا آخر من الفقه قد ذهب إلى عدم امكانية الاخذ بالرأي السابق ، ليس على اعتبار عدم وجود نص في القانون المدني العراقي يسمح بإعفاء المدين من رد الثمن ، ولكن بالإضافة إلى ما تقدم ان المادة (2/557) تبين وبصراحة نية المشرع بعدم امكانية اعفاء المدين من رد الثمن عند الاتفاق بين الطرفين على اسقاط الضمان وبينت الاثر المترتب على ذلك وهو الزام المدين برد الثمن. و أنه لا يمكن القول بأن الحالتين التي أشار إليهما المشرع المصري في المادة (2/446) من القانون المدني تعتبران استثناء من الحكم العام الذي قضت به المادة (2/557) من القانون المدني العراقي، وذلك لان الاستثناء لا يمكن الاخذ به الا اذا جاء نص يصرح به، وهذا ما لم تأت به المادة المذكورة في فقرتها الثانية و يلاحظ اخيرا ان الفقرة الثانية من المادة (557) من القانون المدني العراقي قد تم اقتباسها من الفقرة الثانية من المادة (446) من القانون المدني المصري إذ إن المشرع العراقي قد نقل عبارات المادة (2/446) من القانون المدني المصري حرفيا عدا ما يتعلق بالحالتين المشار إليهما سابقا وهذا ما يظهر بوضوح بأن المشرع العراقي لم يرغب ان يأخذ بالحالتين المشار إليهما في القانون المدني المصري ، ومن ثم فإنه لم ينقل حكمها إليه(16)
أما بالنسبة إلى الاتفاق على تخفيف أو انقاص الضمان ، فإن هذا الاتفاق يكون صحيحا طالما كان المدين بالضمان حسن النية لم يتعمد اخفاء سبب الضمان غشا واضرارا بالدائن ، كما لو اتفق في عقد البيع على اعفاء البائع من ضمان ما قد يظهر على المبيع من حقوق ارتفاق خفية لا يعلم بها البائع. (17) وقد يتعلق التخفيف من الضمان بتخفيض مقدار التعويض الذي يرجع به المشتري على البائع ، فيتفق الطرفان أنه في حالة الاستحقاق الكلي للمبيع لا يرجع المشتري إلا بقيمة المبيع فقط دون التعويضات الاخرى ، أو الاتفاق على الرجوع بالثمن فقط ولو كان اقل من قيمة المبيع وقت الاستحقاق . (18) وقد يتفق المتعاقدان في نطاق ضمان العيوب الخفية على انقاص هذا الضمان سواء تعلق الانقاص بشروط الضمان أو مقدار التعويض أو اجراءات الرجوع (19).
الا ان هذا الشرط لا يكون صحيحا الا اذا كان المدين بالضمان حسن النية ، ويقع باطلا كل شرط ينقص الضمان اذا كان هذا الأخير قد تعمد اخفاء العيب الذي اشترط عدم ضمانه ، لأنه بإخفائه العيب يكون قد لجأ إلى الغش في تعامله ، كما لو قام بإخفاء الكسر الموجود بأحد اجزاء الشيء محل العقد المعيب بالطلاء والصبغ وان عبء اثبات تعمد المدين اخفاء العيب في الشيء محل العقد يقع على الدائن بالضمان ومثال الاتفاق على انقاص الضمان كما لو اتفق على أن لا يضمن المدين إلا العيوب التي كانت موجودة في الشيء محل العقد في وقت معين قبل انعقاد العقد ، أو على أن لا يضمن الا عيب معين بالذات أو على درجة من الجسامة (20) .
كما وقد يتفق المدين مع الدائن بالضمان على حق هذا الأخير في المطالبة بنقصان الثمن دون رد المبيع في عقد البيع حتى ولو كان له الحق برد المبيع قانونا (21) وقد يتعلق اتفاق المتعاقدان بأسقاط الضمان القانوني للعيوب الخفية أو الاعفاء منه ، وذلك من خلال اشتراط المدين بالضمان براءته من جميع العيوب الموجودة في الشيء محل العقد أو التي قد تظهر فيه (22) ويعد هذا الاتفاق صحيحاً فلا يضمن المدين اي عيب يظهر في الشيء محل العقد حتى لو كان يعلم بوجود عيوب معينة إلا أنه لم يتعمد اخفاؤها عن الدائن بالضمان غشاً واضراراً به (23) ، ويكون هذا الأخير هنا بمثابة من تعاقد وهو ساقط الخيار وهذا يؤخذ في الاعتبار عند تقدير بدل الشيء محل العقد.
وشرط اسقاط الضمان متى كان صحيحاً فإنه يرتب أثره كاملاً من حيث إعفاء المدين من الضمان كله فلا يسأل حتى عن رد قيمة المبيع في القانون المدني المصري أو رد الثمن في القانون المدني الفرنسي. كما ان شرط اسقاط الضمان أو انقاصه لا يبطل الا بالنسبة للعيب الذي تعمد المدين اخفاءه عن الدائن غشاً منه ، فاذا ما ظهر عيب آخر لم يتعمد المدين اخفاءه فالشرط يرتب أثره بالنسبة لهذا العيب(24).
نستنتج مما سبق ذكره ان حسن نية المدين بالضمان شرط لصحة انقاص الضمان أو اسقاطه وهذا ما نصت عليه المادة (568) من القانون المدني العراقي والمادة (453) من القانون المدني المصري والمادة (1643 من القانون المدني الفرنسي مع الاختلاف في معنى حسن النية ، ففي القانون المدني الفرنسي حسن النية هي عدم العلم بالعيب ومجرد علم المدين بالضمان بالعيب وعلمه ان الدائن يجهله يجعله سيء النية ، لان علمه هذا يفرض عليه واجباً يتعين معه اخطار الدائن واعلامه بالعيب الموجود في الشيء محل العقد. (25).
أما في القانون المدني العراقي والمصري فحسن النية يعني عدم تعمد اخفاء العيب حتى ولو كان المدين يعلمه. فاذا ما ارتكب المدين بالضمان غشاً بإخفائه العيب الذي يعلمه ، فإن كل شرط ينقص الضمان أو يسقطه يقع باطلاً غير منتج لأي أثر في إعفاء المدين من الضمان أو تخفيف عبئه عليه ، إذ لا يجوز اشتراطاً بالعقد يعفي المتعاقد به نفسه من مسؤوليته عن الغش.
_________
1- انظر د. توفيق حسن فرج ، عقد البيع والمقايضة ، الطبعة الأولى ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، مصر ، 1985 – ص 390.
2- انظر جلال الدين محمد صبرة ص 443.
3- انظر د. خميس خضر - العقود المدنية الكبيرة - ص 252.
4- انظر د. حسن علي الذنون - شرح القانون المدني - العقود المسماة - ص 210
5- انظر د. عبد الرزاق السنهوري الوسيط في شرح القانون المدني الجديد الجزء الرابع ، العقود الواردة على الملكية – ص 707.
6- انظر المادة (1/446) من القانون المدني المصري، المادة (1628) من القانون المدني الفرنسي. وفي قرار المحكمة النقض المصرية جاء فيه " ان من شروط صحة الاتفاق على انقاص ضمان الاستحقاق او اسقاطه ، الا يكون الاستحقاق ناشئا عن فعل البائع ، وعدم تعمد اخفاء حق الأجنبي .". نقض مدني مصري في 8/5/ 1999. نقلا عن عزت مصطفى الدسوقي - مصدر سابق - ص 214.
7- انظر د. رمضان محمد ابو السعود - شرح احكام القانون المدني - العقود المسماة - ص 344.
8- انظر المادة (2/446) من القانون المدني المصري ، المادة (1629) من القانون المدني الفرنسي.
9- انظر د. سعيد جبر –ص 90.
10- انظر المادة (2/446) من القانون المدني المصري، المادة (1629) من القانون المدني الفرنسي.
11- انظر د. عدنان ابراهيم السرحان - شرح احكام العقود المسماة - عقد البيع - ج1 - ص 267
12- انظر د. محمد السعيد رشدي ، شرح احكام عقد البيع في ضوء الفقه والقضاء ، دون مكان نشر ، 2007 ص 190.
13- انظر د. رمضان ابو السعود - شرح العقود المسماة - عقد البيع والمقايضة – ص 242- 243
14- انظر د. توفيق حسن فرج ، عقد البيع والمقايضة ، الطبعة الأولى ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، مصر ، 1985 ص 283.
15- انظر د. غني حسون طه ، الوجيز في العقود المسماة ، البيع ، الجزء الأول ، الطبعة الأولى ، مطبعة المعارف، بغداد ، العراق ، 1969 – ص 303. انظر كذلك د. عباس حسن الصراف ص 204.
16- انظر د حسن على الذنون - شرح القانون المدني العراقي - العقود المسماة - عقد البيع – مصدر سابق – ص 211
17- انظر د. اسماعيل غانم - عقد البيع - مكتبة عبد الله وهبة - مصر - 1963 – ص 190.
18- انظر د امير احمد عزيز سيد النمر ص 338 - هامش رقم 1.
19-انظر د برهام محمد عطا الله - ص 126
20- انظر د. نبيل ابراهيم سعد - ص 422.
21- انظر د. جعفر الفضلي - ص 143.
22- انظر وضاح غسان عبد القادر محمد مصدر سابق - ص 185.
23- انظر المادة (2/567) من القانون المدني العراقي حيث نصت على انه " واذا اشترط البائع براءته من كل عيب ، أو من كل عيب موجود بالمبيع، صح البيع والشرط وان لم يسم العيوب ، ولكن في الحالة الأولى يبرأ البائع من العيب الموجود وقت العقد ومن العيب الحادث بعده قبل القبض وفي الحالة الثانية يبرأ من الموجود دون الحادث "
24 - انظر د انور سلطان ، العقود المسماة ، شرح عقدي البيع والمقايضة ، الطبعة الأولى ، دار النشر للثقافة ، الاسكندرية ، مصر ، 1952 - ص 202.
25- انظر عبد الرسول عبد الرضا - مصدر سابق - ص 186 وقد جاء في حكم المحكمة النقض الفرنسية " عدم فاعلية بند عدم ضمان العيوب الخفية عندما يثبت ان البائع كان قد علم بالعيب " نقض مدني فرنسي في 3/ 2007/3 - دالوز 2009 - ص .1613. وفي قرار اخر جاء فيه " لا يمكن للبائع أن يتذرع بشرط استبعاد ضمان العيوب الخفية مسبقا لكونه ملزما بمعرفتها " نقض مدني فرنسي في 1984/1/3 . دالوز 2009 – ص 1614
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|