أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-09-2015
4355
التاريخ: 25-03-2015
2270
التاريخ: 25-03-2015
44544
التاريخ: 25-03-2015
4187
|
الطباق
اللغوي الذي أخذ منه الصناعي هو قول العرب: طابق البعير في مشيه إذا وضع خف رجله
موضع خف يده، وقد رد ابن الأثير على كل من ألف في الصناعة هذا الباب، وقال: إن الجمع
من تسميتهم الضدين في هذا الباب خطأ محض، لأن أصل الاشتقاق يقتضي الموافقة لا
المضادة، وهو أولى بالخطأ منهم، لأن القوم رأوا أن البعير قد جمع بين الرجل واليد
في موطئ واحد، والرجل واليد ضدان، أو في معنى الضدين، فرأوا أن الكلام الذي قد جمع
فيه بين الضدين يحسن أن يسمى مطابقاً لأن المتكلم به قد طابق فيه بني الضدين، وهو
على ضربين: ضرب يأتي بألفاظ الحقيقة، وضرب يأتي بألفاظ المجاز، فما كان منه بلفظ
الحقيقة سمي طباقاً، وما كان بلفظ المجاز سمي تكافؤاً، فمثال التكافؤ قول أبي
الشغب العبسي من إنشادات قدامة [كامل]:
حلو
الشمائل وهو مرٌّ باسل ... يحمي الذمار صبيحة
الإرهاق
ومن
أمثلة التكافؤ قول ابن رشيق: [طويل]
وقد
أطفأوا شمس النهار وأوقدوا ... نجوم العوالي في سماء
عجاج
لما
كان قوله حلو و مر خارجاً مخرج الاستعارة إذ ليس
الإنسان ولا شمائله مما يذاق بحاسة الذوق، كان هذا تكافؤاً.
وكل
أمثلة التكافؤ صالحة لأن تكون أمثلة لباب المقارنة من الأبواب التي استنبطتها،
وستأتي في آخر الكتاب.
وأما
الطباق الذي يأتي بألفاظ الحقيقة فقد قسموه إلى ثلاثة أقسام: طباق الإيجاب، وطباق
السلب، وطباق الترديد.
فمثال
طباق الإيجاب قوله تعالى: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا)، وكقول الرسول
صلى الله عليه[وآله] وسلم للأنصار رضي الله عنهم: إنكم لتكثرون عند الفزع،
وتقلون عند الطمع ، فانظروا إلى فضل هذه العبارة كيف أتت المناسبة التامة
فيها ضمن المطابقة.
وكقول
علي كرم الله وجهه: من رضي عن نفسه كثر من يسخط عليه، وكقول دعبل الخزاعي: [كامل]
لا
تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
وهذا
البيت مع سهولة سبكه وخفة ألفاظه وكثرة الماء في جملته قد جمع بين لفظي التكافؤ
والطباق معاً، لأن ضحك المشيب مجاز، وبكاء الشاعر حقيقة، وكقول الفرزدق وهو من
إنشادات ابن المعتز: [كامل]
لعن
الإله بني كليب إنهم ... لا يغدرون ولا يفون لجار
يستيقظون
إلى نهيق حمارهم ... وتنام أعينهم عن الأوتار
غير
أن هذين البيتين من أفضل شعر سمعته في هذا الباب، لأنهما جمعا بين طباقي السلب
والإيجاب، ووقع فيهما مع الطباق تكميل لم يقع مثله في باب التكميل، لأن هذا الشاعر
لما وصف هؤلاء القوم بالضعف حيث قال: لا يغدرون وعلم أنه لو اقتصر
على ذلك احتمل الكلام ضرباً من المدح، إذ تجنب الغدر قد يكون عن ضعف وعن عفة، أتى
بصريح الهجاء ليدل بذلك على أنه أراد بكلامه الأول محض الهجاء، واقتضت الصناعة أن
يأتي بذلك في لفظ ينتظم به وبما بعده طباق، فقال: ولا يفون لجار
فتكمل الهجاء، إذ سلبهم الغدر والعجز والوفاء للؤم وحصل في البيت مع الطباق
والتكميل الدالين على غاية الهجاء إيغال حسن، لأنه لو اقتصر على قوله لا
يغدرون ولا يفون تم له القصد الذي أراده، وحصل المعنى الذي قصده، لكنه لما
احتاج إلى القافية ليصير الكلام شعراً أفاد بها معنى زائداً حيث قال: لجار
لأن الغدر بالجار أشد قبحاً من الغدر بغيره فإن قيل: لعنة الشاعر لهم في
أول كلامه تدل على أنه أراد بقوله: لا يغدرون الهجاء فبطل، تأويله.
قلت:
ظاهر الغدر القبح، وإنما يستحسن إذا أريد به وصف فاعله بالقدرة وهو من مذهب
الجاهلية والشعر الإسلامي، فيحتمل منه لعنه لهم إذا حلمنا نفي الغدر عنهم على صفة
المدح أنه أراد باللعنة المبالغة في استحسان ما وصفهم به، فإن من مذهب العرب ذلك،
ألا تراهم كانوا يسمون نوادر الأشعار كالمعلقات وأمثالها المخازي والملاعن، لأن
سامعها يقول: أخزاه الله ما أشعره، ولعنه الله ما أصدقه.
وطباق
السلب، وهو أن يأتي المتكلم بجملتين أو كلمتين، إحداهما موجبة والأخرى منفية، وقد
تكون الكلمتان منفيتين، وقد تقدم في شعر الفرزدق مثال ما وقع في الكلمتان منفيتين،
وأما ما وقعت فيه إحدى الكلمتين منفية والأخرى موجبة فمثاله قول بشر بن هارون وقد
ظهر منه فرح عند الموت، وقيل له: أتفرح بالموت؟ فقال: ليس قدومي على خالق أرجوه
كمقامي مع مخلوق لا أرجوه، وقد نظم منصور الفقيه هذا المعنى فقال [كامل]:
قد
قلت إذ مدحوا الحياة فأطنبوا ... في الموت ألف فضيلة لا
توصف
منها
أمان لقائه بلقائه ... وفراق كل معاشر لا ينصف
ومن
أمثلة القسم الثاني من طباق السلب قول البحتري: [طويل]
يقيض
لي من حيث لا أعلم الهوى ... ويسري إلى الشوق من حيث
أعلم
وطباق
الترديد، وهو أن يرد آخر الكلام المطابق على أوله، فإن لم يكن الكلام مطابقاً فهو
رد الأعجاز على الصدور، ومثاله قول الأعشى [بسيط]:
لا
يرقع الناس ما أوهوا وإن جهدوا ... طول الحياة ويوهون ما
رقعوا
وقد
يقع في الطباق ما هو معنوي، كقوله تعالى: (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ *
قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا
إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ)، معناه ربنا يعلم إنا لصادقون، والله أعلم.