أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-5-2016
3167
التاريخ: 3-8-2017
4611
التاريخ: 28-8-2019
6124
التاريخ: 13-1-2019
3128
|
يقصد بالمعيار الموضوعي او المادي لسوء النية في تنفيذ العقد عدم اتيان التصرف على وجه يتفق مع احكام القانون وقيم المجتمع واخلاقياته ، ذلك ان القانون لا ينظر الى صحة التصرفات او عدم صحتها ، بناء على ما يعتقده المرء فيها ، وانما اوجب لاعتبارها صحيحة ان تكون مقبولة في نظر القانون وقيم المجتمع ، والا فليست العبرة بما يعتقده المتعاقد في تصرفاته ، اذ قد يعتقد المتعاقد ان ما يقوم به صحيح ، غير انه لا يكون الحال كذلك بمنظار الحقيقة الموضوعية المنبثقة من رأي القانون وضمير الجماعة .
ومما يجدر ذكره انه يقصد بالمعيار الموضوعي بصورة عامة معيار السلوك المعتاد والمألوف وينظر القاضي إلى المسلك المتوقع للرجل العادي العاقل الذي يوجد في نفس ظروف المدين ، إذ انه يتجرد من الظروف الذاتية الملابسة للمتعاقد وهي ظروف ذاتية لا يصح النظر إليها والا انقلب المعيار إلى معيار شخصي وانما يقدر سلوك الشخص بحسب السلوك المألوف للشخص المعتاد (1).
ويعتمد المعيار الموضوعي بالدرجة الأساس شكل التصرف وصورته الظاهرة، و يجد هذا المعيار أساسه في قواعد العدالة وقواعد الاخلاق ، ويستلزم المعيار الموضوعي من المتصرف أن يكون أكثر حرصا في تصرفاته حتى لا تضر بالآخرين، ذلك أن العدالة وقواعد الاخلاق كما لا تقر نية الإضرار بالغير وهو ما يعبر عنه بسوء النية الذاتي كذلك لا تقر الاهمال والتقصير اي سوء النية الموضوعي (2) .
ويعد سوء النية الموضوعي ضابطا قانونيا يلزم مراعاة تجنبه لدى تنفيذ العقد ، إذ نص المشرع في القوانين محل المقارنة في صدد تنفيذ العقد اذ أوجب ان يكون طبقا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية، اذ نصت المادة (1/150) من القانون المدني العراقي على انه ( يجب تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية ) ، تطابقها تماماً، المادة (148) من القانون المدني المصري، وما نصت عليه المادة (1104) من القانون المدني الفرنسي التي جاء فيها ( يجب التفاوض على العقود وابرامها وتنفيذها بحسن نية (3)، وفي تفسير معنى حسن النية في مجال التنفيذ ربط الفقه بين قاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين وان تنفيذه يجب ان يكون بحسن نية ويترتب على ذلك مبدأين الأول أنه لا يجوز لاحد من العاقدين ان يتخلص من التزاماته المترتبة عليه بموجب العقد والثاني انه لا يجوز لاحدهما أن يتغالى في الاستفادة من العقد على حساب الطرف الاخر (4).
هذا وارتبط المبدأ المذكور ارتباطاً وثيقاً بالأخلاق ، فهو ذو نشأة اخلاقية سرعان ما تكرست على شكل قواعد قانونية ، إذ أن القانون لم يكن في يوم من الأيام بعيداً عن الاخلاق ، فبينهما علاقة أساسية وطيدة وكثير من الأحكام القانونية ما هي إلا ترجمة لواجبات اخلاقية تم نقلها إلى المجال القانوني ومن ضمنها مبدأ حسن النية ، وبدأ يتضمن التزاماً سلبياً مقتضاه امتناع أي من المتعاقدين عن غش أو خداع المتعاقد الآخر أو استغلال ضعفه ، لذا هناك من عرفه بأنه الاستقامة في التعامل وإرادة عدم الاضرار بالغير في معرض استعمال حق من الحقوق والالتزام بمبادئ العدل والانصاف وعدم تجاوز ما يمنحه الحق من سلطة واستثأر ، فهو مفهوم اخلاقي وانساني كامن وراء القواعد القانونية (5).
هذا وإن الاخذ بهذا المعيار قد جاء نتيجة تجنب مساوئ الاعتماد على المعيار الذاتي وحده مما قد يفتح الباب إلى التحكم من جانب القضاء ، لا سيما أن المعيار الذاتي ينتمي إلى البواعث والنيات وما قد يستلزمه ذلك من البحث في خلجات النفس وبواعثها الخفية للتعرف على حقيقة اتجاه نية المتصرف وقصده الداخلي من العقد أو التصرف وصعوبة ذلك غالباً، هذا بالإضافة إلى عدم توقع اقرار المتصرف بحقيقة اتجاه نيته من التصرف ، لذا فأن في الاخذ بالمعيار الموضوعي إلى جانب المعيار الذاتي يؤدي إلى تجنب المخاطر التي قد تنتج من اعتماد المعيار الذاتي وحده نظراً لما يتميز به المعيار الموضوعي من مرونة وسهولة الاثبات لان الاساس فيه نتيجة التصرف وثمرته (6).
وبعد بيان مفهومي المعيارين الذاتي والموضوعي في قياس سوء نية المتعاقد في تنفيذ التزاماته التعاقدية ، يبقى التساؤل الاهم يدور حول مدى كفاية احد المعيارين ونجاعته في تقدير سوء النية ؟ أو بتعبير آخر ، أي المعيارين يمكن الاخذ به ؟ وهل يكفي احدهما دون الآخر؟ .
في الاجابة على هذه الاسئلة المطروحة يرى البعض من الفقه وهو ما نؤيده أنه لا يمكن الاعتماد في تقدير حسن النية بشكل عام لدى المتعاقد على المعيار الذاتي دون الموضوعي أو على الموضوعي دون الذاتي ، بل يجب اعتماد كلا المعيارين فعلى المتعاقد أن يتجنب الإضرار بالمتعاقد الآخر اذ لا يكون حسن النية الا اذا انتفت نية الإضرار التي تقدر بمعيار ذاتي فضلاً عن ذلك عليه ان يتجنب الاهمال الذي يقدر بمعيار موضوعي وهو معيار الرجل المعتاد بغض النظر عن ظروف المتعاقد الشخصية اذ ان الاهمال وعدم الحيطة من قبل المتعاقد تثبت لديه حالة من سوء النية الموضوعي(7).
ومن الفقه القانوني العراقي من يؤكد ( ان القانون المدني العراقي ، اذا كان قد اخذ بمبدأ حسن النية في التنفيذ ، الا ان ذلك لا يعني انه تمسك بمعيار ذاتي بحت هاجرا المعيار المادي الذي اقره المشرع الألماني ، فلا تعارض بين المعيارين ، بل يصح القول بانهما متكاملان ، وان المعيار هو معيار ذاتي ومادي معاً ) (8) ، ومن خلال الخوض بمفهوم المعيارين يتضح جلياً انه ليس من الصواب التعويل على معيار دون اخر واعتناقه على وجه قطعي ، انما يتعين الاخذ بهما معاً وحسب الحالات المعروضة ، اذ قد يستلزم الأمر الركون الى المعيار المادي الموضوعي كما في حالات الاهمال والتقصير ، التي لا يمكن الاعتماد فيها على المعيار الشخصي النفسي ، وهنالك حالات يشكل فيها المعيار الشخصي ملاذاً لمن اصابه الحيف جراء سوء النية كما في نية الاضرار المتعمدة ، ومن ثم فازدواجية المعيار تسمح بتغطية حالات سوء النية في تنفيذ العقد ، محققة اكبر قدر ممكن من العدالة والانصاف .
________
1 - د. توفيق حسن فرج ، النظرية العامة للالتزام ، مصادر الالتزام ، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بلا تاريخ نشر ، ص 371-372
2-Léa Amic. La loyauté dans les rapports de travail, Droit, These pour obtenir le grade Docteur en Droit ni ersit e d' ignon, 2014, Français,p28. R. Vouin, La bonne foi,notion et rôle actuels en droit privé français, L.G.D.J, paris, 1939,p89. Philippe Stoffel-Munck, L'abus dans le contrat, Essai d'une théorie, Paris 2000, p. 476.
3- Art. 1104.-Les contrats doivent être négociés, formés et exécutés de bonne foi .Cette disposition est d'ordre public).
4- ينظر : د. جميل الشرقاوي ، النظرية العامة للالتزامات ، الكتاب الأول ، مصادر الالتزام ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1981 ، ص33. وعصمت عبد المجيد بكر ، اختلال التوازن الاقتصادي للعقد ودور القاضي في معالجته دراسة مقارنة ، أطروحة دكتوراه ، كلية القانون والسياسة ، جامعة بغداد ، 1978 ، ص 1 . وتبيل اسماعيل حسن ، دور القاضي في تحقيق التوازن بين الحقوق والالتزامات في العقود ، بحث منشور في مجلة العدالة ، اصدار وزارة العدل ، العدد الثاني ، السنة الخامسة ، بغداد ، ص 505. راقية عبد الجبار علي سلطة القاضي في تعديل العقد - دراسة مقارنة ، أطروحة دكتوراه ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، 2000 ، ص 137 136
Planio (M.) et Rpert (G.): Trait pratique de droat civil Francais, L.G.D.J.,led, paris, 1952 – 1956, P.390.
5- د. سحر البكباشي ، دور القاضي في تكميل العقد ، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، 2008، ص 283 . ود. سهير منتصر ، الالتزام بالتبصير ، دار النهضة العربية ، 1991 ، ص 28
Louise Rolland, La bonne foi dans le Code civil du Québec du tudes au particulier, (1996) 26 R.D.U.S., p 381-382. Marie Annik Grégoire, L’impact de l’obligation de bonne foi: tude sur ses tude et sanctions lors de la formation et l’élaboration du contrat, Mémoire présenté à la Faculté des tudes supérieures en vue de l’obtention du grade de Maître en droit (LL.M.), Faculté de droit, Université de Montréal, Juin 2001, p 4-13.
6- محمود جمال الدين زكي، الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني المصري، الجزء الأول ، الطبعة الثانية، القاهرة، 1976 ، ص 440
7- Raymond Guillien; Jean Vincent, sous la direction de Serge Guinchard; Gabriel Montagnier, Lexique des termes juridiques, 15e édition, Dalloz, Paris, 2005, p. 83.
8-عبد الباقي البكري ، شرح القانون المدني العراقي ، الجزء الثالث ، من غير ذكر طبعة او دار نشر ، 1971 ، الفقرة 16 ، ص 13
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|