أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-1-2023
722
التاريخ: 12/12/2022
3497
التاريخ: 22-10-2019
1450
التاريخ: 15/12/2022
910
|
لغة المقال بين الصحافة والأدب
لقد بين (د. عبد اللطيف حمزة) أن هناك مستويات ثلاثة تستخدم في الكتابة، هي:
المستوى الأدبي: وهو المستوى الذي يقف فيه الأدباء للتعبير عن عواطفهم ومشاعرهم، وتجاربهم الإنسانية بوجه عام. ولهم في هذا التعبير طرائق شتى تختلف باختلاف الأشخاص، واختلاف الصور، واختلاف البيئات.
المستوى العلمي: وهو المستوى الذي يقف فيه العلماء ليعبروا عن الحقائق العلمية، سواء أكان ذلك في العلوم الكونية، أم التاريخية، أم الأدبية.
وهم في هذا التعبير يلتزمون لغة تمتاز بالوضوح، واستخدام الألفاظ التي على قدر المعاني واصطناع المصطلحات التي اتفق عليها أهل كل علم من هذه العلوم على حدة. ومعنى ذلك أن العلم مادته الحقائق وحدها، في حين أن الأدب مادته العواطف والصور والأخيلة.
المستوى العملي: وهو المستوى الذي يقف فيه الصحفي لينقل للناس أخبار البيئة التي يعيشون فيها، والبيئات التي يتصلون بها. وليقوم للناس بتفسير هذه الأخبار في أثناء نقلها، وبعد نقلها، وذلك عن طريق التعليق عليها. والصحفي في سبيل هذه الغاية يستخدم لغة عملية يفهمها القراء، ولا يشترط فيها ما يشترط في لغة الأدب من خيال أو جمال، أو ما يشترط في لغة العلم من دقة بالغة في تحديد معاني الألفاظ.
وهذا المستوى العملي، هو الذي يميز لغة الصحافة، وهي اللغة المشتقة من الحياة الواقعة التي يحياها الناس في المجتمعات، والتي يفهمها أكبر عدد من الناس على اختلاف أذواقهم أو أفهامهم، أو بيئاتهم وثقافاتهم. وهذه اللغة هي اللغة القومية - في صورة من صورها. تمتاز بأشياء أهمها: البساطة والوضوح والايناس واللطف والرشاقة، وتنأى ما أمكن عن صفات التعالي على القراء، والتقعر، أو الغرابة في الأسلوب، والمبالغة في التعمق الذي لا تقبله طبيعة الصحف بحال ما.
إن هذه اللغة الصحفية، التي تعتبر من سمات التحرير الصحفي المقالي، تتصل بطبيعة العمل الصحفي، الذي يعتبر المقال فنا صحفيا بارزا في صفحاتها، يومية أو أسبوعية، وهو: (بطبيعته عمل مكتوب للنشر في حيز معين، ولأنه بطبيعته وليد النشر المستمر المنتظم، وإذا كنا نعتبر القصة عملا أدبياً وجد مجال النشر في الصحافة، فنستطيع أن نعتبر المقال عملا صحفي النشأة وجد فيه الأدباء قالباً جديداً ومجالا جديداُ للكتابة).
وقد فرضت الصحافة تقاليد بذاتها على المقال من حيث اللغة ومن حيث الأسلوب ومن حيث الموضوع بل ومن حيث تقسيم المقال نفسه. فمقال الصحيفة يلتزم لغة الصحافة العادية التي لا تتميز بشخصية معينة تستمدها من شخصية الكاتب وقاموسه الخاص به، وأسلوب المقال الصحفي جزء من الأسلوب العام للصحيفة يخضع للمدرسة الأسلوبية التي تنتهجها الصحيفة في كل ما تقدم لقرائها.. وموضوعات المقال لم تعد خاطرة تسنح للكاتب فيكتبها كما يشاء وإنما أصبحت محددة بظروف الحياة اليومية التي تخدمها الصحيفة، فكاتب المقال ملزم بخدمة أغراض الصحيفة وتتبع الموضوعات العامة التي تهم الرأي العام سواء أحس برغبة ملحة في الكتابة فيها أولم يحس تجاهها بأي تعاطف على الإطلاق.
إن هذه الكتابة المقالية للصحف، يجدها الأدباء مناسبة إلى اللجوء إلى الأسلوب الصحفي الذي
يتميز بالوضوح والسلاسة وهم يوائمون بين إبداعهم الأدبي والكتابة الصحفية اليومية. وهذه الكتابة برأي الأديب (فخري قعوار): عبارة عن مشاركة مستمرة للناس في مشكلاتهم وهمومهم، وهي تضعني في حالة استنفار دائم ومتابعة دائمة. وأعتقد أن الصحافة تثري مخزون الأديب وتجعله أكثر قربا من قضايا الناس والقضايا العامة، الوطنية والقومية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وهذا بحد ذاته يعطي الكاتب زخما أكبر يؤهله لسبر أغوار الحياة على نحو أعمق.
وقال الكاتب (خيري منصور): لا أعتبر رحلتي صحفية بالمعنى الدقيق، بل كانت وما زالت رحلة ثقافية، إحدى قنواتها الصحافة، فما أقوله في مقالاتي هو نفس ما حاولت أن أقوله بشيء من التوسع في كتبي وأعمالي. فرحلتي اقتصرت، بهذا المعنى، على الصحافة في بعدها الفكري. فمقالتي هي في الفكر السياسي وليست في السياسة."
وقال الكاتب (محمود الريماوي): إن مهنتي هي الصحافة والكتابة تحديداً. لكني في الوقت ذاته، أتوفر على ميل أدبي لكتابة القصة القصيرة والنصوص الأدبية. وبوسعي القول إني أوزع وقتي واهتمامي بين هذا وذاك. فأنا كاتب صحفي في النهار، أتابع الصحف والإذاعة والتلفزيون. وأكتب تعليقاً يومياً. وفي الليل، فإني أنصرف إلى القراءة والكتابة الأدبية. ولا أجد تعارضاً في ذلك، بل ضرباً من التكامل الذي يلبي حاجات مختلفة. الصحافة والسياسة تأخذان في منطقة العقل والوعي، أما الأدب فيحتل الحيز الوجداني والروحي، مع قدر من التداخل بين المنطقتين. وبصراحة فإني لا أملك التخلي عن الصحافة والاهتمامات السياسية، كما لا يسعني الانقطاع عن الأدب. علما بأن هناك مهنة واحدة لي، هي الصحافة.
أما ماذا قدمت الصحافة للأديب ، وهل يشترط في الصحفي أن يكون ادیباً قال (الريماوي):
في معظم الأقطار العربية، وخاصة مصر، فقد أسس الأدباء الصحف، وكان اهتمام الأدباء بالصحافة يعكس تقديرهم للثقافة والأدب، كسلاح لغوي لإبراز الهوية الذاتية الوطنية والقومية ضد المستعمر. ولما كانت حركة طبع الكتب ونشرها محدودة، مع افتقاد وسائل الإعلام المرئية والمسموعة فقد تركز الاهتمام على الصحافة المقروءة والسيارة، كما كانت توصف. غير أن الانفصال وقع بعدئذ، بين ما هو صحفي وأدبي. ذلك أن الصحافة، باعتبارها صناعة. تختص بنقل الأخبار والحوادث والتحقيقات والإعلانات الرسمية والتجارية وتظل بعيدة بحكم التخصص عن دائرة الادب. وقد انحصر النتاج الأدبي فيما بعد، على صفحات الصحف، بزوايا وأبواب معينة أو بصفحة أسبوعية. وكان الإنطباع السائد حتى منتصف القرن، أن الصحافة تجني على الأديب، إذ تحول بينه وبين الإنصراف الكلي إلى الإبداع، وتؤثر سلبا على لغته الأدبية الرفيعة، إذ يضطر إلى استخدام لغة مبسطة لقرائه، مما قد ينعكس لاحقة بالسلب على لغته الأدبية، الخاصة والخالصة. غير أن جمهور الأدباء هنا وهناك أدركوا في النهاية أن الصحافة منبر جماهيري وجسر إلى الطبقة العريضة من القراء. وإذا علمنا أن الأديب لا يمكنه أن ينقطع إلى إبداعه الخاص ويكتفي به، بمعنى أن الشاعر أو القاص يستشعر أحيانا الحاجة لكتابة مقال أدبي أو أن يخوض في الشأن العام، مما يجعله بحاجة إلى منبر. إذا وضعنا ذلك في الإعتبار، فإن حاجة الأديب للصحيفة لا تقل عن حاجة السياسي أو رجل الاقتصاد.
أما ما الذي تعطيه الصحافة للأديب، فهو اولا التواصل مع الجمهور، وتحس القضايا الحياتية والشؤون العامة، وثانياً إضفاء مرونة على لغته الأدبية، بحيث تجمع بين خصائص الأسلوب الأدبي الرفيع والسرد الصحفي. ولا يشترط بالطبع أن يكون الصحفي أديباً، فمهنة الصحافة مستقلة عملياً عن الموهبة الأدبية.
إنما يحتاج الصحفي لأن يتمتع بحس لغوي سليم وقدرة على التذوق الأدبي، وذلك لإكساب أدائه الصحفي المتانة والمرونة اللغوية وحتى ينجو من آفة الركاكة التعبيرية. وإذا كان اتشاح الأسلوب الصحفي بجمالية أدبية أمرة مفيدة. إلا أن عمل الصحفي أن يحاذر من الأسلوب الإنشائي الذي يؤدي إلى ضبابية المعاني وإلى التمويه في الأفكار. وأفضل الأساليب هي تلك التي تجمع بين رهافة التعبير ودقة المعني. وشخصياً فإني أكتب تعليقاتي بأسلوب متقشف شبه جاف، متعمد ذلك حتى لا ينصرف اهتمام القارئ إلى جماليات الأسلوب وفي سبيل إجلاء الفكرة.
وبناء على ما سبق، فإن هناك فروقاً واضحة بين لغة المقال الصحفي وأسلوب كتابته، وبين لغة المقال الأدبي اختلافا جوهرياً، وذلك من حيث الوظيفة والموضوع واللغة والأسلوب جميعا. فمن الثابت أن المقال الأدبي يهدف إلى أغراض جمالية، ويتوخى درجة عالية من جمال العبارة، وذلك كما يتوخها الأديب الذي يرى الجمال غاية في ذاته، وغرضة يسعى إلى تحقيقه. أما المقال الصحفي فإنه يهدف أساسا إلى التعبير عن أمور اجتماعية وأفكار علمية، بغية نقدها أو تحبيذها. وهو على كل حال يرمي إلى التعبير الواضح عن فكرة بعينها. فكأن الوظيفة الاجتماعية الفكرية في المقال الصحفي تتقدم على أية ناحية أخرى كالمتعة الفنية مثلا.
على أنه من الجائز أن يصطنع الصحفي لغة الأدب الخالص أحيانا، ولكن ليس له أن يسرف إسراف الأديب في ذلك. فإذا جاز لهذا الأخير أن يستخدم الأصباغ الفنية الكثيرة في الكتابة، من سجع وجناس وتشبيه واستعارة وكناية، فإذا لا يجوز للأول أن يفعل فعله إلا في القليل النادر.
إن المقال الصحفي وهو معني بالتعليق على الأحداث اليومية الجارية، يهتم كثيرا بالتركيز على الفكرة التي يريد الكاتب إيصالها إلى أذهان القراء. وهذا لا يتحقق إلا بالشروط الأسلوبية التي تبعد المقال عن دائرة الغموض والإبهام.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|