أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-25
1395
التاريخ: 2024-05-21
885
التاريخ: 2-06-2015
4596
التاريخ: 2024-09-01
285
|
حادث نُتُوق الجبل ـ وهو زعزعته من الأعالي ، وقد ذكره القرآن ، وأنكره بعض
المستشرقين ؛ بحجّة أنّه لم يأتِ ذكرُه في العهد القديم (1) ، عُورِض أيضاً بأنّه من التعنيف على التكليف (2) .
وجاء ذِكر هذا الحادث في القرآن في موضعين :
1 ـ سورة البقرة : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [البقرة : 63 ، 64] .
2 ـ سورة الأعراف : {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأعراف : 171].
ليس في الآيتين سوى اقتلاع جزء عظيم من أعالي الجبل أثناء رجفةٍ أو زلزال ، رأَوه بأَعينهم وهم مجتمعون في سَفح الجبل ، وانحدر هابطاً ليتوقّف في الأثناء ، وكانت وقفته بصورة عموديّة مُطِلاًّ عليهم جانبيّاً فظنّوا أنّه واقع بهم ، وصادف ذلك أنْ كان عند أخذ الميثاق منهم على العمل بشريعة التوراة ، ولعلّ في هذه المصادفة حِكمةً إلهيةً بالغةً ؛ ليُريَهم من آياتٍ كونيّة موجّهة لضمير الإنسان إلى جانب ضَعفِ مقدرته تجاه إرادة اللّه القادر الحكيم .
وهذا من قبيل إراءة المعاجز على أيدي الأنبياء ، إيقاظاً للضمير وليس إكراهاً على التسليم .
وفي هذا المقدار من دلالة الآيتَين تَوافق مع ما جاء في العهد القديم .
فقد جاء في سِفر الخروج :
فانحدر موسى من الجبل ـ الطور ـ إلى الشّعب ، وقَدَّس الشعب وغسلوا ثيابهم ، وقال للشعب : كونوا مستعدّين لليوم الثالث ، لا تقربوا امرأةً ، وحدث في اليوم الثالث لمّا
كان الصباح أنّه صارت رعودٌ وبروقٌ وسَحاب ثقيل على الجبل ، وصوتُ بوقٍ شديدٍ جدّاً ، فارتعد كلّ الشَّعب الذي في المحلّة ، وأخرج موسى الشَّعب مِن المحلّة لملاقاة اللّه ، فوقفوا في أسفل الجبل ، وكان جبل سَيناء كلّه يُدخّن ؛ مِن أجلِ أنّ الربّ نزل عليه بالنار ، وصعد دُخانُه كدُخان الأَتون وارتجف كلّ الجبل جدّاً ، فكان صوت البوق يزداد اشتداداً جدّاً ، موسى يتكلّم واللّه يجيب بصوت (3) .
ثمّ جاء فيه بعد ذلك :
وكان جميع الشعب يَرَون الرعود والبروق وصوتَ البوق ، والجبل يُدخّن ، ولمّا رأى الشعب ارتعدوا ووقفوا من بعيد ، وقالوا لموسى : تكلّم أنت معنا فنسمع ، ولا يتكّلم معنا اللّه ؛ لئلاّ نموت (4) .
* * *
أمّا اقتلاع الجبل من أصله وبرّمته ورفعه في السماء فوق رؤوسهم ، فهذا ما لم يَذكُرْه القرآن ، ولا جاء في روايةٍ معتمدةٍ عندنا ، وإنّما هو شيء جاء في روايات إسرائيليّة عامّية اغترّ بها بعض المفسّرين من غير تحقيق (5) .
ففي الدّر المنثور : عن قُتادة (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ...) قال : انتزعه اللّه من أصله ثم جعله فوق رؤوسهم ، ثم قال : لتأخُذُنّ أمري أو لأَرمينّكم به...
قال مُحمّد رشيد رضا : شايَعَ الأُستاذُ الإمامُ [ مُحمّد عبدَه ] المفسّرين على أنّ رَفْعَ الطُورِ كان آيةً كونيّةً ، أي أنّه اُنتُزِعَ مِن الأرض وصَار مُعلّقاً فوقَهم في الهواء ، وهذا هو المُتبادر من الآية بمَعونة السياق ، وإنْ لم تكنْ ألفاظُها نصّاً فيه .
وقال في وجه عدم نصّية القرآن في ذلك : إنّ أصلَ النَتق ـ في اللغة ـ الزعزعة والزَلزلة ، وأمّا الظُلّة فكلّ ما أظلّك وأَطلّ عليك سواء كان فوق رأسك أو في جانبك مرتفعاً له ظلّ ، فيُحتمل أنّهم كانوا بجانب الطُور رأوه منتوقاً ، أي مرتفعاً مُزَعْزَعاً ، فظنّوا أنْ سيقع بهم وينقضّ عليهم .
ويجوز أنّ ذلك كان في أثرِ زلزالٍ تَزعزَعَ له الجبل ... وإذا صحّ هذا التأويل لا يكون مُنكِرُ ارتفاع الجبل في الهواء مُكذِّباً للقرآن (6) .
* * *
كما ولم يأتِ في شيء من رواياتٍ صحيحةٍ الإسناد إلى أئمّةِ أهل البيت ( عليهم السلام ) ما يدلّ على أنّ جبل الطُور اُقتُلِعَ من مكانه فرُفِعَ في السماء فوقَ رؤوس القوم ، سِوى ما جاء في تفسيرٍ مجهولٍ منسوبٍ إلى الإمام العسكري ( عليه السلام ) مِن أنّ اللّه أمر جبرائيل فقطعَ بجناحٍ من أجنحتهِ من جبلٍ من جبال فلسطين على قَدرِ مُعسكرِ موسى( عليه السلام ) وكان طوله في عرضه فرسخاً في فرسخ ، ثم جاء به فوق المعسكر على رؤوسهم ، وقال : إمّا أنْ تَقبلوا ما آتاكم به موسى وإمّا وضعتُ عليكم الجبل فَطَحْطَحْتُكُمْ تَحْتَه...
وفي كتاب الاحتجاج ( لم يُعرف مؤلّفه ) روى مُرسلاً عن أبي بصير قال : سال طاووس اليماني الإمام مُحمّد بن عليّ الباقر( عليه السلام ٍ) عن طائرٍ طار مرّةً ولم يَطرْ قبلها ولا بعدها ، ذكره اللّه في القرآن ما هو ؟ ( فقال سَيناء ، أطاره اللّه على بني إسرائيل حينَ أظلّهم بجناحٍ فيه ألوانُ العذاب ، حتّى قِبلوا التوراة... ) (7) .
* * *
إذن ، فالروايات من طُرق الفريقَين لا أساس لها ، و لا يُمكن الاعتماد عليها في تفسير الذِكر الحكيم ؛ ولذا فمن الغريب ما نجده من لجنة علماء الأزهر اعتراضهم على الأُستاذ النجّار في رفضه الأخذ بأقوال المفسّرين هنا ، قالوا : لم يَسعْ السيّد رشيداً ومؤلّف هذا الكتاب ( أي الأُستاذ النجّار ) ما وَسع الأُستاذ الإمام في موافقة جميع المفسرّين على أنّ رَفْعَ الطُور آيةً كونيّةً ، أي أنّه اُنتُزِع من الأرض وصار مُعلّقاً فوقهم في الهواء ، مع اعتراف الأَوّل ( أي السيّد رشيد ) بأنّه المُتبادر من الآيتَين بمعونة السياق ، بل أَبْدَيا ( رشيد والنجّار ) احتمالاً مُختَرَعاً في الآيتين أخرجاهما عن إفادة تلك الآية الكونيّة ؛ بحجّة أنّ ألفاظهما
ليست نصّاً فيما أجمع عليه المفسّرون ، وتبعهم عليه الأُستاذ الإمام (8) .
وكذا قَولُ سيّدنا الطباطبائي : هذا التأويل ، وَصَرْف الآية عن ظاهرها ، والقول بأن بني إسرائيل كانوا في أصل الجبل فزُلزِل وزُعزِع حتّى أطلّ رأسه عليهم فظنّوا أنّه واقع بهم فعبّر عنها برفعه فوقهم أو نتقه فوقهم ، مبنيٌ على أصل إنكار المعجزات وخوارق العادات (9) .
وكلام سيّدنا الطباطبائي هنا يُشعر باعتماده للروايات المأثورة والاستناد إليها في تفسير القرآن بما لا صراحة فيه ، بل ولا ظهوراً قويّاً يمكن الاعتماد عليه ، وليس ذلك سوى تفسير القرآن بالروايات الضعيفة ، الأمر الذي يبدو خلاف مسلكه في التفسير... ولا سيّما إذا لم يكن للروايات أصلٌ معتمد في أحاديث أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
قال ـ في غير هذا الموضع ـ : إنّ أخبار الآحاد لا حجّية فيها في غير الأحكام الشرعيّة ، فإنّ حقيقة الجعل التشريعي ( الحجيّة التعبّديّة لخبر الواحد ) معناه : ترتيب أثر الواقع على الحجّة الظاهريّة ، وهو متوقّف على وجود أثرٍ عملي للحجّة ، كما في الأحكام والتكاليف ، وأمّا غير ذلك فلا أثر فيه حتّى يترتّب على جعل الحجيّة ، مثلاً : إذا وردت الرواية بأنّ البَسمَلةَ جزءٌ من السورة كان معنى ذلك وجوب الإتيان بها في القراءة في الصلاة .
وأمّا إذا ورد ـ مثلاً ـ أنّ السامريُّ كان رجلاً مِن بلدة كذا ، وهو خبر ظنّي ، كان معنى جعل حجيّته أنْ يُجعل الظنّ بمضمونه قطعاً ، وهو حكم تكويني ممتنع وليس من التشريع في شيء (10) .
قلتُ : والأمر في الآية هنا أيضاً كذلك ؛ لأنّ المسألة مسألة فهم المعنى من ظاهر اللفظ ، أي إذعان النفس بذلك ، الأمر الذي لا مجال للتعبّد فيه ، حيث الآية في سورة الأعراف استعملت لفظ النتوق مصحوباً بالتشبيه بالظُلّة {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ}.
ثم أردفه بقوله : { وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} .
ونَتَقَ الجِرابَ أي نَفَضَه بمعنى : حرّكه ليزولَ عنه الغُبار ونحوه . ونَتقُ الشيء : فتقُه ،
زَعزَعه ، رفعَه ، بسطَه ، ونَتَقت المرأة أو الناقة : كَثُر وِلدُها ، فهو يُعطي معنى البسط والكثرة والانتشار والتوسّع وإذ كان هناك بسط وتوسّع في أعالي الجبل كان ذلك رفعاً أي ارتفاعاً بالشيء وتعالياً به ، وليس قلعاً من مكانه وانتقالاً له إلى محلٍّ آخر في السماء ، كما زُعم .
قال الراغب : نَتَقَ الشيءَ : جَذبه ونَزعه حتّى يَسترخي ، كنَتقِ عُرَى الحِمل قال تعالى : {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ} .
وهذا يُعطي معنى : التَزعزُع في قُلَلِ الجبل وانتزاع صخورٍ عظيمة منها وتَدلّيها جانبيّاً مُطلّةً على القوم وهم في أسفل ، وكانت كأظلّةٍ مطلّةٍ عليهم ، والأظلّةُ كما تصلح من علوٍّ كذلك تصلح من جانب ، وفي كلتا الصورتَين تصدق الفوقيّة .
وبذلك اتّضح معنى قوله تعالى : {وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ} [البقرة : 63] أي رفعناه جانبيّاً ، لا شيء سواه .
____________________
1- راجع : مصادر الإسلام لتسدال ، ص14 فما بعد ، وآراء المستشرقين حول القرآن ، ج1 ، ص348 .
2- راجع : تفسير المنار ، ج1 ، ص340 ، وتفسير الميزان للطباطبائي ، ج1 ، ص200 .
3- سِفر الخروج ، إصحاح 19/15 ـ 19 .
4- المصدر : 20/ 18 ـ 19 .
5- راجع : الدر المنثور ، ج1 ، ص184 ، وج3 ، ص596 ، وجامع البيان ، ج1 ، ص74 ، وتفسير ابن كثير ، ج1 ، ص104 ـ 105 ، وغيرها من تفاسير معروفة ، وراجع أيضاً : التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري ، ص427 ، والاحتجاج المنسوب إلى الطبرسي ، ج2 ، ص65 .
6- تفسير المنار ، ج1 ، ص342 ـ 343 .
7- راجع : تفسير البرهان للبحراني ، ج1 ، ص233 ـ 234 ، رقم 9 ، وج3 ، ص234 ، رقم 1 .
8- هامش قصص الأنبياء للنجّار ، ص231 .
9- الميزان ، ج1 ، ص200 .
10- الميزان ، ج14 ، ص222 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|