أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-02-16
1318
التاريخ: 5-5-2022
1698
التاريخ: 21-4-2016
4211
التاريخ: 5/12/2022
1130
|
إن في طبع بعض الناس شهوة مشؤومة تبعثهم على أن يتجسسوا على عورات الآخرين وزلاّتهم وأسرارهم، وعلى أن ينتقدوها ويلوموهم عليها ويسخرون منهم بها، مع أن فيهم عيوباً كثيرة ونقائص تترجح على ما فيهم من الفضائل كماً وكيفاً، ولكنهم مع ذلك يغفلون عن عيوب أنفسهم ويشتغلون بعيوب الناس، من دون أن ينظروا في تهذيب أنفسهم منها.
إن تعيير الآخرين من الصفات التي تلوث حياة الإنسان وتحط من شخصيته الخلقية.
إن الدوافع التي تبعث الإنسان على عيب الآخرين نوع من (عقدة الحقارة) و (دناءة الطبع)، تتقوى بالغرور والعجب والكبر والرضا عن النفس وتوجب كثيراً من الأخطاء في الحياة، فإن الآثار التي تتولد من هذه العقدة في اخلاق الإنسان تجرؤه على إصدار الكثير من الأحكام الخاطئة قاطعاً بها.
إن المستهزئين يصرفون أنظارهم وأفكارهم في طريق لا يرضى به العقل ولا الشرع، فإنهم يصرفون همهم في أن يراقبوا اعمال من يعرفونه من أصدقائهم كي يجدوا فيهم نقطة ضعف فينتقدونهم ويعيرونهم، وبذلك يقللون ما استطاعوا من قدرهم ومنزلتهم، وهم بصرفهم أفكارهم في هذا الأمر يفقدون الفرصة الكافية للنظر في عيوب أنفسهم، ولهذا فهم لا يسيرون في طريق الهداية والصلاح إن الذين يفقدون الشجاعة الكافية لا يتقيدون بأي شيء ولا يلتزمون بحفظ كرامة الآخرين، فهم لا يستطيعون أن يعيشوا في صفاء وحتى مع أقرب الناس إليهم، فهم كما يذكرون معايب البعداء عند الأصدقاء كذلك حين يرون الجو خالياً يذكرون نواقص أصدقائهم وأخطائهم وينتقدونهم، ولذلك لا يستطيع هؤلاء أن يجدوا لأنفسهم أصدقاء واقعيين يستقرون في كنف عواطفهم ويرتوون من منبع محبتهم وعنايتهم.
إن كرامة الإنسان رهينة بما كسبت يداه، ومن يعتدي على كرامة الآخرين أصبحت كرامته معرضة للضياع.
من الممكن أن لا يلتفت لمعيب على الآخرين إلى نتائج عمله هذا القبيح، ولكنه سوف لا مكنه أن يحترز عن رد فعل عمله هذا في المجتمع، فكم يولد له عمله هذا من الحقد والعداوة والبغضاء، ما لا يستثمر منه إلا الندم ولات حين مندم فإن الكلام - كما قالوا - ليس كالطير إذا طار أمكن أن يرد إلى وكره(1).
إن من يريد أن يعاشر الناس يجب أن يتعرف على وظائفه وتكاليفه، ومنها أن ينظر دائماً إلى محاسن الأشخاص وأعمالهم البارة فيقدرهم ويمجدهم بها. ويجب عليه أن يغير من صفاته وعاداته ما يحطم كرامة الآخرين ويتنافى مع أصول المحبة، فإن المحبة لا تدوم إلا مع المحبة والاحترام المتبادل بين الطرفين. فمن اعتاد على إلقاء الستر على عيوب أحبائه وأصدقائه استقامت مودته واستحكمت محبته، فإذا رأى في أحدهم نقطة ضعف نبهه في فرصة مناسبة إلى تلك النقطة غير المرغوبة وذكره بلزوم تغييرها بدل أن يعيره بها في غيابه.
فإنه يجب على الإنسان إذا أراد أن يذكر صديقه بنواقصه لغاية إصلاحها، أن لا يبادر إلى ذلك إلا بمهارة خاصة لا تنتهي بتألمه منه على أثر جرح شخصيته أو عواطفه. يقول أحد التربويين: أن باستطاعتكم أن تنبهوا مخاطبكم إلى خطئه بنظرة أو حركة أو صوت دون أن تحتاجوا إلى كلام، فإنكم إن قلتم له أنه يخطى لم تستطيعوا على أخذ موافقته على ما تعتقدون، إذ أنكم ببيان خطئه تكونون قد طعنتم في عقله وتفكيره، وجرحتم في غروره ورضاه عن نفسه. إن عملكم هذا يجعله يقاومكم من دون أن يغير من عقيدته شيئاً، حتى ولو أفرغتم عليه منطق أفلاطون وقوانين أرسطو، لأنكم قد جرحتموه في أحب الأشياء إليه وأعزها عليه وأكرمها لديه. ولا تبدأوا كلامكم بمثل قول سأثبت عليك، أو سأستدل عليك. فإن مفهوم هذا الكلام انكم أذكى منه وأعقل، وأن إصلاح أفكار الناس أمر عسير في كثير من الموارد فضلاً عما إذا زدنا على العلة بلة، وأوجدنا امامنا سدوداً وحدوداً منيعة. أنكم إذا أردتم إثبات شيء يجب عليكم أن لا تنبهوا أحداً إلى ذلك، وتمضوا في هدفكم بمهارة لا يتنبه معها أحد إلى ما تقصدون. اعملوا في هذا بما قال القائل: (علموا الناس بدون أن تكونوا معلمين).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ مثل فارسي.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد الثاني والعشرين من سلسلة كتاب العميد
|
|
|