أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-3-2016
2834
التاريخ: 1/11/2022
1675
التاريخ: 13/10/2022
1403
التاريخ: 20-10-2015
3182
|
إنّ أهّم أهداف القادة الإلهيّين هو إصلاح المجتمع البشريّ بتربيته على التعاليم الإلهية ، ولا بدّ للمصلح أن يمرّ بمراحل من العمل الجادّ والمضني في هذا الطريق الشائك ، فعليه :
1 - أن يربّي جيلا من المؤمنين على التعاليم الحقّة التي جاء بها الدين والأخلاق القيّمة التي ينبغي التخلّق بها ، لكي يكونوا له أعوانا على الخير .
2 - أن يدخل المجتمع بكلّ ثقله ، ويحضر بين الناس ، ويواجه الظالمين والطغاة بتعاليمه ، ويبلغهم رسالات اللّه .
3 - أن يقاوم الفساد الذي يبثّه الظالمون في المجتمع بهدف شلّ قواه ، وتفريغه من المعنويات ، وإبعاده عن فطرته السليمة المعتمدة على الحقّ والخير . كان للإمام ( عليه السّلام ) نشاط واسع في كلّ هذه المجالات ، بحيث يعدّ - بحقّ - في صدر قائمة المصلحين الإلهيين بالرغم من تميّز عصره بتحكّم طغاة بني أمية على الامّة وعلى مقدّراتها وجسم الخلافة الإسلامية التي تقتل من يعارضها وتهدر دمه تحت عنوان الخروج على الإسلام .
ويمكن الحديث عن أوجه نشاطه ( عليه السّلام ) العملي في الجانب الاجتماعي على عدّة أوجه منها :
أ - الأخلاق والتربية ( على مستوى الامّة وأتباع أهل البيت ( عليهم السّلام ) :
ضرب الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) أروع الأمثلة في تجسيد الخلق المحمدي العظيم في التزاماته الخاصة وفي سيرته مع الناس ، بل مع كلّ ما حوله من الموجودات .
فكانت تتبلور فيه شخصية القائد الإسلامي المحنّك الذي جمع بين القابلية العلمية الراقية ، والشرف السامق ، والقدرة على جذب القلوب وامتلاكها ، ومواجهة المشاكل والوقوف لصدّها بكلّ صبر وأناة وهدوء .
فالصبر الذي تحلّى به وتجلّى لنا من خلال ما تحمّله في مأساة كربلاء أكبر شاهد على عظمة صبره .
ومثابرته ومداومته على العمل الإسلامي بارزة للعيان ، وهذا الفصل يمثّل جزءا من نشاطه السياسي والاجتماعي الجادّ .
وحديث مواساته للإخوان والفقراء والمساكين والأرامل والأيتام بالبذل والعطاء والإنفاق ممّا اشتهر عند الخاصّ والعامّ .
وحنوّه وحنانه على العبيد وعلى الأقارب والأباعد بل على أعدائه وخصومه ممّا سارت به الركبان .
وأخبار عبادته وخوفه من اللّه جلّ جلاله وإعلانه ذلك في كلّ مناسبة ملأت الصحف حتى خصّ بلقب « زين العابدين » و « سيّد الساجدين » .
وسنتحدّث عن بعض ذلك فيما بعد بإذنه تعالى ، كما أنّنا أشرنا إلى جانب بسيط جدّا من ذلك سابقا .
ب - الإصلاح والدولة :
لقد شاع عند بعض المؤرّخين أنّ الأئمّة من أبناء الحسين ( عليهم السّلام ) قد اعتزلوا بعد مذبحة كربلاء السياسة ، وانصرفوا إلى الإرشاد والعبادة والانقطاع إلى الدنيا[1].
ويدلّلون على قولهم هذا بتأريخ حياة الإمام السجاد ( عليه السّلام ) ودعوى انعزاله عن الحياة الإسلامية العامة ، ويبدو أنّ سبب هذه التصوّرات الخاطئة لدى المؤرّخين هو ما بدا لهم من عدم احتدام الأئمّة بعد الحسين ( عليه السّلام ) على عمل مسلّح ضد الوضع الحاكم مع إعطائهم الجانب السياسي من القيادة معنى ضيّقا لا ينطبق إلّا على عمل مسلّح من هذا القبيل .
إنّ ما يقال من أنّ الأئمّة من أهل البيت ( عليهم السّلام ) من أبناء الحسين ( عليه السّلام ) اعتزلوا السياسة وانقطعوا عن الدنيا فهو زعم يكذّبه وينفيه واقع حياة الأئمّة الزاخرة كلّها بالشواهد على ايجابية المشاركة الفعّالة التي كانوا يمارسونها .
فمن ذلك علاقات الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) بالامّة والزعامة الجماهيرية الواسعة النطاق والتي كان يتمتّع بها على طول الخط[2] ؛ فإنّ هذه الزعامة لم يكن ليحصل عليها الإمام ( عليه السّلام ) صدفة أو على أساس مجرّد الانتساب إلى الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) بل على أساس العطاء والدور الايجابي الذي كان يمارسه الإمام في الامّة بالرغم من إقصائه عن مركز الحكم ؛ فإنّ الامّة لا تمنح - على الأغلب - الزعامة مجانا ، ولا يمتلك الفرد قيادتها ويحتلّ قلوبها بدون عطاء سخيّ منه تستشعره الامّة في مختلف مجالاتها ، وتستفيد منه في حلّ مشكلاتها والحفاظ على رسالتها .
ومع أنّ مزاولات الإمام ( عليه السّلام ) الدينية كلّها من صميم العمل السياسي وخاصّة في عصره حيث لم يسمع نغم الفصل بين السياسة والدين بعد ، نجد في طيّات حياة الإمام ( عليه السّلام ) عيّنات واضحة من التدخّلات السياسية الصريحة ، فهو كما يبدو من النصوص الصادرة عنه تجده رجلا مشرفا على الساحة السياسية ، يدخل محاورات حادّة ، ويتابع مجريات الأحداث ، ويدلي بتصريحات خطيرة ضد الأوضاع الفاسدة التي تعيشها الامّة وإليك بعض النماذج على ذلك :
1 - قال عبد اللّه بن الحسن بن الحسن : كان عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب يجلس كلّ ليلة هو وعروة بن الزبير في مؤخّر مسجد النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) بعد العشاء الآخرة ، فكنت أجلس معهما ، فتحدّثا ليلة ، فذكروا جور من جار من بني اميّة والمقام معهم ، فقال عروة لعليّ : يا عليّ إنّ من اعتزل أهل الجور واللّه يعلم منه سخطه لأعمالهم ، فكان منهم على ميل ثم أصابتهم عقوبة اللّه رجي له أن يسلم ممّا أصابهم .
قال : فخرج عروة ، فسكن العقيق .
قال عبد اللّه بن الحسن : وخرجت أنا فنزلت سويقة[3].
أمّا الإمام ( عليه السّلام ) فلم يخرج ، بل آثر البقاء في المدينة طوال حياته ؛ لأنّه كان يعدّ مثل هذا الخروج فرارا من الزحف السياسي وإخلاء للساحة الاجتماعية للظالمين ، يجولون فيها ويصولون[4].
ولعلّ اقتراح عروة بن الزبير - وهو من أعداء أهل البيت ( عليهم السّلام )[5] - كان تدبيرا سياسيا منه أو من قبل الحكّام لإبعاد الإمام ( عليه السّلام ) عن الحضور في الساحة السياسية والاجتماعية ، لكنّه ( عليه السّلام ) لم يخرج وظلّ يواصل مسيرته الجهادية .
2 - قال ( عليه السّلام ) : « إنّ للحق دولة على العقل ، وللمنكر دولة على المعروف ، وللشرّ دولة على الخير ، وللجهل دولة على الحلم ، وللجزع دولة على الصبر ، وللخرق دولة على الرفق ، وللبؤس دولة على الخصب ، وللشدّة دولة على الرخاء ، وللرغبة دولة على الزهد ، وللبيوت الخبيثة دولة على بيوتات الشرف ، وللأرض السبخة دولة على الأرض العذبة ، فنعوذ باللّه من تلك الدول ومن الحياة في النقمات »[6].
وإذا كانت الدولة في اللسان العربي هي الغلبة والاستيلاء - وهي من أبرز مقومات السلطة الحاكمة - فإنّ الإمام ( عليه السّلام ) يكون قد أدرج قضية السلطة السياسية في سائر القضايا الحيوية والطبيعية التي يهتمّ بها ويفكّر في إصلاحها .
فمن يا ترى ؟ ومن هي البيوتات الشريفة المغلوبة في عصره ( عليه السّلام ) ؟
وهل التعوّذ باللّه تعالى من دولة السلطان يعني أمرا غير رفض وجوده والتنديد بسلطته ؟ وهل يتصوّر السياسي أن يكون له حضور أقوى من هذا في مثل ظروف الإمام ( عليه السّلام ) وموقعه وضمن تخطيطه الشامل في قيادة حركيّة الإسلام ؟ وهل يصدر مثل هذا من رجل ادّعي أنّه ابتعد عن السياسة أو اعتزلها ؟ .
ج - مقاومة الفساد :
وإذا كان من أهم واجبات المصلح وخاصة المصلح الإلهي مقاومة الفساد ومحاربة المفسدين في الأرض ؛ فإنّ الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) قام بدور بارز في أداء هذا الواجب .
وقد تميّز عصره ( عليه السّلام ) بمشاكل اجتماعية من نوع خاص ، وقد تكون موجودة في كثير من العصور ، إلّا أنّ بروزها في عصره كان واضحا ومكثّفا ، كما أنّ الإمام ( عليه السّلام ) قام بمعالجتها بأسلوبه الخاصّ ، ممّا أعطاها صبغة فريدة تميّزت في جهاد الإمام ( عليه السّلام ) وأهمها مشكلة الفقر العام ومشكلة الرقّ والعبيد .
[1] نشأة الشيعة والتشيّع ، للشهيد السيّد محمد باقر الصدر .
[2] قد أشرنا إلى حادثة استلام الإمام ( عليه السّلام ) للحجر بعد أن انفرج الحجيج له ، راجع الصفحة 111 من الكتاب .
[3] مختصر تأريخ دمشق : 17 / 21 .
[4] جهاد الإمام السجاد ( عليه السّلام ) : 154 .
[5] لاحظ تنقيح المقال : 2 / 251 .
[6] تأريخ دمشق : 41 / 410 ، مختصر ابن منظور : 17 / 255 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|