أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-20
497
التاريخ: 27-8-2022
1587
التاريخ: 2024-09-14
310
التاريخ: 2024-09-09
272
|
تروج في بيئة بعض الشباب فكرة، ان الدين يقيد الحياة! بل هو ضد الحياة! حيث اننا نجد المحرمات والممنوعات حاجزاً وعائقاً امام الانسان وطموحاته واستمتاعه في الحياة! فالإنسان وجد لعيش هذه الحياة لا ان يعتزلها ويصبح كل شيء عليه محرم الا الهواء!
ان إطلاق الكلام هذا غير دقيق بالمرة، اذ اننا لو تحققنا من هذا الموضوع بدقة وتعمقنا به قليلاً لاكتشفنا عكس ذلك تماماً! كيف؟
ان الدين الالهي منظومة متكاملة ومتقدمة، تحدد للإنسان ما يجب فعله وما يجب تركه في موضوعات مشخصة معينة وما عدا هذه الموضوعات فهو متروك للإنسان، ـ يطلق عليه بالعرف التشريعي بالمباح ـ فالأصل الاباحة والحلية وعدم الحرمة في كل الاشياء الا ما ورد تحريمه في الكتاب والسنة، بعبارة أخرى ان الممنوع على الانسان والمقيد منه هو المحرمات المشخصة فقط، فإنها قسمت الى كبائر وصغائر، وما عداها اما يكون في دائرة الكراهة او الوجوب او الاستحباب او الاباحة، وحصة المباح في الموضوعات أكبر بكثير من المحرمات والواجبات، فتأمل هنا كثيراً، يقول الشيخ مغنية: (كل الأشياء على الإباحة كتاباً وسنة وعقلاً وإجماعا مأكولاً كانت، أو مشروباً إلَّا ما ورد النص بتحريمه خصوصاً)(1).
ربما يقال أن الكلام أعلاه تام لو استند الى ادلة من الدين نفسه؟ فأقول، نعم الامر سهل، فالنصوص الدينية واضحة في هذا المجال واقوال الفقهاء والاعلام متوفرة، فاذا ما رجعنا الى القرآن الكريم نجده قد صرح بقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة: 4].
وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 32]. قال المحقق البحراني: أن الله قد حلل لعباده الزينة والطيبات من الرزق تفضلاً وكرماً فالمانع منها تحرماً أو كراهة راد عليه سبحانه فيما تفضل به)(2).
وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15].
اما النصوص الروائية فهي واضحة جداً فقد ورد عن الامام الصادق(عليه السلام): (كل شيء يكون فيه حلال وحرام فهو حلال لك أبداً حتى أن تعرف الحرام منه بعينه فتدعه)(3)، قال العلامة المجلسي عقب ذلك: ( حديث صحيح، وهذا أصل من الأصول ينفع في كثير من المواضع).
وفي آمالي الشيخ الطوسي ورد عنه (عليه السلام): (الأشياء مطلقة ما لم يرد عليك أمر ونهي، وكل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً، ما لم تعرف الحرام منه فتدعه).
وفق هذه النصوص الواردة والآيات السابقة صاغ الفقهاء قواعد فقهية ونذكر منها: (حلية الطيبات كلها الا ما خرج بالدليل)، ويقول السيد السبزواري: ان كل طيب حلال الا ما أخرجه الدليل، وذكر العلماء في اصول الفقه قاعدة تسمى بأصل البراءة، ومضمونها ان الله لا يعاقب الانسان على فعل لم يناههِ عنه او لم يأمره به، وهي على قسمين: أحدهما مستفاد من العقل، ثانيهما مستفاد من الشرع.
ان من تسامح الشريعة وسهولتها أن جعلت المحرمات في حال الاضطرار والحرج محللة، فالمريض لا يصح من الصوم ومن تتوقف حياته على شرب النجس جاز له ومن كان علاجه بشيء محرم جاز له لتلك الضرورة وهكذا، فيظهر من ذلك أن المحذورات في الشريعة تباح في حال الضرورة وليست جامدة ومحكمة لا يمكن اجتيازها، ولو أجرينا نسبة مئوية بين ما هو محرم وما هو مباح لكان حصة الحلال هي الاكبر وتوضيح ذلك بما يأتي:
ان الحرام محدد بالشريعة ومسمى مثل، (القتل، الكذب، النفاق، الخداع، السحر، الربا، الزنا، السرقة، قطيعة الرحم، ترك الصلاة)، في حين ان الحلال مطلق ومتعدد ومتجدد بتجدد الزمان والمكان، شريطة ان لا يخالف هذه الثوابت، فمثلاً تناول فاكهة جديدة! تناول عصائر ومثلجات من مواد غير محرمة ولا نجسة، ارتداء الملابس الجديدة، شراء الهواتف واستعمالها، ركوب السيارات وما شابه، كل هذه الموضوعات محللة وغيرها الكثير، فباب الحلال مفتوح الى يوم القيامة ما لم يخالف المنصوص او ما يؤدي الى الحرام بطريق ثانوي، ولو قلنا أن نسبة المحرم 20 %، من موضوعات الحياة لكانت النسبة غير دقيقة، لان الحياة تتقدم والموضوعات تتكاثر وهذا التكاثر يصبح في مصلحة الحلال غالباً لأنها مستجدات في الاصل مباحة وغير محرمة، فالأصل هو الحلال والاباحة والحرية، انما التقييد جاء للتنظيم والطاعة ومراعاة المصلحة والمفسدة.
اذن لو دققنا في المحذورات التي جعلها الشارع على المؤمنين به ترجع في الحقيقة الى مصلحة الانسان وليست للإضرار به الى ترى ان أحدث الانظمة اليوم تجعل القوانين سارية الحاكمة سارية في المجتمع من اجل مصلحة الانسان وتنظيم حياته! فالخالق العالم الحكيم منع الانسان من ارتكاب بعض الافعال واوجب بعضها من أجل مصلحته ومعرفة طاعته له، والمنصف اليوم يرى أشهر المحرمات ضررها واضح لا غبار عليها، فمثلاً حرمة شرب الخمر الذي عرف بإلحاقه الضرر بالجسد وحرمة تناول المسكرات سواء كانت مخدرات او الاشربة بأنواعها وإذهابها للعقل وجعل الانسان كالحيوان وما يترتب على ذلك من تفسخ ومشاكل! وحرمة الكذب التي دل عليها العقل وشخصتها الانظمة على انها قبيحة، وحرمة الاحتيال والنصب، وحرمة السرقة، وحرمة الزواج بالمحارم الذي ينفر منه كل انسان على الارض، واذا تأمل المتأمل في قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151]، يجد ان هذه الآية تصرح أن هذه المحرمات الواضحة المشخصة هي فواحش ومناكير وخبائث تخالف ما فطر عليه الانسان (الشرك، مخالفة الوالدين، قتل النفس)، بل ان العقلاء يدركون بشاعة هذه الافعال وقبحها، نعم تختلف درجة القبح من شخص لآخر تبعاً لأسباب كثيرة منها ما يتلقاه الانسان من تربية وتعاليم وبيئة ربما تساهم في تحفيف الشعور بقبح الشيء المحرم والممنوع.
بات من الواضح أن الدين جاء لينظم الحياة لا لقيدها، بل جعل للإنسان الحرية في العيش والتلذذ بها ما لم يقترب من المحذورات التي حددها وبين خطرها، ويحسن بنا ان نستلهم من خطبة للإمام علي (عليه السلام): (اعلموا يا عباد الله إن المتقين حازوا عاجل الخير وآجله، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، أباحهم الله من الدنيا ما كفاهم وبه أغناهم)، قال الله (عز اسمه): {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 32].
سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم، فأكلوا معهم من طيبات ما يأكلون، وشربوا من طيبات ما يشربون، ولبسوا من أفضل ما يلبسون، وسكنوا من أفضل ما يسكنون، وتزوجوا من أفضل ما يتزوجون، وركبوا من أفضل ما يركبون، أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا وهم غدا جيران الله، يتمنون عليه فيعطيهم ما تمنوه، ولا يرد لهم دعوة، ولا ينقص لهم نصيباً من اللذة. فإلى هذا يا عباد الله يشتاق إليه من كان له عقل، ويعمل له بتقوى الله)(4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ فقه الامام جعفر الصادق، ج4، ص374.
2ـ الحدائق الناظرة، ج5، ص549.
3ـ الكافي، ج5، ص313.
4ـ آمالي المفيد، ص263.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|