المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



المستقبل بين العتمة والوضوح  
  
1548   10:17 صباحاً   التاريخ: 9/10/2022
المؤلف : حسن علي الجوادي
الكتاب أو المصدر : عشرة موضوعات في حياة الشباب
الجزء والصفحة : ص31 ـ 36
القسم : الاسرة و المجتمع / المراهقة والشباب /

الضبابية، تراكم الاحداث الاقتصادية وغيرها، تدفع الناس الى دوامة القلق من المستقبل ولا سيما الشباب منهم، اذ يعبر الكثير من الناس عن مستقبلهم بالوهمي او الكارثي وبعبارات يائسة أخرى، انهم يرون المستقبل من منظار الاحداث والمشاكل، وحين تسأل اي واحد من الشباب مثلاً سيقول: المستقبل بالنسبة لي شيء مجهول وخارج نطاق التفكير، ما دمت أعيش هنا!

هل تعاطي الناس مع فكرة المستقبل بهذه السوداوية امراً صحيحاً وواقعياً ام انهم وقعوا في شباك المبالغة الشديدة؟ كيف يفسر الناس المستقبل؟ هل ينظر الناس الى المستقبل نظرة من يعيش في الصندوق؟

ولم الصندوق؟ لان الانسان اسير تفكيره، وكل الأشياء التي تحركه وتدفعه بصورة عامة موجودة في رأسه، فهو حبيس هذا الصندوق الذي يستمد اغلب أنماط تفكيره من الخارج ويحاول ان يضيف عليها لمساته الخاصة من المبالغة او التنحيف، نعم هنالك أفكاراً موسعة في الخارج لكن الذهن حين يلتقطها ينحفها ويختصرها من خلال التركيز على جزئية خاصة. وظيفة الخيال ان يحلل المواد الواردة اليه، فاذا كانت بيئة المواد بيئة جاهلة او سلبية ستتأثر منطقة التفكير عند الانسان وتصاب بالأفكار إصابة بالغة وتحبط الانسان كثيراً!

سألني احدهم في محاضرة عن المستقبل، وعلاقته بالصندوق الذهني، فقلت له: اننا مثل الذي يعيش في أجواء غرفة كبيرة يهتم بما فيها من صور واثاث واغراض وينشغل فترة وجوده بالغرفة بما موجود فيها، ويغفل عما يجري في الخارج، فهو محاط بأربعة جدران وباب واحدة واغراض متعددة، هذا هو الجو الخاص الذي لا يستطيع ان يستبدله بسهولة، نحن كذلك في حياتنا وتعاملنا مع المستقبل فان رؤيتنا تنطلق من افكارنا الخاصة المتأثرة بالواقع المرير، حيث ندور في كرة مغلقة ويحاول بعض المهتمين ان يحصل على إجابة مغايرة ومختلفة وفي كل مرة يخفق في الحصول على شخص قد كسر الدائرة وحاول ان يفكر خارج الصندوق!

عندما تذهب الى منطقة فقيرة ومعدمة لن تجد اماني الناس كثيرة، لن تجدهم يطلبون منك ان تعلمهم صناعة السيارات او أحدث الطائرات ابداً، سيطلبون منك وظائف وبيوت صغيرة وهواتف حديثة وبعض الحاجيات البسيطة الأخرى، لأنهم ينطلقون من البيئة وهي الصندوق الذي يقيد طموحات الناس، ويندر ان يقفز أحدهم خارج هذا الصندوق المظلم. يمكن للأسرة السيئة ان تصبح الصندوق المظلم بالنسبة للعديد من الأبناء حيث تجد طموحاتهم بسيطة ورغباتهم محدودة فتنحصر امانيهم وتقل اندفاعاتهم نحو بناء ذواتهم وتحقيق ما تصبو اليه نفوسهم، يقف بعض الإباء حجر عثرة امام أولادهم ويتحكمون فيهم بصورة سلبية ويتنمط الأبناء بنمط سلبي لا ينكسر بسهولة، وبعض الأحيان لا يقصد الابوين اتعاب أولادهم لكن يقعون في تلك الأخطاء بغير قصد طالما لم يحدثوا انفسهم ويهتموا بمستقبل أولادهم، فلا احد يختلف حول عطاء الاب وتضحيته في الاسرة لكننا نختلف في الخطط المستقبلية التي يضعها الإباء للأبناء، او التفكير اصلاً في وضع الخطة الصحيحة وتحديثها المستمر!

ان العائلة اهم فلتر يمر به الفرد في حياته، لأنها صياغته الأساسية وجذوره الفكرية والثقافية والتحفيزية ومن ثم يأتي دور العلاقات الخاصة والعامة، فاذا دخل المرء في علاقات خاصة ولزمن طويل سيتأثر بها وتصبح من صناديق التنميط، لان الأصدقاء يمثلون بيئة وحاضنة فكرية وثقافية وربما اقتصادية ايضاً، حيث تجد ان الوان تفكير الأصدقاء المرتبطين بعلاقات قوية متشابهة تماماً، ويهرب بعض الناس من اسرهم الى بيئة الصداقة حيث يجد في الصداقة ما يفقده في جو الاسرة، ومن هنا يبدو واضحاً السبب في بوح الانسان للناس الغرباء الذين لا يتصلون به دماً ونسباً حيث يأمن معهم ويطمئن لهم وهنا تبدأ رحلة الانتقال من صندوق لآخر واثناء عملية الانتقال تبدأ المتغيرات، فاذا تطورت العائلة بسرعة كبيرة ارجعت افرادها اليها مرة أخرى من بيئة العلاقات الخاصة، وان تراجعت في مرحلة ما انفرط الافراد منها مرة أخرى، وهكذا تستمر العملية بين الاخذ والرد!.

اما دور العائلة الايجابي في رسم معالم الطموح والمستقبل المشرق للأبناء فكبير جداً، وان اعتبرناها صندوقاً فهذا الصندوق سيكون بمثابة قالب النجاح، يقول الشيخ الاكبر الحسين كاشف الغطاء عن تأثير العائلة السحري في ترسيخ مبدأ وضوح المستقبل: اتذكر أن جدي ـ اعلى الله مقامه ـ كان يوقفني بين يديه وأنا ابن سنتين ونصف فيأمرني بالصلاة فأقوم وأكبر وآتي بصورة الصلاة من ركوع وسجود فاذا فرغت ضمني اليه وقال لي: ما تريد ان تكون؟ فأقول له: انا شيخ محمد حسين الكاظمي ـ وكان مرجع التقليد يومئذ الشيخ محمد حسين الكاظمي ـ فاذا كبرت أكون أكبر منه ان شاء الله(1).

تصاغ أفكار المرء عن المستقبل من خلال البيئة التي يعيش فيها المرء والتي تنقسم الى بيئة خاصة وبيئة عامة، وربما يحدث صراع بين البيئات يلقي بظلاله على الانسان فتظهر الاضطرابات والتحولات في شخصيته، وهل يصبح الوطن، صندوقاً يقيد الانسان وينمط تفكيره؟

تتضح الإجابة حين يغير الانسان مكانه ويتصل بأماكن أخرى، إذا شعر بالتغيير الجذري على مستوى التفكير والطموحات والاماني فانه يخرج من الصندوق؟ وهل مثل هذا الكلام سيكون دعوة لان يغير الانسان وطنه او بيئته دائماً كي يكسر هيمنة الصندوق؟

كلا، ان الله سبحانه قد أودع في الانسان طاقة جبارة وهائلة ويمكنه الإنتاج والعمل في كل بيئة يتواجد فيها، بل هو المسؤول عن تغيير الصندوق ونقله من السوداوية الى النورانية، ذات الانسان المسؤول عن تطويرها هي ظلمة سوداوية يغيرها المرء بارتباطه بالله وهدي الرسالة، وهي اهم نقطة في فهم ما سردناه حول فكرة الصندوق والنظرة الى المستقبل، معرفة المرء بالمحيط الذي يتوفر فيه في غاية الاهمية وتتوجه عليه مسؤولية تغيير المؤثرات التي تحجب عنه رؤية الابداع، فمن عاش في بيئة فاشلة قاهرة ستؤثر عليه كثيراً، وعليه ينبغي ان يدرك المرء ان يتفحص الاجواء التي تحيط به حتى يفهم تماماً في تحت اي تأثير يعيش، وتلك نقطة جوهرية وخطوة اولى في مرحلة انقشاع غلاف وهم المستقبل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ عقود حياتي: الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء، (ت 1373هـ)، مدرسة ومكتبة الامام كاشف الغطاء، ص28. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.