أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-3-2016
4142
التاريخ: 1-11-2017
8535
التاريخ: 30-3-2016
3168
التاريخ: 15-04-2015
3466
|
إنّ نقد الوفد المدني ليزيد لم يكن هو الدليل الوحيد عند أهل المدينة على انحراف يزيد وتنكّره للإسلام وجوره وطغيانه ، بل إنّهم كانوا قد لمسوا جور يزيد وعمّاله على البلدان الإسلامية وفسقهم وشدّة بطشهم واستهتارهم بالحرمات الإلهية التي لا مجال لتأويلها ، إذ كيف يمكن تأويل ما ارتكبه من القتل الفظيع في حقّ الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) ريحانة الرسول وسيّد شباب أهل الجنة وما اقترفه من السبي لأهله وحرمه ؟ وكيف يمكن تأويل ما أظهره من شربه للخمور التي حرّمها اللّه بالنصّ الصريح ؟ !
هذا ، فضلا عن حقد الأمويين على الأنصار ، والذي لم يتردّد الامويّون في إظهاره لهم ، ومن هنا لم يتلكّأ أهل المدينة في اخراج عامل يزيد عليها ، فحاصروا بني أمية وأتباعهم ، وكلّم مروان بن الحكم - وهو العدوّ اللدود لآل الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) - الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) في منح الأمان له ، فاستجاب الإمام ( عليه السّلام ) لهذا الطلب تكرّما[1] وإغضاء عن كلّ ما ارتكبه هذا العدوّ في حقّ أهل البيت ( عليهم السّلام ) ، في دفن الإمام الحسن ( عليه السّلام ) وفي الضغط على الإمام الحسين ( عليه السّلام ) من أجل أخذ البيعة ليزيد .
ولمّا بلغ أمر الثورة إلى مسامع يزيد أرسل مسلم بن عقبة ليقضي على ثورة أهل المدينة - وهي مدينة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ومهبط وحي اللّه - وزوّده بتعليمات خاصّة تجاههم قائلا له :
ادع القوم ثلاثا فإن أجابوك وإلّا فقاتلهم ، فإذا ظهرت عليهم فأبحها - أي المدينة - ثلاثا ، فما فيها من مال أو دابّة أو سلاح أو طعام فهو للجند[2].
وأمره أن يجهز على جريحهم ويقتل مدبرهم[3].
وصل جيش يزيد إلى المدينة ، وبعد قتال عنيف مع أهلها استبسل فيه الثائرون دفاعا عن دينهم ، واستشهد أغلب المدافعين بمن فيهم عبد اللّه بن حنظلة ومجموعة من صحابة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ونفّذ قائد الجيش أوامر سيّده يزيد ، وأوعز إلى جنوده باستباحة المدينة ، فهجم الجند على البيوت وقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ ، كما أسروا آخرين .
قال المؤرّخ ابن كثير : أباح مسلم بن عقبة - الذي يقول فيه السلف ( مسرف بن عقبة ) قبّحه اللّه من شيخ سوء ما أجهله - المدينة ثلاثة أيام كما أمره يزيد - لا جزاه اللّه خيرا - وقتل خلقا من أشرافها وقرّائها ، وانتهب أموالا كثيرة منها . . . وجاءته امرأة فقالت : أنا مولاتك وابني في الأسارى ، فقال :
عجّلوه لها ، فضرب عنقه ، وقال : أعطوها رأسه ، ووقعوا على النساء حتى قيل :
إنّه حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج .
قال المدائني ، عن هشام بن حسان : ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرّة من غير زوج . وروي عن الزهري أنّه قال : كان القتلى يوم الحرّة سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار ، ووجوه الموالي ممّن لا أعرف من حرّ وعبد وغيرهم عشرة آلاف[4].
وحدث مرة أن دخلت الجيوش الشامية أحد البيوت ، فلمّا لم يجدوا فيه إلّا امرأة وطفلا سألوها إن كان في البيت شيء ينهبونه ، فقالت : إنّه ليس لديها مال ، فأخذوا طفلها وضربوا رأسه بالحائط فقتلوه بعد أن انتثر دماغه من أثر الضرب بالحائط[5].
ثمّ نصب كرسيّ لمسلم بن عقبة ، وجئ بالأسارى من أهل المدينة فكان يطلب من كلّ واحد منهم أن يبايع ويقول : إنّني عبد مملوك ليزيد بن معاوية يتحكّم فيّ وفي دمي وفي مالي وفي أهلي ما يشاء[6].
وكلّ من كان يمتنع ولم يبايع بالعبودية ليزيد وكان يصرّ على القول بأنّه عبد للّه - سبحانه وتعالى - كان مصيره القتل[7].
وجيء له بيزيد بن عبد اللّه - وجدّته امّ سلمة زوج رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) - مع محمد بن حذيفة العدوي ، فطلب اليهما أن يبايعا ، فقالا : نحن نبايع على كتاب اللّه وسنّة نبيّه ، فقال مسلم : لا واللّه لا اقيلكم هذا أبدا ، فقدّمهما فضرب أعناقهما .
فقال مروان بن الحكم - وكان حاضرا - : سبحان اللّه ! أتقتل رجلين من قريش أتيا ليؤمنا فضربت أعناقهما ؟ ! فنخس مسلم مروان بالقضيب في خاصرته ، ثمّ قال له : وأنت واللّه لو قلت بمقالتهما ما رأيت السماء إلّا برقة .
( أي لقتلت )[8].
ثمّ جيء بآخر فقال : إنّي أبايع على سنّة عمر ، فقال : اقتلوه ، فقتل[9].
واتي بزين العابدين ( عليه السّلام ) إلى مسلم بن عقبة ، وهو مغتاظ عليه فتبرّأ منه ومن آبائه . فلمّا رآه وقد أشرف عليه ارتعد وقام له ، وأقعده إلى جانبه ، وقال له : سلني حوائجك ، فلم يسأله في أحد ممّن قدّم إلى السيف إلّا شفّعه فيه ، ثمّ انصرف عنه .
فقيل لعليّ بن الحسين ( عليه السّلام ) : رأيناك تحرّك شفتيك ، فما الذي قلت ؟
قال : « قلت : اللهمّ ربّ السماوات السبع وما أظللن ، والأرضين السبع وما أقللن ، ربّ العرش العظيم ، ربّ محمّد وآله الطاهرين ، أعوذ بك من شرّه ، وأدرأ بك في نحره ، أسألك أن تؤتيني خيره ، وتكفيني شرّه » .
قيل لمسلم : رأيناك تسبّ هذا الغلام وسلفه ، فلمّا اتي به إليك رفعت منزلته ؟ فقال : ما كان ذلك لرأي منّي ، لقد ملئ قلبي منه رعبا ، ولم يبايع الإمام ( عليه السّلام ) ليزيد كما لم يبايع عليّ بن عبد اللّه بن العباس ، حيث امتنع بأخواله من كندة ، فالحصين بن نمير نائب مسلم بن عقبة قال : لا يبايع ابن أختنا إلّا كبيعة علي بن الحسين[10].
وذكر المؤرّخون : أنّ الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) كفل في واقعة الحرّة أربعمئة امرأة من عبد مناف ، وظلّ ينفق عليهنّ حتى خروج جيش مسلم من المدينة[11].
وجاء الحديث من غير وجه : أنّ مسرف بن عقبة لمّا قدم المدينة أرسل إلى عليّ بن الحسين ( عليهما السّلام ) فأتاه ، فلما صار إليه قرّبه وأكرمه وقال له : أوصاني أمير المؤمنين ببرّك وتمييزك من غيرك . . .[12].
وواضح أنّ البيعة إذا ما عرضت بشرطها الاستعبادي على الإمام ( عليه السّلام ) فإنّه سيستمرّ على نهجه الرافض ، وأنّ معنى الرفض هنا إنّه يتضرّج بدمائه الزكية ، وهذا يعني دخول صورة من صور النقمة العارمة ضد الممارسات الأموية القمعية التي سوف تزلزل أعمدة الكيان الحاكم .
وبعد انتهاء الأيام الدامية على مدينة الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) قال مسلم بن عقبة :
اللّهمّ إنّي لم أعمل عملا قط بعد شهادة لا إله إلّا اللّه ، وأنّ محمدا عبده ورسوله أحبّ إليّ من قتل أهل المدينة ، ولا أرجى عندي في الآخرة[13].
كان مسلم في تلك الأيام قد تجاوز التسعين من عمره ، أي انّه كان قريبا جدا من حتفه وقد هلك بعيد وقعة الحرّة وقبل أن يصل إلى مكة ، وكان من الذين لم يحملوا من الإسلام إلّا اسمه ، ووظّفوا ظاهر القرآن والحديث لتسويغ جرائمهم ، فقد كان من المخلصين لمعاوية بن أبي سفيان ، وفي صفّين كان يقود معسكر معاوية بن أبي سفيان ضد الخليفة الشرعي للمسلمين ، ألا وهو الإمام عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين ( عليه السّلام )[14].
ولعلّه لم يسمع حديث الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) الذي جاء فيه : « من أخاف أهل المدينة أخافه اللّه ، وعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين »[15].
ولعلّه قد سمع هذا الحديث ، لكنّه لمّا وجد من يعتبر نفسه خليفة للنبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) قد تجرّأ على قتل ابن بنت النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) وسبي بناته من مدينة إلى أخرى ، دون أن يعترض عليه أحد ، فممّ يخشى هو إن اعتدى على مدينة النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) ؟ !
وبعد أن قمع بوحشيّة ثورة أهل المدينة وأجهض انتفاضتهم ؛ توجّه مسلم إلى مكة التي أعلن فيها عبد اللّه بن الزبير ثورته على الحكم الأموي ، لكنّه لقي حتفه في الطريق ، فتسلّم الحصين بن نمير قيادة الجيش الأموي بناء على أوامر يزيد ، وعندما وصل أطراف مكة فرض حصارا عليها وضرب الكعبة بالمنجنيق وأحرقها[16].
وفي الوقت الذي كانت فيه مكّة تحت حصار الجيش الأموي لقي يزيد حتفه ، فعقد قائد الجيش الأموي - الذي لم يكن وقتذاك يعرف زعيمه الذي يقاتل معه - ماوضات مع ابن الزبير أعرب له فيها عن استعداده لقبول بيعته شريطة أن يرافقه إلى الشام ، إلّا أنّ ابن الزبير رفض الشرط ، فعاد الحصين وجيشه إلى الشام .
[1] تأريخ الطبري : 4 / 485 ، والكامل في التأريخ : 4 / 113 .
[2] الطبري : 5 / 484 وعنه في الكامل .
[3] التنبيه والاشراف : 263 ط . القاهرة .
[4] البداية والنهاية : 8 / 220 ، وتأريخ الخلفاء : 233 . أمّا الطبري فلم يذكر إلّا إباحة القتال والأموال ثلاثة أيام : 5 / 491 وترك ذكر الفروج وتبعه الجزري في الكامل .
[5] تاريخ ابن عساكر : 10 / 13 ، المحاسن والمساوئ : 1 / 104 .
[6] تاريخ الطبري 5 / 493 و 495 وعنه في الكامل في التاريخ : 4 / 118 وفي مروج الذهب 3 : 70 ، الكامل في التاريخ 4 : 118 ، والبداية والنهاية 8 : 222 . وقد جاء في تاريخ اليعقوبي 2 : 251 : كان الرجل من قريش يؤتى به فيقال : بايع على أنّك عبد قنّ ليزيد ، فيقول : لا . فيضرب عنقه .
[7] الكامل في التأريخ : 4 / 118 ، مروج الذهب : 3 / 70 .
[8] تأريخ الطبري : 5 / 492 وعنه في الكامل في التاريخ : 4 / 118 .
[9] تأريخ الطبري : 5 / 493 ، الاخبار الطوال : 265 .
[10] النظرية السياسية لدى الإمام زين العابدين ، محمود البغدادي : 273 . المجمع العالمي لأهل البيت ( عليهم السّلام ) - الطبعة الأولى سنة 1415 ه .
[11] كشف الغمة : 2 / 319 عن نثر الدرر للآبي ( ق 4 ه ) عن ابن الأعرابي .
[12] الإرشاد : 2 / 152 .
[13] تأريخ الطبري : 5 / 497 وعنه في الكامل في التاريخ : 4 / 123 .
[14] وقعة صفين : 206 و 213 وفي الإصابة : 3 / 493 - 494 .
[15] البداية والنهاية : 8 / 223 ، رواه عن النسائي ، وروى مثله عن أحمد بن حنبل . انظر أحاديث أخرى عن هذا الموضوع في كنز العمال ، كتاب الفضائل الحديث 34886 ، ووفاء الوفاء : 90 ، وسفينة البحار : 8 / 38 ، 39 عن دعائم الإسلام .
[16] تأريخ الطبري : 5 / 498 وعنه في الكامل في التأريخ : 4 / 24 عن الكلبي عن عوانة بن الحكم ، ثم روى أخبارا عن ابن عمر تحاول نسبة الحرق إلى أصحاب ابن الزبير خطأ ، في محاولة لتبرير يزيد الشّرير .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
أولياء أمور الطلبة يشيدون بمبادرة العتبة العباسية بتكريم الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|