أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-2-2022
1994
التاريخ: 1-12-2016
2858
التاريخ: 2024-04-24
724
التاريخ: 2024-09-01
347
|
هل نحن منتجون أم مستهلكون؟
وما هي حدود الإنتاج، وما هي حدود الاستهلاك؟
وأيهما يقدم على الآخر؟
هناك من الناس من اكتفى في دنياه أن يكون مستهلكاً لما ينتجه الآخرون، وهناك من لا يرضى إلا بأن يكون منتجاً أكثر مما يكون مستهلكاً، وثمة نوع ثالث لا هو منتج ولا هو مستهلك. وهذا هو ميّت الأحياء.
صحيح أن الله سبحانه وتعالى قد خلقنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً.
وصحيح أيضاً أن الذي يريد الإنتاج لابد له أن يمر بمراحل الاستهلاك، إلا أن الله - جل شأنه - قد زود الإنسان بالعقل السليم، ووهب له السمع والأبصار والأفئدة، وفتح أمامه آفاق الطموح والتطور والرقي والازدهار.. وبهذه المواهب الإلهية يستطيع كل شخص أن يرتقي سلم المعرفة، ليصبح في مصاف العظماء، أما إذا أهمل تلك المواهب فإنه سوف يصبح مخلوقاً معطل الفكر، معدوم الإرادة، لا خير فيه، ولا فائدة ترجى منه.
قد يظن البعض أن مسألة الإنتاج والاستهلاك تخص القضايا الاقتصادية وحدها، بيد إن الأمر يتعدى ذلك ويشمل كافة جوانب الحياة. ففي الجانب الثقافي هناك من ينتج الثقافة، إما بالتفكير أو بالتأليف أو بالكتابة، وهناك من يستهلك تلك الثقافة، حيث يقرأ ما يكتبه الآخرون، ولكنه لا ينتج ولا يفكر في الإنتاج. وفي الجانب الأدبي تجد من ينتج، ومن يستهلك. فمثلاً بعض النقاد ينتظر على الدوام أن يقوم شخص آخر بإنتاج قصيدة كي ينتقدها، ولكنه لا يفكر، ولو مرة واحدة، في أن يقوم هو بصناعة الشعر حتى بنظم قصيدة واحدة.
بالطبع لا يمكن أن نطالب الإنسان بأن يكون منتجاً فحسب، بيد أنه قادر على أن يكون إنتاجه أضعاف استهلاكه. كما هو الأمر مع الأنبياء والأئمة والعظماء والزهاد، فإن مقدار استهلاك هؤلاء أقل بكثير من إنتاجهم. وهذا هو أرقى النماذج البشرية وأنفعها للمجتمعات. وثمة نموذج آخر وهو يستهلك ليحصل على طاقة تمكنه من الإنتاج. يأكل ليكتب، فينتج فكراً وثقافة ومواقف. وهناك من يستهلك الكثير، ولكن لا إنتاج لديه، كالذي يخلفه والده في متجره، فإذا كان يبيع كل يوم بنصف دينار، فإنه يأكل بعده بدينار. فما حصل عليه يأكله وزيادة. وهذا هو أدنى النماذج البشرية وأضرها على المجتمعات.
وهناك مسألة من الأهمية بمكان، وهي الحالة «الاكتسابية» والسعي في الحصول على العلوم والمعلومات والتجارب، فمن الناحية الثقافية مثلا لا يستطيع أحد أن يصل إلى الإنتاج إلا بعد أن يقوم بعمل القراءة والكتابة، ومن ثم يتدرج حتى يصبح هو الآخر منتجاً. أما أن يقول قائل: أريد أن أكون مبدعاً في المجال الفلاني، من دون أن يقطع المراحل الطبيعية في ذلك فهو محال.
لقد التقيت ببعض الشباب الذين كانوا يدرسون عند أحد الأساتذة الذي طالبهم بأن يكونوا منذ البداية «مبدعين» فأصبحت تلك الفكرة «عقدة» عندهم، فكلما أرادوا الكتابة أركسوا فيها، وقالوا لأنفسهم: إن هذا ليس إبداعاً. ومن ثم توقفوا عن الكتابة والتأليف.
فقلت لهم: أنتم مخطئون، إذ لابد أن تكونوا تلاميذ أولاً، ومن ثم مبدعين.
ولما كان التأليف عبارة عن الاستفادة من الآخرين والأخذ من كل بحر قطرة، ومن كل كتاب فكرة، ومن كل بستان زهرة، فبادي ذي بدء لابد أن يغرق من يريد التأليف نفسه في المطالعة والدراسة ومراجعة آراء الآخرين وأفكارهم وأن يكون تلميذاً جيداً.
ولكن بشرط أن لا يبقى تلميذا طوال عمره، مثل ذلك الذي قرر أن يكون تلميذا في الحوزة العلمية لسبعين عاماً، ينتقل من أستاذ لآخر. فقيمة العلم عند مثل هذا الرجل ليست في نشره وتطويره والعمل به، وإنما في استهلاكه فقط.
فالتلمذة مطلوبة، ولكن بقدر معين لا أن تمتد إلى نهاية الحياة.
وكما في التأليف، كذلك في الخطابة، فالذي يرغب في أن يكون خطيباً، فإن عليه أن يقلد في البدء الخطباء الجيدين، ولكن بعد التمرس والإجادة، عليه أن يستقل في أسلوبه - أي أن يأخذ ما بناه الآخرون، ومن ثم يبني عليه - لا أن يستظل تحت بناء الآخرين إلى الأبد، ويكرر إنتاج الآخرين ويردده كالببغاء، من دون أن يضيف إليه أشياء.
وبكلمة فإن الناجح في الحياة، هو الذي يستهلك من الآخرين أفضل ما عندهم لينتج بعد ذلك أفضل مما أخذ. تماماً كما يعمل النحل حيث يأخذ من الورود أفضل ما فيها، وهو الرحيق، لينتج بعد ذلك أفضل ما يستطيع وهو العسل.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|