المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

الحركات التكتونية التالية لعصرالجليد
2024-10-10
قاعدة امكان التكليف المشروط
26-8-2016
الحالة الاقتصادية في الحجاز قبل البعثة النبوية.
2023-05-04
اسلوب العينات المجانية في الاعلانات
4/9/2022
Four Exponentials Conjecture
1-2-2021
ادارة البروتوكول والمراسيم
1-9-2022


الطابع الغنائي في النقد الإسلامي  
  
2321   12:38 صباحاً   التاريخ: 14-08-2015
المؤلف : د. عصام قصبجي
الكتاب أو المصدر : أصول النقد العربي القديم
الجزء والصفحة : ص13-17
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-3-2018 20138
التاريخ: 23-3-2018 2202
التاريخ: 4-6-2017 2734
التاريخ: 14-08-2015 64440

 هنا يستوقف المرء سؤال جوهري يتعلق بأثر الإسلام في النقد، إذ إن طبائع الأمور تقتضي ان يؤثر الإسلام في النقد مثلما أثر في شتى العلوم الأخرى، ولا سيما أن المجتمع انتقل من البداوة إلى الحضارة، ومن البساطة إلى التعقيد، ومن الذوق إلى العقل، بيد أن شيئاً من ذلك لم يحصل، لان قوة الشعر الغنائي تأبت على كل تغير ، وكأن التسمك بهذه الغنائية كان تمسكاً بالذوق البدوي أن يضيع في شتات الثقافات الأعجمية الوافدة، أو لأن الذوق الجماعي المتجلي في الشعر يعسر تغييره وانتقاله بسهولة من طور إلى طور، وقد اتفق أن النقد راح يفسر هذه الغنائية ويثبتها، ويعللها، ويحرم الخروج عليها، عوضاً من أن يدرسها على أنها ظاهرة من ظواهر الشعر، ولكنها ليست الشعر، ولا سيما فما يتعلق فملامحها، المغالية في إنكار الصدق الفني.

ولا ريب أن القرآن الكريم كان له أثره الادبي واللغوي، فضلاً عن أثره الديني والروحي، وإذا كانت اللغة مظهراً لمضمون، فلا مناص من التسليم بأن اللغة العربية دخلت في طور جديد عندما عبرت عن المضمون القرآني، لا جرم أنه غير طورها الجاهلي الذي كان محدود المعاني، بسيط الأفكار ، فها هنا قوة في المعنى اقتضت قوة في التعبير، وقوة المعنى عندما يكون المعنى إلهياً تختلف بلا ريب عن قوة المعنى عندما يكون  المعنى بشرياً، والقول في النهاية مظهر قوة القائل، وإذن فالمرء يفترض أن شيئاً ما لا بد ان يتغير في الشعر بمد القرآن، وفي النقد بعد القرآن، غير أن القرن الأول ينقضي، وينقضي بعده القرن الثاني، بله الثالث، وليس في شعر العرب، أو في نقد العرب، شيء تغير، ما خلا بعض اللمحات الذوقية التي نمت على لطف فرضه الدين الجديد في الأذواق والعقول.

أتأثر العرب إذن بالجانب الديني من القرآن، ولم يستلهموا الجانب الأدبي على الرغم من أن الجانب الادبي كان مظهراً او ثوباً للجانب الديني لا ينفصل عنه؟ يبدو أن الأمر كذلك، وان ألفتهم لتقاليدهم الادبية، وتعصبهم لها، جعل بينهم وبين استلهام أدب القرآن حاجباً، وطبعاً، فإن تغير طابع الأدب الجاهلي من الغنائي إلى القصصي ــ مثلاً ــ تأثراً بالقصص القرآني، كان كفيلاً بتغير طابع النقد العربي، غير أن ذلك لم يحدث، ومضى قرن او أكثر، والشعر هو الشعر، والمدح هو المدح، والغناء هو الغناء، وليس شعر ذي الرمة مثلاً بمختلف عن شعر لبيد، أو شعر جرير بمختلف عن شعر الحطيئة، وكل ما هنالك لطف في الذوق فرض احياناً لطفاً في اللغة.

كان الإسلام كفيلاً إذن بتغير نمط النقد، تبعاً لتغير نمط العقل، وكان الرسول (صلى الله عليه وآله) قد لاحظ بعض الملاحظات النقدية ــ على قلة مبالاته بالشعر إلا فيما يخص الدعوة ــ وكانت هذه الملاحظات جوهرية حقاً، وأهمها اثنتان تتعلقان بالصدق والخلق؛ أما الصدق فقد روي أن النابغة الجعدي " أنشد رسول الله قصيدته التي يقول فيها:

أتيت رسول الله إذا جاء بالهدى                       ويتلو كتاباً كالمجرة نيرا

فلم قال:

بلغنا السماء مجدنا وجودنا            وإنا لنرجو فوق ذلك مظهراً

قال له المصطفى (صلى الله عليه وآله): إلى أين يا أبا ليلى؟ فقال: إلى الجنة، فقال الرسول (صلى الله عليه وآله): إن شاء الله.

لا ريب أ هذه الملاحظة تحد من غلواء المبالغة الجوفاء، وتحاول رد الشاعر إلى سبيل الصدق المعقول، وتبدو رداً على حماسة النابغة للمبالغة في قبته، على نحو ما مر بنا، وإنها السخرية لطيفة من ذلك العرف الجاهلي الذي لا يرضى للمجد بما دون السماء: إلى أين يا أبا ليلى؟ وكأن رسول الله ينبه الشعراء جميعاً على السبيل المعقول في القول سائلاً الشعراء: إلى أين أنتم ذاهبون بعيداً عن القريب، والمألوف، والمعقول، والصادق؟ ولقد أحسن الجعدي التهرب، كما أحسنه من بعده معظم الشعراء، عندما جعلوا الشعر ضرباً من التحايل الفني على المضمون الفكري، مما لا سبيل إلى مناقشته، وأيضاً فقد روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "أبغض الخلق إلي، وأبعدهم مني مجالس يوم القيامة هم الثرثارون، والمتفيهقون"، وهذا نص في الإزراء بالتصنيع اللفظي البغيض الذي لا طائل منه.

واما الخلق، فقد روي ان النباغة الجعدي أيضاً لما قال:

ولا خير في حلسم إذا لم يكن له               بوادر تحمي صفوه ان يكدرا

ولا خير في جهل إذا لم يكن له               حليم إذا ما أورد الماء أصدرا

قال له النبي: لا فض الله فاك.

الشعر عند الرسول الكريم إذن ليس ضرباً من اللعب الفني، أو المبالغة الزائفة، وإنما هو معنى وخلق أيضاً، ومن الطبيعي أن هذا الأمر لم يكن من شأن الجاهلي الاهتمام به، فالشعر عندهم يقوى في الشر، والاهواء، والنزوات، والأحقاد، والخصومات، غير أن الجاهلي لم يكن قد وصل بعد إلى طور يتيح له أن يفهم هذه الملاحظات التي تهز ما رسخ في ذهنه من أعراف أديبة، ولذلك فإنها لم تكتسب القوة التي كانت تكتسبها التعاليم الدينية.

ومضى الشعر الجاهلي على سنته الاولى، وجاء عمر فأفرغ جهده في إبراز المبدأ الخلقي في الشعر، وإن كان قد اقتدى بالرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) في الحض على الصدق أيضاً عندما أثنى على زهير بأنه لا يمدح الرجل إلا بما فيه، إذ روي عن عمر "أنه قال: أنشدوني لأشعر شعرائكم، قبل: من هو؟ يتبع حوشي الكلام، ولا يمدح الرجل إلا بما هو فيه". "وكتب عمر إلى عامله، أن" سل ليبدأ والأغلب ما أحدثا من الشعر في الإسلام، فقال الأغلب:

أرجزاً سألت أم قصيدا                فقد سألت هيناً موجوداً

وقال لبيد: قد أبدلني الله بالشعر سورة البقرة وآل عمران، فزاد عمر في عطائه فبلغ به ألفين"، " وأنشد سحيم عبد بني الحسحاس قوله:

عميرة ودع أن تجهزت غاديا         كفى الشيب والاسلام للمرء ناهياً

فقال: لو قلت شعرك مثل هذا أعطيتك عليه، فلما قال:

فبات وسادانا إلى علجانة              وحقف تهاداه الرياح تهاديا

وهبت شمالاً آخر الليل قرة                  ولا ثوب إلا درعها وردائيا

فما زال بردي طيباً من ثيابها                 إلى الحول حتى انهج الثوب بالياً

فقال له عمر "ويلك إنك مقتول".

وثمة رواية أخرى تبرز تطور المفهوم الإنساني عند الخليفة الثاني:

"وكان النجاشي الحارثي هجا بني العجلان، فاستعدوا عليه عمر بن الخطاب، فقال: ما قال فيكم؟ فأنشدوه:

إذا الله عادي أهل لؤم ورقة           فعادي بني العجلان رهط ابن مقبل

فقال عمر: إنما دعا، فإن كان مظلوماً استجيب له، وإن كان ظالماً لم يستجب له، قالوا: وقد قال أيضاً:

قبيلة لا يغدرون بذمة          ولا يظلمون الناس حبة خردل

فقال عمر: ليت آل الخطاب هكذا. قالوا: وقد قال أيضاً:

ولا يردون الماء إلا عشية            إذا صدر الوراد عن كل منهل

فقال عمر: ذلك أقل للكاك. قالوا: وقد قال أيضاً:

تعاف الكلاب الضاريات لحومهم     وتأكل من كعب وعوف ونهشل

فقال عمر: اجن القوم موتاهم فلم يضيعوهم، قالوا: وقد قال؛

وما سمي العجلان إلا لقيلهم           خذ القعب واحلب أيها العبد واعجل

فقال عمر: خير القوم خادمهم (وكلنا عبيد الله) ثم بعث إلى حسان والحطيئة، وكان محبوساً عنده، فسألهما، فقال حسان مثل قوله في شعر الحطيئة(1)، فهدد عمر النجاشي وقال له: إن عدت قطعت لسانك". فالنجاشي يهجو بأعراف الجاهلية، وبنو العجلان يتألمون بأعراف الجاهلية، وأعراف الإسلام لا ترى في عدم القدرة على الظلم والغدر عيباً، بل هو فضلاً لاشك فيه، مثلما لا ترى في خدمة القوم، وعدم الخصومة على الماء عيباً أيضاً، وذلك يعني أن عمر كان يتمنى ان يخرج الشعر عن سبيل الجاهلية إلى سبيل جديد ليس الشعر فيه إقذاعاً وقدحاً في الأعراض، وإنما هو تعبير صادق عن خلق صادق، وإذا كان الشعر عاجزاً عن السبيل الاخرى فلا بأس بهجره، كما فعل لبيد عندما شعر أنه لم يعد قادراً على قول الشعر، بعد أن هذبه الإسلام، وكان ذلك سبباً في ثناء عمر عليه وزيادة عطائه، فالشعر إما ان يكون ذا مضمون نابع من الدين الجديد والخلق الجديد، وإما أن يندثر، ولقد كان ذلك أيضاً هو شأن سحيم الذي عبر عن الاتجاهين في قصيدة واحدة، وبعد أن أعجب عمر بالمطلع انكر باقي القصيدة، وكاد يفتك بصاحبها.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كان حسان قد قال في هجاء الخطيئة للزبرقان: لم يهجه ولكن سلح عليه.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.