المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

The multimode laser. Mode competition and Darwins survival of the fittest
26-12-2016
خطيئة آدم
11-10-2014
صحيفة في بيت فاطمة (عليها السلام)
16-12-2014
interface (n.)
2023-09-25
نظام تثبيت النتروجين Nitrogenase
3-5-2019
تصوير وجه داخل الاستوديو
29-12-2021


منابع السعادة  
  
2201   02:10 صباحاً   التاريخ: 26-7-2022
المؤلف : هادي المدرسي
الكتاب أو المصدر : كيف تتمتع بحياتك وتعش سعيداً
الجزء والصفحة : ص7ــ20
القسم : الاسرة و المجتمع / التنمية البشرية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-7-2016 2231
التاريخ: 2024-08-04 418
التاريخ: 25-6-2022 1869
التاريخ: 15-5-2022 1350

لو طرحنا السؤال الذي يقول: (ماهي السعادة؟) على عينات مختلفة من الناس، لجاء الجواب مختلفاً جداً، إلى درجة أننا ربما نستنبط من ذلك أن السعادة حالة شخصية، وليس لها مفهوم عام..

ومن ثم فلا يمكن وضع قواعد لها، والتحدث عما يمكن أن يجلب السعادة للإنسان وعما يمكن أن يجلب له الشقاء، لأن ما يعتبر سبباً من أسباب السعادة لدى شخص، قد يكون سبباً من أسباب الشقاء لدى آخر..

غير أن الذي لا شك فيه أن كثيرين يرون بعض الأمور التالية من أسباب السعادة :

1- الثروة والغنى.

2- النجاح والانتصار.

٣- الحب والعائلة.

4ـ الاطمئنان والسلام.

5- الجمال والشباب.

6ـ الصحة والنشاط.

7- الشهرة والمنصب.

8- العظمة والقدرة.

9- الفرح والابتهاج.

١٠- الإثارة واللذة.

١١- الاسترخاء والراحة.

فهل أن واحداً، أو أكثر من هذه هي أسباب للسعادة فعلاً؟!.

والجواب: إذا أخذنا بعين الاعتبار أن «الروح» هي موطن السعادة وليس الجسد، فإن السعادة تكون حينئذ شعوراً روحياً وليس أمراً مادياً.

صحيح أن هذا الشعور قد يكون وليد شيء مادي، مثل شعورك بالسعادة لسبب الراحة بعد تعب شديد، إلا أن الراحة نفسها ليست سعادة بحيث يقال أنك كلما حصلت على الراحة أكثر حصلت على السعادة أكثر.. وكلما نقصت راحتك نقصت سعادتك.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى كل الأمور السابقة الذكر، فهي قد تولد شعوراً بالسعادة، ولكنها ليست السعادة نفسها، وإلا لكان كل الأغنياء سعداء، بينما نجد أن كثيراً منهم يعيشون في أشد حالات الشقاء، وأن بعضهم يضع حداً لمعاناته باللجوء إلى الانتحار..

كما أن كثيراً من موفوري لصحة، وكثيراً من الشباب وكثيراً من المشاهير، وكثيراً من أصحاب الجمال، لا يشعرون بالسعادة في حياتهم، وربما يغبطون غيرهم في ذلك..

غير أنه لا بد هنا من توضيح مسألة هامة؛ وهي أننا حينما نقول أن السعادة حبور نفسي، ولذة روحية، فلا يعني أننا ننكر أسبابها المادية. فلربما يكون المال، أو الراحة، أو أي حاجة أخرى سبباً لسعادة المرء.. كما يمكن أن يكون افتقاره لها سبباً لشقائه.

فالذي هو على وشك أن يموت من الجوع والعطش، فإن السعادة بالنسبة إليه تتلخص في لقمة خبز وشربة ماء.

والذي يعاني من الاعتقال، فإن السعادة بالنسبة إليه هي الحرية.

والذي هو على وشك أن يفوته قطار الزواج ولم يتزوج بعد، فإن السعادة بالنسبة إليه هي أن يجد شريكة حياته.

ومن يعيش في بيت ضيق ، فان داراً واسعة يمكن أن تعطيه شعوراً بالسعادة .

وهكذا فإن إشباع الحاجات من أسباب السعادات. .

ومن هنا جاء في الحديث الشريف : «ثلاثة من السعادة :

١- الزوجة المؤاتية (المنسجمة).

2- والولد البار.

3- والرزق.. يرزق معيشته يغدو على صلاحها ويروح على عياله»(1).

وفي حديث آخر: «من سعادة المرء المسلم: أن يكون متجره في بلاده، ويكون خلطاؤه صالحين، ويكون له ولد يستعين به»(2).

وفي ثالث: «سعد أمرؤ لم يمت حتى يرى خلفه (أولاده) من نفسه»(3).

وفي رابع: «إن من سعادة المرء المسلم أن يشبهه ولده، والمرأة الجملاء ذات دين، والمركب الهني، والمسكن الواسع»(4).

وفي خامس: «من سعادة المرء أن تكون معيشته في بلده»(5).

ولقد وضع أحد الأدباء العرب هذه المعاني في المقطوعة الأدبية التالية فقال:

السعادة أن يكون للمرء مسكن يؤويه..

وضيعة قريبة، غلتها تكفيه..

ولا تزيد على كفايته فتطغيه..

وزوجة مؤمنة تراضيه وتواتيه..

وولد بار يسليه..

وجار مالح لا يؤذيه..

وخادم عن محنة نفسه يحميه. .

وما وراء ذلك فلا حاجة له فيه..!

ونعود هنا لنسال :

هل السعادة هي الفرح والابتهاج؟.

والجواب: إن ذلك غير صحيح..

لأن كثيراً من الأفراح نابعة من الأنانية، وحب الذات. فما يرضي نفوسنا يفرحنا، أما ما يرضي الآخرين فلا دخل له بفرحنا.

وهكذا فإن الفرح أحياناً لا ضمير له..

ولقد كان الطغاة يفرحون حينما يقتلون مخالفيهم، بينما كانت ضمائرهم تؤنبهم، فهل كانوا سعداء؟!.

إن الابتهاج، إذا نبع من القلب، وكان من أجل القيم، والحق، وارتبط بطمأنينة الضمير، ونقاء الروح، وراحة القلب فهو من السعادة.

أما الابتهاج الذي يصدر من نشوة الملذات بعيداً عن يقظة الضمائر، فهو غريزة حيوانية.

وهل السعادة هي الصحة والشباب؟

والجواب: قد تكون الصحة والشباب شرطاً لتحقيق السعادة المادية، ولكنها ليست هي السعادة. وإلا فلماذا ينفق الناس صحتهم وشبابهم سعياً وراء السعادة؟.

وهل السعادة هي الشهرة والمنصب؟

والجواب: إن كثيرين يظنون ذلك ويعتبرون الأكثر شهرة، هو الأكثر سعادة، غير أن الشهرة لا تدخل من الباب حتى تهرب السعادة من الشباك.

وقد قيل أن شهرة المرأة قبر سعادتها. لأن الشهرة تسلب منها الراحة والحرية معاً.. وأية سعادة يمكن تصورها من غير الراحة والحرية..؟

أما المناصب؛ فإن أصحابها محسودون، غير أنهم يشبهون راكب الأسد، الكل يشير إليه بإعجاب، أما هو فعلى وشك ان يموت من الأسد الذي يركبه..

وأن أكثر ما يقلق صاحب المنصب هو خوفه من أن ينقلب عليه الكرسي الذي يجلس عليه، فيصبح مركوباً بعد أن كان راكباً.

ومع القلق أي مجال آخر يبقى للسعادة؟.

وهل السعادة هي الثروة والغنى؟!.

وهل السعادة هي جمع المال؟ خاصة أن الناس جميعاً يحبون المال، ويرغبون في جمعه ابتداءً من الطفل الصغير، وانتهاءً بالشيخ الكبير، فكلنا يعرف قيمة المال، ولذلك فجميعنا يبحث عنه، ويحرص عليه، ويبخل به.

ونحن جميعاً نحتاج إليه لكي نوفر به حاجاتنا في المأكل والملبس والمسكن..

فإذا لم تكن تملك الدينار والدرهم فمن اين تأكل ؟ وكيف تتزوج ؟ وماذا تفعل ؟.

لقد سئل أحد العلماء: لماذا نجد العلماء على أبواب الأثرياء، ولا نجد الأثرياء على أبواب العلماء؟!.

فقال: لأن العلماء يعرفون قيمة المال، بينما الأثرياء لا يعرفون قيمة العلم..

وقد جاء في الحديث الشريف: «لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال، يكف به وجهه، ويقضي به دينه، ويصل به رحمه»(6).

وجاء أيضاً: «الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة»(7).

فهل المال هو مادة السعادة كما يظن البعض؟.

والجواب: إن المال شيء، والسعادة شيء آخر.

ولذلك فإن كثرة المال لا تعني أبداً كثرة السعادة، بل أن المال ربما يسبب التعاسة لصاحبه، فحينما يصبح هدفاً، ويتجاوز عن الحاجة، يفقد قيمته، حيث يستعبد صاحبه بدل أن يحرره.

يقول الحديث الشريف: «مالك، إن لم يكن لك، كنت له فلا تبق عليه، فإنه لا يُبقى عليك. وكُله قبل أن يأكلك»(8).

«إن المال ما أفاد الرجال»(9) فهو إذن «وبال على صاحبه إلا ما قدم منه»(10)، فـ «خير مالك ما أعانك على حاجتك»(11) ، و«أفضل الأموال أحسنها أثراً عليك»(12).

فلربما كان المال سبباً للسعادة، إذا ما بذله صاحبه في خير نفسه، وخير الناس لأن «المال لا ينفعك حتى يفارقك»(13) وهو «يكرم صاحبه ما بذل، ويهينه ما بخل»(14) كما يقول الإمام علي عليه السلام.

وفي الحقيقة؛ فإنه لا يوجد دكان يمكنك شراء السعادة منه بالمال، فأية قيمة للمال إذا فقدت في سبيله الصحة، والشباب، والنشاط، والحب والوطن والأمن؟.

وإليكم فيما يلي قصة رجل تخلى عن ثروته، التي لم تجلب له سعادة واستعاض عنها بمطرقة، ومنشار، وحلم، قائلا: ليس السعادة في المال وحده.

أظهر ميلارد فولر، منذ صغره موهبة فذة لجني المال، وكانت هوايته تحقيق الربح وليس ممارسة الرياضة وصيد السمك مثل أترابه في لانيت بالاباما، وبفضل حصان مهزول أعجف أهداه إياه والده وهو في سن المراهقة، تحول إلى تاجر ماشية كبير، حقق أرباحاً مكنته من دفع جميع أقساطه في جامعة أوبرن بألاباما.

وعندما دخل كلية الحقوق في أوبرن عام ١٩٥٧، عمد زميل له يدعى موريس ديز إلى المتاجرة بكل ما كان يمت بصلة إلى حاجات الطلاب آنذاك، من أكاليل البهشية إلى نشافات الحبر، فدليل الجامعة، فقوالب الكعك الخاصة بأعياد الميلاد التي كانا يتعهدان إيصالها إلى غرف الطلاب. وهما استثمرا أرباحهما من تلك التجارة في العقارات. وبلغ الربح الصافي لكل منهما عند التخرج ٠ ٥ ألف دولار.

بعد ذلك، انطلقا في الاتجار بواسطة البريد. وفي ١٩٦٤ بلغت تجارتهما حداً من النجاح استدعى توظيف ١٥٠ عاملاً. وعمل الشابان بجد وكد، وسهرا الليالي يتبادلان الآراء ويرسمان الخطط، حتى وجبات الفطور جعلاها مناسبات لمناقشة شؤون العمل وتبادل وجهات النظر.

في السن التاسعة والعشرين، أصبح فولر مليونيراً. وكان يملك منزلاً فخماً، ودارة لقضاء العطلات، وزورقين بخاريين سريعين، وسيارة فخمة من طراز «لنكولن كونتننتال» وأسهماً في ثلاث مزارع للماشية. واقتنى مفكرة كان يسجل فيها أرباحه يوماً فيوماً. وكان يغضب إذا لم يكن ريح يومه أفضل من سابقه.

كان فولر في ذلك الوقت متزوجاً من ليندا كولدويل ورزقا طفلين جميلين راوح عمراهما بين سنة وثلاث سنوات. وكانت الحياة بالنسبة إليه طافحة بالهناء والسعادة.

إلا أن هذه النعمة لم تطل إذ جاءت ليندا ذات يوم إلى المكتب وأعلنت أمراً رهيباً. قالت لزوجها أنها لم تعد تحبه وتشعر كأنها وحيدة، من دون زوج. وأضافت: «هذه ليست حياة، فأنت لا تكف عن العمل».

ظن الرجل للوهلة الأولى، أن زوجته متكدرة المزاج ولن تلبث أن تهدأ، فأجابها مدارياً: «سوف أمضي وقت أطول برفقتك والأولاد»، إلا أنه استمر يعمل بالوتيرة نفسها، ما ضاعف من تعاسة زوجته ودفعها إلى اتخاذ قرار حاسم.

فذات مساء بادرت زوجها بالعبارات الآتية: «سوف أتغيب فترة من الزمن. والحقيقة أنني لا أدري إن كان لا يزال أمامنا مستقبل».

وفي اليوم التالي غادرت المنزل متوجهة إلى نيويورك.

سيطرت على ميلارد حال من الذهول، فراح يسائل نفسه كيف أساء التقدير إلى تلك الدرجة. أوليست عائلته - من دون ريب - أهم من المال؟.

في الأيام القليلة التي تلت، أغرق ميلارد نفسه في العمل لكنه عجز عن التركيز. صحيح أن الأعمال التي تعاطاها نمت وازدهرت ولكن على حساب زواجه وصحته. بدأ يشعر بألم في العنق وبضيق في التنفس أحياناً ، وبدأ يحس بثقل يضغط على صدره.

عندما اتصلت به ليندا هاتفياً وأبلغته موافقتها على الاجتماع به الأسبوع التالي في نيويورك، طلب إلى والديه الاهتمام بالطفلين أثناء غيابه. وفي المساء الذي سبق سفره إلى نيويورك استرخى في منزله أمام فيلم تلفزيوني. وما لبثت أن هزته جملة وردت في الفيلم وهي: «إن الحياة المبرمجة لا يسع المرء إلا تحملها».

حياة مبرمجة! هكذا بالضبط هي حياته. فخطته في الحياة كانت أن يجني أكثر قدر ممكن من الثروة وأن يجعل المليون عشرة ملايين. إلا أنه بات يدرك اليوم أنه في سعيه وراء الثروة أغفل كل ما هو قيم ومهم، وهو لم يعد يطيق ذلك، فقرر للحال، في الزمان والمكان نفسهما أن يأخذ على نفسه عهداً بأن يتخلص من ماله كله، ويبحث عن مبرر للحياة أكثر وجاهة وإقناعاً من جمع الثروة. وأياً كان قراره النهائي فإن ليندا والأطفال مشمولون به، ولا بد لحياته الجديدة أن تكون ذات معنى وتأثير إيجابي على الناس، وللمرة الأولى بعد أسبوع طويل من المعاناة والكرب شعر بالسكينة والهدوء يغمران نفسه.

عندما وصل الرجل إلى نيويورك تكلمت ليندا عن حرصها على زواجهما وعن رغبتها في المحافظة عليه، في البدء كان حديثهما متردداً متعثراً ، لكنه سرعان ما غرق في دفق من المشاعر.

تحدث ميلارد عن عزمه على العودة إلى البيت وتوزيع ثروته كلها، وبدء حياة جديدة، سألها رأيها في ما عقد النية عليه فأومأت برأسها موافقة وقالت له: «سوف نواجه كل شيء معاً».

بعد عدة أسابيع وفي إحدى الأمسيات كان ميلارد وزوجته عائدين بالسيارة من رحلة قاما بها إلى فلوريدا، وتوقفا في ولاية جورجيا بالقرب من أمبريكس، فتذكر ميلارد أن رجل دين من أصدقائه يقطن في الجوار، ضمن مجموعة تقيم في مزرعة اسمها «(كونونيا».

في صباح اليوم التالي اتصل ميلارد بصديقه مدفوعاً برغبة شديدة، فدعاهما الأخير إلى زيارته فلبيا الدعوة، وكان أن امتدت الزيارة شهراً سحر ميلارد بمرشد المجموعة واسمه جوردان الذي آمن بالتقشف والمشاركة في الأعمال الطيبة، وخلال ذلك الشهر عاونه ميلارد في توضيب جوز البقان، وفي حلب البقرة الوحيدة في المزرعة، وفي الوقت نفسه أمطره بوابل من الأسئلة شعوراً منه بأن الرجل ربما تمكن من إرشاده إلى هدف جديد لحياته. في نهاية الشهر عاد الزوجان إلى الاباما وفور وصولهما عرضا منزلهما للبيع، وباعا حصة ميلارد في الشركة، كما باعا الزورقين الذين كانا يملكانه، ووزعا الريع على أماكن العبادة والكليات والجمعيات الخيرية.

شعر ميلارد بتحسن في صحته، وعاد يتنفس بسهولة، واختفى الألم الذي كان يشعر به في صدره، لكنه بات في حاجة إلى وظيفة، فعمل مؤقتاً جامع تبرعات في نيويورك لحساب كلية صغيرة في ميسيسيبي. وما لبثت العائلة أن انتقلت إلى شقة صغيرة فوق محطة للوقود، وكان ميلارد يذهب إلى عمله يومياً في مانهاتن بالحافلة، ومع ولادة طفلهما الثالث أصبحت ميزانية العائلة أكثر شحاً، لكن حياة التقشف لم تزعج أفرادها لأنهم أصبحوا فريقاً واحداً.

وجد ميلارد عمله مرضياً، لكنه ظل يتوق إلى رسالة في حياته تستحث كل طاقاته ومثالياته، ومع نهاية السنة انتهى عمله في جمع التبرعات، فكتب إلى جوردان يستلهمه أفكاراً جديدة، وجاءه الرد دعوة إلى زيارته. كانت الأكواخ المتداعية المبنية من الطين الأحمر على جانبي الطرق حول أميريكس محور تفكير جوردان، فهي غالباً ما افتقرت إلى وسائل التدفئة والإمدادات الصحية، ولأن المصارف رفضت منح سكانها قروضاً لتحسين وضعهم فقد كتب عليهم أن يظلوا مستأجرين.

تحدث جوردان إلى ميلارد قائلا: «هؤلاء الناس ليسوا في حاجة إلى إحسان، بل إلى طريقة تجعلهم قادرين على مساعدة أنفسهم»، وللحال توصل الرجلان إلى قرار يقضي بتأسيس شركة تمولها التبرعات التي ستستخدم في شراء أرض ومواد بناء، على أن تتولى الشركة تشييد منازل بسيطة ولائقة، ومن ثم بيعها بسعر الكلفة، وعلى الشاري أن يؤدي الدفعة الأولى نقداً، ويسدد البقية أقساطاً شهرية حتى يتم إيفاء الدين. وتقرر أن يضاف المال المقبوض إلى رأس مال الشركة لاستخدامه في بناء منازل جديدة. وكان المشروع يرمي إلى تشجيع الشاري على إيفاء قسم من ثمن منزله أعمالاً في ورشة منزله، ومنازل جيرانه إن هو رغب في مثل ذلك الاستثمار، فلكل شيء ثمن، وحدها الفرصة المتاحة كانت مجانية.

تحمّس ميلارد وليندا للمشروع، فجمعا أولادهما وانتقل الجميع إلى كونونيا، كان العمار على وشك أن يبدأ على أرض تملكها المجموعة، فتولى ميلارد فرزها إلى 42 قطعة مستقلة، مساحة الواحدة منها ريع هكتار، وبدأ جولة لجمع التبرعات والمتطوعين. فبعث برسائل إلى أشخاص كثيرين في أنحاء الولايات المتحدة، فجاءت الردود ألوف الدولارات أرسلها مؤيدو المشروع ومحبذوه.

استأجر ميلارد متعهدين لحفر الأسس ومد أنابيب المياه وأسلاك الكهرباء، وبلغت كلفة المنزل الأول الذي تألف من ثلاث غرف للنوم ومطبخ حديث نحو ٦ آلاف دولار.

أيقن الرجل أخيراً أنه وجد ضالته وأن العمل ذاك يمكن أن يعتبره رسالته في الحياة، ومع حلول العام ١٩٧٢ كان قد أنهى الدفعة الأولى من المنازل وبلغت ٢٧، وكانت جميعها مبيعة ومأهولة من عائلات لم يسبق لها أن عرفت منازل فيها كل أسباب الراحة؛ من تدفئة وإمدادات صحية داخلية، وغالباً ما كان القسط المتوجب دفعه دون قيمة الإيجار الذي اعتادوا دفعه.

تساءل ميلارد عن إمكان نقل الفكرة التي أينعت في جورجيا إلى مكان آخر، وعلى هذا الأساس وقع عقداً مع إحدى المجموعات تعهد بموجبه بناء ١١٤ منزلاً في زائير في أفريقيا، ورافقته في تلك الرحلة زوجته وأولاده.

وعندما عادت العائلة إلى أميريكس عام ١٩٧٦، كان في ذهن ميلارد مشروع لشن حرب دولية ضد البيوت الزرّية في العالم كله، وهدف هذا المشروع إلى محو بيوت الفقر من العالم بأسره، وأطلق عليه اسم «موطن الإنسانية» .

وقرر أن يجعل تمويل مشروع «موطن الإنسانية» بالتبرعات والاقساط الشهرية التي يدفعها الشارون، من دون أن يدخل صندوقه قرش واحد من مال الدولة.

بدأ المشروع عملياً ببناء منازل لفقراء قادرين على أداء جزء ضئيل من الثمن كدفعة أولى، وعلى تقسيط البقية دفعات شهرية لا تتعدى الواحدة ٦٥ دولاراً. في البدء سار التنفيذ ببطئ إذ بلغ مجموع ما نفذ من مشاريع ١٥ في الولايات المتحدة و١١ خارجها، أما في العام ١٩٨٧ فقفز العدد إلى٢٤١ في أمريكا الشمالية و٥٠ في بلدان أخرى، وبلغ عدد البيوت الناجزة أو المرممة عام ١٩٨٧ ألف بيت، بمعدل ثلاثة منازل في اليوم الواحد، وقد بلغ مجموع المنازل ألفين في عام ١٩٩٦. ويبدو أن فلسفة المشروع النبيلة قد أطلقت سيلاً من الإرادات الطيبة، حيث كانت طلبات التطوع تنهال على الرجل بمعدل 40 طلباً في الشهر، ويقول أحد المتطوعين الذي تخلى عن عمله مهندساً من أجل إدارة حملة لجمع التبرعات والمتطوعين : «كنت أبحث عن طريقة أخرى غير المال أسعد بها نفسي».

كان ميلارد يقوم في العاشرة صباحاً، وينهمك في دق مسامير في سقف واحد من 14 منزلاً تبنى في وقت واحد، وحوله 350 متطوعاً منهمكين في البناء، يدقون، ويحفرون، ويركبون النوافذ، ويحصون الألواح.. إنهم يبنون حياً كاملاً. عدد كبير بينهم عمل سابقاً في مشاريع أخرى لـ« موطن الإنسانية».

وبعد يوم من العمل الشاق على السطح يقول ميلارد متأملاً: «يجد المرء سعادة في هذا العمل. وأكثر الأشخاص حيوية بين الذين أعرفهم مشغولون بأمر خارج أنفسهم. إن عملنا مختلف ومميز، فهو لن يخبو الأسبوع المقبل أو الشهر المقبل، إنه بركة للباني والشاري على السوء».

وهكذا وجد الرجل سعادته خارج دائرة الثروة، بينما لو بقي باحثاً عن السعادة في جمع المال، فلربما خسر زوجته وأولاده جميعاً من دون أن يحصل على السعادة.

________________________________

(1) البحار: ج103 ص5.

(2) البحار: 103 ص7.

(3) البحار: ج104 ص95.

(4) المصدر: 76 ص149.

(5) المصدر: ج103 ص86.

(6) فروع الكافي: ج5 ص72.

(7) نهج البلاغة: باب الحكم56.

(8) البحار:ج٧١ ص٣٥٧.

(9) غرر الحكم ودرر الكلم: 1/137.

(10) المصدر: 2/90.

(11) البحار: ج٧٨ ص١٢.

(12) غرر الحكم ودرر الكلم: 2/428.

(13) المصدر: 1/379.

(14) المصدر: 2/61. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.