أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-10-2018
1948
التاريخ: 2024-04-23
751
التاريخ: 24-5-2020
2203
التاريخ: 19-6-2016
2035
|
قبل كل شيء يرد الإشكال التالي الذي يلزم رفعه:
لم يكن موضوع سوء الظن أمراً إرادياً في أغلب الأحيان لكي يمكن اجتنابه، بل يمكن أن يجد الظن السيء طريقه إلى فكر الإنسان بصورة لا إرادية نتيجة لرؤية مشهد معين أو سماع حديث ما أو خطور خاطرة معينة في الذهن، إذن كيف يمكن فرض ممنوعية هذا الأمر وحرمته؟ ، الرواية الشهيرة التالية تشير إلى هذا المضمون : «ثلاثة لا يسلم منها أحد : الطيرة والحسد والظن» .
وقد سلك المحققون مسالك مختلفة لدفع هذا الإشكال:
1- اعتقد البعض بأن الظن السيء غير ممنوع في حد ذاته واستدلوا على قولهم بالحديث النبوي المعروف : «ثلاثة في المؤمن وله منهن مخرج فمخرجه من سوء الظن أن لا يحققه»(1).
2- قال بعض آخر: إن المراد بتحريم سوء الظن هو عدم ترتيب أثر قلبي أو خارجي عليه، أي أن لا يعقد قلبه عليه، وهو أمر إرادي، وأن لا يبغض ويكره ذلك الشخص الواقع في دائرة (سوء ظنه)، وكذلك يجب عليه أن لا يغير أسلوب تعامله ومعاشرته له. وعليه فالمقصود من عدم أعمال سوء الظن هو المعنى الواسع للكلمة الذي يشمل الذهن وخارجه.
ولا ريب في أن كلا المعنيين على خلاف الظاهر من آية اجتناب سوء الظن، والأحاديث الواردة في ذلك؛ لأنه قد ورد فيها نهي صريح عن سوء الظن بذاته، ولا وجود لانعقاد القلب عليه لكي يمكن اجتنابه.
وطبيعي أن مسألة الاعتقاد وانعقاد القلب هي مسألة إرادية، على أن الاعتقاد والإيمان هما غير العلم، لكن مسألة الشعور بالبغض والكراهية ليست كذلك .
3- ومع أن سوء الظن في الحقيقة الغالبة ليس إرادياً في وجوده، فإن استمراره مسألة إرادية؛ لأنه ينبع عادة من سلسلة من الدوافع الخيالية كالاستعجال في الحكم، لذلك فإن التفكر والتدبر في جوانب الموضوع والتدقيق في احتمالاته المختلفة يمكن أن يزيله بسرعة، ومن هنا فقد أكدت الأخبار والروايات دعوة الإنسان إلى التحري عن محامل الخير في أعمال المسلمين قدر المستطاع لكي يمحو هذه الخواطر الوهمية .
يقول أمير المؤمنين على عليه السلام: «لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك وأنت تجد لها في الخير سبيلا،(2). بناءً على هذا فالخارج عن إرادتنا هو تلك الخواطر القلبية المفاجئة فقط، أما سوء الظن المزمن فهو مسألة إرادية، وهذا يطابق ظاهر الآية والروايات الشريفة، التي تأمرنا باجتناب سوء الظن، بصورة تامة، وعليه فلا دليل على تأويل الموضوعات خلاف ما هي عليه في الظاهر.
ويظهر من حديث الإمام الصادق عليه السلام الذي خاطب به محمد بن الفضل قائلاً له: «كذب سمعك وبصرك في أخيك» أنه يشير إلى هذا الموضوع، أي إلى السعي للعثور على محامل صحيحة ومحو الهواجس الشيطانية الواهية.
* طرق علاج سوء الظن:
بعد أن اتضح المقصود من تحريم سوء الظن، آن الأوان لكي نتطرق إلى طرق علاجه.
وكما أشرنا مراراً فإنه ينبغي التحري عن طريق علاج الأمراض الروحية والجسمية والأخلاقية عن أسباب ظهورها.
وعلى هذا الأساس ومع أخذ بحثنا السابق - عن أسباب وعوامل سوء الظن - بنظر الاعتبار، نتوصل إلى النتائج التالية:
1- يجب علينا، لقلع جذور سوء الظن، إصلاح أنفسنا قبل كل شيء، لكي لا نحكم بفساد الآخرين فيما لو جعلنا أنفسنا مقياساً لهم، ونذكر أنفسنا، طيلة الوقت، بأن لا نتصور الآخرين مثلنا، فلا يستبعد أن تكون لهم معنويات، أفضل وأعلى مما لدينا بدرجات. فينبغي علينا الالتفات إلى أن القياس على أنفسنا ليس له أي أساس علمي أو منطقي، بل قد ينبع من غريزة (حب الذات) عند الإنسان، لذا يجب أن لا نجعله محوراً لآرائنا بشأن الآخرين.
2- يجب علينا تطهير المحيط الذي نعيش فيه، والذي يمكن أن يكون مصدراً لنظرتنا المتشائمة وسوء ظننا بالآخرين، وأن نترك معاشرة الأشرار التي توجب سوء الظن بالأخيار، وأن نلتفت دائماً إلى أن مثل هذه المعاشرات السامة، - بغض النظر عن عيوبها الكثيرة الأخرى تعتم أفق نظرنا الفكري في تقييم شخصية الآخرين وتورطنا بأخطاء فادحة في معرفة الناس، ليس لها أضرار أخلاقية ومعنوية فقط، بل تحرمنا من الاستفادة من المنابع الفكرية والأخلاقية الموجودة لدى الأخيار عن طريق سوء الظن.
فلو كانت بيئتنا التربوية ملوثة وفاسدة مند الصغر، لوجب علينا محو إيحاءاتها السيئة، التي أضحت مصدراً لنظرتنا المتشائمة، عن طريق التلقينات الصالحة ومطالعة أحوال الأخيار، وعلى الأخص حياة الصالحين والأبرار في التاريخ بصورة متمعنة، ومعاشرة الطاهرين لنغسل أدمغتنا من آثار الطفولة السلبية.
3- يجب علينا دائماً أن نتذكر أضرار النظرة المتشائمة الفردية والاجتماعية وأخطارها الجسيمة التي تصيبنا وتصيب المجتمع، ونفكر بالبحوث السابقة التي أوردناها في هذا المجال ونلتفت إلى حقيقة أن لو نفعت النظرة المتشائمة وسوء الظن في تسكين روح الانتقام أو الأنانية الموجودة في نفوسنا ومنحتنا سكوناً مؤقتاً وكاذباً، لما عادل ذلك الأضرار الجسيمة التي تنتظرنا في هذا الطريق.
4- لو كان السبب في سوء ظننا ونظرتنا المتشائمة هو الانحرافات الأخلاقية للآخرين كالحقد والأنانية وتبرير الأعمال السيئة والهروب من تأنيب الضمير، لوجب وضع حد لها عن طريق مراقبة نفوسنا، أي نقل هذه العوامل من مرحلة الضمير الميت إلى مرحلة الضمير الحي، إذ أن لهذه المسألة منتهى الأهمية في علاج الانحرافات الأخلاقية، ففي هذه الحالات التي تؤثر دوافع مرحلة الضمير الميت في أعمال وأفكار الإنسان، يجب نقلها إلى مرحلة الضمير الحي عن طريق المراقبة، ليكون لها الأثر البليغ في إصلاح حالنا، وقد حازت هذه المسألة اهتمام علماء النفس اليوم .
وفي ختام بحث سوء الظن يجب أن نذكر: أن للمحمل السيء ولسوء الظن جانباً منطقياً في حالة واحدة فقط، هي المحيط الذي انحرف وفسد أغلب أفراده، ففي مثل هذا المحيط وطبقاً لنظرية الاحتمالات لا يمكن حسن الظن بالأفراد المشكوكين؛ لأن احتمال فسادهم أكبر من احتمال صلاحهم، ولكن يجب الالتفات هنا إلى أنه ينبغي على الفرد في مثل هذا المحيط أن لا يرتب على سوء ظنه أثراً أيضاً، سوى ما يتعلق بموارد الاحتياط. أي أنه في الوقت الذي يراعي فيه الاحتياطات اللازمة يجب عليه اجتناب التظاهر بالأعمال التي توحي بسوء ظنه وعدم ثقته بالطرف المقابل، وأن لا يغفل عن احتمال كون هذا الشخص المشكوك الحال من القلة الصالحة في ذلك المجتمع، ويجب أيضاً حصر هذا الأسلوب من التعامل، بالمفاسد السارية في المجتمع، أما الحالات الأخرى فيجب العمل فيها بحسن الظن التام.
قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: «إذا غلب الفساد على أهل الزمان فأحسن الرجل برجلٍ الظنَّ فقد غرر).
______________________________
(1) إحياء العلوم، الغزالي، ج٣.
(2) الكافي.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|