القول في معنى العدل والحسن والواجب
المؤلف:
العلامة الشيخ سديد الدين الحمصيّ الرازيّ
المصدر:
المنقذ من التقليد والمرشد الى التوحيد المسمى بالتعليق العراقي
الجزء والصفحة:
ج1 - ص150- 153
12-08-2015
2266
لمّا وجب على المكلّف العلم بالثواب و
العقاب لكونه جاريا مجرى دفع الضرر عنه، و على مكلّفه تعالى أن يكلّفه تحصيله،
لكونه لطفا في أداء الطاعات و اجتناب المقبّحات، و لم يمكن تحصيله إلّا بمعرفة
التوحيد و العدل، وجب عليه تحصيل المعرفة بالتوحيد و العدل.
...والكلام في العدل كلام في أفعاله
تعالى أنّها كلّها حسنة، و تنزيهه عن
القبائح و عن الإخلال بالواجب في حكمته. و يدخل تحته تفاصيل، كالكلام في حسن
ابتداء الخلق و حسن التكليف و ما يتصل به و الكلام في النبوّة و الكلام في الوعد و
الوعيد، فإنّ بجميع ذلك يتمّ العلم بالثواب و العقاب. و يدخل في أبواب العدل
الكلام في الآلام و الأعواض و حسن ما يحسن منها و يلحق أيضا بأبواب العدل الكلام
في الإمامة لأنّه من الألطاف التي تجب لمكان التكليف و إن لم يتوقف عليها العلم
بالثواب و العقاب.
... [العدل] مصدر: «عدل يعدل»، يذكر و يراد
به الفعل و قد يراد به الفاعل. فإذا اريد به الفاعل كان مجازا، و المراد به
المبالغة في وصفه بأنّه عادل، أي كثير العدل، كما يقال: رجل صوم و فطر، على هذه
الطريقة، و إذا اريد به الفعل فقد قيل في حدّه و معناه إنّه إيفاء حقّ الغير عليه
و استيفاء الحقّ منه.
وقد قدح في هذا الحدّ بأن قيل: يلزم عليه
القول بأنّ لا يكون خلق الخليقة ابتداء عدلا، لأنّه ليس ذلك إيفاء حقّ الغير عليه
و الاستيفاء الحقّ منه.
وقيل: فالأولى أنّ يحدّ بأنّه كلّ فعل حسن
يفعل بالغير لينتفع به، أو يستضرّ به، يعنون بما يستضرّ العقاب و الذمّ لمن
يستحقّها. و لا أرى في التحديد الاوّل خللا.
أمّا
قول القادح فيه بأنّه يلزم أن لا يكون ابتداء الخلق عدلا، فليس فيه طائل. و ذلك
لأنّ لمن حدّ العدل بما ذكرناه أن يقول: خلق العالم ابتداء حسن و إحسان و تفضّل و
إنعام و غير قبيح، و لا أصفه بأنّه عدل، فأيّ خلل في ذلك.
أمّا الفعل، فهو ما حدث ممّن صحّ منه وقوعه
وأن لا يقع. و أمّا الحسن فهو الفعل الذي لا مدخل له في استحقاق الذمّ بوجه من
الوجوه.
وأمّا الواجب، فهو ما للإخلال به مدخل في
استحقاق الذمّ، و القبيح هو الفعل الذي له مدخل في استحقاق الذمّ.
وهذه الحدود الخصّ ما قيل في بيان معاني هذه الألفاظ و يدخل فيها
جميع ما هو من أقسامها على مراتبها، لأنّ الحسن ينقسم: إلى ما هو مختصّ بالحسن من
غير زيادة عليه، و هو الذي يوصف بأنّه مباح إذا أعلم فاعله ذلك من حاله أو دلّ
عليه؛ و إلى ما يختصّ بوجه زائد على الحسن، و هو الذي يستحقّ المدح بفعله، إذا فعل
لحسنه. و ينقسم الى ما للإخلال به مدخل في استحقاق الذّم فيوصف بأنّه واجب، و إلى
ما لا مدخل للإخلال به في استحقاق الذمّ فيوصف بأنّه مندوب إذا وقع ممّن أعلم ذلك
من حاله أو دلّ عليه، و جميع هذه الأفعال لا يستحقّ بفعلها الذمّ، فهي داخلة في
الحدّ الذي ذكرناه للحسن.
والواجب ينقسم إلى مضيّق، وهو الذي يستحق
الذم بالأخلال به تعيينا، والى موسّع يسمّى مخيّرا فيه، و هو الذي يستحق الذمّ بأن
لا يفعل و لا ما يقوم مقامه. وينقسم أيضا إلى ما هو واجب على الأعيان، و هو الذي
لا يقوم فيه فعل البعض مقام فعل البعض الآخر، و إلى ما هو واجب على الكفاية، و هو
الذي يقوم فيه فعل البعض مقام فعل البعض الآخر. وجميع هذه الأقسام داخل فيما
حدّدنا الواجب به، إذ للإخلال بكلّ واحد منهما مدخل في استحقاق الذمّ.
الاكثر قراءة في مصطلحات عقائدية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة