أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-4-2016
6596
التاريخ: 19-10-2015
3865
التاريخ: 7-4-2016
2903
التاريخ: 7-4-2016
2926
|
اتفق جمهور المؤرّخين على أنّ الإمام الحسن ( عليه السّلام ) قد وفد على معاوية في دمشق ، واختلفوا في أنّ وفادته كانت مرة واحدة أو أكثر ، وإطالة الكلام في تحقيق هذه الجهة لا تغنينا شيئا ، وإنّما المهم البحث عن سرّ سفره ، فالذي نذهب اليه أنّ المقصود منه ليس إلّا نشر مبدأ أهل البيت ( عليهم السّلام ) وإبراز الواقع الأموي أمام ذلك المجتمع الذي ضلّله معاوية وحرّفه عن الطريق القويم ، أمّا الاستدلال عليه فإنّه يظهر من مواقفه ومناظراته مع معاوية ، فإنّه قد هتك بها حجابه .
أمّا الذاهبون إلى أنّ سفره كان لأخذ العطاء فقد استندوا إلى احدى الروايات الموضوعة فيما نحسب ، وهذه الرواية لا يمكن الاعتماد عليها ؛ لأنّ الإمام قد عرف بالعزّة والإباء والشمم ، على أنّه كان في غنى عن صلات معاوية ؛ لأنّ له ضياعا كبيرة في يثرب كانت تدرّ عليه بالأموال الطائلة ، مضافا إلى ما كان يصله من الحقوق التي كان يدفعها خيار المسلمين وصلحاؤهم .
على أنّ الأموال التي كان يصله بها معاوية على القول بذلك لم يكن ينفقها على نفسه وعياله ، فقد ورد أنّه لم يكن يأخذ منها مقدار ما تحمله الدابة بفيها[1].
وروى الإمام موسى بن جعفر ( عليهما السّلام ) : « أنّ الحسن والحسين كانا لا يقبلان جوائز معاوية بن أبي سفيان »[2].
وضاق معاوية ذرعا بالإمام الحسن ( عليه السّلام ) حينما كان في دمشق بعد الذي رآه من إقبال الناس واحتفائهم به ، فعقد مجالس حشدها بالقوى المنحرفة عن أهل البيت ( عليهم السّلام ) والمعادية لهم مثل : ابن العاص والمغيرة بن شعبة ومروان بن الحكم والوليد بن عقبة وزياد بن أبيه وعبد اللّه بن الزبير ، وأوعز لهم بالتطاول على ريحانة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) والنيل منه ، ليزهد الناس فيه ، ويشفي نفسه من ابن فاتح مكة ومحطّم أوثان قريش ، وقد قابله هؤلاء الأوغاد بمرارة القول وبذاءة الكلام ، وكان ( عليه السّلام ) يسدّد لهم سهاما من منطقه الفيّاض فيسكتهم .
ولقد كان الإمام في جميع تلك المناظرات هو الظافر المنتصر ، وخصومه الضعفاء قد اعترتهم الاستكانة والهزيمة والذهول .
المناظرة الأولى :
أقبل معاوية على الإمام ( عليه السّلام ) فقال له : « يا حسن أنا خير منك ! » فقال له الإمام ( عليه السّلام ) : « وكيف ذاك يا بن هند ؟ » ، فقال معاوية : لأنّ الناس قد أجمعوا عليّ ، ولم يجمعوا عليك .
فقال له الإمام ( عليه السّلام ) : « هيهات ، لشرّ ما علوت يا بن آكلة الأكباد ، المجتمعون عليك رجلان : بين مطيع ومكره ، فالطائع لك عاص للّه ، والمكره معذور بكتاب اللّه ، وحاشا للّه أن أقول أنا خير منك لأنّك لا خير فيك ، فإنّ اللّه قد برّأني من الرذائل كما برأك من الفضائل »[3].
المناظرة الثانية :
وهناك موقف آخر ، ولعلّه من أروع ما نقله التأريخ من مواقف الإمام ( عليه السّلام ) ، فقد اجتمع لدى معاوية أربعة من أعمدة حكمه ومروّجي جاهليّته ، وهم : عمرو بن العاص والوليد بن عقبة بن أبي معيط وعتبة بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة ، وطلبوا منه إحضار الإمام ( عليه السّلام ) لكي يعيبوه وينالوا منه ، بعد ما ساءهم إلتفاف الناس حوله يلتمسون منه عطاء العلم والدين .
ويقال : إنّ معاوية رفض أن يرسل اليه ، وقال : « لا تفعلوا ، فواللّه ما رأيته قطّ جالسا عندي إلّا خفت مقامه وعيبه لي ، وقال : إنّه ألسن بني هاشم » فعزموا عليه بأن يرسل اليه .
فقال : إن بعثت اليه لأنصفنّه منكم ، فقال ابن العاص : أتخشى أن يأتي باطله على حقّنا ؟ ! قال معاوية : أما إنّي إن بعثت اليه لآمرنه أن يتكلّم بلسانه كلّه ، واعلموا أنّهم أهل بيت ، لا يعيبهم العائب ، ولا يلصق بهم العار ، ولكن اقذفوه بحجره ، تقولون له : إنّ أباك قتل عثمان ، وكره خلافة الخلفاء قبله .
ثم أرسل إلى الامام من يدعوه ، فحضر فأكرمه معاوية وأعظمه ، وقال له : إنّي كرهت أن أدعوك ، ولكن هؤلاء حملوني على ذلك ، وإنّ لك منهم النصف ومنّي ، وإنّا دعوناك لنقرّرك أنّ عثمان قتل مظلوما ، وأنّ أباك قتله ، فأجبهم ، ولا تمنعك وحدتك واجتماعهم أن تتكلّم بكلّ لسانك .
فتكلّم عمرو بن العاص ، فذكر عليّا ، وتجاوز في سبّه وشتمه ، ثم ثنّى بالحسن وعابه وأغرق في الخدشة ، وممّا قاله :
« . . . يا حسن ، تحدّث نفسك أنّ الخلافة صائرة إليك ، وليس عندك عقل ذلك ولا لبّه وإنّما دعوناك لنسبّك أنت وأباك . . . » .
ثم تكلّم الوليد بن عقبة فشنّع وأبان عن عنصريته ، ونال من بني هاشم .
ثم تكلّم عتبة بن أبي سفيان ، فأفصح عن حقده ولؤمه ، وممّا قال :
« . . . يا حسن ، كان أبوك شرّ قريش لقريش ، أسفكه لدمائها ، وأقطعه لأرحامها ، طويل السيف واللسان ، يقتل الحيّ ويصيب الميّت ، وأمّا رجاؤك الخلافة فلست في زندها قادما ، ولا في ميزانها راجحا » .
ثم تكلّم المغيرة بن شعبة ، فشتم عليّا وقال : « واللّه ما أعيبه في قضية بخون ، ولا في حكم بميل ، ولكنّه قتل عثمان .
ثم سكتوا ، فتكلّم الإمام ( عليه السّلام ) ، وممّا قال :
« أمّا بعد يا معاوية ، فما هؤلاء شتموني ، ولكنّك شتمتني ، فحشا ألفته ، وسوء رأي عرفت به ، وخلقا سيئا ثبت عليه ، وبغيا علينا عداوة لمحمد وآله ، ولكن اسمع يا معاوية واسمعوا فلأقولنّ فيك وفيهم ما هو دون ما فيكم » .
ثم أخذ في المقارنة بين مواقف أبيه ومواقف معاوية وأبيه ، فقال :
« أنشدكم اللّه ، هل تعلمون أنّه أول الناس إيمانا ، وأنّك يا معاوية وأباك من المؤلّفة قلوبهم ، تسرّون الكفر ، وتظهرون الإسلام ، وتستمالون بالأموال .
وإنّه كان صاحب راية رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) يوم بدر ، وإنّ راية المشركين كانت مع معاوية ومع أبيه ، ثم لقيكم يوم أحد ويوم الأحزاب ، ومعه راية رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، ومعك ومع أبيك راية الشرك ، وفي كلّ ذلك يفتح اللّه له ، ويفلج حجّته ، وينصر دعوته ، ويصدق حديثه ، ورسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) في تلك المواطن كلّها عنه راض ، وعليك وعلى أبيك ساخط » .
وأخذ ( عليه السّلام ) في تعداد فضائل أبيه وما ورد فيه من الأحاديث على لسان رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ومواقفه العظيمة التي نصر بها الدين وأذلّ بها المشركين ، ثم قال : « وجاء أبوك على جمل أحمر يوم الأحزاب يحرّض الناس وأنت تسوقه وأخوك عتبة هذا يقوده ، فرآكم رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) فلعن الراكب والقائد والسائق ، وأنت يا معاوية ، دعا عليك رسول اللّه لمّا أراد أن يكتب كتابا إلى بني خزيمة فبعث إليك ، فنهمك إلى يوم القيامة فقال : اللّهمّ لا تشبعه » .
ثم أخذ في بيان بعض مواقف أبيه مع رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) والمواطن السبعة التي لعن فيها النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) أبا سفيان ، وبعد أن أنهى خطابه لمعاوية ، التفت إلى عمرو بن العاص فقال :
وأمّا أنت يا بن النابغة ، فادّعاك خمسة من قريش ، غلب عليك الأمهم حسبا وأخبثهم منصبا ، وولدت على فراش مشترك ، ثم قام أبوك فقال : أنا شانئ محمد الأبتر ، فأنزل اللّه فيه إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ وقاتلت رسول اللّه في جميع المشاهد وهجوته ، وآذيته في مكة وكدته ، وكنت من أشدّ الناس له تكذيبا وعداوة .
ثمّ خرجت تريد النجاشي ، لتأتي بجعفر وأصحابه ، فلمّا أخطأك ما رجوت ورجعك اللّه خائبا ، وأكذبك واشيا ، جعلت حدّك على صاحبك عمارة بن الوليد ، فوشيت به إلى النجاشي ، ففضحك اللّه ، وفضح صاحبك ، فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والإسلام .
وهجوت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) بسبعين بيتا من الشعر ، فقال : اللهمّ إنّي لا أقول الشعر ولا ينبغي لي ، اللّهمّ العنه بكلّ حرف ألف لعنة .
وأمّا ما ذكرت من أمر عثمان ، فأنت سعّرت عليه الدنيا نارا ، ثم لحقت بفلسطين ، فلمّا أتاك قتله ، قلت : أنا أبو عبد اللّه إذا نكأت قرحة أدميتها ، ثم حبست نفسك إلى معاوية وبعت دينك بدنياه ، فلسنا نلومك على بغض ، ولا نعاتبك على ودّ ، وباللّه ما نصرت عثمان حبا ، ولا غضبت له مقتولا . . . » .
والتفت ( عليه السّلام ) إلى الوليد فقال له :
« فواللّه ما ألومك على بغض عليّ وقد قتل أباك بين يدي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) صبرا ، وجلدك ثمانين في الخمر لمّا صليت بالمسلمين سكران ، وسمّاك اللّه في كتابه فاسقا ، وسمّي أمير المؤمنين مؤمنا ، حيث تفاخرتما . . . » .
ثم التفت إلى عتبة بن أبي سفيان ، وقال له :
« وأمّا أنت يا عتبة ، فواللّه ما أنت بحصيف فأجيبك ، ولا عاقل فأحاورك وأعاتبك ، وما عندك خير يرجى ، ولا شرّ يتقى ، وما عقلك وعقل أمتك إلّا سواء ، وما يضرّ عليّا لو سببته على رؤوس الأشهاد ، وأمّا وعيدك إيّاي بالقتل فهلا قتلت اللحياني إذ وجدته على فراشك . . . وكيف ألومك على بغض عليّ ؟ وقد قتل خالك الوليد مبارزة يوم بدر ، وشرك حمزة في قتل جدّك عتبة ، وأوحدك من أخيك حنظلة في مقام واحد » .
ثم التفت إلى المغيرة بن شعبة ، وقال له :
« وأمّا أنت يا مغيرة ، فلم تكن بخليق أن تقع في هذا وشبهه . . واللّه . . . لا يشقّ علينا كلامك وإنّ حدّ اللّه عليك في الزنا لثابت ، ولقد درأ عمر عنك حقا ، اللّه سائله عنه ، ولقد سألت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) هل ينظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوّجها ، فقال : لا بأس بذلك يا مغيرة ، ما لم ينو الزنا ، لعلمه بأنّك زان .
وأمّا فخركم علينا بالإمارة ، فإنّ اللّه تعالى يقول : {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16].
ثمّ قام الحسن ( عليه السّلام ) فنفض ثوبه وانصرف ، فتعلّق عمرو بثوبه وقال : يا أمير المؤمنين ، قد شهدت قوله فيّ ، وأنا مطالب له بحدّ القذف ، فقال معاوية :
خلّ عنه ، لا جزاك اللّه خيرا . . . فتركه .
فقال معاوية : قد أنبأتكم أنّه ممّن لا تطاق عارضته ، ونهيتكم أن تسبّوه فعصيتموني ، واللّه ما قام حتى أظلم عليّ البيت قوموا عنّي ، فلقد فضحكم اللّه ، وأخزاكم بترككم الحزم ، وعدولكم عن رأي الناصح المشفق[4].
وينتهي هنا الحوار الفريد الذي ذكرناه بطوله رغم اختصارنا له ، واحتفاظنا بالنقاط الأساسية التي يهمّنا أن نضعها بين يدي القارئ ، ليتعرّف على الملامح الواقعية لتلك الزمرة المتسلّطة التي تنكّرت لكلّ القيم الأخلاقية ، وسلكت طريق الشيطان .
وبهذا الحوار أعطى الإمام ( عليه السّلام ) للمعارضة زخما جديدا وفاعلية كبيرة ، حيث كشف للامّة عن الواقع المرير الذي اكتنف الحكم الإسلامي بتسلّط هذه النماذج المنحرفة في أصولها ، والمنفعلة برواسبها الجاهلية ، والتي لا يمثّل عندها الإسلام إلّا الوسيلة الفريدة للتسلّط على رقاب الناس ، وتلافي النقائص الذاتية التي قدّر لهم أن يرزحوا تحت عبئها البغيض .
وأثبت الإمام ( عليه السّلام ) أنّه ما يزال يقف في موقفه الصامد الذي انطلق منه في صراعه مع الجاهليّة الأموية . وإن ألجأته ظروف المحنة إلى وضع السيف في غمده وتخطّي مرحلة الحرب ؛ فإنّ كلمة الحقّ الصارخة التي تصمّ آذان الباطل لا يمكن أن يدعها تموت في زحام أراجيف الضلال .
وهكذا ينطلق الإمام في خطاه الرسالية - التي هي امتداد لخطى جدّه الرسول الأعظم ( صلّى اللّه عليه وآله ) - وعليه تقع مسؤولية حفظ المبادئ الأصيلة التي جاءت من أجلها الرسالة ؛ لترتفع كلمة اللّه في الأرض .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|