أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-8-2017
1393
التاريخ: 9-8-2017
1534
التاريخ: 11-08-2015
681
التاريخ: 15-4-2018
1170
|
تُعتبر شفاعة الشافعين يوم القيامة بإذن الله تعالى إحدى العقائد الاِسلاميّة المُسَلَّمة الضروريّة.
إنّ الشفاعةَ تشملُ أُولئك الذين لم يقطعوا صِلتهم بالله، وبالدين بصورةٍ كاملة، فصاروا صالحين لشمولِ الرحمةِ الاِلَهيّةِ لهم بواسطة شفاعةِ الشافعين، رغم تورُّطِهم في بعض المعاصي والذنوب.
والاِعتقادُ بالشَفاعة مأخوذٌ من القرآن الكريم والسُّنة ونشير إلى بعض تلك النصوص فيما يأتي:
أ: الشَفاعة في القرآن :
إنَّ الآياتِ القرآنيّة تحكي عن أصل وجودِ الشفاعة يومَ القيامة، وتصرّح بأصل وجودِ الشفاعة وأنّها تقع بإذنِ اللهِ تعالى. ويقول: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } [الأنبياء: 28] .
فمَنْ هُم الشُفَعاء؟
يُستَفادُ من بعض الآيات أنّ الملائكة من الشُفعاء يومَ القيامة كما يقولُ: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26].
ويذهبُ المفسِّرون في تفسير قولِهِ تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]
إلى أنّ المقصود مِنَ «المقام المحمود» هو مقامُ الشّفاعة الثابتُ للنبيّ الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
ب : الشَفاعة في الروايات :
لقد تحدّثت روايات كثيرة ورَدَت في كتبِ الحديث عن الشفاعة مضافاً إلى القُرآنِ الكريم. ونشيرُ إلى بعضِ هذه الاَحاديث:
1. يقولُ النبيُّ الاَكرمُ: «إنَّما شَفاعَتي لأهل الكَبائِر مِن أُمَّتِي» (1) .
والظاهر أنّ عِلّة اختصاص الشفاعة بمرتكبي الكبائر من الذنوب وشمولها لهم خاصة، هو: أنّ اللهَ وَعَد في القرآنِ بصراحة بأن يغفرَ للناسِ السيئات الصغيرة إذا ما هم اجتنبوا الكبائرَ(2) فبقيّة الذنوب ما عدا الكبائر تشمُلُها المغفرة، في الدنيا ومع المغفرة لا موضوع للشفاعة.
2. «أُعْطِيْتُ خَمْساً... وأُعطِيتُ الشَفاعَة، فَادّخَرْتُها لاُمَّتي فهيَ لِمَن لا يُشْرك بِاللهِ»(3) .
وعلى من أراد التعرّف على غيره من شفعاء يوم القيامة كالأئمة المعصومين، والعلماء، وكذا المشفوع لهُمْ، أن يُراجِعَ كتبَ العقائد، والكلام، والحديث.
كما أنّه لابُدّ أن نَعلَمَ بأنّ الاِعتقاد بالشَفاعة، مثل الاِعتقاد بقبُول التوبة، يجب أن لا يوجبَ تجرُّؤ الاَشخاص على ارتكاب الذنوب، بل يجب أن يُعَدَّ هذا الاَمر «نافذةَ أمَل» تعيدُ الاِنسانَ إلى الطريقِ الصحيحِ، لكونه يرجو العفو، فلا يكونُ كالآيسين الّذين لا يفكّرون في العودة إلى الصِراط المستقيم قط.
ومِن هذا يتضح أنّ الاَثر البارز للشفاعة هو مغفرة ذنوب بعض العُصاة والمذنبين ولا ينحصر أثَرُها في رفع درجة المؤمنين كما ذهبَ إلى ذلك بعض الفِرقُ الاِسلامية (كالمعتزلة).(4)
إنّ الاعتقادَ بأصلِ الشَفاعة في يَوم القيامة (في إطار الاِذن الاِلَهيّ) ـ كما أسلَفنا ـ من العقائِد الاِسلاميّة الضرورية ولم يخدش فيها أحدٌ.
يبقى أنْ نرى هل يجوز أن نطلب الشفاعةَ في هذه الدنيا من الشافعين المأذون لهم في الشفاعة يوم الحساب، كالنبيّ الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم. أم لا؟
وبعبارةٍ أُخرى، هل يصحُ أن يقول الاِنسانُ: يا رسولَ الله يا وجيهاً عند الله اشفع لي عند الله؟
الجواب هو: أنّ هذا الموضوعَ كان محلَّ اتفاقٍ وإجماعٍ بين جميع المسلمين إلى القرن الثامن، ولم ينكرْه إلاّ أشخاصٌ معدودُون من منتصف القرنِ الثامن، حيث خالَفوا طلبَ الشفاعة من الشفعاء المأذون لهم، ولَم يجوّزوه في حين أنّ الآيات القرآنيّة والاَحاديث النبويّة المعتبرة، وسيرة المسلمين المستمرة تشهَدُ جميعُها بجوازه، وذلك لاَنَّ الشَفاعة هو دُعاؤهم للاَشخاص ومن الواضح أن طلبَ الدعاء من المؤمن العاديّ (فضلاً عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.) أمرٌ جائز ومستحسَن، بلا ريب.
ولقد رَوى ابنُ عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يُستفاد منه بوضوحٍ بأنّ شفاعة المؤمن هو دعاؤه في حق الآخرين فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «ما مِن رَجُلٍ مُسْلِم يَموتُ فَيَقومُ على جَنازَتِهِ أربَعون رَجُلاً لا يُشركُونَ بالله شيئاً إلاّ شفَّعهُم اللهُ فِيه»(5)
ومِنَ البديهيّ والواضح أنّ شفاعة أربعين مؤمن عند الصلاة على الميّت ليس سوى دعاؤهم لذلك الميت.
ولو تَصَفَّحْنا التاريخَ الاِسلاميَّ لوَجَدنا أنّ الصَحابة كانوا يطلبون الشفاعة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فها هو الترمذيّ يروي عن أنَس بن مالك أنّه قال: سألتُ النبيَّ أنْ يَشْفَعَ لي يومَ القِيامة فقال: أنا فاعل.
قلتُ: فأَينَ أطلبُك؟
فقالَ: عَلى الصّرِاطِ (6).
ومع الاَخذ بِنَظَر الاِعتبار أن حقيقة الاِستشفاع ليست سوى طلب الدعاءِ من الشَفيع، يمكنُ الاِشارةُ إلى نماذج مِن هذا الاَمر في القرآن الكريم نفسِه:
1. طلبَ أبناءُ يعقوب من أبيهِم أن يستغفرَ لهم، وقد وَعَدَهم بذلك ووفى بوعده، يقول تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي } [يوسف: 97، 98]
2. يَقولُ القرآنُ الكريمُ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64].
3. يقولُ في شأن المنافقين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [المنافقون: 5].
فإذا كانَ الاِعراضُ عن طَلَب الاِستغفار من النَبيّ ـ الذي يَتّحدِ في حقيقته مع الاِستشفاع ـ علامةَ النِفاق، والاِستكبار، فإنّ الاِتيان بهذا الطَلَب وممارسته يُعدّ بلا شكّ علامةُ الاِيمانِ.
وحيثُ إنّ مقصودَنا ـ هنا ـ هو إثبات جواز طلب الشفاعة، ومشروعيّتهِ، لذلك لا يَضرُّ موتُ الشفيعِ في هذه الآيات بالمقصود، حتى لو فُرض أنّ هذه الآيات وَرَدَت في شأنِ الاَحياء من الشُفَعاءِ لا الاَموات، لاَن طَلَبَ الشَفاعة مِنَ الاَحياء إذا لم يكن شركاً فإنّ من الطبيعي أن لا يكونَ طلبُها من الاَموات كذلك شركاً لاَنّ حياة الشَفيع وموته ليس ملاكاً للتوحيد والشرك أبداً، والاَمرُ الوحيدُ الذي هو ضروريٌ ومطلوبٌ عندَ الاِستشفاعِ بالأرواح المقدَّسة هو قدرتُها على سماع نداءاتنا، وهو أمرٌ قد أثبتْناه في مبحث التوسُّل حيث أثبتنا ـ هناك ـ وجود مثل هذا الاِرتباط.
وهنا لابدّ أن نلتفتَ إلى نقطةٍ هامّة وهي أن استشفاعَ المؤمنين والموَحّدين من الاَنبياء والاَولياء الاِلَهيّين يختلفُ اختلافاً جَوهرياً عن استشفاع الوثنيّين من أصنامهم وأوثانهم.
فالفريقُ الاَوّل يطلبُ الشَّفاعةَ من أولياءِ الله، وهو مذعِنٌ بحقيقتين أساسيّتين:
1. إنَّ مقامَ الشفاعة مقامٌ خاصٌّ بالله، وحقٌ محضٌ له سبحانه كما قال: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 44] .
أي قل: إنّ أمر الشَفاعة كلَّه بِيَدِ اللهِ ولا يحقّ لاَحدٍ أن يشفَعَ مِن دون إذنِهِ ولن تكونَ شفاعةٌ مؤثرةً بغيره.
2. إنّ الشُّفعاء الذين يَستشفِعُ بهم الموحِّدون عبادٌ صالحون مخلصُون لله سبحانه يستجيب الله دعاءَهم لِمكانَتِهِم عندهَ وَلِقُربِ مَنزِلَتهِم منه سبحانه.
وبهذين الشرطين يفترقُ الموحِّدُون عن الوثنييّن في مسألة الاستشفاع افتراقاً أساسياً.
أوّلاً : انّ المشركين لا يرون لنفوذ شفاعتهم وتأثيرها أيَّ قيد أو شرط، وكأنّ اللهَ فَوَّضَ أمرَ الشَفاعة إلى تلك الاَصنام العَمياء الصَمّاء. في حين أنّ الموحّدين يعتبرون الشفاعة كلّها حقاً مختصاً بالله، تبعاً لما جاء في القرآن الكريم، ويُقيِّدون قبولَ شفاعة الشافعين وتأثيرها بإذن الله ورضاه وإجازته.
ثانياً : إنّ مشركي عصر الرسالة كانوا يَعتبرون أوثانهم وأصنامَهم ومعبوداتهم المختلفة أرباباً وآلهةً، وكانوا يظنّونَ سفهاً أنّ لِهذهِ الموجودات الميّتة، والجمادات سَهْماً في الرّبوبيّة، والاُلُوهيّة، بينما لا يرى الموحّدون، الاَنبياءَ والاَئمةَ إلاّ عباداً صالحين، وهم يردّدُون في صلواتهم وتحياتهم دائماً عبارة: «عَبْدُه ورسوله» و «عباد الله الصالحين».
فانظرْ إلى الفرق الشاسِعِ، والتفاوت الواسِع بين الرؤيتين والمنطِقَين.
بِناءً على هذا فإنّ الاستدلالَ بالآيات التي تَنفي وتندّدُ باستشفاعِ المشركين من الاَصنام، على نَفي أصل طلب الشفاعة في الاِسلام، إستدلالٌ مرفُوضٌ وباطلٌ وهو من باب القياس مع الفارق.
__________________
(1) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، 3 | 376 .
(2) لاحظ النساء | 31 .
(3) الخصال للشيخ الصدوق، باب «الخمسةُ» ؛ صحيح البخاري، 1 | 42؛ مسند أحمد، 1 | 301.
(4) أوائل المقالات للشيخ المفيد ص 54 وكتب أُخرى.
(5) صحيح مسلم: 3 | 54.
(6) صحيح الترمذي: 4 | 42، باب ما جاء في شأن الصراط.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|