أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-03-2015
755
التاريخ: 22-03-2015
8777
التاريخ: 17-4-2018
642
التاريخ: 20-12-2018
2039
|
إنّ حقيقةَ المَعاد هي أنّ الرُّوح بعد مفارَقَتها للجَسَد تعودُ مرة أُخرى ـ وبإذن الله ومشيئته ـ إلى نفسِ البدنِ الذي عاشت به ليلقى الاِنسانُ جزاءَ ما عَمِلَهُ في الدنيا، في العالم الآخر، إنْ خيراً فخيرٌ، وإنْ شراً فشرّ.
ولكن ثمَّتَ من يُنكر «المعاد» الذي دَعَت الشرائعُ السماويةُ إلى الاِيمان بهِ، وإن أقرّوا بمسألةِ الثوابِ والعقابِ، الذي يلحق أعمال البَشَر، إلاّ أنّهم فسروه عن طريقِ «التناسخ».
إنّهم ادّعَوا أنّ الرُّوح تعودُ مرّةً أُخرى إلى العالم الدنيوي عن طريق تعلّقِها بالجنين، وعبْر طيّ مراحلِ الرُشد والنموّ، ويطوي دورات الطفولة، والشباب، والشيخوخة، غاية ما في الاَمر، يحظى أصحاب الاَعمال الصالحة بحياة لذيذةٍ جميلةٍ، بينما يعاني أصحاب الاَعمال الفاسدة من حياةٍ مُرّةٍ وقاسيةٍ. فهي إذن ولادةٌ جديدةٌ، تتبعُها حياةٌ سعيدةٌ أو تعيسةٌ.
ولقد كانَ لعقيدة التناسخ هذه على طول التاريخ البشريّ أنصار ومؤيّدون، وتُعَدُّ إحدى أُصول الديانة الهندوسية.
ويجب أن نَنتبه إلى هذه النقطة، وهي أنّ النفوسَ والاَرواح البشرية إذا سَلكتْ طريقَ التناسخ بصورة دائميةٍ لم يبق مجالٌ للمعاد والقيامة، والحال أنّ الاعتقاد بالمعاد أمرٌ ضروريٌ وبديهيٌ في ضوءِ أدلّته وبراهينه العقلية والنقلية.
وفي الحقيقة لابدّ أن يُقال: إنّ القائلين بالتناسخ حيث إنّهم لم يتمكّنوا مِن تصوّر «المعاد» بصورته الصحيحة أَحلُّوا «التناسخَ» محلَّه، واعتقدوا به، بَدَلَ الاعتقاد بالمعاد.
إنّ التناسخَ في المنطق الاِسلاميّ يستلزم الكفرَ، ولقد بُحِثَ في كتبنا الاعتقادية وأُثبِتَ بطلانه، وعدم انسجامه مع العقائد الاِسلاميّة بشكلٍ مفصَّلٍ، ونحن نشير هنا إلى ذلك باختصار:
1. إنّ النَفس والرّوحَ البشرية تكون قد بلغت عند الموت مرتبة من الكمال.
وعلى هذا الاَساس فإنّ تعلُّق الروح المجدّد بالجنين بحكمِ لُزُوم التناسقِ والانسجامِ بين «النَفْسِ» و «البَدَن» يستلزمُ تنزُّل النَفْسِ من مرحلة الكمال إلى مرحلة النقص، والفعليَّة إلى القُوّةِ، وهو يتنافى مع السُنّة الحاكمة على عالم الخَلقِ (المتمثّلة في السَير التكامليّ للموجوداتِ من القوّة إلى الفعل).
2. إذا قَبلنا بأن النفس تتعلّق بعد الاِنفصال من البَدَن، ببدنِ حيٍّ آخر، فإنَّ هذا يستلزمُ تعلّق نفسين ببدنٍ واحد، ونتيجته هي الازدواجيّة في الشخصيّة، ومثلُ هذا المطلبِ يتنافى مع الاِدراك الوجداني للاِنسان عن نفسه التي لا تمتلك إلاّ شخصيّةً واحدةً لا شخصيّتين.(1)
3. الاِعتقاد بالتناسُخ مع أنّه يتنافى مع السُنّة الحاكمة على نظام الخلق يعتبر بنفسه ذريعة للظالمين والنفعيّين الذين يرون أنَّ عزَّتَهم ورفاههم الفِعلِيّين نتيجةٌ لطهارة أعمالهم في حياتهم المتقدمة، ويرونَ أن شقاء الاَشقياء كذلك نتيجةٌ لِسوءِ أعمالهم في المرحلة السابقة، وبهذا يبرِّر هؤلاء الظَلَمة أعمالَهم القبيحة، ووجود الظُلم والجور في المجتمعات التي تخضع لسلطانِهِم.
[و] في ختام البحث حول التناسخ من الضروريّ أن نجيبَ على سؤالين:
السؤال الاَوّل: لقد صَرَّح القرآنُ الكريم بوقوع حالات من المَسخ في الاُمم السابقة، حيث تحوّل البعضُ إلى قِردةٍ، والبعض الآخر إلى خنازير كما يقول تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} [المائدة: 60](2) .
فكيفَ تحقّق المسخُ إذا كان التناسخ باطلاً؟
الجواب: إنّ «المسخ» يختلف عن «التناسخ» الاصطلاحيّ، لاَنّ في التناسخ تتعلَّق الروحُ بعد انفصالها من بَدَنِها بجنينٍ أو ببدن آخر.
ولكن في المسخ لا تنفصلُ الروحُ عن البَدن بل يتغير شكلُ البدَن وصورتُه، ليرى العاصي والمجرم نفسَه في صورة القِرد والخنزير، فيتألّم من ذلك.
وبعبارة أُخرى: إنّ نفسَ الاِنسان لا تتنزّل من المقام الاِنساني إلى المقام الحيواني، لاَنّه إذا كان كذلك لما كان أُولئك الذين مُسِخوا من البشر يدُرِكون العذاب، ولما لَمَسوا عقاب عَمَلهم، في حين يعتبر القرآنُ الكريمُ «المسخَ» «نكالاً» وعقوبة للعصاة (3).
يقول التفتازاني: إنّ النفوس بعد مفارقتها للاَبدان تتعلّقُ في الدنيا بأبدان أُخرى للتصرّف والاكتساب، لا أن تتبدّل صُوَرُ الاَبدان كما في المسخ.(4)
ويقول العلامة الطباطبائي: الممسوخ من الاِنسان إنسانٌ ممسوخٌ لا أنّه ممسوخٌ فاقدٌ للإنسانية.(5)
السؤالُ الثاني: يذهبُ بعض المؤلّفين إلى أنّ القول بالرجعة ناشىَ من القول بالتناسخ.(6)
فهل يستلزمُ الاعتقادُ بالرجعة القولَ بالتناسخ؟
الجواب: إنّ الرجعة ـ كما سنتحدّث عنها في محلّها ـ حسب إعتقاد أكثر علماء الشيعة الاِمامية تعني أنّ طائفةً من أهلِ الاِيمان، وأهل الكفر سيعودُون إلى هذه الحياة (أي العالم الدنيويّ) في آخر الزمان مرةً أُخرى، وتكون عودتهم إلى الحياة مثل إحياءِ الموتى على يد السيد المسيح، ومثل عودة «عزير» للحياة بعد مائة سنة.(7) وعلى هذا الاَساس لا يكون للاِعتقاد بالرجعة أيّ ارتباطٍ وعلاقة بمسألة التناسخ قط...
____________
(1) كشف المراد للعلامة الحلّي المقصد الثاني، الفصل الرابع المسألة الثامنة، والاَسفار صدر المتألّهين: 9 | 10.
(2) لاحظ سورة الاَعراف: الآية 166 .
(3) { فجَعَلْناها نكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة | 66).
(4) شرح المقاصد، للتفتازاني: 3 | 337 .
(5) الميزان، للطباطبائي، 1 | 209 .
(6) فجر الاِسلام، لأحمد أمين المصري ص 377.
(7) لاحظ آل عمران | 49 ، والبقرة | 259 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|