المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



خطبة الزهراء ( عليها السّلام ) في مسجد النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله )  
  
3386   05:04 مساءً   التاريخ: 15-5-2022
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 3، ص135-147
القسم : سيرة الرسول وآله / السيدة فاطمة الزهراء / شهادتها والأيام الأخيرة /

حينما قرّرت السلطة أن تمنع فاطمة ( عليها السّلام ) فدكا وبلغها ذلك قرّرت الاعلان عن مظلوميتها بالذهاب إلى المسجد وإلقاء خطاب مهم في الناس ، وسرى الخبر في المدينة أنّ بضعة النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) وريحانته تريد أن تخطب في الناس في مسجد أبيها ( صلّى اللّه عليه واله ) وهزّ الخبر أرجاء المدينة واحتشد الناس في المسجد ليسمعوا هذا الخطاب المهم .

وروى لنا عبد اللّه بن الحسن عن آبائه ( عليهم السّلام ) صورة من هذا الخطاب قائلا : إنّه لمّا أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة ( عليها السّلام ) فدكا وبلغها ذلك ، لاثت خمارها على رأسها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها ، تطأ ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله )[1] حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنبطت دونها ملاءة[2] ، فجلست ثمّ أنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء ، فارتجّ المجلس ، ثمّ أمهلت هنيئة حتّى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم ؛ افتتحت الكلام بحمد اللّه والثّناء عليه والصلاة على رسوله ( صلّى اللّه عليه واله ) فعاد القوم في بكائهم ، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها ، فقالت ( عليها السّلام ) :

« الحمد للّه على ما أنعم ، وله الشّكر على ما ألهم ، والثناء بما قدّم من عموم نعم ابتدأها ، وسبوغ آلاء أسداها ، وتمام منن أولاها ، جمّ عن الاحصاء عددها ، ونأى عن الجزاء أمدها ، وتفاوت عن الادراك أبدها ، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتّصالها ، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها ، وثنى بالندب إلى أمثالها ، وأشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له ، كلمة جعل الاخلاص تأويلها ، وضمّن القلوب موصولها ، وأنار في التفكّر معقولها .

الممتنع من الأبصار رؤيته ، ومن الألسن صفته ، ومن الأوهام كيفيّته ، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها ، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها ، كوّنها بقدرته ، وذرأها بمشيّته ، من غير حاجة منه إلى تكوينها ، ولا فائدة له في تصويرها ، إلّا تثبيتا لحكمته ، وتنبيها على طاعته ، وإظهارا لقدرته وتعبّدا لبريّته وإعزازا لدعوته ، ثمّ جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، ذيادة[3] لعباده عن نقمته ، وحياشة[4] لهم إلى جنّته .

وأشهد أنّ أبي محمّدا عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله ، وسمّاه قبل أن اجتباه ، واصطفاه قبل أن ابتعثه ، إذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبستر الأهاويل مصونة ، وبنهاية العدم مقرونة ، علما من اللّه تعالى بمآيل الأمور ، وإحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة بمواقع الأمور ، ابتعثه اللّه إتماما لأمره ، وعزيمة على إمضاء حكمه ، وإنفاذا لمقادير حتمه ، فرأى الأمم فرقا في أديانها ، عكّفا على نيرانها ، عابدة لأوثانها ، منكرة للّه مع عرفانها .

فأنار اللّه بأبي محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) ظلمها ، وكشف عن القلوب بهمها[5] ، وجلى عن الأبصار غممها ، وقام في النّاس بالهداية ، فأنقذهم من الغواية ، وبصّرهم من العماية ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الطريق المستقيم .

ثمّ قبضه اللّه إليه قبض رأفة واختيار ، ورغبة وإيثار ، فمحمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) من تعب هذه الدار في راحة ، قد حفّ بالملائكة الأبرار ، ورضوان الربّ الغفّار ، ومجاورة الملك الجبّار ، صلّى اللّه على أبي نبيّه ، وأمينه ، وخيرته من الخلق وصفيّه ، والسّلام عليه ورحمة اللّه وبركاته » .

ثمّ التفتت إلى أهل المجلس وقالت : « أنتم عباد اللّه نصب أمره ونهيه ، وحملة دينه ووحيه ، وامناء اللّه على أنفسكم ، وبلغاؤه إلى الأمم ، زعيم حق له فيكم ، وعهد قدّمه إليكم ، وبقيّة استخلفها عليكم ، كتاب اللّه الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بيّنة بصائره ، منكشفة سرائره ، منجلية ظواهره ، مغتبطة به أشياعه ، قائدا إلى الرضوان اتّباعه ، مؤدّ إلى النّجاة استماعه ، به تنال حجج اللّه المنوّرة ، وعزائمه المفسّرة ، ومحارمه المحذّرة ، وبيّناته الجالية ، وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة ، ورخصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة .

فجعل اللّه الإيمان تطهيرا لكم من الشرك ، والصلاة تنزيها لكم عن الكبر ، والزكاة تزكية للنفس ، ونماء في الرزق ، والصيّام تثبيتا للإخلاص ، والحجّ تشييدا للدين ، والعدل :

تنسيقا للقلوب ، وطاعتنا نظاما للملّة ، وإمامتنا أمانا للفرقة ، والجهاد عزّا للإسلام ، والصبّر معونة على استيجاب الأجر ، والأمر بالمعروف مصلحة للعامّة ، وبرّ الوالدين وقاية من السخط ، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد ، والقصاص حقنا للدماء ، والوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة ، وتوفية المكاييل والموازين تغييرا للبخس ، والنهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس ، واجتناب القذف حجابا عن اللعنة ، وترك السرقة إيجابا للعفّة ، وحرّم اللّه الشرك إخلاصا له بالربوبيّة .

فاتّقوا اللّه حقّ تقاته ، ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون ، وأطيعوا اللّه فيما أمركم به ونهاكم عنه ، فإنّه إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء .

ثمّ قالت : أيّها الناس ! اعلموا أنّي فاطمة وأبي محمّد ، أقول عودا وبدوا ، ولا أقول ما أقول غلطا ، ولا أفعل ما أفعل شططا {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم ، وأخا ابن عمّي دون رجالكم ، ولنعم المعزّي[6] إليه ، فبلّغ الرسالة صادعا بالنذارة[7] مائلا عن مدرجة المشركين ، ضاربا ثبجهم[8] آخذا بأكظامهم[9] داعيا إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة ، يجف الأصنام وينكث الهام ، حتّى انهزم الجمع وولّوا الدبر ، حتّى تفرّى اللّيل عن صبحه ، وأسفر الحقّ عن محضه ، ونطق زعيم الدّين ، وخرست شقاشق الشياطين ، وطاح وشيظ[10] النفاق ، وانحلّت عقد الكفر والشقاق ، وفهتم[11] بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص[12] وكنتم على شفا حفرة من النار ، مذقة[13] الشارب ونهزة[14] الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطئ الأقدام تشربون الطرق[15]  ، وتقتاتون القدّ[16] أذلّة خاسئين ، تخافون أن يتخطّفكم النّاس من حولكم ، فأنقذكم اللّه تبارك وتعالى بمحمد ( صلّى اللّه عليه واله ) ، بعد اللتيا والّتي ، وبعد أن مني ببهم[17] الرجال وذؤبان العرب ، ومردة أهل الكتاب ، كلّما أوقدوا نارا للحرب أطفأها اللّه ، أو نجم قرن الشيطان[18] ، أو فغرت فاغرة[19] من المشركين قذف أخاه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتّى يطأ جناحها بأخمصه[20] ، ويخمد لهبها بسيفه ، مكدودا في ذات اللّه ، مجتهدا في أمر اللّه ، قريبا من رسول اللّه ، سيّدا في أولياء اللّه ، مشمّرا ناصحا ، مجدّا كادحا ، لا تأخذه في اللّه لومة لائم ، وأنتم في رفاهيّة من العيش ، وادعون فاكهون آمنون ، تتربّصون بنا الدوائر[21] وتتوكّفون الأخبار[22] وتنكصون عند النزال ، وتفرّون من القتال .

فلمّا اختار اللّه لنبيّه ( صلّى اللّه عليه واله ) دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ظهر فيكم حسكة[23] النفاق ، وسمل جلباب الدين ، ونطق كاظم[24] الغاوين ، ونبغ خامل الأقلّين ، وهدر فنيق[25] المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه[26] هاتفا بكم فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرّة فيه ملاحظين ، ثمّ استنهضكم فوجدكم خفافا ، وأحشمكم[27] فألفاكم غضابا ، فوسمتم غير إبلكم ، ووردتم غير مشربكم ، هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لمّا يندمل ، والرّسول لمّا يقبر ، إبتدارا[28] زعمتم خوف الفتنة أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ [29].

فهيهات منكم ، وكيف بكم ، وأنّى تؤفكون ، وكتاب اللّه بين أظهركم ، أموره ظاهرة ، وأحكامه زاهرة ، وأعلامه باهرة ، وزواجره لايحة ، وأوامره واضحة ، وقد خلّفتموه وراء ظهوركم ، أرغبة عنه تريدون ؟ أم بغيره تحكمون ؟ ، بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا[30] وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ [31].

ثمّ لم تلبثوا إلّا ريث أن تسكن نفرتها[32] ، ويسلس[33] قيادها ، ثمّ أخذتم تورون وقدتها ، وتهيّجون جمرتها ، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغويّ ، وإطفاء أنوار الدّين الجليّ ، وإهمال سنن النبيّ الصفيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) ، تشربون حسوا في ارتغاء[34] وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضرّاء[35]  ونصبر منكم على مثل حزّ المدى ووخز السنان في الحشا ، وأنتم الآن تزعمون : أن لا إرث لنا ، أفحكم الجاهليّة تبغون ؟ ومن أحسن من اللّه حكما لقوم يوقنون ! أفلا تعلمون ؟ ! بلى قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية : أنّي ابنته ، أيّها المسلمون أأغلب على إرثي ؟ .

يا بن أبي قحافة أفي كتاب اللّه ترث أباك ولا أرث أبي ؟ لقد جئت شيئا فريّا ! أفعلى عمد تركتم كتاب اللّه ونبذتموه وراء ظهوركم ؟ إذ يقول : وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ[36] ، وقال فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريّا إذ قال : فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ[37] وقال : وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ[38] وقال : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ[39]  وقال : إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ[40].

وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي ولا رحم بيننا ، أفخصّكم اللّه بآية أخرج أبي منها ؟ أم هل تقولون : إنّ أهل ملّتين لا يتوارثان ؟ أولست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة ؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي ؟ .

فدونكها مخطومة مرحولة[41] تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم اللّه ، والزعيم محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) ، والموعد القيامة ، وعند السّاعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إذ تندمون ، ولكلّ نبأ مستقرّ وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم » .

ثمّ رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت : « يا معشر النقيبة[42] وأعضاد الملّة وحضنة الاسلام ، ما هذه الغميزة[43] في حقّي والسنة عن ظلامتي ؟ أما كان رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) أبي يقول : « المرء يحفظ في ولده » ؟ سرعان ما أحدثتم ، وعجلان ذا إهالة[44] ولكم طاقة بما أحاول ، وقوّة على ما أطلب وازاول ، أتقولون مات محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) ؟ فخطب جليل استوسع وهنه واستنهر[45] فتقه وانفتق رتقه[46] ، واظلمّت الأرض لغيبته ، وكسفت الشمس والقمر ، وانتثرت النجوم لمصيبته ، وأكدت الآمال ، وخشعت الجبال ، وأضيع الحريم ، وأزيلت الحرمة عند مماته ، فتلك واللّه النازلة الكبرى ، والمصيبة العظمى ، لا مثلها نازلة ، ولا بائقة[47] عاجلة ، أعلن بها كتاب اللّه جلّ ثناؤه في أفنيتكم ، ولقبله ما حلّ بأنبياء اللّه ورسله حكم فصل ، وقضاء حتم : وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ[48].

إيها بني قيلة[49] أاهضم تراث أبي ؟ وأنتم بمرأى منّي ومسمع ، ومنتدى[50] ومجمع ، تلبسكم الدعوة ، وتشملكم الحيرة ، وأنتم ذوو العدد والعدّة ، والأداة والقوّة ، وعندكم السلاح والجنّة ، توافيكم الدعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون ، وأنتم موصوفون بالكفاح ، معروفون بالخير والصّلاح ، والنخبة الّتي انتخبت ، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت ، قاتلتم العرب ، وتحمّلتم الكدّ والتعب ، وناطحتم الأمم وكافحتم البهم ، لا نبرح أو تبرحون ، نأمركم فتأتمرون حتّى إذا دارت بنا رحى الإسلام ، ودرّ حلب الأيام ، وخضعت ثغرة الشرك ، وسكنت فورة الإفك ، وخمدت نيران الكفر ، وهدأت دعوة

الهرج ، واستوسق نظام الدّين ، فأنّى حزتم بعد البيان ؟[51] وأسررتم بعد الاعلان ؟ ونكصتم بعد الاقدام ؟ وأشركتم بعد الإيمان ؟ .

بؤسا لقوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ، وهمّوا بإخراج الرّسول ، وهم بدأوكم أوّل مرّة ، أتخشونهم فاللّه أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ، ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض[52] وأبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض ، وخلوتم بالدعة[53] ونجوتم بالضّيق من السعة ، فمججتم[54] ما وعيتم ، ودسعتم[55] الذي تسوّغتم[56] فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإنّ اللّه لغني حميد[57].

ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة منّي بالجذلة[58] الّتي خامرتكم[59] والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ، ولكنّها فيضة النفس[60] ونفثة الغيظ ، وخور القناة[61] وبثّة الصدر[62] وتقدمة الحجّة ، فدونكموها فاحتقبوها[63] دبرة[64] الظهر ، نقبة الخفّ[65] باقية العار ، موسومة بغضب الجبّار وشنار الأبد ، موصولة بنار اللّه الموقدة ، الّتي تطّلع على الأفئدة ، فبعين اللّه ما تفعلون وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ[66] ، وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إنّا عاملون ، وانتظروا إنّا منتظرون » .

وبعد هذا لجأ أبو بكر إلى أسلوب التضليل والاستغفال في محاولة منه لتدارك الموقف فقال : يا بنت رسول اللّه ، لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفا كريما رؤوفا رحيما ، على الكافرين عذابا أليما وعقابا عظيما ، إن عزوناه[67] وجدناه أباك دون النّساء ، وأخا إلفك دون الأخلّاء[68] آثره على كلّ حميم ، وساعده في كلّ أمر جسيم ، لا يحبّكم إلّا سعيد ، ولا يبغضكم إلّا شقيّ بعيد ، فأنتم عترة رسول اللّه الطيّبون ، الخيرة المنتجبون ، على الخير أدلّتنا ، وإلى الجنّة مسالكنا .

وأنت يا خيرة النساء وابنة خير الأنبياء صادقة في قولك ، سابقة في وفور عقلك ، غير مردودة عن حقّك ، ولا مصدودة عن صدقك ، واللّه ما عدوت رأي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ولا عملت إلّا بإذنه ، والرائد لا يكذب أهله ، وإنّي اشهد اللّه وكفى به شهيدا أنّي سمعت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يقول : « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ذهبا ولا فضّة ولا دارا ولا عقارا وإنّما نورّث الكتاب والحكمة والعلم والنبوّة ، وما كان لنا من طعمة فلوليّ الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه » وقد جعلنا ما حاولته في الكراع[69] والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفّار ، ويجالدون[70] المردة الفجّار ، وذلك بإجماع من المسلمين[71] ، لم أنفرد به وحدي ، ولم أستبد بما كان الرأي عندي وهذه حالي ومالي ، وهي لك وبين يديك ، لا تزوى[72] عنك ، ولا تدّخر دونك وإنّك وأنت سيّدة امّة أبيك ، والشجرة الطيّبة لبنيك ، لا ندفع ما لك من فضلك ، ولا يوضع في فرعك وأصلك ، حكمك نافذ فيما ملكت بيداي ، فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك ( صلّى اللّه عليه واله ) ؟

فقالت ( عليها السّلام ) : « سبحان اللّه ما كان أبي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) عن كتاب اللّه صادفا[73] ولا لأحكامه مخالفا ! بل كان يتّبع أثره ، ويقفو سوره ، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور ، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل[74] في حياته ، هذا كتاب اللّه حكما عدلا ، وناطقا فصلا يقول : يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ[75] ويقول : وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ[76] وبيّن عزّ وجلّ فيما وزّع من الأقساط ، وشرع من الفرائض والميراث ، وأباح من حظّ الذكران والإناث ما أزاح به علّة المبطلين ، وأزال التظنّي والشبهات في الغابرين ، كلّا بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل واللّه المستعان على ما تصفون » .

فقال أبو بكر : صدق اللّه ورسوله ، وصدقت ابنته ، أنت معدن الحكمة ، وموطن الهدى والرحمة ، وركن الدين ، وعين الحجّة ، لا أبعد صوابك ، ولا انكر خطابك ، هؤلاء المسلمون بيني وبينك ، قلّدوني ما تقلّدت ، وباتّفاق منهم أخذت ما أخذت غير مكابر ولا مستبدّ ، ولا مستأثر ، وهم بذلك شهود .

وهذه أولى محاولة لأبي بكر استطاع فيها من إخماد عواطف المسلمين وحرف رأيهم عن مناصرة الزهراء ( عليها السّلام ) من خلال التضليل والتظاهر بالصلاح واتّباع سنّة النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) .

ثمّ التفتت فاطمة ( عليها السّلام ) إلى الناس وقالت : « معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل ، المغضية[77] على الفعل القبيح الخاسر ، أفلا تتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها ؟ كلّا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم . فاخذ بسمعكم وأبصاركم ولبئس ما تأوّلتم ، وساء ما به أشرتم ، وشرّ ما منه اغتصبتم ، لتجدنّ واللّه محمله ثقيلا ، وغبّه[78] وبيلا ، إذا كشف لكم الغطاء وبان ما وراءه [79] الضرّاء ، وبدا لكم من ربّكم ما لم تكونوا تحتسبون وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ[80].

ثم عطفت على قبر النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) وقالت :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة[81] * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختلّ قومك فاشهدهم ولا تغب

وكلّ أهل له قربى ومنزلة * عند الإله على الأدنين مقترب

أبدت رجال لنا نجوى صدورهم * لمّا مضيت وحالت دونك الترب

تجهّمتنا رجال واستخفّ بنا * لمّا فقدت وكلّ الأرض مغتصب

وكنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك ينزل من ذي العزّة الكتب

وكان جبريل بالآيات يؤنسنا * فقد فقدت وكلّ الخير محتجب

فليت قبلك كان الموت صادفنا * لمّا مضيت وحالت دونك الكتب[82]

أنهت الزهراء خطابها وقد أوضحت فيه الحقّ بأجلى صورة ، واستجوبت الخليفة وفضحت مخططاته بالأدلّة والبراهين الساطعة المحكمة ، وذكرت فضائل الخليفة الحقيقي في الإسلام وكمالاته المطلوبة ، فتوتّر الجوّ وانساق الرأي العام لصالح الزهراء ( عليها السّلام ) وجعلت أبا بكر في زاوية حرجة وأمام طريق مسدود .

قال ابن أبي الحديد : سألت ابن الفارقي مدرّس المدرسة الغربية ببغداد ، وقلت له : أكانت فاطمة صادقة ؟ قال : نعم ، قلت : فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدكا وهي عنده صادقة ؟ فتبسّم ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا : لو أعطاها اليوم فدكا لمجرد دعواها ؛ لجاءت إليه غدا وادّعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يمكن الاعتذار والموافقة ، لأنّه يكون قد سجّل على نفسه أنهّا صادقة فيما تدّعي كائنا ما كان من غير حاجة إلى بيّنة وشهود[83].

 


[1] أي : ما تنقص مشيتها مشية أبيها ، كأنّه هو .

[2] أي : ضرب بينها وبين القوم ستر وحجاب .

[3] ذيادة : دفعا .

[4] حياشة : جمعا وسوقا .

[5] البهم : معضلات الأمور ومشكلاتها .

[6] المعزّي : المنتسب .

[7] صادعا : مبيّنا ، والنذارة : الانذار .

[8] الثبج : وسط الشيء ومعظمه .

[9] الكظم : مخرج النفس من الحلق .

[10] الوشيظ : الخسيس من الناس .

[11] فهتم : تلفّظتم .

[12] الخماص : الجياع ، وهنا اختيارا .

[13] المذقة : اللبن الممزوج بالماء كناية عن سهولة شربه .

[14] النهزة : الفرصة .

[15] الطرق : الماء الذي خوضته الإبل وبركت فيه .

[16] القدّ : قطعة جلد غير مدبوغ .

[17] البهم : الشجعان الأقوياء .

[18] نجم قرن الشيطان : طلع أتباعه .

[19] الفاغرة : الطائفة .

[20] الأخمص : باطن القدم .

[21] الدوائر : العواقب السيئة .

[22] تتوكفون الأخبار : تنتظرون أخبار السوء بنا .

[23] الحسكة : العداوة والحقد .

[24] كاظم : ساكت .

[25] الهدير : ترديد البعير صوته في حنجرته . والفنيق : الفحل المكرّم من الإبل الذي لا يهان ولا يركب لكرامته على أهله.

[26] مغرزه : مخبئه .

[27] أحشمكم : أغضبكم .

[28] ابتدر القوم : تسابقوا في الأمر .

[29] التوبة ( 9 ) : 49 .

[30] الكهف ( 18 ) : 50 .

[31] آل عمران ( 3 ) : 85 .

[32] نفرتها : جزعها .

[33] يسلس : يسهل .

[34] الحسو : الشرب شيئا بعد شيء . والارتغاء : شرب الرغوة ، وهي اللبن الممزوج بالماء ، وجملة « حسوا في ارتغاء » مثل يضرب لمن يظهر أمرا وهو يريد غيره .

[35] الخمر : ما واراك من شجر وغيره . والضراء : الشجر الملتفّ في الوادي .

[36] النمل ( 27 ) : 16 .

[37] مريم ( 19 ) : 5 - 6 .

[38] الأنفال ( 8 ) : 75 .

[39] النساء ( 4 ) : 11 .

[40] البقرة ( 2 ) : 180 .

[41] دونكها : أي خذها . والخطام : الزمام . والرحل للناقة كالسرج للفرس . والمقصود : خذ فدكا جاهزة مهيّئة .

[42] النقيبة : الفتية .

[43] الغميزة : نقص في العقل أو العمل . والسنة : النعاس من غير نوم .

[44] الإهالة : الودك وهو دسم اللحم ، وجملة : « سرعان ذا إهالة » مثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته

[45] استنهر : اتّسع .

[46] اتفتق رتقه : أي انشق المكان الملتثم منه .

[47] البائقة : الداهية .

[48] آل عمران ( 3 ) : 144 .

[49] بنو قيلة : هم الأنصار من الأوس والخزرج .

[50] المنتدى : النادي بمعنى المجلس .

[51] استوسق : اجتمع وانتظم . وفي الاحتجاج : « فأنّى حرتم بعد البيان » .

[52] الخفض : السعة في العيش .

[53] الدعة : الراحة والسكون .

[54] مججتم : رميتم .

[55] دسعتم : قيّأتم .

[56] تسوّغتم : شربتم بسهولة .

[57] اقتباس من سورة إبراهيم : 8 .

[58] جذل : فرح .

[59] خامرتكم : خالطتكم .

[60] فيضة النفس : إظهار المضمر في النفس لاستيلاء الهمّ وغلبة الحزن .

[61] كناية عن ضعف النفس .

[62] بثّة الصدر : إظهار ما فيه من الحزن .

[63] احتقبوها : إحملوها على ظهوركم .

[64] الدبرة : قرحة الدابّة تحدث من الرحل ونحوه .

[65] نقبة الخف : رقّته .

[66] الشعراء ( 26 ) : 227 .

[67] عزوناه : نسبناه .

[68] الأخلّاء : مفرده الخليل وهو الصديق .

[69] الكراع : - بضمّ الكاف - : جماعة الخيل .

[70] يجالدون : يضاربون .

[71] قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : 16 / 221 : أنّه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلّا أبو بكر وحده . وله كلام في ذلك أيضا في ص 227 و 228 فراجع ، وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء : 73 وأخرج أبو القاسم البغوي ، وأبو بكر الشافعي في فوائده وابن عساكر عن عائشة قالت : اختلفوا في ميراثه ( صلّى اللّه عليه واله ) فما وجدوا عند أحد من ذلك علما ، فقال أبو بكر : سمعت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يقول : إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة .

[72] لا تزوى : لا تمنع .

[73] صادفا : معرضا .

[74] الغوائل : المهالك .

[75] مريم ( 19 ) : 6 .

[76] النمل ( 27 ) : 16 .

[77] المغضية : غضّ طرفه أي أطبقه ، والمغضية أي المطبقة .

[78] غبّه : عاقبته .

[79] أي : ظهر لكم الشيء الذي وراءه الشدّة .

[80] غافر ( 40 ) : 78 .

[81] الهنبثة : الأمر الشديد .

[82] الاحتجاج : 1 / 253 - 279 طبعة منظمة الأوقاف ( انتشارات أسوة ) .

[83] شرح ابن أبي الحديد : 16 / 284 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.