أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-7-2019
2381
التاريخ: 1-07-2015
1577
التاريخ: 2-08-2015
1941
التاريخ: 1-07-2015
4948
|
اعلم أنّ الحدوث عبارة عن مسبوقيّة الوجود بالعدم المطلق. والقدم عبارة عن عدم مسبوقيّة الوجود بالعدم المطلق.
والقديم ـ الذي هو
عبارة عن الموجود غير المسبوق بالعدم المطلق ـ منحصر في الواجب تعالى، وجميع
الممكنات حادثة مسبوقة بالعدم المطلق ، وإلاّ لكانت موجودة مع قطع النظر عن الغير
؛ إذ لو لم تكن كذلك لم تكن موجودة على الإطلاق ؛ لأنّ الموجود المطلق ما كان
موجودا على جميع التقادير ، فلو لم تكن مع قطع النظر عن الغير موجودة لكانت معدومة
، فحينئذ يكون وجودها من الغير لا محالة ؛ إذ الذاتي لا يختلف ولا يتخلّف ، فذلك
الوجود مسبوق بالعدم ، وإلاّ لم يكن قبوله من الغير ممكنا ؛ لامتناع تحصيل الحاصل ...
أنّ قبوله من الغير ممكن ، فيكون وجودها مسبوقا بالعدم المطلق ، وهو معنى الحدوث
كما مرّ ، فجميع الممكنات حادثة بالحدوث الذاتي ، وهو المطلوب مع أنّه لا نزاع في
ثبوته للممكنات ؛ فإنّ الحكماء (1) أيضا قائلون به ، فإنّهم أيضا يقولون (2) بصحّة
صدور الفعل والترك عن الواجب بالنظر إلى ذاته مع قطع النظر عن الإرادة وإن قالوا
بوجوب الفعل عنه بالنظر إلى إرادته القديمة التي هي عين ذاته ، فيكون موجِبا ـ
بكسر الجيم ـ لا موجَبا ـ بفتح الجيم ـ كما نسب إلى الفلاسفة ، (3) فإنّي لم أقف
على قائل به ، وليس الأوّل منافيا لقدرته تعالى ؛ إذ الوجوب بالاختيار لا ينافي
الاختيار ، فهم يقولون بدوام الفعل وقدم الأثر بسبب الإرادة القديمة ومسبوقيّة
الوجود بالعدم بالنظر إلى ذات الممكنات ؛ فإنّ العلّة التي تحتاج إليها الممكنات
متقدّمة عليها بالذات وهي متأخّرة عنها بالذات وإن لم تتأخّر عنها بالزمان ، فلها
بالنسبة إلى ذات العلّة عدم ، فيكون وجودها مسبوقا بالعدم الذاتي وهو المعنيّ من
الحدوث الذاتي.
ولكن يرد عليهم
أنّ ما ذكر عين القول بكونه موجبا بفتح الجيم لأنّهم يقولون بامتناع تخلّف
المعلولات عن الواجب تعالى بعد انضمام الإرادة ، والإرادة عين الذات ، فيلزم
امتناع التخلّف عن الذات ، وملاحظة الذات بدون الإرادة من قبيل سلب الشيء عن نفسه
، وليس ذلك أمرا واقعيّا ، بل هو أمر اعتباريّ محض ، فيلزم كونه تعالى مختارا
فرضيّا اعتباريّا لا حقيقيّا ، فيلزم النقص اللازم على القائل بكونه تعالى موجبا
بفتح الجيم.
فالتحقيق أنّ
الإرادة التي هي عين ذاته تعالى عبارة عن العلم بالمصلحة الذاتيّة أو العرضيّة ،
أو المفسدة كذلك المقتضي لمشيئة الفعل أو الترك ، بمعنى كونه منشأ لصدور الفعل أو
الترك بعد المشيئة مع القصد والشعور بسبب العلم المذكور ، وأنّه ممّا تنشأ منه
المشيئة بمقتضى المصلحة أو المفسدة فإذا حصلت المشيئة ، حصل الفعل أو الترك ،
فالمشيئة حادثة خارجة عن الذات تحدث بحدوثها على وفقها الممكنات ، فلا يكون حدوث
الممكنات ـ ولو بعد انضمام الإرادة بالمعنى المذكور ـ لازما.
ولعلّهم جعلوا
الإرادة بمعنى المشيئة ، ولكن لا يخفى أنّها بهذا المعنى أمر معنويّ لا يمكن أن
تكون عين الذات للممكن ، فكيف الواجب تعالى.
وبالجملة ،
فالكلام في أمرين آخرين :
[ الأمر ] الأوّل
: أنّ تقدّم عدم الممكنات على وجودها تقدّم ذاتيّ كتقدّم بعض أجزاء الزمان على بعض
كما عن المتكلّمين ، (4) أم ليس كذلك كما عن الحكماء (5) بناء على أنّ تقدّم أجزاء
الزمان أيضا زمانيّ والتقدّم الزمانيّ مطلقا مستلزم للزمان ، فيلزم أن يكون قبل
وجود العالم زمان ، بل وحركة أيضا ؛ إذ منشأ عدم اجتماع المتأخّر مع المتقدّم في
الوجود ، المعتبر في التقدّم الزماني عدم كونهما ممّا هو قارّ الذات وهو مخصوص
بالزمان والحركة ، فيلزم تقدّم الحركة والزمان على العالم ، وهو بديهيّ البطلان.
والقول (6) بأنّ
تقدّم عدم الممكنات على وجودها تقدّم بالذات فاسد ؛ لأنّ التقدّم بالذات عندهم
عبارة عن التقدّم بالعلّيّة ، وكيف يمكن كون عدمها علّة تامّة لوجودها!؟ فمرادهم
أنّ العدم المقدّم على الوجود عدم ذاتيّ لا أنّ تقدّم ذلك العدم تقدّم ذاتيّ.
وعن ظاهر كلام
بعضهم (7) أنّ تقدّم العدم على الوجود تقدّم بالطبع ، لتوقّف الوجود الغيري على
العدم كما مرّ من غير أن يكون العدم علّة للوجود كما تقدّم.
وفي الكلّ نظر
سيظهر.
[ الأمر ] الثاني
: أنّ العالم حادث بالحدوث الزائد عن الذاتي أيضا ، أم لا؟ فإنّ القدم على قسمين :
حقيقيّ ، وإضافيّ. والحدوث أيضا على قسمين : ذاتيّ ، وزمانيّ حقيقيّ أو حكميّ
كحدوث الزمان والزمانيّ. وقد وقع الخلاف فيما هو فوق الحدوث الذاتيّ وزائد عنه ،
فأنكره الفلاسفة (8) وأثبته المتكلّمون ، (9) بل قاطبة الملّيّين على وفق قوله عليه
السلام : « كان الله ولم يكن معه شيء » (10) واختلف المتكلّمون في التعبير عنه ،
فقيل : (11) إنّ العالم حادث بالحدوث الزماني بالزمان الموهوم ، بمعنى أنّ وجود
الممكنات ـ حتّى الزمان ـ مسبوق بالعدم الزماني ، ومحلّه الجواهر العقليّة ونحوها
، ولكن يكفي في كون عدم الزمان ونحوه في زمان الزمان الموهوم ، وهو ما ينتزع من
استمرار وجود الواجب من أمر ممتدّ على سبيل التجدّد والتقضّي كانتزاع الحركة
التوسّطيّة من القطعيّة ، والزمان من الآن السيّال ، وهو مختار مولانا جمال الدين
الخوانساري. (12)
وعن الميرزا
إبراهيم بن صدر الدين الشيرازيّ (13) أنّ العالم حادث بالحدوث الزماني بالزمان
المنتزع ، بمعنى أنّه إذا كان زمان وجود العالم متناهيا في جانب البداءة ـ كما هو
مذهب الملّيّين (14) ـ كان للعدم تقدّم عليه سوى التقدّم الذاتي الذي أثبته
الفلاسفة (15) لعدم الممكن على وجوده المعبّر عنه بالحدوث الذاتي كتقدّم الحوادث
الزمانيّة وأجزاء الزمان بعضها على بعض في عدم اجتماع السابق مع المسبوق ، ولكن
هذا التقدّم ، له تقدير وتعيين ، بخلاف تقدّم العدم على وجود العالم على مذهب
الملّيّين ؛ فإنّه لا يكون فيه قرب وبعد وزيادة ونقصان إلاّ بمحض التوهّم.
ونظير ذلك ما
قالوا : (16) إنّ فوق محدّد الجهات لا خلاء ولا ملاء مع أنّ الفوقيّة به ، وكما
أنّ العقل هناك يعلم من تناهي البعد المكاني أنّ وراءه عدم صرف ونفي محض ، وينتزع
من ذلك ويحكم بمعونة الوهم أنّ لهذا العدم المحض فوقيّة ما على المكان والمكانيّات
كفوقيّة بعض أجزاء المكان على بعض مع أنّه لا مكان هناك ، كذلك يعلم من تناهي
الزمان والزمانيّات في جانب البداءة أنّ وراءها عدم صرف ونفي محض ، ويحكم بأنّ
لهذا العدم الصرف قبليّة ما على وجود العالم والزمان شبيهة بقبليّة أجزاء الزمان
بعضها على بعض ، ولا يلزم من ذلك وجود زمان قبل الزمان ، بل مجرّد ذلك الزمان
الموجود مع ملاحظة تناهيه كاف لانتزاع الوهم وحكم العقل بهذه القبليّة.
قيل : (17) قال :
وهذا هو الحدوث الزمانيّ المتنازع فيه بين الملّيّين والفلاسفة ، وليس هذا إثبات
الزمان الموهوم كما أنّه ليس ذلك إثبات المكان الموهوم وإن أورد عليه (18) بأنّ
هذا ليس إلاّ القول بالقدم بالحقيقة ؛ لأنّه إذا لم يكن انفصال بين ذات الواجب تعالى
وبين العالم ، ولا يمكن أن يقال : كان الواجب ولم يكن العالم ، يكون العالم قديما
البتّة.
وعن السيّد
الداماد أنّه قال : إنّ العالم حادث بالحدوث الدهري لا الذاتي ولا الزماني ، بمعنى
أنّ الوجود مسبوق بالعدم الصريح المحض مسبوقيّة انسلاخيّة انفكاكيّة غير زمانيّة ولا سيّالة ولا متقدّرة
ولا متكمّمة كما في الحدوث الزمانيّ ، ولمّا كان وعاء الوجود الصريح المسبوق
بالعدم الصريح المرتفع عن أفق التقدير واللاتقدير هو الدهر لا الزمان ؛ لأنّه وعاء
الأمور المتقدّرة المتغيّرة السيّالة ، ولا السرمد ؛ لأنّه وعاء بحت الوجود الثابت
الحقّ المنزّه عن التغيّر وسبق العدم المطلق ، كان حريّا باسم الحدوث الدهري. (19)
وأورد (20) عليه :
بأنّ اتّصاف العدم بالسابقيّة على الوجود سبقا غير ذاتي إن كان في نفس الأمر ،
يكون محتاجا إلى وعاء وظرف يكون فيه ، ويتّصف هو لا محالة بالتقدّر والتكمّم
وغيرهما ؛ إذ لا يتصوّر السابقيّة بدون ذلك ، وإلاّ يلزم القدم كما مرّ.
أقول : يرد عليه
أيضا أنّ الدهر إن كان أمرا واقعيّا ، فلا يخلو إمّا أن يكون واجبا أو ممكنا ، ولا
سبيل إلى الأوّل ؛ لاستحالة تعدّد الواجب تعالى كما سيأتي. وعلى الثاني ننقل
الكلام إليه ، فنقول : إنّه إمّا متّصل الوجود بواجب الوجود أو منفصل الوجود ،
وعلى الأوّل يلزم القدم ، وعلى الثاني نقول مثل ما سبق ، فيلزم القدم بالأخرة ؛
لاستحالة التسلسل.
وإن لم يكن أمرا
واقعيّا ، فلا يكون الانفصال واقعيّا ، فيلزم القدم.
ومن هذا يظهر أنّ
القولين الأوّلين أيضا مخدوشان.
فالأولى أن يقال :
إنّ حدوث العالم ـ الذي يقول به الملّيّون على وفق ما روي من قوله عليه السلام : «
كان الله ولم يكن معه شيء » (21) ونحو ذلك ـ حدوث سرمدي مراتبيّ.
وبعبارة أخرى :
حدوث زمانيّ بالزمان التقديريّ ، بمعنى أنّ وجود العالم مسبوق بالعدم المراتبيّ
كما أنّه مسبوق بالعدم الذاتيّ ، وأنّ الواجب تعالى كان ثابتا في مراتب من مراتب
وجوده الواقعيّ ولم يكن العالم ثابتا فيها كما أنّه تعالى كان في مرتبة ذاته ـ من
حيث إنّها علّة له ـ ثابتا ولم يكن العالم في تلك المرتبة ثابتا ، وتلك المراتب
منتزعة من وجوده المستمرّ الثابت المنزّه عن سبق العدم ، بمعنى أنّه ينتزع من
وجوده المستمرّ مراتب عديدة بعد مرتبة ذاته من حيث إنّها علّة يتّصف ذات الواجب
بالكون بالنسبة إلى تلك المراتب ولم يكن فيها إلاّ واجب الوجود وعدم العالم ،
فيكون وجود العالم مسبوقا بالعدم سوى العدم الذاتي أيضا ، ويكون العدم سابقا على
الوجود سبقا ذاتيّا كسبق أجزاء الزمان بعضها على بعض على ما هو مختار المتكلّمين ،
(22) أو شبيها به أو بغيره ... وذلك العدم مستند إلى مشيئة الترك ، فباعتبار كون
مستنده وجوديّا يصلح أن يكون موصوفا بوصف كالسابقيّة ، فلا يرد (23) أنّ ثبوت
الشيء لشيء فرع لثبوت المثبت له ، فلا بدّ من وعاء يكون فيه ، وذلك الوعاء إمّا
واجب أو ممكن ، لا سبيل إلى الأوّل ؛ لامتناع تعدّد الواجب ، فيتعيّن الثاني ،
فيلزم اتّصال العالم بالواجب وهو معنى القدم.
وبالجملة ، فقد
ظهر ممّا قرّرنا سابقا أنّ ترك الفعل بالنسبة إلى الواجب يكون مستندا إلى مشيئته؛
ولهذا عدلنا عن العبارة المشهورة في بيان معنى الإرادة ، وهي قولهم : إن شاء فعل ،
وإن لم يشأ لم يفعل ، إلى قولنا : إن شاء فعل ، وإن شاء ترك ، فليتأمّل.
وكيف كان ،
فالعمدة في الاستدلال على حدوث العالم هو النقل اللبّيّ (24) المطابق للنقل
اللفظيّ المذكور الكاشف عن قول الصانع : بأنّي أوجدت العالم حادثا بالحدوث الزائد
على الحدوث الذاتيّ المبطل للاجتهاد في مقابل ذلك النصّ الجليّ ، لا ما يقال من
أنّ العالم لا يخلو من حركة وسكون وكلّ منهما يقتضي المسبوقيّة بالعدم ؛ لأنّ
الحركة عبارة عن كون الشيء في الآن الثاني في المكان الثاني ، والسكون عبارة عن
كون الشيء في الآن الثاني في المكان الأوّل، وكلّ منهما يقتضي المسبوقيّة
والثانويّة ؛ فإنّ ذلك لا يخلو من مناقشة من جهة عدم تماميّته في نفس الزمان
والمكان ونحو ذلك.
فإن قلت : يلزم من
توقّف الحدوث المتنازع فيه على الشرع الدور المحال كما توهّمه بعض الفضلاء.
قلت : إثبات الشرع
غير موقوف على الاختيار والحدوث الذي قلنا به ؛ لكفاية الحدوث والاختيار بالمعنى
المتّفق عليه بيننا وبين الحكماء فيه كما لا يخفى.
وكيف كان ، فالعقل
أيضا يوافق النقل المذكور من جهة أنّ وقوع جزأي القدرة والإخبار به أدخل في صحّة
الاعتقاد ، فهو راجح يجب على الصانع اختياره.
والظاهر أنّ ما
ذكرنا هو مراد الطبرسيّ ممّا ذكره في مجمع البيان (25) ـ على ما حكي عنه ـ من
الزمان التقديريّ ، بمعنى أنّا لو فرضنا وقدّرنا قبل حدوث العالم زمانا آخر ، لم
يكن العالم ثابتا فيه ، وكان الواجب تعالى كائنا فيه بالمعنى الذي يقال الآن :
إنّه تعالى موجود ، فيتصحّح معنى حدوث العالم ، ومعنى « كان الله ولم يكن معه شيء
» (26) بمعنى أنّه حادث بالحدوث الزمانيّ بالزمان التقديريّ من دون حاجة إلى
التمسّك بالزمان الموهوم أو المنتزع أو الدهر ، فلا بأس علينا أن نبدّل الحدوث
المراتبيّ بالحدوث الزماني بالزمان التقديريّ بالمعنى الذي ذكرنا في الحدوث
المراتبيّ ؛ لعدم لزوم الإيراد الوارد على غير هذا الوجه.
والأولى أن يعبّر
عن ذلك الحدوث بالحدوث السرمديّ كما لا يخفى.
والقول (27) بأنّ
أقسام الحدوث منحصرة في معان ثلاثة : ذاتيّ ، وهو عبارة عن وجود الماهيّة بعد
عدمها في لحاظ العقل دون الواقع ، ودهريّ ، وهو عبارة عن وجودها بعد نفي صريح
واقعيّ غير كمّي ، وزمانيّ ، وهو عبارة عن وجودها بعد عدم واقعيّ كمّيّ ، فإذا لم
يكن الزمان التقديريّ بمعنى الحدوث الذاتيّ ، ولا الزمانيّ ؛ لأنّه زمان واقعيّ
نفس أمريّ لا تفاوت بينه وبين هذا الزمان إلاّ بالليل والنهار ، لا زمان فرضيّ
تقديريّ ، فلا بدّ أن يكون بمعنى الحدوث الدهريّ ؛ إذ لم يعهد اصطلاح غير ما ذكرنا
[ و ] على تقدير تسليمه لا يوجب بطلان ما ذكرنا ؛ إذ لا مشاحّة في الاصطلاح ،
والعمدة تصحيح العقيدة على وجه يطابق النقل المشهور بل المتواتر ـ على ما قيل (28)
ـ الذي يكون ـ على ما قيل (29) ـ من ضروريّات الدين.
وعن العلاّمة (30)
دعوى الإجماع على أنّ من اعتقد قدم العالم فهو كافر حكمه في الآخرة حكم باقي الكفّار
وإن تنظّر بعض في التخصيص بالآخرة وذلك حاصل بما ذكرناه مع خلوّه عن المناقشة
الواردة على غير المختار ، فيلزم الاعتقاد بما ذكرنا ؛ حذرا عن إنكار ضروريّ
الدين، مع أنّ العقل لا يمنع من تعلّق مشيئة الفاعل المختار بإيجاد العالم على وجه
التأخير بالنسبة إلى أوّل مرتبة من مراتب الوجود بفصل مراتب عديدة ولو لمصلحة
خفيّة تكشفها الشريعة إن لم نقل بأنّه يقتضيه كما أشرنا ، مضافا إلى أنّ الدهر ليس
زمانا تقديريّا كما لا يخفى.
وممّا يدلّ على
هذا المطلب ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطب نهج البلاغة من قوله عليه السلام : « فإنّه يعود سبحانه بعد فناء العالم وحده
لا شيء معه كما كان قبل ابتدائها ، كذلك يكون بعد فنائها ، بلا وقت ولا مكان ، ولا
حين ولا زمان. عدمت عند ذلك الآجال والأوقات ، وزالت السنون والساعات ، فلا شيء
إلاّ الله ». (31)
وهذا ظاهر في نفي
ما عدا ما ذكرنا كما لا يخفى ، ومبطل لما حكي عن بعض المتصوّفة أنّه لمّا سمع
الحديث المشهور ، قال : « الآن كما كان » (32) كما لا يخفى أيضا ، ودالّ على
إنّيّة الزمان كما هو المعلوم بالوجدان وإن اختلف في ماهيّته (33) أنّه جوهر ليس
بجسم ولا جسمانيّ ، واجب بذاته كما عن بعض ، أو هو المعدّل كما عن آخر ، أو الحركة
كما عن آخر ، أو مقدار الوجود كما عن أبي البركات ، (34) أو مقدار الحركة كما عن
أرسطو والمتأخّرين. والظاهر أحد الأخيرين.
وكيف كان ، فالحقّ
أنّ العالم حادث بالحدوث الزائد على الحدوث الذاتيّ أيضا بشهادة النقل ، بل والعقل
، وأنّ ماهيّة الممكنات موجودة حقيقة بوجود أفرادها ، بمعنى أنّهما ـ كليهما ـ
موجودان بوجود واحد ، وليس الماهيّة اعتباريّة محضة ، وإلاّ يلزم جواز صدق
الحماريّة على أفراد الإنسان وبالعكس.
ويشهد على ذلك
العقل مضافا إلى ظاهر النقل ، كقوله تعالى : {خَلَقَ الْإِنْسَانَ} [الرحمن: 3] ونحوه ، فيكون
الجعل مركّبا ، بمعنى أنّ الماهيّة أيضا مجعولة كالوجود بجعل واحد ، وأنّه تعالى
جعل الماهيّة ماهيّة كما جعلها موجودة ، فهما مجعولان بجعل واحد ، كما أنّ
الماهيّة والأفراد موجودتان بوجود واحد كالهيولى والصورة ونحوهما ، وليس في ذلك
شبهة لمن جعل مرجعه العقل والنقل ، وأعرض عن جنود الجهل .
____________________
(1) « الجمع بين رأيي الحكيمين
» : 100 ـ 104 ؛ « الشفاء » الإلهيات : 264 ـ 268 ؛ «النجاة » : 223 ؛ « التعليقات
» : 85 ؛ « المطالب العالية » 4 : 318 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 121 ـ
138 ؛ « الأسفار الأربعة » 3 : 160 ـ 162 ؛ « شوارق الإلهام » : 96.
(2) انظر التعليقة 4 في
الصفحة 47.
(3) هذه النسبة مشهورة بين المتكلّمين وإن لم يصرّح بها بعضهم. انظر « شرح الأصول
الخمسة » : 151 ـ 156 ؛ « المحصّل » : 372 ـ 382 ؛ « المطالب العالية » 3 : 77 ؛ «
الأربعين » 1 : 174 ـ 187 ؛ « مناهج اليقين » : 160 ـ 162 ؛ « شرح المواقف » 8 :
49 ـ 59 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 89 ـ 100 ؛ « اللوامع الإلهيّة » : 118 ؛ « إرشاد الطالبين
» : 182 ـ 187 ؛ « مفتاح الباب الحادي عشر » : 99 ـ 105 ؛ « شرح تجريد العقائد » :
310 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 500 ـ 503.
(4) « الأربعين » 1 : 25 ـ 27 ؛
« المباحث المشرقيّة » 1 : 227 ـ 230 ؛ « المحصّل » : 215 ؛ « المطالب العالية » 4
: 13 ـ 18 ؛ « نهاية المرام » 1 : 217 ـ 224 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 19 ؛ « شرح تجريد
العقائد » : 41 ـ 45 ؛ « شوارق الإلهام » 1 : 100.
(5) انظر « الشفاء » الإلهيّات
: 266 ؛ « النجاة » : 222 ؛ « التحصيل » : 524 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 :
82 ؛ « الأسفار الأربعة » 3 : 244.
(6) تعريض بالحكماء. انظر
« الحاشية على حاشية الخفري » للخوانساريّ : 100.
(7) « شوارق الإلهام » 1 : 100 ؛
« الحاشية على حاشية الخفري » للخوانساريّ : 99 ـ 100.
(8) « الأسفار الأربعة
» 3 : 244 ـ 255 ؛ « شوارق الإلهام » 1 : 96 وما بعدها.
(9) « الأسفار الأربعة
» 3 : 244 ـ 255 ؛ « شوارق الإلهام » 1 : 96 وما بعدها.
(10) انظر « التوحيد »
: 59 / 17 باب التوحيد ونفي التشبيه ؛ « بحار الأنوار » 54 : 168 / 110 ؛ « صحيح البخاري
» 3 : 1166 / 3019 من كتاب بدء الخلق ؛ « المعجم الكبير » 18 : 203 / 417.
(11) انظر الهامش الأوّل
من الصفحة المتقدّمة.
(12) انظر « الحاشية على
حاشية الخفري على شرح التجريد » للخوانساريّ : 99 ـ 100.
(13) نقل عنه الخوانساريّ
ذلك ، انظر الهامش المتقدّم.
(14) انظر الهامش 2 من الصفحة المتقدّمة.
(15) انظر الهامش 2 من الصفحة
المتقدّمة.
(16) أي الحكماء في الطبيعيّات.
انظر « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 246 ـ 258 ؛ « النجاة » : 130 ـ 131 ؛ « شرح الإشارات
والتنبيهات » 2 : 170 وما بعدها ؛ « التحصيل » : 606 ـ 612.
(17) القائل هو ابن ملاّ
صدرا الشيرازيّ على ما نقل عنه المحقّق الخوانساريّ في « الحاشية على حاشية الخفري
على شرح التجريد » : 101.
(18) هذا الإيراد للمحقّق
الخوانساري. انظر المصدر السابق.
(19) انظر « القبسات » القبس الأوّل
، وعنه نقل الخوانساريّ في « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » : 103 ـ
106 والسبزواريّ في « شرح المنظومة » قسم الحكمة : 80 ـ 82.
(20) الإيراد هنا للخوانساريّ.
انظر « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » : 103 ـ 104.
(21) تقدّم في ص 51 هامش 4.
(22) « الأربعين » 1 :
25 ـ 27 ؛ « المباحث المشرقية » 1 : 227 ؛ « المحصل » 4 : 13 ـ 18 ؛ « نهاية المرام
» 1 : 217 ؛ « شوارق الإلهام » 1 : 100.
(23) الإيراد لملاّ شمسا
الجيلانيّ ، على ما نقله عنه المحقّق الخوانساريّ في « الحاشية على حاشية الخفري على
شرح التجريد » : 105.
(24) انظر « التوحيد » للصدوق :
300 ذيل ح 7 من باب إثبات حدوث العالم ؛ « المطالب العالية » 4 : 309 ؛ « نهاية المرام
» 3 : 15 ؛ « شرح المواقف » 7 : 222 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 111 ـ 114.
(25) « مجمع البيان » 9
: 382 ذيل الآية 3 من سورة الحديد (57).
(26) مرّ تخريجه في ص
51 هامش 4.
(27) القائل هو السيد محمد باقر
الداماد. انظر : « القبسات » : 3 ـ 5 ، القبس الأوّل.
(28) يمكن استفادة الشهرة
أو التواتر والضرورة من تصريح أو ظاهر عبارات العلماء. انظر : « أنوار الملكوت » :
28 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 3 : 4 ؛ « القبسات » : 25 ـ 26؛ القبس الأوّل
؛ « التوحيد » : 223 باب أسماء الله تعالى ، ذيل ح 14 ؛ « بحار الأنوار » 54 : 238
و 240 و 247 و 252 و 258 باب حدوث العالم.
(29) يمكن استفادة الشهرة
أو التواتر والضرورة من تصريح أو ظاهر عبارات العلماء. انظر : « أنوار الملكوت » :
28 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 3 : 4 ؛ « القبسات » : 25 ـ 26؛ القبس الأوّل
؛ « التوحيد » : 223 باب أسماء الله تعالى ، ذيل ح 14 ؛ « بحار الأنوار » 54 : 238
و 240 و 247 و 252 و 258 باب حدوث العالم.
(30) انظر : « أجوبة المسائل
المهنّائية » : 89 ، المسألة 138.
(31) « نهج البلاغة » : 137 ، الخطبة
186.
(32) هو أبو القاسم الجنيد
البغداديّ على ما في « شرح فصوص الحكم » للخوارزميّ : 142 و « نصوص الخصوص في شرح الفصوص
» : 119.
ونسبه المولى علي النوري
إلى أبي إبراهيم موسى الكاظم عليه السلام في هامش « شرح فصوص الحكم » لابن التركة
1 : 701.
(33) للاطّلاع على الأقوال
حول ماهية الزمان انظر : « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 148 ؛ « النجاة » : 115 ـ 118 ؛
« التحصيل » : 453 ـ 463 ؛ « المعتبر في الحكمة » 2 : 69 ؛ « المباحث المشرقية » 1
: 755 ـ 768 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 94 ؛ « نهاية المرام » 1 : 329 ؛ «
الأسفار الأربعة » 3 : 115 ـ 118.
(34) « المعتبر في الحكمة
» 2 : 69 ـ 70 ، وعنه في « المطالب العالية » 5 : 51 و « نقد المحصّل » : 138 ؛ « الأسفار
الأربعة » 3 : 144.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|