السوق المحلية

ويتمثل هذا السوق في سوق القرية أو المدينة، والذي يعقد على فترات محددة، ربما يوم من كل أسبوع، يستعد له المشترون والبائعون، فتعج المدينة أو القرية بالنشاط أثناء يوم السوق. ثم يخبو هذا النشاط ويتضاءل بعد انفضاضه. وكانت السوق المحلية أول مظهر من مظاهر الحياة المدنية في تطورها. إذ تتخذ فيها العلاقات البشرية شكلا اشكالها المعروفة، ويعدل اقتصاد الاكتفاء الذاتي بما يسمح بتحسين أحوال الناس المعيشية. بل يقال إن السوق المحلية قد عرفتها كل النظم الاقتصادية، والمحلات السكنية مهما كانت بدائية. صحيح أن الكثير منها لم يتجاوز قدرة نصف قرية أو على الأكثر نصف مدينة، ولكـن الكثير منهـا أيضـا أصـبح فيمـا بعـد مـدن الأسـواق الصغيرة Market Town. ويتمثل خير تمثيل، عند نقاط الانقطاع بين السهل والجبـل والغابـة والمرعى، والطين والرمل، والمعمور واللامعمور... أي عند ملتقى نوعين متباينين مـن النشاط الاقتصادي.

ولما كان أغلب الوافدين إلى هذه الأسواق يفـدون سيرا على الأقـدام، فـإن مجالاتها لا تتعدى ما بين خمسة إلى ستة أميال في كل اتجاه. ويتدخل القانون الإداري في بعض الأقاليم، ليمنع إقامة سوق منافسة لسوق قائمة، إلا إذا زادت المسافة بينهما عن ستة أميال. وهذا يتناسب مع طول الرحلة اليومية التي يقطعها الإنسان في يوم واحد. أما بعد تطور طرق المواصلات ووجود السكك الحديدية وطرق السيارات، فقد اخذ نفوذ هذه المدن الصغرى يضعف في السيطرة على ما حولها مـن قـرى، وبدأ مركز الثقل ينتقل إلى مدن أكبر أو عواصم إقليمية. فيها يباع فائض المناطق الزراعية المختلفة من منتجات الألبان والخضر والفواكه، ويعـود الأهالي إلى قـراهـم ومـدنهم المختلفة بالسلع المصنعة.

وعلى الرغم من تقدم وسائل المواصلات، إلا أن عامـل المـسافة بـقـي عـاملاً على غاية من الأهمية في تحديد الظهير التجاري لكـل مدينة، ويعتقـد بـأن النفـوذ التجاري لأي مدينة يتناسب طردياً مع . حجمها، وعكسيا مع المسافة بينها وبين الجهات المحيطة بها. بحيث إذا بعدت المسافة عن حـد معـين، فـإن النشاط التجـاري يتجه لمركز آخر أقرب. ويختلف النفوذ التجاري للمدينة باختلاف الحضـارة أو الدول نفسها، إذ تتراوح ما بين 20 إلى 50 كم.