أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-5-2022
2194
التاريخ: 20-4-2022
2034
التاريخ: 21-7-2021
2501
التاريخ: 9-2-2021
4622
|
تختلف الليونة في مفهومها القرآني عن مفهومها السياسي السائد اليوم في المحافل السياسية، والمفاوضات الدائرة في دهاليزها بين اقطابها، وتجارها والدائرين في فلكها، واللاعبين على حبالها.
ففي مفهوم هؤلاء المرونة تعني : المداهنة، والمخادعة، والمراوغة ، والتلاعب بالألفاظ، لغرض الالتفاف على السامع ، والمحاور من الوراء ، وإيقاعه في الفخ المنصوب له بهدف السيطرة عليه؛ ولذا قالوا : (ان تفاوض يعني ان تجابه).
فالمرونة في مفهوم هؤلاء إذن تعني الاحتيال في النزاع البارد والصراع الكلامي الهادئ الذي يدس السم في العسل من اجل السيطرة والتغلب لا الإقناع والتفهيم من خلال إخفاء الحقيقة على السامع لها طياتها من أهداف دنيئة لو اكتشفها المحاور على حقيقتها لرفض الحوار والمحاور من أول الأمر، وليس هذا محض خيال وهراء من القول، بل ما يقع وما وقع في محافل السياسة العالمية يدل على ذلك حتى سمي ذلك بعلم السياسة ، والاحرى ان يسمى بفن المخادعة ، وما يعبر عنه اليوم (بالدبلوماسية)(1) فلو تابع القارئ الكريم محاورة بين قطبين من تجار السياسة اليوم فإنه يشم رائحة النفاق تزكم الأنف السليم، حيث المجاملات الخادعة، والمداهنات الباهتة، ليحاول كل منهم ان يستحوذ على محاوره ليوقعه في شباكه، ويصعد على كتفيه {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9]
هذا الشكل من المرونة المبنية على المساومة، والمخادعة، والمراوغة ، بل على المكر والغدر، يرفضها الإسلام رفضاً قاطعاً ، ويعتبرها نفاقاً خالصاً ، لا يليق بإنسان يحترم عقلة فضلاً عمن يلتزم بمبادئ دينه ؛ لذلك حذر أمير المؤمنين (عليه السلام) من اهل النفاق بقوله : (أوصيكم عباد الله بتقوى الله ، وأحذركم اهل النفاق فإنهم الضالون المضلون ، والزالون المزلون، يتلونون ألواناً، ويفتنون يعمدونكم بكل عماد ، ويرصدونكم بكل مرصاد ، قلوبهم دوية، وصفاحهم نقية يمشون الخفاء، ويدبون الضراء، وصفهم دواء، وقولهم شفاء، وفعلهم الداء العياء ...)(2).
فالمرونة إذن في المفهوم الإسلامي عرض الحقيقة بأسلوب هادئ لا يثير تعنت السامع، ولا يجرح عواطفه بكلمات رقيقة، مهذبة، لطيفة، تداري المشاعر وتبعث في السامع روح الإحساس النبيل ، وتوقظ فطرته المدفونة تحت ركام المفاهيم الفاسدة ، وتنفض عنه تراب الخمول ، وتقتلع النباتات الطفيلية عنها لتجعل أرضيتها مهيأة لقبول انوار الحق، فلا كذب ، ولا مراوغة ، ولا خداع ، ولا مداهنة ، بل دعوة صادقة بكلمات جميلة ، مرنة ، ميسرة، كريمة ، لا تمس الكرامة بل تحفظها، ولا تجرح الشعور، بل توقضه، ولا تثير الحفيظة، بل تفتحها وهذا مع كل الناس حتى الطغاة منهم، وخير مثال يجسد هذه الحقيقة : امر الله تعالى رسوله موسى (عليه السلام) وأخاه هارون (عليه السلام) ان يخاطبا طاغية عصرهم فرعون : {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43، 44].
كما ان اليسر والكرم لون من ألوان الليونة في التعامل الاجتماعي يقول تعالى في بيان بعض حقوق الوالدين {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } [الإسراء: 23] وفي معاملة ذوي الحاجة يقول تعالى : {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء: 28].
وهكذا كانت أخلاق رسول الله (صلى الله عليه واله) في تعامله الاجتماعي : قول لين ، ووجه مبتشر، و طبع كريم ، لا فظ ولا غليظ ، وأدق وصف لهذه الصورة الكريمة من التعامل الرسالي {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ} [آل عمران: 159].
وفي باب التبليغ والإرشاد ، يقول (صلى الله عليه واله) لمبعوثه إلى اليمن (يسر ولا تعسر وبشر ولا تنفر)(3)
فليست المرونة في الإسلام إلا مداراة العواطف (وملاينة الناس وحسن صحبتهم، واحتمال آذاهم ؛ لئلا ينفروا) عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (جاء جبرئيل إلى النبي (صلى الله عليه واله) فقال : يا محمد ، ربك يقرأك السلام، ويقول لك دار(الخلق)(4).
ويقول (صلى الله عليه واله) : (إنا معاشر الانبياء أمرنا بمداراة الناس كما امرنا بإقامة الفرائض)(5).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) : (مداراة الناس نصف العقل).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : (إن قوماً من الناس قلت مداراتهم للناس فأنفوا من قريش ، وأيم الله ما كان بأحسابهم بأس، وإن قوماً من غير قريش حسنت مداراتهم فألحقوا بالبيت الرفيع )(6).
واما الفرق بين المداراة والمداهنة كما يقول الفيش الكاشاني :
(بالغرض الباعث عن الإغضاء ، فإن أغضيت لسلامة دينك ، ولما ترى فيه إصلاح أخيك فأنت مدار، وإن أغضيت لحظ نفسك ، واجتلاب شهواتك وسلامة جاهك فأنت مداهن)(7).
أما المرونة في الأحاديث الشريفة تعني الرفق بالناس ، واللطف بهم (وهو لين الجانب وهو خلاف العنف) فمن كان لطيفاً في معاملة الناس ، رفيقاً بهم مترفعاً عما في أيديهم، نال ما يريد منهم.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام) : (من كان رفيقاً في أمره نال ما يريد من الناس)(8).
وقال رسول الله (صلى الله عليه واله) : (إن الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شأنه) و (الرفق يمن والخرق شؤم).
ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : (من لانت كلمته وجبت محبته) وهو أدق تعبير عن الرفق واللطف ومدى أثره في نفوس وقلوب الناس.
وخلاصة القول : ان المرونة هي مداراة عواطف الناس، والتدرج معهم في تغييرهم، وتحمل آذاهم ، ومعارضتهم بالتي هي أحسن ، وبكلام أدق : (هي تأجيل عمل معين لمصلحة معينة ، او تجزئة الموقف إلى مواقف متدرجة كما حدث في سياسة الرسول (صلى الله عليه واله) وسنته الحكيمة من المرونة والتدرج في بعض المواقف).
_______________________
(1) عرفوا القائد الدبلوماسي بأنه : (يمتاز بالمرونة ، سعادته في أن يتلاعب بالأفراد والمواقف، مظهره لا يعكس باطنه ، ولغته لا تعبر عن أفكاره ، بعيد النظر واقعي وعملي لا يتردد في أن يتعامل مع عدو الأمس وان يضحي بصديق اليوم) . د. حامد ربيع، الحرب النفسية في الوطن العربي : 315.
(2) نهج البلاغة خطبة : 194.
(3) ابن هشام ، سيرة النبي (صلى الله عليه واله) : 4/104 .
(4) ثقة الإسلام الكليني ، الأصول من الكافي : 2/117.
(5) آمال الشيخ الطوسي : ح/54.
(6) ثقة الإسلام الكليني ، الأصول من الكافي : 2/117.
(7) الفيض الكاشاني ، المحجة البيضاء : 3/334.
(8) المحدث المجلسي ، بحار الأنوار : 2/120.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|