أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-4-2017
4168
التاريخ: 7-2-2018
7742
التاريخ: 18-10-2017
2188
التاريخ: 25-1-2016
6372
|
لقد كان (التهذيب) الطريقة الكلية للتنشئة الاجتماعية، قبل ان يتطور النظر إلى (التنشئة الاجتماعية) فتصبح (التنشئة الاجتماعية) هي الطريقة الكلية للتهذيب، وما التهذيب إلا عامل من عواملها المتعددة في الوقت الحاضر..
ولقد كان (التهذيب) مفهوماً عاماً يعني (الثقافة) قبل ان تأخذ الثقافة مجالها الواسع في مفهومها الخاص الذي يتسع لعمليات (التهذيب) مثلما يتسع لعمليات (التنشئة الاجتماعية).. وهذه (المرجعية) هي أساس التطور المعرفي لإدراك حقيقة (الثقافة).. أما كيف يمكن التأكد من هذه الحقيقة وقياسها فهذا ما يدعونا إلى العودة إلى الماضي والتنقيب في مراجعه التي كانت أساساً لانبثاق هذه الحقيقة ودوافعها الموضوعية..
تشير لفظة (تهذيب Cultivation ) إلى (حالة أو عادة عقلية) كما يحددها (كولردج Coleridge)، بالاعتماد على القوة الكامنة في صفة (مهذب Cultivated)، التي عرفت في القرن الثامن عشر، وقد كان (كولردج) المفكر والفيلسوف والناقد والأديب الانكليزي أكثر دقة في أفكاره العامة التي عالج من خلالها قضايا الإنسان الفكرية والروحية والفلسفية والاجتماعية المختلفة، فكان بذلك لا يفصل بين التهذيب والثقافة، فيسمى التهذيب (ثقافة Culture ) وذلك حين يذهب بتفسيره إلى (فكرة التهذيب، أو الثقافة، كفكرة اجتماعية خالصة ينبغي ان تقدر على تجسيد افكار حقيقية ذات قيمة). .
وهذه الأفكار ذات القيمة عند الإنسان في قوته التي تدفعه إلى طلب الكمال الروحي، وتحسين الظروف الاجتماعية المحيطة به، ويأتي (التهذيب) ليجسد هذه القوة ويدفعها نحو بلوغ الكمال.. فالتهذيب هنا هو المحفز لقدرات الإنسان نحو الكمال، بدوافع ذاتية واستعداد داخلي قبل كل شيء، مثلما يعترف بذلك (كولردج) حين يذهب برأيه إلى ان حوافز الكمال في حقيقتها تنبع من (القلب المهذب) - أي من الوعي الداخلي عند الإنسان(۱).. وهذا الوعي هو الإدراك الأولي لجوهر الأفكار القيمة ووضوحها في غرائز الإنسان وسلوكه، وفي استعداده العالي لقبول القيم العليا التي يجسدها التهذيب في معانيه وفي نشاطه.. فبدون الاستعداد الداخلي والواعز الذاتي لبناء الشخصية وفق أسس القيم العليا ، لا يمكن للتهذيب ان يأخذ تأثيره البالغ فاعليته القوية في جوهر الشخصية الإنسانية.. فالمكون القيمي للشخصية والسلوك وفق هذا المكون سبيل أساسي للوصول إلى جوهر الكمال ودلالاته، ليصبح الكمال في ذلك المكون العام للإنسان..
يـقـول (اوسكار وايلد Oscar Wilde): (يكمن الكمال الحقيقي للإنسان لا في ما يمتلكه، بل فيما يكونه)(٢).. أي في ما يحمله من مكونات الكمال وسماته والتكامل معه على وتيرة واحدة يبرز فيها مكون الكمال، ويأتي ذلك من خلال (التدريب) في بلوغ أهداف (التهذيب) في الوصول إلى الكمال، (فكما انه يمكن العناية بالجسد والمحافظة عليه وتدريبه عن طريق رعاية الصحة العامة، فكذلك يمكن تدريب الذهن أيضاً على نحو عام لكي يبلغ حالته الكاملة)(3) .. وهذا هو (التهذيب) في رأي (نیومان Newman) الذي يرى (الصحة معيار الجسد والكمال معيار العقل).
والكمال مثل الجمال له أقسام عديدة بحسب تقسيم (كولردج) فهناك (جمال جسماني وجمال معنوي وجمال يتعلق بالشخص وجمال يختص بوجودنا المعنوي. الذي هو فضيلة طبيعية، وكذلك يوجد جمال الذهن وكماله، وثمة كمال مثالي في هذه المصادر الأولية المتعددة التي تتجه إليها الحالات الفردية في صعودها، وهي المعايير لجميع الحالات مهما كانت.. فالتطور المتناسق لهذه السجايا والملكات هو الذي يميز إنسانيتنا)(4) ..
وعلى هذا الأساس ينطلق (التهذيب) لتدريب السجايا والملكات النبيلة في داخل الإنسان، لكي تنمو وتتطور وتتفتح لتعطي ثمارها في الجمال الجسماني والروحي الذي هو في حقيقته انعكاس لتطور (التهذيب) وسموه في مرتبة الوصول إلى حالة التميز في إنسانية الإنسان التي حققت الكمال، في نسب معينة.. فليس هنالك من كمال كامل.. ولا جمال کامل.. والشعور بهذا المستوى يدفع الإنسان إلى التراجع في الفهم الحقيقي للكمال، ويعني أيضاً توقف السعي والتقدم في مراتب التهذيب، التي هي مراتب عليا لا تتوقف عند حد معين، وليس لها نهاية.. فكلما تقدم الانسان خطوة نحو الأمام لبلوغ مرتبة من مراتبها المتقدمة، تتقدم هي خطوات أكثر.. لذلك الانسان يبدأ وينتهي والتهذيب يتسع شيئا فشيئا، فليس هنالك بلوغ لنهايته، ولا هنالك بلوغ للكمال الكامل.. فالسعي لبلوغ هذا الكمال هو الكمال، وهو الفضيلة التي تشعرنا بالمتعة الفائقة في الارتقاء بإنسانيتنا على الدوام.. وهذا الارتقاء هو الذي يجعل الكمال أوسع مما نبلغه، والتهذيب حد لا حدود له أمام سعة الكمال التي تدفعنا بيقين ثابت إلى الإيمان بان الكمال الكامل ليس للإنسان مهما سعى وتوصل إلى المراتب المتقدمة في هذا الكمال.. إنما الكمال الكامل لله وحده.. والتهذيب يبقى الطريق اللامتناهي الذي يدفع الإنسان إلى طلب الكمال باستمرار..
وعلى الرغم من ان التهذيب أمر داخلي عند الإنسان في واقع الأمر، مثلما تحدد عند (كولردج)، ومثلما ذهب بذلك (رايموند وليامز)، إلا انه في جانبه الآخر بحسب رأي (وليامز) لم يكن مجرد عملية فردية، وما أعتبر في القرن الثامن عشر مثلاً أعلى للشخصية – وهو الكفاءة الشخصية من أجل المساهمة في مجتمع دمث - كان يجب ان يعاد تحديده الآن، أمام التغير الجذري، باعتباره أحد الظروف التي يعتمد عليها المجتمع بأسره، وفي ظل هذه الأحوال أصبح التهذيب أو الثقافة أحد العوامل الاجتماعية الواضحة، والاعتراف به قاد البحث ووجهه شطر النظم الاجتماعية)(5).
يعني ذلك ان (التهذيب) في مفهومه الخاص والعام ينطلق أساساً من المجهودات الشخصية، إلا ان هذه المجهودات الشخصية لا تأخذ صيغها الصحيحة، وتأثيرها الفاعل في القاعدة الفردية، وفي القاعدة الجماعية، وتدفع الإنسان إلى الارتقاء بإنسانيته ودورها الاجتماعي والثقافي والسلوكي لإعلاء إنسانية المجتمع، ما لم تكن هناك روابط وثيقة وحقيقية لهذه المجهودات تربط الفردية بالجماعية، وتنظم ذلك وفق نظام معين يتفق عليه الجميع، ويسعى هذا الجميع إلى التقيد بضوابطه..
من هنا جاءت (النظم الاجتماعية) لتفسر (التهذيب) تفسيراً عقلانياً ولتنظمه تنظيماً اجتماعياً واسعاً يحقق غاياته الحقيقية لجميع أفراد المجتمع، فدون النظم الاجتماعية لا يمكن ان يرقى مستوى التهذيب ويأخذ مجاله الصحيح في إشاعة قيم المجتمع، وتقدمه.
_________________________________
(1) Coleridge Repr, Millin Bentham and Coleridge
(2) انظر الثقافة والمجتمع ص193.
(3) المرجع نفسه ص ۱۳۲.
(4) المرجع نفسه ص ۱۳۲.
(5) رايموند وليامز - الثقافة والمجتمع، ص 85.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|